ماكرون يهاجم الزعماء الأفارقة في منطقة الساحل وينتقد الجزائر
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
باريس- عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إثارة الجدل مجددا بتصريحاته الأخيرة خلال انعقاد المؤتمر السنوي للسفراء -الاثنين في باريس– حيث بحث أولويات سياسته الخارجية لهذا العام في مواجهة "الاضطرابات العالمية" التي يجسدها "إضعاف القواعد الدولية".
وفي سياق تصريحاته، هاجم بشكل مباشر الزعماء الأفارقة، معلنا أن "فرنسا كانت على حق في التدخل عسكريا في منطقة الساحل ضد الإرهاب منذ عام 2013، لكن القادة الأفارقة نسوا أن يقولو شكرا، وأن لا أحد منهم يستطيع إدارة دولة ذات سيادة من دون تدخل" حسب قوله، وأضاف مازحا "لا يهم، سيأتي مع الوقت".
وبتطرقه إلى اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال (75 عاما)، يكون ماكرون قد كتب فصلا جديدا يضاف إلى سلسلة التوترات التي تعرفها باريس والجزائر في الفترة الأخيرة.
وفي تفاصيل خطابه أيضا، أشار ماكرون إلى أن "دونالد ترامب يعرف أن لديه حليفا قويا في فرنسا"، أما فيما يتعلق بالدفاع الأوروبي، فقد شدد على ضرورة التحرك "بشكل أسرع وأقوى" لتعزيز الصناعة الدفاعية في مواجهة التهديدات المتزايدة.
استفزاز علنيانتقدت مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ليزلي فارين ما وصفته بـ"محاولات ماكرون المتكررة في تغيير الحقائق، لتحويل الإخفاقات إلى نجاحات"، مستبعدة أن يكون انتهاء مصالح فرنسا في منطقة الساحل أحد الأسباب التي دفعته إلى هذا الهجوم والاستفزاز.
إعلانوأضافت فارين في حديثها للجزيرة نت أنه "في أفريقيا، وبالنظر إلى التاريخ الماضي والحديث، فإن هذه النغمة التي يتم إرسالها تعد بمثابة صب الزيت على النار، بدلا من تخفيف التوترات، لأن الرئيس الفرنسي لا يستطيع مواجهة فشله في منطقة الساحل"، معتبرة أن السياسة الخارجية التي يتبعها تمثل استمراره في إضعاف فرنسا.
أما عن توقيت هذه التصريحات، فتعتقد أنه من الصعب تقديم تحليل واضح لذلك، "لأنها صدرت من رئيس الدولة بدون تفكير في العواقب، إلى درجة دفعت تشاد والسنغال إلى الرد بشكل قاسٍ، وخلفت حريقا من الصعب إخماده على مواقع التواصل الاجتماعي" حسب قولها.
بدوره، قال الكاتب الصحفي في جريدة "موند ديبلوماتيك" بيير دوم للجزيرة نت إن "تصريحات ماكرون تأتي في سياق تاريخي مثير للاهتمام، لأن الدول من المستعمرات السابقة في جنوب الصحراء الكبرى تضرب بقبضتها على الطاولة للقول: كفى لقد طفح الكيل"، بعد نحو 60 عاما من قبولها شكلا من أشكال الولاء ما بعد الاستعماري، وهو ما يرفض ماكرون تقبله بشكل واضح.
لم ترُقْ تصريحات الرئيس الفرنسي لزعماء الدول الأفريقية، وجاءت ردودهم على الفعل سريعة، حيث أعربت تشاد عن "قلقها العميق" إزاء "الموقف المزدري تجاه أفريقيا الأفارقة"، مذكرة أن "القادة الفرنسيين يجب أن يتعلموا احترام الشعب الأفريقي"، وفقا لبيان صحفي أصدره وزير الشؤون الخارجية عبد الرحمن كلام الله.
وفي هذا الإطار، تعتبر فارين التي نشرت كتابا بعنوان "إيمانويل ماكرون في منطقة الساحل: رحلة الهزيمة" أن خطاب الرئيس الفرنسي "خالٍ من أي طابع دبلوماسي، وهو ما يدل على عدم فهمه للقضايا المتعلقة بأفريقيا وعدم اهتمامه بمسألة الحفاظ على الاحترام في العلاقات الثنائية، بما في ذلك المصالح والثقافات الخاصة بكل بلد".
إعلانأما حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، فقد أعلن -في بيان صحفي- أن تصريحات رئيس الدولة "تعكس عمى يصل إلى حد الجنون" وتكشف عن "الأبوية الاستعمارية الجديدة التي لا يمكن التسامح معها"، مضيفا أن "مثل هذه التعليقات غير متسقة سياسيا وغير مسؤولة على الإطلاق دبلوماسيا، وتزيد من إضعاف علاقاتنا مع دول غرب أفريقيا".
كما أدى خطاب ماكرون أمام السفراء إلى حدوث ضجة بين باريس ودكار، حيث شكك رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو في أن الانسحاب المعلن للجنود الفرنسيين من بلاده كان من شأنه أن يؤدي إلى مفاوضات بين البلدين، مؤكدا أنه "لم يتم إجراء أي نقاش أو مفاوضات حتى الآن، والقرار الذي اتخذته السنغال نابع من إرادتها الوحيدة، كدولة حرة ومستقلة وذات سيادة".
وجدير بالذكر أن فرنسا أشرفت على عملية برخان العسكرية التي بدأت عام 2014، وضمت ما يصل إلى 5 آلاف جندي في منطقة الساحل الأفريقي، قبل أن تعلن عن توقفها في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022.
انتقاد الجزائروفي تفاصيل صب ماكرون الزيت على النار في علاقاته مع دول أفريقيا، اعتبر الرئيس الفرنسي أن الجزائر "تسيء لنفسها" بعدم إطلاق سراح الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، المعتقل منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني بالجزائر العاصمة.
وردّت الخارجية الجزائرية على ذلك -في بيان نشرته على حسابها على منصة "إكس"- بالتأكيد على أن "هذه التصريحات لا يمكن إلا أن تكون موضع استنكار ورفض وإدانة، لما تمثله من تدخل سافر وغير مقبول في شأن جزائري داخلي".
ومن وجهة نظر حرية التعبير، يرى المؤرخ المتخصص في قضايا تاريخ فرنسا الاستعماري بيير دوم أن اعتقال الكاتب "فضيحة من جانب السلطات الجزائرية، وإذا كانت هناك قوانين في الجزائر تمنع قول ما قاله صنصال عن الحدود بين المغرب والجزائر، فهذا يعني أن القوانين الجزائرية مقيدة بشكل فاضح".
وأشار المتحدث إلى أنه كان ضحية القانون الذي صدر عام 2005 في الجزائر، والذي يحظر على أي صحفي التحقيق أو كتابة أي شيء عن الحرب الأهلية في التسعينيات، قائلا "آخر مرة ذهبت فيها إلى الجزائر لإعداد تقرير في عام 2017، بعد 20 عاما من الصدمات التي خلفتها هذه الحرب بين المدنيين داخل البلاد، تم اختطافي من قبل المخابرات التابعة للجيش الجزائري".
وأضاف الصحفي الفرنسي "لو لم أكن فرنسيا فقط ـأي لو كان لدي جواز سفر جزائري أيضاـ لكنت بالتأكيد قد عانيت مما عاناه صنصال، لقد تم طردي من البلد، ولا أزال ممنوعا أن تطأ قدمي هناك مرة أخرى حتى اليوم".
إعلانفي المقابل، اعتبر دوم أن جعل هذا الكاتب بطلا لحقوق الإنسان والديمقراطية ـكما يفعل بعض المسؤولين الفرنسيين- يعد فضيحة كذلك، "لأنه منذ عدة سنوات دخل في موجة من الصحبة لأفكار اليمين المتطرف في فرنسا، وهذا تلاعب، لكن لم يكن ماكرون هو من اختار التوقيت، بل السلطات الجزائرية" بحسب تعبيره.
ويصف المؤرخ الفرنسي ما حدث بـ"جزء من سلسلة من المشاحنات الدائمة بين باريس والجزائر"، موضحا أن هناك 3 نقاط جيوسياسية أساسية لهذه المشاحنات، وهي مكافحة مخاطر الهجمات الإرهابية، وأسعار الطاقة، وحسن النية الفرنسية في إصدار التأشيرات.
كما تطرق دوم في تصريحاته إلى التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات الفرنسية والجزائرية لمطاردة الإرهابيين منذ الحرب الأهلية في التسعينيات، معتقدا أن الجهازين سيستمران في التعاون "حتى لو استمرت خلافات الرئيسين ماكرون وتبون".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی منطقة الساحل الرئیس الفرنسی
إقرأ أيضاً:
ماكرون يبحث عن سادس رئيس وزراء لفرنسا.. ولوكورنو يقول: حل البرلمان تبدد
يتجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نحو تعيين رئيس وزراء جديد خلال اليومين المقبلين، في خطوة تُنهي التهديد بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وتمنح الطبقة السياسية فسحة لالتقاط الأنفاس وسط أزمة مالية متصاعدة.
وقالت "روتيرز"، إن رئيس الحكومة المنتهية ولايته سيباستيان لوكورنو أجرى محادثات استمرت يومين للبحث عن مخرج لأسوأ أزمة سياسية تشهدها فرنسا منذ عقود، وأصبح إقرار موازنة تقشفية، يطالب بها المستثمرون الذين يزداد قلقهم من زيادة العجز المالي في فرنسا، أمرا بالغ الصعوبة بسبب الشلل السياسي.
وقال لوكورنو إنه أخبر ماكرون بأن رئيس الوزراء المقبل يجب ألا يكون مرتبطا بالحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس وألا يكون لديه أي طموح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 2027، وهناك عدة أسماء مطروحة في الأوساط السياسية، ومن بينها رئيس الوزراء الاشتراكي السابق برنار كازنوف ورئيس ديوان المحاسبة بيير موسكوفيسي والسياسي المخضرم جان لوي بورلو المنتمي لتيار الوسط.
Après mes consultations de ces 48 dernières heures, je suis convaincu qu'il y a bien une majorité absolue à l'Assemblée nationale qui refuse une nouvelle dissolution.
Un chemin est possible, il est difficile, mais les conditions sont là. pic.twitter.com/8D66kcKka3 — Sébastien Lecornu (@SebLecornu) October 8, 2025
فرنسا على حافة شلل حكومي
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يأتي هذا التحول بعد أسابيع من التوتر السياسي الحاد الذي فجرته استقالة رئيس الوزراء السابق سيباستيان ليكورنو بشكل مفاجئ؛ ما وضع فرنسا على حافة شلل حكومي جديد، كما يعكس قرار ماكرون بالتخلي عن التلويح بحل الجمعية الوطنية إدراكه لخطورة الوضع الراهن في ظل برلمان منقسم إلى ثلاث كتل متناحرة، جعلت إدارة البلاد أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى منذ تأسيس الجمهورية الخامسة.
فمنذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها ماكرون العام 2024، باتت الجمعية الوطنية الفرنسية الأكثر تجزؤًا في تاريخها الحديث، حيث لم يعد لأي حزب أغلبية واضحة، وتوزعت القوى السياسية بين معسكر يساري يضم "فرنسا المتمردة" والاشتراكيين، وكتلة وسطية يقودها حزب ماكرون وحلفاؤه المحافظون، ويمين متطرف بزعامة مارين لوبان التي تسعى إلى استثمار الأزمة لتقويض شرعية الرئيس نفسه.
كما جاءت استقالة ليكورنو بعد خلافات حول تشكيل الحكومة الجديدة ومحاولاته الفاشلة لإيجاد توازن بين هذه القوى، لكن ماكرون كلّفه بمحاولة أخيرة لإقناع الأحزاب بتمرير الميزانية قبل نهاية العام، وهي المهمة التي دفعت ليكورنو للعودة إلى قصر الإليزيه مساء الأربعاء حاملاً تطمينات بأن هناك فرصة لتسمية رئيس وزراء جديد خلال 48 ساعة.
وقال ليكورنو في مقابلة متلفزة: "أشعر بإمكانية المضي قدمًا، لقد أخبرت الرئيس أن احتمال حل البرلمان يتضاءل"، وهو ما أكده مكتب ماكرون لاحقًا، مشيرًا إلى أن الهدف هو إخراج فرنسا من حالة الشلل السياسي التي تهدد قدرتها على ضبط ماليتها العامة.
أزمة مالية تضغط على القرار السياسي
ويمثل العجز المالي المتنامي لفرنسا المحرك الأساسي وراء تحركات ماكرون الأخيرة؛ فبعد سنوات من الإنفاق المرتفع، تواجه البلاد مستويات غير مسبوقة من الديون وتكاليف الاقتراض، تقارب تلك التي تشهدها اقتصادات هشة في منطقة اليورو.
وقد فشل أربعة رؤساء وزراء متعاقبين في إقرار إصلاحات مالية مستدامة أو تمرير ميزانيات تحظى بدعم برلماني كافٍ، ويتمثل التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة في تمرير الميزانية المقبلة دون إثارة اضطرابات اجتماعية أو سياسية، خصوصًا في ظل الجدل المستمر حول إصلاح نظام التقاعد الذي رفع سن الإحالة إلى المعاش من 62 إلى 64 عامًا العام 2023، كما تطالب الأحزاب اليسارية بتجميد هذا الإصلاح مقابل دعم الحكومة، لكن هذا الخيار يبدو شبه مستحيل بالنسبة لماكرون.
المعارضة تحذر
حتى في حال نجاح ماكرون في اختيار رئيس وزراء يحظى بقبول نسبي، فإن التحدي الحقيقي سيبدأ في الجمعية الوطنية، حيث تمتلك مارين لوبان وحزبها اليميني المتطرف أكبر عدد من المقاعد، محذرة من أن حزبها سيعيق تأليف أي حكومة جديدة، داعية ماكرون مجددا إلى "حل" الجمعية الوطنية (البرلمان) أو حتى إلى "تقديم استقالته"، وقالت "لن أمنح الثقة لأي حكومة. كفى. لقد طالت هذه النكتة كثيرا".
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "أودوكسا باكبون" لحساب صحيفة "لوفيغارو"، أن 57 بالمئة من الفرنسيين يرون أن رئيس الجمهورية "مسؤول بالكامل" عن استقالة رئيس حكومته، وأن 70 بالمئة يؤيدون استقالته، ويرى مراقبون أن ماكرون بات يفضل خيار "الاستقرار الهادئ" على المغامرة الانتخابية، خصوصًا بعد أن أثبتت تجربة 2024 أن أي اقتراع جديد قد يفاقم حالة الشلل ويمنح اليمين المتطرف موقعًا أقوى داخل البرلمان.