الشهيد روحي مشتهى قيادي في حماس أمضى ربع قرن بسجون الاحتلال
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
من أبرز قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأحد مؤسسي جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام في قطاع غزة، يعرَف بدوره المهم في تأسيس أول جهاز أمني للحركة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، واعتقلته إسرائيل عام 1989 أثناء تلقيه العلاج في المستشفى الأهلي العربي المعمداني.
أفرج عنه بعد 25 عاما في صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار"، وانتخب عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس بعد الإفراج عنه، وكان له دور محوري في صياغة قرارات الحركة وإدارة شؤونها الداخلية والخارجية، وأعلنت إسرائيل اغتياله في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ولد روحي جمال عبد الغني مشتهى، ويكنى بـ"أبو جمال"، في حي الشجاعية بمدينة غزة عام 1959.
التجربة النضاليةانضم مشتهى إلى صفوف حركة حماس منذ تأسيسها عام 1987، وأسهم في إنشاء أول جهاز أمني للحركة "مجد" أثناء الانتفاضة الأولى.
في 13 فبراير/شباط 1988، اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي -ولم يكن قد مضى على زواجه إلا 6 أشهر- من داخل المستشفى الأهلي العربي بعد إصابته التي أدت لاحقا إلى بتر بعض أصابع يده اليمنى.
صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد نتيجة لنشاطه الأمني والعسكري وملاحقته المخبرين الذين عملوا إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، وقضى 25 عاما في السجون الإسرائيلية.
أُفرج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" عام 2011، وعاد بعدها إلى نشاطه السياسي داخل الحركة، وأصبح عضوا في مكتبها السياسي، كما كان ضمن وفود الحركة التي شاركت في محادثات المصالحة مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) برعاية مصرية.
إعلانوأثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وضع الاحتلال مشتهى على قائمة الاغتيالات لكونه من قادة حماس البارزين في القطاع. وتتهمه إسرائيل بإدارة الملف المالي للحركة والملفات الإدارية المرتبطة بحكومة قطاع غزة التي تعرف بـ"اللجنة الإدارية"، وكان يرأسها القيادي عصام الدعاليس.
لاحقا، أصبح ممثلا للحركة لدى جهاز المخابرات المصرية ومسؤولا عن التنسيق معها في الملفات المتعلقة بغزة، وتنقل بين القطاع والقاهرة من عام 2017 حتى اندلاع الحرب على غزة عام 2023 بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى على مستوطنات غلاف غزة.
أبرز المناصب والمسؤوليات أسهم في تأسيس أول جهاز أمني للحركة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، إذ كان مسؤولا عن تعقُّب العملاء الفلسطينيين المتهمين بالتعاون مع إسرائيل. أسهم مشتهى في تعزيز القدرات الأمنية للحركة، مما جعله هدفا دائما لمحاولات الاغتيال الإسرائيلية. تولى التنسيق الأمني بين حماس والسلطات المصرية، خاصة ما يتعلق بمعبر رفح وعدد من القضايا الأمنية الأخرى المرتبطة بالحدود. عضو المكتب السياسي لحركة حماس لأكثر من مرة. كان من ضمن وفود الحركة التي شاركت في محادثات المصالحة الفلسطينية مع حركة فتح برعاية مصرية. الاغتيالومطلع أكتوبر/تشرين الأول 2024 أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك"، وللمرة الرابعة اغتيال مشتهى وسامح السراج، إضافة للقيادي الأمني سامي عودة في غارة على مدينة غزة قبل 3 أشهر.
وفي 24 يناير/كانون الثاني 2025 نعت حركة حماس عضو مكتبها السياسي، ومسؤول جهاز الأمن العام في الحركة سامي محمد عودة بعد استشهادهما، وشيع مشتهى وعودة على أنقاض المسجد العمري، أكبر وأقدم مساجد غزة التاريخية الذي دمرته إسرائيل في حربها على القطاع.
وشهد التشييع حضورا شعبيا حاشدا شمل مختلف الفئات العمرية والمجتمعية، إضافة إلى قيادات سياسية وعسكرية من حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.
إعلانالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.
ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟
في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.
تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.
تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.
وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.
وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.
وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.
رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.
ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.
تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.
لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان