تسهم الثورة التقنية الحديثة في تطوير وترقية الكثير من المفاهيم والممارسات بما يواكب متطلبات العصر الحالي، وعلى مستوى التقنيات الجديدة، ظهر ما يُعرف باسم "العلامة الشخصية"، التي تسهم في بناء علامات مميزة للأفراد، وتعبر بوضوح عن محتوياتهم والرسائل التي يقدمونها، فالعلامة الشخصية تعكس الالتزام بالتطوير المستمر، والتميز في تقديم قيمة مضافة للمجتمع أو المجال الذي ينتمي إليه الشخص، كما تعرف "العلامة الشخصية" بأنها عملية صنع علامة بصرية تعبر عن سمات الأشخاص، يبث من خلالها الثقافة والمعرفة.

استطلعت "عُمان" آراء عدد من الخبراء والمهتمين بإطلاق العلامات الشخصية، ومدى تأثيرها على الحياة اليومية وإسهامها في تقديم الشخص بأفضل صورة، مع التواصل بشكل فعّال مع الجمهور المستهدف.

وقال بدر بن ناصر الصوافي، رائد أعمال ومهتم بالعلامات التجارية والتسويق: إن العلامة الشخصية تعبر عن الهوية البصرية، وهي الانطباع الأول الذي تتركه لدى الآخرين، كما أنها تعد انعكاسًا واضحًا للشخصية ومحتواها من خلال تصميم بسيط واحترافي، ويحقق انسجام الألوان، واختيار الخطوط بعناية، كما أن الشعار يعبر عن جوهر الرسالة بما يجعل الهوية تترك أثرًا قويًا وتبدو أصيلة وواضحة.

وأضاف الصوافي: إن العلامة الشخصية تمثل الفرد وهويته وقصته، بينما العلامة التجارية تمثل شركة أو منتجًا يركز على احتياجات الزبائن، والعلامة الشخصية تعكس القيم والمبادئ وتبني علاقة ثقة قائمة على الشفافية، بينما العلامة التجارية تعتمد على القيمة المقدمة وخدمة السوق بشكل مباشر، موضحًا أن الهدف الأساسي من العلامة الشخصية هو إيصال رسالة واضحة وصادقة تبرز الهوية وسط الكم الهائل من المحتوى السطحي المنتشر اليوم، إلى جانب المحافظة على الأصالة وتجنب الانجراف وراء تقليد الآخرين.

القيم والمشاعر الشخصية

ومن زاوية تقنية وفنية، نوه الصوافي إلى أن التكنولوجيا تعد أداة لتحسين الأداء وتوفير الوقت، لكنها لا تعبر عن القيم والمشاعر الشخصية، فالعلامة الشخصية تحتاج إلى أصالة وعمق ينبع من التجربة والهوية الفردية، أما الاستعانة بالتكنولوجيا، فيجب أن تكون ضمن حدود تجعل العمل أكثر احترافية، دون أن تفقد الهوية جوهرها، لأن الهدف الأساسي هو بناء رسالة شخصية صادقة وقوية تعكس جوهر الفرد وتساعده على التميز وسط سوق مزدحم وعالم مليء بالتحديات.

وأضاف الصوافي: من خلال حلقات العمل التي أقدمها حول بناء العلامة الشخصية، اكتشفت أن الكثير من العمانيين لا يدركون أن العلامة الشخصية ليست مجرد شعار أو مظهر خارجي، بل هي عملية اكتشاف الذات الحقيقية والتحدث للعالم بصدق ووضوح، وتساعد على كشف القيم والرسالة الحقيقية، مع التعبير عنها بأسلوب يُظهر أصالتهم ويترك أثرًا عميقًا، مشيرًا إلى أن صناعة العلامة الشخصية في سلطنة عمان بحاجة لمظلة تحت إحدى الجهات المشرعة مع وجود الرؤية الواضحة، كما أن الجهود الحالية تعتمد في هذا المجال على اجتهادات فردية وليس هناك إطار شامل يوجه هذه العملية بشكل منهجي.

وقالت صانعة المحتوى أشرقت بنت سليمان المعمرية عن تجربتها في صناعة العلامة الشخصية: إن اختيار الموضوعات يتطلب توازنًا بين الخبرات واهتمامات المتابعين مع صياغتها بنمط أسلوب متميز، ولكن لا يتطلب منك السعي خلف الخوارزميات لكي لا تفقد بصمتك الحقيقية، كذلك التنويع في أنواع المحتوى بين التثقيفي والتحفيزي أو التوعوي من خلال نقل التجربة.

وأضافت المعمرية: "عند اختياري للموضوعات، أضمن أن يكون الموضوع ثريًا من حيث الجودة المعرفية وليس الكم، ويضيف قيمة حقيقية للمتابع، مع الحرص على أن لا يكون المحتوى مستهلكًا ولا يسعى لإثارة الجدل، ومحتوى أصيل بأسلوب يشبهني تمامًا، وفي عالم متسارع ومليء بالكمية، أحرص على اختيار كلمات مفتاحية كعنونة لفهم محتوى الموضوع، ولكن بطريقة لافتة، وبين الحين والآخر، أطرح أفكاري وتجاربي أو أناقش موضوعا حصريا يعكس خبرتي في المجال".

وأكدت المعمرية أن الهوية الشخصية تتطلب وجود تفاعل حقيقي ومحتوى واقعي يلامس عواطف الناس وحواسهم، وتعد أدوات الذكاء الاصطناعي مساعدا جيدا في الكتابة، لكنها تفتقر إلى اللمسة الحسية والعاطفية.

التميز في التواصل

فيما أشار صانع المحتوى قيس بن ناصر الرحبي إلى أن العلامة الشخصية جزء مهم جدًا للتميز وسط منصات التواصل الاجتماعي، مع التجارب المختلفة التي ستخوضها في صناعة المحتوى واكتشاف التخصص والمجال الذي يناسب الشخص، مما يساعد في بناء هوية بصرية تتناسب مع التوجهات.

وعن تجربته، قال الرحبي: حاليًا أمر بمرحلة التجارب التي تساعدني على التخصص والتميز في صناعة المحتوى، حيث أقدم محتوى عبارة عن مزيج بين الإنتاجية وتطوير الذات، كما أن اختياري للموضوعات جاء من حاجتي وتساؤلاتي في هذا الموضوع، وبعدها أقوم بالبحث والقراءة، ثم أختصرها في نقاط مهمة وأساسية لمشاركتها مع المهتمين، موضحًا أن التحديات تكمن في الخوف من مشاركة الآراء على منصات التواصل، ومن ردة فعل الجمهور، ولكن مع الانطلاقة يبدأ تأثير الخوف في التقلص مع وجود داعمين ومشجعين.

وأضاف الرحبي: إن جانب أدوات الذكاء الاصطناعي، من وجهة نظري، هي مجرد أدوات مساعدة مثل باقي الأدوات الموجودة مسبقًا من تطبيقات ومواقع إلكترونية مختلفة، تساعد على إيصال الرؤية والرسالة والغاية، مع استخدام مقترحات معينة أو مصادر معينة، ولكن لا بد من إضافة لمسات إبداعية.

تعزيز المصداقية

وفي حوار مع سامي بن مولى بخش البلوشي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سين للتسويق، قال: إن الأبعاد والنتائج المترتبة على صناعة وتطوير العلامة الشخصية مع زيادة الوعي، ينتج عنها عدة آثار، أولًا، تعزيز المصداقية، ويقصد بها أن العلامة الشخصية المدروسة تُبنى على قيم حقيقية وتجارب ملموسة، مما يعزز ثقة الجمهور، والتميّز في السوق، التي تؤكد على وجود علامة شخصية قوية مما يمنح الأفراد ميزة تنافسية، سواء كانوا رواد أعمال أو موظفين، كما أن التأثير الإيجابي يتمثل في الوعي الذي يُمكن الأفراد من استخدام العلامة الشخصية للتأثير، ونشر المعرفة، وبناء علاقات طويلة الأمد، منوّهًا إلى أن توفر هذه العوامل يقلل من سلبيات استخدام العلامة الشخصية، التي تنم عن قلة في الوعي ويندرج تحت السطحية والمبالغة التي تجعل العلامة الشخصية مجرد واجهة استعراضية وتفتقر إلى العمق والمصداقية، إضافة إلى ضعف التأثير، أي أن العلامة غير المدروسة قد تؤدي إلى تباين بين توقعات الجمهور والواقع، وأخيرًا، تشويه السمعة، الذي بدوره يؤدي إلى أخطاء غير محسوبة في التسويق أو التواصل، وقد تؤثر سلبًا على المصداقية.

وأضاف البلوشي: إن المرحلة الحالية والمرحلة المستقبلية تتطلبان قدرًا من الوعي الكافي لصناعة العلامة الشخصية وترويجها بطريقة صحيحة، وأن يتم تحقيق عدد من الأسس المهمة تتمثل في وضوح الرؤية لدى صانع العلامة الشخصية، وأن يكون للشخص هدف واضح ورسالة يريد إيصالها من خلال علامته الشخصية، بالإضافة إلى التوثيق المستمر الذي يقصد به التركيز على إنشاء محتوى حقيقي يعكس القيم، والإنجازات، والمهارات بشكل منتظم، إلى جانب التخصصية في اختيار مجال واضح والابتعاد عن التشتت، لأن الجمهور ينجذب إلى الخبراء.

وقال في نهاية حديثه: إن التعلم المستمر ومتابعة التوجهات الحديثة في التسويق الرقمي وأدوات بناء العلامة الشخصية من العوامل التي تسهم في بناء علامة شخصية جيدة، مع الأخذ بعين الاعتبار عنصر الأصالة كإبراز جوانب حقيقية وغير مصطنعة لضمان بناء علاقات قائمة على الثقة، وعنصر الاستثمار في التواصل الذي يتمثل في التفاعل مع الجمهور بصدق وشفافية لتعزيز الولاء، لأن صناعة العلامة الشخصية ليست مجرد "تسويق للذات"، بل هي انعكاس حقيقي للشخصية، والقيم، والطموحات.

وأكد البلوشي أن صناعة العلامة الشخصية في سلطنة عمان لا تزال في مراحلها الأولى، وهي عملية غير خاضعة للتنظيم بالشكل الذي يجعلها مؤثرة أو مستدامة على المدى البعيد، وأشار إلى أن هناك جهودًا فردية واعدة من بعض صانعي المحتوى، ولكن ضعف الإرشاد المؤسسي والتخطيط الواضح يجعل الاتجاهات المستقبلية غير واضحة، حيث إننا نحتاج إلى بيئة متكاملة تدعم صانعي المحتوى في بناء علاماتهم الشخصية بطريقة تعكس هويتهم وقيمهم، وفي الوقت نفسه تتماشى مع تطلعات الأسواق المحلية والإقليمية.

ونوه البلوشي إلى ضرورة وجود جهة رسمية تتبنى تدريب صانعي المحتوى ونشر الوعي حول بناء العلامة الشخصية، مما سيوجد تنظيمًا واستدامة لمجال صناعة العلامات الشخصية، مشيرًا إلى أن مسألة إدارة تراخيص رسمية لهذه العلامات يضمن حقوق صانعي المحتوى ويعزز الثقة بين الجمهور والمؤسسات، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالمصداقية، بالإضافة إلى ذلك، ستساعد هذه الخطوة في الارتقاء بجودة المحتوى المقدم وتعزيز المنافسة الإيجابية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صانعی المحتوى أن العلامة من خلال فی بناء إلى أن کما أن

إقرأ أيضاً:

قراصنة جزائريون يزعمون اختراق بيانات وزارة العدل ومخاوف من ثغرة “الإيميلات الشخصية”

زنقة 20 | الرباط

عادت مجموعة القراصنة الجزائريين المعروفين باسم “جبروت” ، لتعلن من جديد اختراق قاعدة بيانات مؤسسات رسمية مغربية.

هذه المرة تبنت المجموعة عبر القناة الرسمية الخاصة بها في “تليغرام”، هجوما سيبرانيا استهدف وزارة العدل.

وأفادت المجموعة بأنها تمكنت من الحصول على وثائق توصف بـ”الحساسة”، تخص نحو 5000 قاض وآلاف الموظفين والعاملين في القطاع.

“جبروت” قالت أنها حصلت على وثائق الأجور التي يتلقاها 5000 قاض و 35000 من موظفي قطاع العدل.

و نشرت المجموعة وثيقة لم يتم التأكد من صحتها تهم وثيقة fiche de paie لأحد القضاة، تضم تفاصيل حول أجره و حالته العائلية، مهددة بالكشف عن مزيد من الوثائق.

الهاكرز الجزائريون نشروا لائحة تضم المحاكم المستهدفة ، والغريب استخدام مسؤولين عن التواصل في هذه المحاكم لـ”إيميلات” شخصية مثل gmail و hotmail و yahoo رغم حساسية القطاع.

مقالات مشابهة

  • مزيان يُحذر من حملة السطو الممنهجة التي تقودها أطراف معينة للمساس بكينونة الجزائر
  • 49 عامًا.. الأنبا بفنوتيوس الراهب الذي صنع المجد
  • ماجستير الإعلام الرقمي لـ السليمي
  • في ذكرى ميلاده.. نجاح الموجي "الواد مزيكا" الذي خطف قلوب الجمهور ومات على أعتاب المسرح
  • ضرورة الشفافية: لماذا يجب أن يقود الذكاء الاصطناعي لعمليات تكنولوجيا المعلومات
  • صناعيو السيراميك يؤكدون ضرورة تمكين المنتج الوطني وتعزيز تنافسيته
  • بيان صادر عن مكتب الإعلام الدولي بدولة قطر رداً على التقارير المفبركة التي تم تداولها على وسائل الإعلام الإسرائيلية
  • بتوجيهات ذياب بن محمد بن زايد..مجلس الشؤون الإنسانية الدولية يُطلق مبادرة “صُناع الأثر “
  • قراصنة جزائريون يزعمون اختراق بيانات وزارة العدل ومخاوف من ثغرة “الإيميلات الشخصية”
  • مجلس الشؤون الإنسانية الدولية يُطلق مبادرة «صُناع الأثر»