كائنات فضائيّة بلا آباء شرعيين !
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
ضمن مناقشات محور (المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني)، في المؤتمر الفكريّ الذي أقامه مهرجان المسرح العربي بمسقط، تساءل الدكتور محمد حسين حبيب: باسم مَنْ ستكون بصمة الإبداع؟ هل ستكون باسم المخرج والكاتب أم باسم الشخصيّة الرقميّة؟ وكانت الردود مختلفة، فهناك مَنْ رأى أنّ البصمة تكون باسم الشخص القائم على العمل، وهناك من رأى باسم المخرج مع وضع تنبيه بأنّ العمل جاء بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وهذه المسألة محيّرة، وقد أحالني السؤال إلى منشور للشاعر عمار الزريقي يقول به: «طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يساعدني في كتابة عشرين بيتا على بحر الوافر على أن تكون لزومية الباء قبل الروي وأعطيته البيت التالي:
نعم، لي ألف معجبة ولكن كحيتان اليهود بيوم سبت
فأكرمني، والكلام لعمّار، بعشرين بيتًا في غمضة عين قائلا: «إليك عشرين بيتًا على بحر الوافر، مع القافية التي طلبتها (التاء مع لزوم حرف الباء قبلها):
وتسأل عن هواي وليس تدري
بأني قد كتبت العشقَ موتي
فإن غابت كأن الليل يمضي
بهمٍّ ضاق منه الكون سمتي»
إلى آخر الأبيات العشرين، التي لا تخلو من أخطاء في الوزن والقوافي، والحشو، والتكلّف، فقلت: لا بأس، إنه ليس سوى كلام منظوم يفتقد إلى مقوّمات الشعر الأساسيّة، وحرارة العاطفة وصدق التجربة، وهذه الأمور لا تخفى على القارئ القادر على التمييز بين غثّ الشعر وجميله، فهو الحَكَم، ولولا هذا القارئ لما حرقنا أعصابنا، وسهرنا الليالي نطارد معنى شاردًا، وصورة جميلة وتركيبًا جديدًا.
وقبل أن أسرح بخيالي بعيدًا، وقعتْ عيني على تقرير نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) نقلًا عن صحيفة (الجارديان) البريطانية، حول دراسة اختارت شريحة منتخبة من القرّاء، أجراها باحثون من جامعة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا، أعطوا لطلبتهم 10 قصائد لشعراء مشهورين باللغة الإنجليزية، من بينهم وليم شكسبير، ووضعوها إلى جانب قصائد من نتاج الذكاء الاصطناعي، لاختيار الأجمل دون أن يعرف هؤلاء القرّاء أسماء الشعراء، وجاءت النتائج صادمة، مخيّبة لآمالي، بل ذكّرتني بالتحقيق الذي أجراه صحفي مصري ونشرته مجلة (دبي الثقافية) قبل سنوات، حين عرض لوحة على مجموعة من نقّاد الفن التشكيلي، مدّعيًا أنها من رسم شخصية لها اعتبارها في المجتمع، ولا تريد أن تكشف عن اسمها، وطلب منهم آراءهم بها، فشرّقوا وغرّبوا، وذهبوا بعيدًا في تأويل الرموز الكامنة وراء خلط الألوان بطريقة مدهشة، وأخيرا كشف الصحفي عن صانع اللوحة وإذا به قرد وضع بيده فرشاة وفرش أمامه لوحة بيضاء وأعطاه ألوانا زيتية ولكم تخيل تلك اللوحة!!
ونعود لسؤال القائمين على الدراسة: لمَن كانت الغلبة؟ لهم أم لشعر الذكاء الاصطناعي الذي لم يكن سوى كلام في كلام؟
للأسف أعجب الطلبة بالثاني !
فقد أكّدت تلك الدراسة «أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر» وبلغت نسبة هؤلاء 75 في المائة من المشاركين، ولم يصمت الشعراء، ولم يتركوا الحبل على الغارب للذكاء الاصطناعي، بل فسّروا ذلك بأنّ «عامّة القُرَّاء الذين وقعت عليهم الدراسة يفضِّلون القصائد التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي؛ لأنهم يجدونها أكثر وضوحًا وسهولةً عكس الشعر المكتوب بواسطة البشر الذي يمتاز بالغموض والتعقيد».
لقد أسرت برامج الذكاء الاصطناعي قرّاءها بالسطحيّة في طرح الأفكار؛ لأن الأمر بالنسبة لهذه البرامج ليس سوى رصف كلمات خالية من الحسّ الإنساني، ومهما تفوّق الذكاء الاصطناعي في المجالات العلمية يبقى «يفتقر إلى الحسّاسية في التعبير عن المشاعر، أو القدرة على التفاعل مع الأحداث بشكل مباشر، كما يفتقد إلى البصمة البشرية بكلّ ما تملكه من روح ومن حيوية، كما تتطلّب الكتابة الإبداعية بشكل عام، والشعرية بشكل خاص الخيال والعاطفة والذاكرة الإنسانية التي تخلط الذكرى بالسياق والزمان والعاطفة، ولا يأتي ذلك إلا من روح بشرية، لكن ذلك لا ينفي إمكانية تقديم الذكاء الاصطناعي المساعدة في عملية الإنشاء» كما يقول الدكتور سعد التميمي في كتاب (تطوّرات العلوم الاجتماعية والإنسانية في عصر الذكاء الاصطناعي) تحرير الدكتور نبهان بن حارث الحرّاصي والدكتور سعيد بن محمد السيابي الصادر عن كلية الآداب جامعة السلطان قابوس.
ولأن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك ذاكرة، لذا فالقصائد التي يقوم بإنشائها هي ليست سوى رصّ كلمات مثل قطع المكعبات التي يتم تركيبها في لعب الأطفال، وتبقى «الإنسانية هي جوهر القصيدة» كما تقول الشاعرة جويل تايلور، لذا فكائنات الذكاء الاصطناعي، فضائية، باردة بلا جوهر، وبصمة الاسم لا تنقص، ولا تزيد، فهي بلا آباء شرعيين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
ما هو Perplexity؟.. محرك بحث يقتحم ساحة الكبار ويشعل سباق الذكاء الاصطناعي
- ما هو Perplexity وما الذي يميزها؟- اهتمام متزايد بـ Perplexity رغم التحديات القانونية- لماذا قد ترغب آبل أو ميتا في الاستحواذ على Perplexity؟- مستقبل الذكاء الاصطناعي في قبضة الكبار
كشفت تقارير إعلامية أن Perplexity، هي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يتجاوز عمرها 3 سنوات، باتت محط أنظار كل من ميتا وآبل، في خطوة تعكس اشتداد المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، أجرت شركة ميتا– المالكة لـ فيسبوك وإنستجرام– محادثات مع Perplexity في أبريل أو مايو الماضيين بشأن إمكانية الاستحواذ عليها، لكنها لم تفض إلى صفقة نهائية.
وفي المقابل، ذكرت وكالة “بلومبرج”، أن آبل ناقشت داخليا فكرة الاستحواذ، إلا أن المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولى ولم تتطور بعد إلى خطوات ملموسة.
وتأتي هذه التحركات في وقت ينظر فيه إلى كل من “آبل” و"ميتا" على أنهما متأخرتان في سباق تطوير خدمات ومنتجات الذكاء الاصطناعي، مقارنة بمنافسين مثل “جوجل” و"OpenAI".
ويؤكد الاهتمام المتزايد بـ Perplexity مدى احتدام الصراع على استقطاب المواهب وتطوير المنتجات في هذا القطاع الحيوي، الذي يتوقع أن يكون المرحلة التالية من تطور الإنترنت.
تعد Perplexity محرك بحث قائم على الذكاء الاصطناعي، يستخدم نماذج متقدمة لتحليل محتوى الإنترنت وتقديم إجابات مختصرة مدعومة بمصادر موثوقة، تأسست الشركة في أغسطس 2022، وطرحت أول نسخة من محركها البحثي في ديسمبر من نفس العام.
توفر المنصة وضعين للبحث الأول “بحث سريع” للعمليات البسيطة، والثاني “بحث احترافي” يقدم نتائج أكثر تفصيلا ومعالجة معمقة، وهو ما يقتصر في النسخة المجانية على 3 عمليات بحث فقط يوميا.
كما تتيح المنصة خدمات أخرى تشمل الإجابة على أسئلة تتعلق بملفات المستخدم، تخطيط الرحلات، إعداد قوائم تشغيل، وإنشاء الصور، إلى جانب صفحات محتوى منسقة حسب اهتمامات المستخدم، على غرار ما تقدمه ChatGPT.
وتتوافر معظم هذه الميزات ضمن اشتراك شهري بقيمة 20 دولارا، يمنح المستخدمين وصولا غير محدود إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتحميل الملفات، وإنشاء الصور، وتعمل Perplexity أيضا على تطوير متصفح ويب جديد يحمل اسم Comet.
رغم النجاح النسبي الذي حققته المنصة، إلا أنها لا تزال تواجه منافسة شرسة، خاصة من تطبيق ChatGPT الذي استحوذ على 45% من تحميلات تطبيقات الدردشة الذكية في الربع الثالث من عام 2024، بحسب شركة “Sensor Tower”، فيما أدرجت Perplexity ضمن فئة أخرى.
كما واجهت الشركة اتهامات بانتهاك حقوق المحتوى، إذ هددت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، باتخاذ إجراءات قانونية ضدها بزعم استخدام محتواها دون إذن. وفي العام الماضي، رفعت “داو جونز” – الشركة المالكة لصحيفة “وول ستريت جورنال” – و"نيويورك بوست" دعاوى قضائية ضد المنصة لذات السبب.
لماذا قد ترغب آبل أو ميتا في الاستحواذ على Perplexity؟يعتقد أن استحواذا محتملا على Perplexity قد يخدم خطط كل من آبل وميتا في توسيع حضورهم في مجال الذكاء الاصطناعي.
فبالنسبة لـ آبل، سيكون ذلك دعما إضافيا لدمج ميزات البحث الذكي ضمن متصفح “سفاري”، خاصة في ظل الشكوك القانونية التي تحيط باتفاقها مع جوجل لجعل الأخير محرك البحث الافتراضي، وهو اتفاق تُقدر قيمته بالمليارات.
وقد أعلنت آبل مؤخرا عن تحديثات لأدوات الذكاء الاصطناعي في أجهزتها، لكنها لا تزال متأخرة في إطلاق نسخة معززة من مساعدها سيري، رغم الإعلان عنها منذ أكثر من عام.
أما ميتا، فتسعى بشكل محموم إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال، وعرضت حزم توظيف تصل إلى 100 مليون دولار لبعض الكفاءات، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
كما استثمرت مؤخرا في شركة “Scale AI” الناشئة، التي تساعد في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وعينت مؤسسها ألكسندر وانج ضمن صفوفها.
ورغم النجاحات التي حققتها ميتا في بعض المشاريع مثل نظارات Ray-Ban المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ونماذج Llama المستخدمة على نطاق واسع، إلا أنها تواجه تحديات أخرى، منها تأجيل إطلاق نموذجها المتقدم الجديد، إضافة إلى مخاوف الخصوصية في تطبيقها الجديد للدردشة الذكية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في قبضة الكباريرى مراقبون أن الذكاء الاصطناعي يمثل القفزة الكبرى التالية بعد الإنترنت والهواتف الذكية – وهما مجالان لعبت فيهما آبل وميتا دورا رياديا.
ومع التطورات المتسارعة، يبدو أن مستقبل الشركتين بات مرهونا بمدى قدرتهما على الابتكار والمنافسة في هذا المضمار الجديد، الذي سيعيد تشكيل طريقة عمل الناس وتواصلهم وبحثهم عن المعلومات.