يمانيون../
لم يعد خافيا مستوى التأثير الكبير للعمليات العسكرية اليمنية على العدو الإسرائيلي وما تحققه من نتائج استراتيجية، أبرزها إسقاط مفهوم الأمن الجماعي لدى كيان العدو، وكذا ما سببته من إحراج كبير للبحرية الأمريكية أفقدها هيبتها بعد أن كانت بمثابة العصى الغليظة والقوة الأولى للولايات المتحدة.

فعلى صعيد النتائج اللحظية التي تحققها هذه العمليات ضد العدو الإسرائيلي، تؤدي كل عملية إلى دوي صافرات الإنذار في أكثر من نصف مساحة فلسطين المحتلة وفي قلبها “تل أبيب” وهروب نصف المستوطنين إلى الملاجئ، كما تجعل قطعان الصهاينة في حالة قلق وترقب لأي هجوم خصوصا في الساعات الأخيرة من الليل.

على المستوى الاستراتيجي نجحت العمليات اليمنية -بفضل الله- في إسقاط مفهوم الأمن الجماعي في كيان العدو الإسرائيلي، حيث يثبت يوما بعد آخر فشل المنظومات الدفاعية الجوية بطبقاتها المتعددة بما في ذلك منظومة ثاد الأمريكية التي أرسلتها الولايات المتحدة لمعالجة فشل المنظومات الإسرائيلية الأخرى.

وخلال الأيام الأخيرة حاول الكيان الإسرائيلي استخدام أكثر من صاروخ اعتراضي من منظومة السهم للتصدي للصاروخ اليمني الواحد، ومع ذلك لم ينجح، وتم اللجوء إلى منظومة ثاد التي يكلف الصاروخ الواحد منها ما يزيد عن عشرين مليون دولار، ومع ذلك فشل بشكل ذريع حيث وصلت الصواريخ اليمنية إلى عمق أراضي فلسطين المحتلة.

وبالتوازي مع فشل الدفاعات الجوية، تعمل سرعة الصواريخ اليمنية على إسقاط أهمية شبكة الإنذار المبكر التي قامت الولايات المتحدة الأمريكية ببنائها مع دول المنطقة لصالح حماية الكيان، حيث لا تكفي الفترة ما بين انطلاق الصواريخ ووصولها إلى أهدافها لكي ينتقل المستوطنون الصهاينة بأمان إلى الملاجئ، ونتيجة لذلك يحدث تدافع في مداخل الملاجئ، ويعترف العدو رسميا بسقوط ضحايا نتيجة لهذا التدافع.

إلى جانب ذلك يأتي فشل الردع، ليفقد المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة الثقة في قدرة كيان الاحتلال على حمايته وتوفير الأمن له وهو ما بات يشجع الصهاينة على الهجرة العكسية.

اقتصاديا وعكس رغبة الكيان في تطبيع الأوضاع، فإن استمرار العمليات اليمنية عزز فقدان الثقة لدى المستثمرين بأمان الاستثمار في الأراضي التي يحتلها الكيان، ومنع عودة الكثير من شركات الطيران إلى مطار اللد (بن غوريون)، وعزز تدهور قطاع السياحة الذي يعتبر موردا مهما للعدو.

وعن فاعلية وتأثير العمليات العسكرية اليمنية وما تشكله من حرب نفسية على العدو الصهيوني يصف الإعلام الإسرائيلي والأمريكي عمليات إطلاق الصواريخ اليمنية في ساعات الليل الأخيرة والصباح الباكر بأنه “أداة استراتيجية متطورة مصممة لخلق حالة من الإرهاق النفسي التراكمي، حيث تعمل كل عملية على تكثيف الشعور بالقلق والضعف”.

وبقدر ما تحققه هذه العمليات من أهداف عسكرية فقد باتت تشكل حربا نفسية تقوض الشعور بالأمن وتزايد الشعور بالتهديد لدى الصهاينة، كما تعمل أيضا على تقويض العلاقة بين الجمهور وقيادته، وزيادة الانتقادات الداخلية إزاء فشل قيادات العدو في تحقيق الأمان للإسرائيليين.

وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” فقد كانت إسرائيل تعتقد في مطلع شهر ديسمبر الماضي أنها ستكون خالية من صفارات الإنذار جراء الغارات الجوية، والاعتراضات المدوية وتأثيراتها المميتة التي أصبحت عذابًا مستمرًا منذ السابع من أكتوبر 2023م، إلا أن الصواريخ والطائرات القادمة من اليمن بددت هذا الحلم خصوصا بعد تصعيد الهجمات الصاروخية بعيدة المدى عالية القوة لتتناسب مع شدة واتساع التهديد الذي كانت تشكله عمليات المقاومة في لبنان.

ورغم بعده عن إسرائيل إلا أن اليمن أثبت فعلا أنه بات يشكل تهديدا حقيقيا وخصما عنيدا لإسرائيل، وأن يحافظ على بقاء جبهة رئيسية ضدها.

في هذا السياق تؤكد وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أن إطلاق الصواريخ من اليمن يشكل تهديدا للاقتصاد الإسرائيلي، حيث يمنع العديد من شركات الطيران الأجنبية من السفر إلى الكيان، ويمنعه من إنعاش صناعة السياحة المتضررة بشدة، كما أدى إلى إغلاق ميناء إيلات، ودفع السفن المتجهة إليه إلى اتخاذ طريق أطول وأكثر تكلفة حول أفريقيا.

وأشارت إلى أن إسرائيل أمام تحد كبير نظرا لبعد المسافة إلى اليمن وما تتطلبه أي مهام جوية من تكاليف باهظة في ظل محدودية ما يمكن أن تحققه من نتائج، خصوصا بعد أن اكتسب اليمن على مدى سنوات من القتال ضد التحالف الذي تقوده السعودية الكثير من الخبرة في كيفية التعافي من الغارات الجوية.

أما صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية فتؤكد أن اليمن بات يشكل تحديا أمنيا فريدا بالنسبة لإسرائيل بسبب بعده عنها، ونقص المعلومات الاستخباراتية عنه، في حين تسبب الضربات الجوية الانتقامية نتائج عكسية ولا تؤدي إلى وقف الهجمات، مثلما فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

وبشهادة معهد “دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” أدت العمليات العسكرية اليمنية خصوصا في الآونة الأخيرة إلى زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها العسكرية في قطاع غزة، في حين تشير تقارير إسرائيلية إلى أن أكثر من 882 إسرائيليا أصيبوا أثناء الهروب إلى الملاجئ خلال فترة الحرب.

ونتيجة لذلك بات العدو الإسرائيلي أمام أزمة ردع، جعلته يقر بفشله في التعامل مع اليمن وانعدام الخيارات المجدية، وأنه أصبح مثل الغريق الذي يحاول التعلق بقشة، فتارة يتم الحديث عن “ضرورة أن يكون هناك تحالف دولي من أمريكا وبعض دول المنطقة، وتارة أخرى أن أمريكا وتحالفها فشلوا وأن الحل يأتي في تحريك المرتزقة من داخل اليمن، وتارة ثالثة يقولون إنه لا بد من الانتظار حتى مجيء الرئيس الأمريكي ترمب، لأن بايدن لم يكن حازما بما يكفي تجاه اليمن” كما يزعمون في وسائل إعلامهم.

وعن فاعلية جبهة اليمن تشير وسائل إعلام العدو إلى أنه ورغم بعد اليمن بنحو ألفي كيلو متر إلا أنهم تمكنوا من مضايقة إسرائيل من بعيد، وأثبت اليمنيون قدرتهم على مقاومة محاولات الغرب لإسكاتهم وعدم رضوخهم لأي ضغوط عسكرية أو اقتصادية أو غيرها.

ووفقا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي فإن التحدي الذي يشكله اليمن يتطلب من إسرائيل الاعتراف بأن المسافة والصعوبات العملياتية تعني أنه لا يوجد “حل سريع” للحملة الجوية التي تشنها إسرائيل على اليمن، مبينا أن ذلك “يتطلب أن تكون الاستجابة متكاملة ولا تُترك لإسرائيل وحدها، إلى جانب بناء قدرات استخباراتية قوية وزيادة وجودها في منطقة مضيق باب المندب” حد زعمه.

وينتقد مسؤولون إسرائيليون بشدة الإدارة الأمريكية، ويرون أن من المستحيل هزيمة اليمن، مشيرين إلى أن إسرائيل هي من يدفع الثمن.. مطالبين الولايات المتحدة باعتماد سياسة أكثر عدوانية ضد اليمن، وصولا إلى استخدام المساعدات الإنسانية كوسيلة حرب.

ونقلا عن مصدر استخباراتي إسرائيلي أفادت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن إسرائيل كانت تكافح لجمع المعلومات عن اليمن الذي كانت تعتقد أنه لا يمثل تهديدا عليها، حتى جاءت هجمات السابع من أكتوبر لتثبت عكس ذلك.. مؤكدة أن جمع المعلومات الاستخباراتية الآن “يبدأ من الصفر”.

وكشفت الصحيفة عن وجود تعاون بين الكيان الصهيوني وحكومة ما تسمى “الشرعية”، والتي يمكن أن تزود إسرائيل بمصادر ومعلومات مفيدة للغاية.

يحاول العدو من خلال مثل هذه التصريحات أن يبرر فشله أمام صلابة الموقف اليمني، وإلا فقد كانت ساحة اليمن أولوية له منذ انطلاق ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، عندما عبر نتنياهو عن ذلك وكان دوره في العدوان على اليمن واضحا.

كما أن العدو الإسرائيلي كان له اهتمام كبير باليمن منذ ستينيات القرن الماضي وقام باحتلال جزيرة زقر اليمنية في بداية السبعينيات، وأرسل جواسيس إلى اليمن في تلك الفترة، حيث كان يعتبر السيطرة على مضيق باب المندب أولوية استراتيجية، كما لعبت الولايات المتحدة دورا كبيرا في تحقيق المصالح الإسرائيلية من خلال وصايتها على اليمن قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.

وإزاء حالة التخبط الصهيوني تبرز بين الحين والآخر تصريحات للعديد من مسؤوليه وقياداته السابقة والتي تحاول إلقاء اللوم على إيران، وترى أن قصف اليمن لن يفيد بل يجب توجيه القصف نحو إيران، إلا أنهم سرعان ما يقولون عكس ذلك في أوقات أخرى، في تناقض واضح يكشف حالة الفشل التي وصل إليها العدو.

فيما يرى البعض الآخر أن على إسرائيل بناء تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة مع دول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات والذي قد يتطلب منها تقديم تنازلات صعبة مع الفلسطينيين، ما يعني أن على إسرائيل توريط السعودية والإمارات في حرب لا ناقة لهما فيها ولا جمل بل.

على الصعيد الأمريكي وبعد عام من العدوان الأمريكي على اليمن والذي كان يهدف إلى إيقاف الإسناد اليمني لغزة تحول هذا العدوان هو الآخر إلى ورطة لأمريكا وبات يؤثر على صورتها التي رسختها منذ عقود كقوة مهيمنة على البحار في العالم

إذ لم يعد يقتصر الأمر على فشل البحرية الأمريكية في إيقاف العمليات العسكرية اليمنية وحسب، بل أيضا تكبدها خسائر كبيرة في الجانب المادي والجاهزية للقتال في أي معركة أخرى إضافة إلى فقدانها لهيبتها وهي التي كانت تُعتبر العصى الغليظة والقوة الأولى والأساسية للولايات المتحدة.

فإلى الآن تعرضت حاملات الطائرات الأمريكية لست عمليات هجومية من قبل القوات المسلحة اليمنية، ثلاث منها استهدفت حاملة الطائرات “يو إس إس هاري ترومان”، وهو الشيء الذي لم تكن تتوقعه البحرية الأمريكية التي قال قادتها “أنهم عندما جاؤوا كان هدفهم استعراض القوة بهدف ردع الآخرين عن مساندة غزة”.

لقد تحول البحر الأحمر إلى عقدة بالنسبة لأمريكا، لدرجة أنها باتت تفضل الصمت والإنكار على ما تتعرض له على أيدي مجاهدي القوات المسلحة اليمنية من عمليات استهداف.

ويصف المسؤولون الأمريكيون وضع البحرية بأنها باتت مرهقة وقدرتها على الردع تتآكل والانتشار لفترات طويلة كما في البحر الأحمر يؤثر على الجنود ويسبب المزيد من الأخطاء ويقلل من أعمار السفن الحربية ويطيل فترة صيانتها.

كما أصبح الأمريكيون يتجنبون الحديث عن عمليات الإسقاط المتكررة لطائرات “إم كيو 9” لأن هذا الأمر أصبح فضيحة بالنسبة لهم، حيث أن الاستهداف المتكرر لحاملات الطائرات والاسقاط المتكرر لطائرات “إم كيو 9” يمثل إسقاطا لعناصر التفوق في سلاح أمريكا وتقنياتها العسكرية.

وفي وصفها للمعركة البحرية مع اليمن تقول نائبة مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة ترمب سابقا “بيث سانر” إن مهمة الولايات المتحدة لردع القوات اليمنية وإضعافها لم تنجح حيث تستمر العمليات العسكرية اليمنية بوتيرة عالية ضد البحرية الأمريكية وكذلك ضد إسرائيل”.. لافتة إلى أن التكلفة التي تتكبدها الولايات المتحدة كبيرة، ولم تؤدي إلى تقويض عمليات اليمن بل إن الجاهزية العسكرية الأمريكية وسمعتها هي التي تتآكل.

وفي أغسطس الماضي أكد قائد البحرية الأمريكية “جورج ويكوف” أن الجهود الدفاعية الأمريكية والضربات لن تردع القوات اليمنية، وقال: “الحل لن يأتي بنظام الأسلحة”.. لافتا إلى أن التهديدات الإسرائيلية لن تنهي العمليات التي يقوم بها اليمنيون الذين أصبحوا بعد نحو عقد من القصف من السعودية، محصنين وأكثر قدرة على امتصاص الهجمات المكثفة.

ويشير ويكوف إلى أن ” اليمن يستطيع مواصلة هجماته بالطائرات بدون طيار والصواريخ وتحمُل الهجمات المضادة إلى أجل غير مسمى، بينما تحرق الولايات المتحدة مليارات الدولارات وسنوات من إنتاج الذخائر النادرة التي ستكون ضرورية لخوض حرب في المحيط الهادئ”.

وقدر أن “واشنطن تنفق 570 مليون دولار شهريًا على مهمة فشلت في تحريك الإبرة بشأن التهديد، كما أدت هذه العمليات إلى استنزاف الجاهزية من خلال إجبار السفن وحاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية على تمديد عمليات الانتشار، مما يؤدي إلى إصلاحات تستغرق وقتًا طويلاً، وتقليص الأسطول المتاح، وتقصير عمر السفن، كما أن إرهاق الموظفين يخاطر بارتكاب أخطاء، يضاف إلى ذلك أن هذه الحملة فشلت في جذب الدعم من معظم الحلفاء والشركاء أو تحقيق هدفها المعلن ما يجعل واشنطن تبدو عاجزة في أحسن الأحوال”.

وبحسب معهد البحرية الأمريكية فإنه “وعلى مدى أكثر من نصف عام 2024م، كان المشهد بالنسبة للبحارة على متن حاملة الطائرات الأمريكية “دوايت دي أيزنهاور” أو إحدى المدمرات المرتبطة بها هو نفسه إلى حد كبير: الماء، الحرارة الشديدة، الطائرات بدون طيار، الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، حيث شهد معظم الشتاء والربيع هجمات شبه يومية من جانب اليمن شملت مدمرات تابعة للبحرية الأمريكية كأهداف”.

سبأ

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: العملیات العسکریة الیمنیة البحریة الأمریکیة العدو الإسرائیلی الولایات المتحدة عملیات الیمن على الیمن أکثر من إلا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي

لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.

الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.

بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.

الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.

دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.

الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.

وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.

لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.

وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.

ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.

ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • القوات المسلحة اليمنية تعلن تنفيذ ثلاث عمليات نوعية ضد أهداف إسرائيلية بطائرات مسيّرة
  • ماكرون يقرّ: صفقة ترامب مع الاتحاد الأوروبي أفقدت أوروبا هيبتها
  • تحليل بريطاني: القدرات العسكرية اليمنية أربكت أمريكا و”إسرائيل”
  • تحذيرات من تسونامي على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة
  • بعد زلزال بقوة 8.7 ريختر.. تسونامي يُهدّد الساحل الغربي للولايات المتحدة بالكامل
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • اليمن يبحث مع روسيا آخر المستجدات على الساحة اليمنية والإقليمية
  • “ذا نيويورك صن”: تطور القدرات اليمنية يزيد قلق أمريكا و”إسرائيل” وحلفائهما
  • مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • الحوثيون يعلنون تصعيدا جديدا واستهداف جميع السفن التي تتعامل مع إسرائيل