صراحة نيوز – حسين الرّواشدة
إلى أين يذهب ” الباشوات” بعد التقاعد ؟ الإجابة تحتمل خيارين اثنين ( اضطرارين : أصح) هما: العودة إلى بيوتهم، أو استقطابهم للعمل بالخارج ، لكن المسألة تبدو أعمق و أبعد من ذلك ، أولا: لأن كل واحد من هؤلاء الذين قدموا جُلّ أعمارهم في خدمة البلد ، وفي اهم مؤسسة نعتز بها ،وهي مؤسسة ” العسكر” ، يشكل “بيت خبرة “، ثانيا: لأن الكلفة التي دفعتها الدولة لإعداد وتأهيل كل من وصل لهذه الرتبة كلفة كبيرة جدا ، ومن حق البلد ، بالتالي ، أن يستثمر فيها لأبعد حدّ، بدل أن يترك لغيرنا الاستفادة منها مجانا ، اما السبب الثالث فهو أننا أمام مرحلة تحديث شامل ،تستدعي تجميع كافة الخبرات والكفاءات الأردنية ، في مجالات التخطيط الاستراتيجي والتطوير والإدارة ، ومَنْ أهمّ وأولى من هؤلاء “الباشوات ” للمساهمة في ذلك؟
لا أُخفي أن لدي انحيازا غير مشروط لهذه القامات العسكرية ، التي تمثل وجها قلّ نظيره للانتماء للبلد وفهم قيم الدولة ، وحمل رسالتها ، ناهيك عن سمات القوة ، والجرأة بقول الحق ، والاعتزاز بالتاريخ والإنجاز الأردني، وكل ما يمكن أن يخطر بالبال من مرتكزات الشخصية الأردنية المنغمسة في التراب الوطني، لكن هذا الانحياز يستند ،أيضا ،إلى مسألة أخرى اهم ، وهي “مصلحة الدولة ” ، هؤلاء يشكلون” خزانات خبرة” لا يجوز هدرها أو الاستغناء عنها، ومن آسف ان غيرنا في الدول الشقيقة يتسابق للترحيب بها ، و استقطابها، ويقدم كل ما يلزم من امتيازات مادية ومعنوية ، للاستفادة منها.
فيما مضى (30/1/2023 ) دعوت لتأسيس مركز استراتيجي لتقييم الأداء العام للدولة، كان بذهني أن يكون للخبرات العسكرية ،خاصة من ذوي الرتب العالية المتقاعدة، دور محوري للمشاركة بوضع خرائط الاستراتيجيات لمواجهة الأزمات التي يتعرض لها بلدنا، ويمكن أن يتوسع دور المركز ليشمل الرقابة على أداء إدارات الدولة ، بحيث يُصدر تقارير دورية ُتقيّم الأداء العام، إضافة لتأسيس قاعدة بيانات وطنية شاملة ، وإعداد ما يلزم من دراسات واستطلاعات لفهم حركة الدولة والمجتمع ، وقياس الاتجاهات العامة ، ورصد المزاج العام، وغيرها من المهمات.
أعرف أن لدي قطاعات من “الباشوات “،وغيرهم من كبار المتقاعدين ،عتب على إدارات الدولة، أعرف ،أيضا ، أن لديهم إحساسا بإهمال خبراتهم او تجاهلها ، أعرف ، ثالثا ، أن بعضهم أصبح جزءا من خزانات “المظلومية ” التي تصبّ في رصيد فقدان الأمل ، الذي اصبح سمة عامة لمجتمعنا، بموازاة ذلك استمعت لكثيرين منهم تملؤهم الحماسة لتسخير كل خبراتهم في خدمة بلدهم، حتى لو بدون مقابل، كما استمعت عنهم ، من غيرهم، لمواقف وقصص اعادتني 50 عاما ، حيث الزمن الجميل ، زمن رجالات الأردن ورموزه الذين شاركوا في بناء الدولة ، وألهموا الأجيال اللاحقة ما نحن عليه من عزة وكرامة.
في بلادنا ، إذا كان البعض لا يعرف ، أو لا يريد أن يعرف ، طبقة (نخبة : أدق)من الخبرات والكفاءات الوطنية ، أشرت – سلفا- إلى” الباشوات” المتقاعدين على سبيل المثال ، لأنهم يشكلون طاقات مهدورة للأسف ، لكن لدينا نخب اخرى ثقيلة بكافة المجالات ، الإدارية والاقتصادية ،الأكاديمية والسياسية، الاجتماعية والدينية والإعلامية .. الخ ، هؤلاء كنز استراتيجي وطني ، يجب أن يحظوا باهتمام الدولة ورعايتها، و أن يُفتح لهم الفضاء العام للمشاركة ببناء الأجيال القادمة ، وفي تسخير خبراتهم المتراكمة والطويلة لإثراء حياتنا العامة، و ضبط إيقاع مزاجنا العام ، وإفراز الصفوف الثانية من القيادات التي نحتاج إليها.
مع كل أزمة تداهمنا ، تفزع وسائل اعلامنا إلى رجالات الدولة ، فلا تجدهم، وإلى بعض النخب التي تتكرر أسماؤها في كل مناسبة ، وحدهم “الباشوات ” لا يتذكرهم أحد، ولو حضروا لسمعنا إجابات أخرى ، تطمئننا على سلامة بلدنا، وتعيد إلينا الأمل بحاضرنا ومستقبلنا ، فهل حان الوقت لنسأل : أين”الباشوات” ، ثم نقول لهم : تفضلوا؟ ارجو أن نفعل ذلك.
المصدر: صراحة نيوز
كلمات دلالية: اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة علوم و تكنولوجيا أقلام مال وأعمال اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة علوم و تكنولوجيا أقلام أقلام أقلام مال وأعمال اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة
إقرأ أيضاً:
الجيش الوطني والفيدرالية الديمقراطية
لولا وجود مؤسسة الجيش السوداني، ومهنيته واحترافيته المشهودة، ورسوخ عقيدة الإنتماء والولاء للوطن أولاً وأخيراً، لما بقيت في السودان طوبة واحدة، ولا مواطن واحد، ولأصبحت البلاد ضمن مناطق الاستعمار الاستيطاني، والوصاية الإدارية، والحماية الدولية، برعاية الأمم المتحدة، وتوابعها الإقليمية، وقوى الاستعمار الجديد المتربصة.
ما يحتاجه السودان اليوم، وبإلحاح واثق، هو إجراء تغيير شامل وكامل، في طبيعة وشكل الدولة التي فرضتها سلطة الغزو الاستعماري الخديوي التركي عام 1821م، ثم النسخة الاستعمارية التالية التي تمثلت في الغزو الثنائي الخديوي – الإنجليزي عام 1898م والذي دمر الدولة الوطنية في كرري. فألغى الحاكم العام الجنرال ريجنالد وينجيت الدستور الوطني، الذي ارتضاه وظل يُحكم به شعب السودان من لدن السلطنة الزرقاء، ومنذ أربعة قرون خلت، وبلا انقطاع، فأبدله المستعمر الغازي بالقوانين المستوردة: الإنجليزية – الهندية.. وتم ذلك وفقاً لإتفاقية “الحكم الثنائي” التي تم التوقيع عليها في 19 يناير 1899م من قبل اللورد كرومر، القنصل العام لإنجلترا بمصر، و وزير خارجية مصر الخديوية، بطرس غالي – وهو جد وزير خارجية مصر الأسبق والأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة في أوائل التسعينيات.
والشاهد في الشكل والإخراج العام للإتفاقية ورسالتها لشعب السودان، ولكسب مباركة الصليبية الدولية الراعية للغزو، أن الموقّعَين عليها هما من غير المسلمين. فأقدما على فرض دستور مصنوع، تُحكم به بلاد أكثر من 90% من مواطنيها من المسلمين.
فاستتبع ذلك إلغاء كافة قوانين الشريعة الإسلامية، واستبدالها بقوانين العقوبات الهندية – الإنجليزية، التي أقّرت شرب الخمر، وممارسة الدعارة، وصالات القمار، والمعاملات الربوية.
ثم تم تغيير شكل الدولة الوطنية، التي كانت عبارة عن إتحاد سلس بين الفيدرالية والكونفيدرالية الإدارية، وتمارس السلطة عبر قيادات محلية، وتحالفات توافقية بين مكوناتها الأهلية، كمشيخات البجة، وملوك المحس، والميرفاب، والشايقية، والجعليين، ومملكة تقلي، وسلطنة دارفور، وهلم جرا.. فاقتضت المخططات السلطوية الاستعمارية الشمولية الإدارية، وتكريساً للقبضة الأمنية، تجميع كافة السلطات تحت حاكم مركزي قابض، وحاكم بأمره، دون مساءلة ولا رقابة ولا محاسبة. ويعمل تحت إدارته المباشرة المآمير والمفتشون المُعَيّنون بأمره. فليس هناك انتخابات، ولا برلمان، ولا ديمقراطية، ولا يحزنون..
فالحل الشامل المتاح، لتحقيق الإستقلال الإداري والسيادي، والانعتاق من الإرث الإداري الاستعماري الموروث، يتأتى فقط عبر تغيير شكل وطبيعة الدولة المفروضين؛ والتطهر الكامل من ثقافة واستراتيجية الغزو الخديوي العميل، ومبادئ الحكم الثنائي الإدارية، التي أقعدت الدولة الوطنية، ومنذ قرنين، عن النمو والتطور والمواكبة. فبذرت فيها القنابل الجهوية الموقوتة، التي أنتجت حركات التمرد الدموي المتناسلة، والانتفاضات المسلحة المتتالية، والإنقلابات العسكرية. فاستشرى من جراء ذلكم النموذج الاستعماري البغيض التهميش التنموي المستدام، والإستبداد العسكري، والتناحرات العقائدية التي تؤججها الأفكار الإستلابية الوافدة، والممولة من دول الاستعمار الجديد ومن أوليائه الإقليميين.
وتحقيقاً للإرادة الوطنية الجمعية، ولتأكيد وتعزيز سلطة وحكم وإرادة الشعب، يتعين إتخاذ تدابير إجرائية حاسمة، تفضي لبناء سودان جديد، ضمن دولة فيدرالية ديمقراطية وإتحادية، لتدار البلاد عبر التشاور الشعبي الشامل، وبالتراضي العام، وبالمشاركة الشمولية الواسعة، لتأسيس ممارسة سياسية راشدة تقوم على قاعدة وحقوق المواطنة، وتمكين سلطة وسيادة الشعب، لمخاطبة قضايا التنوع الناشزة، وتحقيق العدالة الإجتماعية والاقتصادية، وعبر التوزيع المبصر والعادل للثروة الوطنية، والشراكة في استثمار الموارد القومية، وعبر الشراكة الذكية في ممارسة السلطة، وبعدالة توزيع الثروة، ورفض العمالة، ورفض التدخل الأجنبي في شئون البلاد بكافة صوره وأشكاله .
د. حسن عيسى الطالب
إنضم لقناة النيلين على واتساب