خاض حرباً غير متماثلة، حرباً غير متكافئة.. حرباً بين جيش نظامي يعد الأول في المنطقة، والأكثر عدة وعتادا، تسانده أعظم دول العالم، في مواجهة فصائل فدائبة مقاومة، فصائل مسلحة بقدرات محدودة، قاتلت في ( ظروف تبدو مستحيلة في الحسابات العسكرية) حسب كلمة المجاهد ( أبو عبيدة)، التي ألقاها مؤخرا بعد غياب طويل والتي رسم من خلالها صورة صادقة لمعركة الطوفان من حيث الأسباب والدوافع، متطرقا لكل ما حدث طيلة ( 471 يوما) من عمر المعركة التي قدم خلالها الشعب العربي في فلسطين أروع الأمثلة في معركة تاريخية جسدت ( قدرة أصحاب الأرض على صناعة التاريخ) في معركة ( بدأت من تخوم غزة لكنها غيرت وجه المنطقة)، معركة لم تهزم فيها المقاومة بكل فصائلها، ولم تنتصر فيها (إسرائيل) رغم كل قدراتها العسكرية ورغم بشاعة جرائمها ورغم حرب الإبادة والحصار والتجويع وتدمير واستهداف كل مظاهر الحياة في القطاع، وفي ظل تواطؤ عربي وإسلامي وشراكة وإسناد دولي مع العدو وجيش صهيوني استيطاني لا يحترم تقاليد الحروب ولا أخلاقيات القتال، فيما المقاومة كان سلاحها إيمانها وانتمائها للأرض، فيما عدوها استعان بكل جيوش العالم.
في عام 2023م قال رئيس حكومة الاحتلال وأكد على أن حركة (حماس) لن تكون في غزة ولن تبقى، يومها طلع سيد الشهداء على طريق القدس الشهيد السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله السابق _قدس الله سره وأسكنه الفردوس _ ليؤكد لكل الدنيا في خطاب متلفز ويرد على (نتنياهو) بقوله (إن المقاومة سوف تنتصر ويجب أن تنتصر وحماس بالتحديد يجب أن تنتصر).
في عام 2025م طلع (نتنياهو) متحدثا عن صفقة التبادل بقوله (ننتظر رد حماس)؟!
لروحك السكينة والخلود يا شهيد المقاومة والأحرار وانبل شهداء معركة الطوفان، رحمك الله يا سيد نصر الله، أوفيت بعهدك ووعدك وأنت إلى جوار ربك.
بعد ( 15 شهر) من ملحمة الطوفان، ملحمة الحرية والكرامة وفي جردة حساب عابرة كان العدو بكل قدراته الأسطورية والخيالية مقارنة بقدرات المقاومة هو المهزوم والخاسر الاستراتيجي ماديا ومعنويا وحضاريا وأخلاقيا وعسكريا وأمنيا وإعلاميا، كما خسر العدو الأكثر من كل هذه الخسائر وهي صورته ومكانته الإقليمية والدولية، رغم استماتة أمريكا وبريطانيا والمنظومة الغربية في مساندته، بل ومشاركته مشاركة كاملة في حرب الإبادة التي شنها على الشعب العربي في قطاع ورغم جرائمه وعدوانه الذي امتد إلى لبنان وسوريا واليمن.. إلا أن كل هذه الجرائم لم تحقق للعدو أهدافه لا في تصفية المقاومة في فلسطين وتفكيك قدراتها ونزع سلاحها، ولا تصفية وجودها في القطاع رغم فداحة التضحيات التي قدمها الشعب العربي في فلسطين وقدمتها المقاومة من خلال باستشهاد قادتها الأبطال الذين أعطوا المعركة زخما ورسموا أروع النماذج النضالية، فكانت ( عظمة المعركة كامنة في تقدمهم على طريق الشهادة)، فيما خسر العدو صورته النمطية المعهود دوليا.. كما سقطت أسطورته العسكرية والأمنية.. يعيش وكبار قادته في حصار رسمي من قبل أكثر من 146 دولة.. صورته أمام الرأي العام الدولي وشعوب العالم تغيرت ولم تعد فكرة التعاطف معه ومع أكاذيبه التي سوقها منذ احتلاله لفلسطين وقدم نفسه للعالم على انه الضحية والمجني عليه، وهذه الصورة تبخرت من ذاكرة شعوب العالم ورسمت بديلا لها وهي صورة المحتل القبيح الذي لا يجب أن يبقى في القرن الواحد والعشرين، وهذه القناعات الشعبية ترسخت لدى أكثر دول العالم دعما ورعاية للكيان الصهيوني وشاهدنا هذه المواقف الشعبية والنخبوية في أمريكا وبريطانيا وألمانيا..!
ما حدث خلال مرحلة التبادل الأولى للأسرى بين المقاومة والعدو، كان مشهدا فارقا واستثنائياً وغير معهود أو مسبوق، مشهد حمل رسائل كثيرة سياسية وأمنية وعسكرية، مشهد آثار ليس ذعر العدو وأجهزته وإعلامه، بل أصابهم بالجنون كما أصاب شركائه في جرائمه وبلا شك أربك حسابات الخونة والمتواطئين العرب والمسلمين، كل هؤلاء لم يكونوا يتوقعون المشهد الذي تابعه العالم من قلب مدينة غزة في لحظات تسليم الأسيرات الصهيونيات الثلاث للصليب الأحمر الدولي من قبل كتائب القسام.. في مشهد لا شك أنه هز العالم الذي ازدادا يقينا بأحقية هذا الشعب العظيم بالنصر والحرية والدولة ذات السيادة على أرضه التاريخية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تعقيبا على الدكتور عبد الله النفيسي!
كتب إليَّ أخ عزيز يحضني على مشاهدة المقابلة التي أجراها المفكر الكبير الدكتور عبد الله النفيسي مع الإعلامي علي الظفيري، وبثتها قناة الجزيرة، وأوصاني بالتلطف في الرد على الدكتور النفيسي..
أثار انتباهي وصية الأخ لي بالتلطف في الرد.. ما يعني أن هناك ما يدعو للغضب أو الاستياء في كلام الدكتور النفيسي.. شرعت في مشاهدة المقابلة، إلا أن نشوب الحرب بين الكيان الصهيوني وإيران حال دون إتمام المشاهدة، إلى أن فعلت؛ ليكون هذا المقال..
بداية، ليعلم القارئ العزيز أن الدكتور النفيسي له في نفسي مكانة خاصة، فهو من أهم الأصوات الناصحة البارزة في دول الخليج، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وكان أول مَن قرأتُ له من غير المصريين، وكان كتابه "الإخوان المسلمون.. التجربة والخطأ" أول ما قرأت له، في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم. وقد أثار هذا الكتاب لدي كثيرا من الأسئلة التي شرعت في البحث عن إجابات لها لمدة عام تقريبا، قبل بضع وثلاثين سنة، الأمر الذي أعاد تشكيل فكرتي عن الإخوان؛ لتصبح أكثر واقعية.. فالشكر الجزيل للدكتور النفيسي.
إساءة بالغة للرئيس مرسي!
بعد مشاهدتي المقابلة، عرفت السبب الذي جعل الأخ يطلب إليَّ مشاهدتها!
يقول الدكتور النفيسي: "مرسي عندما كان يجتمع مع الجنزوري [رئيس الوزراء وقتذاك] للتباحث في شؤون مصر، ويتخذون قرارات.. كان مرسي يقول لهم: دقيقة واحدة.. ويروح لمكتبه ويدق على مكتب الإرشاد.. ترى إحنا أخذنا قرارات كذا وكذا.. فيأتيه الرد: لأ.. فيتو من مكتب الإرشاد يلغي كل المباحثات اللي جرت في مجلس الوزراء".. (انتهى الاقتباس).
وقد يصدم أخي العزيز الذي كتب إليّ إذا قلت له: إن هذا الكلام لا يستحق الرد؛ لأنه الكلام نفسه الذي لطالما رددته لجان ياسر جلال الإلكترونية، بوحي من السيسي وزمرته؛ للنيل من الرئيس مرسي، واغتياله معنويا.. وقد أسفت أشد الأسف لتكراره على لسان الدكتور النفيسي الرجل الألمعي الحاذق.
وسأكتفي بالآتي: ليعلم الدكتور النفيسي وغيره، أن الرئيس مرسي خلع، منذ دخوله قصر الاتحادية، رداء الحزبية الضيق، وتصرف (من اليوم الأول) من موقع رئيس مصر الذي يرعى شؤون مواطنيه بكل مسؤولية، وليس بصفته مندوبا لمكتب الإرشاد في القصر الجمهوري.. آمل من الدكتور النفيسي أن يصحح معلوماته.
أما ما يستحق عناء الرد فعلا، فهو حديث الدكتور النفيسي حول طوفان الأقصى..
استفراد بالقرار!
بعد حديث قصير حول نشأة منظمة التحرير الفلسطينية وأفولها، سأل الظفيري النفيسي:
7 أكتوبر 2023.. كيف تراه؟ قفزة في الظلام؟ مواجهة واجبة، وضرورية، وحتمية؟ خطوة غير محسوبة؟ كيف تنظر لها اليوم؟
سؤال افتتاحي غير منهجي! إذ أن تقييم الأحداث واستخلاص نتائجها لا يكون أثناء حدوثها، وإنما بعد انتهائها.. نحن لا نزال في خضم الطوفان، بل في أعلى نقطة فيه، فكيف يمكن استخلاص النتائج والقطع بصحتها، ولم تَرْسُ السفينة على الجودي بعد؟ سؤال لا يغيب عن المحاور القدير وضيفه الكبير بكل تأكيد.. فلماذا كان هذه السؤال الافتتاحي غير المنهجي؟
الإجابة عند صاحب الدعوة، وضيفه الذي كان يعلم مسبقا الموضوع الذي جاء لتناوله في المقابلة.
أجاب الدكتور النفيسي على سؤال الظفيري "غير المنهجي": "أصارحك القول، وقد صارحت المقاومة.. أنا لي تحفظي الكبير على ما حصل في 7 أكتوبر؛ لأسباب كثيرة.. والسبب الأول، أنها كانت "اجتهادا لأفراد معدودين" في المقاومة.. وأذكر منهم يحيى السنوار، ومروان عيسى، ومحمد الضيف، رحمهم الله.. هؤلاء الثلاثة هم أصحاب القرار في هذه العملية. وأزعم أن القيادة السياسية في حماس لم يكن لها رأي مؤيد، ولم يكن لها -حتى- علم أن هذه العملية ستنفذ غدا"..
يتابع الدكتور النفيسي: "هذا الاستفراد بالقرار، وهذه المرارة التي عكستها عملية 7 أكتوبر ولَّدَت واقعا إسرائيليا ليس في صالحنا.. ولَّدَت رعبا إسرائيليا، وشكّا إسرائيليا بأن هذه الهجمة ستهدد وجود إسرائيل في المنطقة، وليس أمن إسرائيل فقط".
مقاطعة من الظفيري: أليس هذا الأمر جيدا، أن يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل بغض النظر عن نتائجه؟
النفيسي بلهجة قاطعة جازمة: "أبدا.. في السياسة -يا علي- أهم شيء النتائج، وليس النيّة.. النيّة خليها حق المتدينين! صح وللا لأ؟ لكن السياسة.. نتائج.. إذا أردت أن تقوم بأي عمل سياسي، فعليك أن تدرس أولا النتيجة المحتملة.. هذا الاستفراد بالقرار الذي مارسه السنوار وعيسى والضيف بمعزل عن إخوانهم في القيادة السياسية في الخارج.. وهؤلاء الذين في الداخل يعيشون مرارة يومية" (انتهى الاقتباس).
طوفان الأقصى.. القرار والتوقيت
سأتوقف في كلام الدكتور النفيسي عند تعبيرات: القيادة السياسية لم يكن لديها علم، و"الاستفراد بالقرار"، و"الذين في الداخل يعيشون مرارة يومية"، "ولَّدَت شكّا ورعبا إسرائيليا"..
هذه التعبيرات توحي بأننا أمام عدو لا يعرف ماذا يريد، وجاهل بعقيدة المقاومة، وهذا غير صحيح البتة.. ويوحي أيضا بأننا أمام تنظيم غير منظم، ولا أريد أن أقول "مهلهل"، ليس لديه نظام داخلي، ولا توجد لديه آلية لتحديد المهام والواجبات، وأن القرار لمن يستيقظ قبل الآخر، وليس لمن لديه صلاحية اتخاذ القرار، وأن قرار الطوفان كان بفعل المرارة التي يعيشها قياديو الدخل، أي أن الطوفان كان تنفيسا عن غضب وضيق كامنين في النفوس، وليس تنفيذا لخطة مدروسة تم إعدادها لسنوات، ضمن رؤية استراتيجية تنتهي بإزالة الكيان الصهيوني!
فلو كان كل ذلك صحيحا، فكيف استمرت المقاومة تؤدي دورها المذهل، على مدى عامين إلا قليلا، وحتى هذه اللحظة، رغم رحيل كل قيادات الصف الأول في كتائب القسام تقريبا؟ كيف خاضت هذه الثلة حربا ضروسا ضد ست دول عظمى سخّرت كل إمكاناتها؛ لتحرير الأسرى الصهاينة، ومحو حماس من الوجود؟ كيف؟ لماذا فشل العدو الصهيوني وحلفاؤه الدوليين والإقليميين في تحقيق هذه المهمة حتى الساعة؟
أما قرار طوفان الأقصى فهو معلن.. أعلنه السنوار في غير مناسبة، منها كلمته في ختام شهر رمضان 1444 هـ (الموافق آذار/ مارس 2023)، أي قبل الطوفان بسبعة أشهر:
"يا جماهير شعبنا في كل مكان، عليكم أن تتجهزوا لمعركة كبيرة [...] أنا أقول لكم.. والله أراها رأي العين.. سيتغير شكل الكرة الأرضية؛ لأنها حرب إقليمية دينية ستحرق الأخضر واليابس، ولا يزال أمام العالم فرصة ليتحرك للحيلولة دون وقوع هذه المعركة الكبرى [...] على كل فصائلنا المقاومة وأجنحتنا العسكرية أن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية.. تكون على الندهة [...] صورة المنطقة من الأقمار الاصطناعية يجب أن تكون نارا مشتعلة".
أليس هذا "إعلانا" صريحا عن قدوم الطوفان؟ هل يتصور عاقل أن هذا "الإعلان" تم دون التنسيق مع القيادة السياسية بالخارج؟ أليس هذا الإعلان بهذه الكيفية هو نوع من التنسيق؛ ليتأهب كلٌّ في موقعه لتحمل مسؤولياته؟
أي وضوح أكثر يريد الدكتور النفيسي؟
أما عن الهدف المرحلي المنظور للطوفان، فقد صاغه السنوار على النحو التالي:
"سنجعل الاحتلال أمام خيارين: إما أن نرغمه بتطبيق القانون الدولي واحترام القرارات الدولية ونحقق إقامة دولة فلسطينية، أو أن نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها"..
أليس هذا هو الذي حدث؟ ألا يعيش الاحتلال (اليوم) في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها؟
ألم تعد قضية فلسطين، والعدوان الصهيوني على غزة هما الشغل الشاغل للنشطاء حول العالم؟ من كان يتصور خروج هذه الملايين في الغرب يوميا تقريبا؛ للتنديد بجرائم الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين؟
من كان يتصور أن تدخل إيران على الخط بهذه الضراوة، وتجعل أكثر البقع أمانا داخل الكيان المحتل صورة من غزة؟ والقادم أسوأ بكثير..
موقف النفيسي من مواجهة العدو
الدكتور النفيسي رجل مسلم صادق، ولا أزكيه على الله، وهذا لا يمنعني من الوقوف على جانب شديد الأهمية في شخصيته وفكره، ألا وهو نظرته للمواجهة المسلحة مع العدو التي يبدو أنها جزء من عقيدته السياسية..
الدكتور النفيسي يرفض كليا مواجهة العدو أو مقاومته، إذا كان غير قادر على دفعه، ويفضل الانسحاب، ولا أقول الفرار أو الهروب! وهذا شأنه، أما أن يعتبر عدم الدخول مع العدو في حرب؛ بداعي اختلال ميزان القوة، "مبدأ" حاكما وقرارا صائبا، في كل الأحوال ودون ضوابط، يجب على المسلم تبنيه والعمل به، فهذا أمر لا يقره الدين إلا من وجه واحد فقط، بيَّنه الله تعالى في قوله: "وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍۢ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزا إِلَىٰ فِئَةٍۢ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ" (الأنفال: 16).. أي الهروب كحيلة لإظهار الضعف، ثم الكرّ على العدو للنيل منه، وليس الانسحاب من أرض المعركة، وترك العدو يصول ويجول، ويعيث في الأرض الفساد.. أو الانضمام إلى جماعة مؤمنة مقاتلة تتصدى لهذا العدو..
ولعل هذا يفسر ذلك الصمود منقطع النظير الذي أبداه الغزيون (مقاومة وشعبا) وأذهل العالم، ودفع كُثرا للتعرف على الإسلام والدخول فيه..
تحليلي لموقف الدكتور النفيسي من مواجهة العدو الصائل، ليس كلاما مرسلا، وإنما تشريحا لما أدلى به خلال حواره متعدد الحلقات "الصندوق الأسود" مع الإعلامي عمار تقي..
يقول الدكتور النفيسي:
"اتصل بي فيصل الصانع، وقال لي: عبد الله.. لازم أشوفك.. يا تجيني يا أجيك.. قلت له: خليك محلك، وأنا أجيك.. ورحت له في بيته، في كيفان [...] دخلت على أبو زياد ووجدته مضطربا [...] قال لي: على ها الكرسي كان جالس سبعاوي أخو صدام، وقال لي الآتي: الحزب [البعث العراقي] يكلفك يا ناصر الصانع بتشكيل حكومة بالكويت، وهذه قائمة بأسماء الوزراء اللي الريس [صدام حسين] يقول لازم تتشكل الحكومة منهم [كان اسم النفيسي ضمن هذا التشكيل الوزاري] وأنا ناديتك حتى نتشاور في الموضوع"..
يقول الدكتور النفيسي: "قلت للصانع: شو قلت له أنت؟ هذه ورطة كبيرة.. قال الصانع: قلت له [لسبعاوي]: إنتو مو فاهمين الكويتيين [..] الكويتيين صدق بينهم خلاف أو معارضة، بس لما تصير المسألة على هذا المستوى.. واحد من الخارج يجي يغزو الكويت، كلهم يصبون في مصب واحد.. ويقفون موقف واحد.. وأنا أنصحكم تشيلون هذه الفكرة من بالكم"..
يتابع النفيسي، "قلت للصانع: كفو.. هذا الصدق يا أبو زياد.. لكن هذا يلقي علينا مسؤوليات كبيرة.. يجب أن نختفي.. لأن رفضنا التعاون يعني القبض علينا وتصفيتنا.. فلازم يا أبو زياد نختفي"..
رد الصانع على النفيسي: "لا.. لن أختفي أبدا.. يجب مقاومتهم"..
علق النفيسي: "شو تقاوم يا أبو زياد؟ نصف مليون جندي ومعاهم سلاحهم.. نصف مليون مجنون معاهم سلاحهم وجوعانين.. جايين من الجبهة الإيرانية، ويبون يستبيحون الكويت.. وصدام سامح لهم بهذه الاستباحة.. يعني المعادلة ما فيها كلام"..
قال الصانع: "أنا أرى إنه لازم نرص صفوفنا"..
"قلت له [النفيسي يقول]: نرص صفوفنا.. نلزَّق صفوفنا [...] كلامك هذا يا أبو زياد ما يوكل خبزة.. مواجهة.. وغزو عراقي.. نص مليون.. وأنت أعزل.. حتى مسدس ما عندك.. لاااا.. هذا حكي ديوانية شعراء النبط.. مو حكي استراتيجي.. حكي ربابة.. لا.. لا.. هذا ما يمشي يا أبو زياد.. لازم نختفي"..
قال الصانع للنفيسي: "أنا مو متفق معاك"..
قال النفيسي للصانع: "على راحتك"..
يستطرد النفيسي خاتما حديثه: "عرفت فيما بعد، إنهم أخذوا فيصل الصانع إلى بغداد".. (انتهي كلام النفيسي).
مما أسفت له، لهجة السخرية البادية في رد الدكتور النفيسي، على رجل أراد أن يموت دون عرضه وأرضه وماله وأهله، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتِلَ دون نفسه فهو شهيد، ومَن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد".. لكن الدكتور النفيسي كان له رأي آخر، وهو ما نعى على حماس عدم الأخذ به.
أدعو الدكتور النفيسي (بكل محبة ولطف واحترام) أن يراجع فكرته بشأن مواجهة العدو الصائل؛ لأن الأمر ديني عقدي، قبل أن يكون سياسيا استراتيجيا.. يجب توظيف السياسي والاستراتيجي لإنجاز الديني والعقدي وليس العكس.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com