يقدِّم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب "أهل القِبْلَةِ كُلهم موحدون"، بقلم فضيلة الشيخ محمد زكي إبراهيم، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.

جناح الأزهر الشريف

يذكر المؤلف - في مقدمة كتابه- أن أهل القبلة جميعًا إخواننا: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [المؤمنون: ٥٢]؛ فلا خصومة أبدًا بيننا وبين أي مذهب من مذاهب أهل "لا إله إلا الله" سواء كانوا أحنافًا، أم مالكية، أم شافعية، أم حنابلة، أم زيدية، أم إمامية، أم ظاهرية، أم إباضية، أم غيرهم؛ فإن الاختلاف في الفروع ضرورة طبيعية، ويستحيل - استحالة عادية - جَمْعُ الناس على مذهب واحد، أو رَأْي واحد في مسائل ظَنِّيَّة، هي موضع نظر واجتهاد إلى يوم القيامة.

ويلفت المؤلف إلى أنه ما دام مرجع الجميع كتاب الله، وسنة رسوله، والخلاف على الفرعيات إنما هو في الفَهم والتوجيه والترجيح وطلب الحق، فلا خصومة قط.

ونبه المؤلف إلى أن كبار أئمة المذاهب احترموا آراء بعضهم؛ بل قلد بعضهم بعضًا أحياءً وموتى، فصلى الإمام الشافعي عند قبر أبي حنيفة بمذهب أبي حنيفة؛ أدبًا مع روحه الشريف، وقلد أبو يوسف الإمام مالكًا، وقرَّظَ الشافعي الليث بن سعد، وقرظ أبو حنيفة أبا سفيان الثوري والأوزاعي، ونَظَمَ الشافعي شعرًا في تقريظ الإمام أحمد، بل صلَّى الإمام ابن حنبل خلف بعض أئمة القدرية المغالين وأمثالهم، وهكذا لا يُعْرَفُ عن كبار الأئمةِ مَنْ طَعَنَ أخاه أو انتقصَهُ؛ إذ ليس في الدنيا مذهب كله خطأ أو كله صواب.

ويشتمل الكتاب على ستة أبواب، الباب الأول: قضية الخلافات المذهبية، الباب الثاني: ثمانية وعشرون حديثًا ثابتًا حاسمًا في أنه ليس من أهل القبلة كافر ولا مشرك، وإِنْ عَصَى وَخَالَفَ، الباب الثالث: ابن تيمية يمنع تكفير المسلمين وتبديعهم، وابن القيم يمنع تكفير المسلمين وتبديعهم، وشيخ الإسلام ابن قدامة يمنع تكفير المسلمين وتبديعهم، الباب الرابع: الآيات القرآنية التي نزلت في الكفار والمشركين ويحرم سحبها وتطبيقها على أهل الشهادتين، الباب الخامس: تحقيق حديث افتراق الأمة، وتحقيق حديث: «خَط رسول الله خَطًّا»، الباب السادس: تاريخ محاولة تجميع طوائف المسلمين بمصر في العصر الحديث.

ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام.

ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: معرض الكتاب جناح الأزهر جناح الأزهر الشريف بمعرض الكتاب جناح الأزهر الشريف الأزهر الأزهر الشریف جناح الأزهر

إقرأ أيضاً:

بردة النبي لروي متحدة رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة

في بانوراما الأدبيات والكتابات المعاصرة التي حاولت تفكيك ألغاز الثورة الإيرانية، يحضر كتاب "عباءة النبي: الدين والسياسة في إيران" للمؤرخ روي متحدة (صدر للمرة الأولى عام 1985) كعمل استثنائي يغوص في أعماق الروح الإيرانية ولا يكتفي بالتحليل السياسي كما تفعل أغلب الكتابات والأعمال البحثية التي تدرس إيران المعاصرة.

وبأسلوب روائي فريد، يقدم متحدة سيرة متخيلة لطالب علم شيعي يدعى "علي هاشمي". ومن خلال رحلته الشخصية، يرسم لوحة تاريخية وفكرية غنية لإيران، كاشفا عن الجذور الثقافية والدينية التي غذت ثورة عام 1979. وحظي الكتاب بإعجاب نقدي واسع، ووصف بأنه علامة فارقة نجحت في تقديم صورة إنسانية عميقة، بعيدا عن القوالب النمطية التي حصرت المشهد الإيراني في دائرة العنف والتعصب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2“الدين المعرفي”.. هل تقودنا سهولة الذكاء الاصطناعي لفقدان قدراتنا الإبداعية؟list 2 of 2الإسلاموفوبيا القاتلة.. كيف يكتسب خطاب اليمين المتطرف الأوروبي وجها دمويا؟end of list

روي برفيز متحدة (1940-2024) مؤرخ أميركي مرموق من أصل إيراني، وأحد أبرز المتخصصين في التاريخ الإسلامي والثقافة الإيرانية. تخرج في جامعة هارفارد وعمل أستاذا في جامعتي برنستون وهارفارد، حيث شغل منصب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط. وتميز بقدرته على السرد التاريخي بأسلوب أدبي شائق دون التخلي عن الدقة الأكاديمية.

السرد والحوزة والشعر الفارسي

ينسج متحدة كتابه عبر مستويات مترابطة تمزج ببراعة بين الشخصي والاجتماعي والوطني، ليقدم للقارئ فهما شاملا للمجتمع الإيراني، ويتميز عن الدراسات السياسية البحتة بكونه سردا حضاريا شاملا يربط الفكر بالتاريخ بالمجتمع، ويقدم إيران كلوحة فسيفسائية متعددة الأبعاد.

وتتمحور القصة حول "علي هاشمي" وهو شاب من مدينة قم ينتمي إلى سلالة النبي ﷺ (سيد) ينشأ في كنف عائلة متدينة ويتلقى تعليمه في الحوزة العلمية ليصبح "ملا". ويتابع القارئ مسار تكوينه الفكري والروحي، ويشاركه مشاعره المتضاربة بين الغضب والابتهاج، والشك والإيمان. وتهتز قناعاته حين يقرأ عن فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ثم يخوض تجربة "عرفانية" عميقة تقوده إلى رؤيا صوفية تتجلى فيها "الأنوار" في كل ما حوله، في إشارة إلى مكانة التصوف الخاصة في الثقافة الإيرانية رغم تحفظ المؤسسة الدينية الرسمية.

إعلان

وتتقاطع رحلة هاشمي مع الاضطرابات السياسية، فيسجن لفترة وجيزة، حيث يلامس اليأس قبل أن يجدد إيمانه. ومع انتصار الثورة، يمتزج فخره برؤية راية الإسلام الخضراء بقلق وجودي حول مستقبل بلاده. وشخصية علي المركبة، التي تعيش التوتر بين التقوى والشك، والتقليد والحداثة، تصبح مرآة صافية تعكس تحولات المجتمع الإيراني في القرن العشرين.

ويفتح الكتاب نافذة واسعة على عالم الحوزات العلمية وطرق التعليم التقليدية في إيران. ويرسم المؤلف صورة حية لمدينة قم كمركز مقدس للتعليم الشيعي، حيث يتعلم هاشمي النحو والبلاغة والمنطق على أيدي الملالي التقليديين، في نظام تعليمي يشبه في جوهره مناهج أوروبا في القرون الوسطى. ويقدم الكتاب أمثلة على التقوى الشخصية لرجال الدين، مثل الشيخ مرعشي (أستاذ هاشمي) الذي كان يستيقظ قبل الفجر بساعتين ليكرر دعاء "استغفر الله" 300 مرة، مما يمنح القارئ لمحة عن الورع والانضباط في حياة الحوزة. كما يكشف الكتاب عن "منطقة رمادية" من التسامح، حيث تعايش الشك الفكري سرا مع الإيمان، وبقيت تيارات كالتصوف والتشيع الباطني بهدوء داخل مجتمع شديد المحافظة.

ويستكشف الكتاب دور التراث الفارسي، وخصوصا الشعر، باعتباره الموئل الوجداني للإيرانيين، ومجالهم للتعبير عن عشقهم للغموض والمجاز بعيدا عن رقابة السلطات. ويستشهد المؤلف بأبيات لكبار شعراء فارس مثل حافظ وسعدي وفردوسي، مما يضفي على السرد عمقا أدبيا. ويرى متحدة أن "حب الغموض" جوهر الثقافة الإيرانية، وهو ما يتجلى في قدرتهم على التعايش مع التناقضات، مثل الجمع بين الفخر بالتاريخ الفارسي القديم (كالبطل الأسطوري رستم) والهوية الإسلامية الشيعية.

الطريق إلى الثورة

يستعرض الكتاب تاريخ إيران الحديث، وكيف أدى دخول التعليم الغربي في عهد الشاه إلى إيجاد ازدواجية ثقافية لدى الشباب الإيراني. ووجد هاشمي نفسه ممزقا بين عالمي الحوزة والجامعة العلمانية. ثم ينتقل السرد لتحليل المسار التاريخي لنشاط المؤسسة الدينية سياسيا. فبعد أن ظل العلماء على هامش السلطة، برز دورهم في محطات مفصلية كانتفاضة التبغ (عام 1891) والثورة الدستورية (عام 1906).

غير أن التحول الأكبر جاء مع سياسات التحديث القسرية لرضا شاه بهلوي وابنه، والتي استهدفت تقليص نفوذ المؤسسة الدينية وتفكيك "منطقة الغموض" التقليدية. وهذه السياسات، التي شملت إلغاء المحاكم الشرعية وفرض القوانين المدنية، أجبرت الكثيرين على اتخاذ موقف واضح. ونتيجة لتآكل شرعية نظام الشاه بسبب الاستبداد والتبعية للأجنبي، استعاد رجال الدين دورهم في قيادة المعارضة، ليصبحوا أقرب إلى هموم الناس من النخبة الحاكمة.

ويبرز الكتاب كيف استثمر الإمام الخميني هذا الغضب الشعبي، خاصة بعد قمع طلاب الحوزة في قم (عام 1963) ومنح الحصانة القضائية للأميركيين (عام 1964) ليطرح نظرية "ولاية الفقيه" كبديل سياسي إسلامي. ومع سقوط الشاه، اضطر الإيرانيون إلى الخروج من منطقة الالتباس الثقافي واتخاذ قرار حاسم، لتتحول العمائم من رمز للإرشاد الروحي إلى أداة للحكم السياسي. ورغم أن الثورة حققت شعارها بطرد الشاه، يختم متحدة كتابه بنبرة قلقة، مشيرا إلى أن التشدد الأيديولوجي الذي أعقب الثورة بات يهدد بتقويض إرث التسامح والتنوع الذي ميز الثقافة الإيرانية لقرون.

إعلان الفكر والاجتماع الإيراني

ورغم أن القصة المحورية للكتاب تدور منتصف القرن العشرين، فإن المؤلف يربط أحداثها ومفاهيمها بجذور بعيدة في الماضي. فهو يستحضر مثلا شخصيات فكرية إسلامية كالفيلسوف ابن سينا (القرن الـ11) وصولا إلى شخصيات سياسية حديثة كالدكتور مصدق والمفكر علي شريعتي بالقرن العشرين، وذلك ليظهر امتداد خيط الفكر الإصلاحي والديني عبر العصور، معتبرا أن الثورة الإيرانية لم تكن حدثا منعزلا، بل جاءت تتويجا لتطور تاريخي طويل شمل اجتهادات فقهية وصراعات اجتماعية وتأثيرات استعمارية.

ويناقش الكتاب مثلا الإرث الذي تركه جمال الدين الأفغاني أواخر القرن الـ19 في الدعوة إلى نهضة إسلامية ضد الاستعمار، وتأثير حركة التنباك (احتجاج عام 1891) التي قادها المراجع ضد هيمنة الأجانب اقتصاديا. كما يعرج على الثورة الدستورية عام 1906 بوصفها أول محاولة لإقامة حكم حديث مع الحفاظ على دور للدين، والتي شهدت أيضا انقساما بين تيار علماء الدين المحافظين والتيار الحداثي. وتعطي هذه المحطات التاريخية وغيرها القارئَ الخلفية اللازمة لفهم شعارات الثورة عام 1979 ومطالبها.

كذلك يبرز متحدة الخلفية الاجتماعية لإيران قبل الثورة، فيصف التغيرات السكانية مثل الهجرة الواسعة من الأرياف إلى المدن خلال الستينيات والسبعينيات وما نجم عنها من تصاعد في التدين بين الطبقات الفقيرة كوسيلة للتكيف مع بيئة المدينة غير المألوفة. ويرى أن هذه الظروف الاجتماعية المتفجرة (من قبيل ملايين الشباب الريفي العاطل والمهمش بالمدن الكبرى كطهران) شكلت أرضا خصبة لرسالة الثورة الإسلامية التي وعدت بالعدالة الاجتماعية ورد الاعتبار للهوية الدينية. كما يتناول الكتاب تأثير السياسات الدولية، مثل دعم الولايات المتحدة لحكم الشاه والصراع الإقليمي مع العراق، في إذكاء المشاعر الثورية داخل إيران.

وعلى الصعيد الفكري، يظهر الكتاب تأثر متحدة بحقول معرفية متعددة، فهو مؤرخ ومتخصص في الفكر الإسلامي مما مكنه من قراءة الأحداث بمنظار يجمع بين التحليل الاجتماعي والتعمق الفكري. ويتضح للقارئ إلمام المؤلف بالفلسفة الإسلامية والتصوف والفقه الشيعي، إذ نجد شروحات مبسطة لأفكار مثل الاجتهاد (جهود الفقهاء في استنباط الأحكام) ودور المرجعية الدينية في حياة الشيعة.

ويشرح مثلا تطور نظام التقليد حيث يقلد عامة الناس مرجعيات عليا في الأحكام الشرعية، وكيف ساهم هذا النظام في تماسك المجتمع الشيعي لكنه أيضا جعل منه قوة قادرة على التحشيد السياسي حين يلجأ المراجع إلى إصدار الفتاوى السياسية.

كما يناقش الكتاب مسألة الثقافة المزدوجة في إيران: مزيج من عناصر إسلامية فارسية وأخرى حديثة غربية. ويحضر هنا مصطلح "المونتاج" الذي استخدمه بعض المثقفين لوصف هوية أهل طهران بوصفها مركبة من قطع مستوردة مختلفة، في إشارة إلى التأثيرات الغربية المتنوعة التي مزجها الإيرانيون بهويتهم.

ولاقى الكتاب استحسانا كبيرا من النقاد والقراء، واعتبر مساهمة فريدة في فهم إيران الحديثة. وأشادت به مجلة "فورين أفيرز" لقدرته على تقديم فهم عميق للثورة يفوق ما قدمته الدراسات السياسية التقليدية. كما وصفته مجلة "الدراسات الإيرانية" بأنه "دراسة رائدة في أدبيات الثورة" لما قدمه من تناول شامل للثقافة والتاريخ في قالب قصصي جذاب. وفي المقابل، وجهت للكتاب بعض الانتقادات، أبرزها من الباحث فريد هاليداي الذي رأى أن متحدة قدم صورة رومانسية عن إيران، متجنبا الخوض مثلا في تفاصيل القمع الذي تلا الثورة.

مقالات مشابهة

  • الرضا بالإقامة عين الكرامة.. عالم أزهري يقدم تفسيرا لمقولة الأولياء
  • جناح «التنين» بإكسبو دبي يحتضن الصالون الإعلامي العربي الصيني
  • بردة النبي لروي متحدة رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
  • إحراج وتعليقات طريفة يثيرها رئيس وزراء فرنسا بعد فيديو ما حصل معه بمعرض باريس للطيران
  • السفير العُماني ورئيس اتحاد الناشرين الأردنيين يبحثان مشاركة السلطنة بمعرض عمان الدولي للكتاب
  • شيخ الأزهر يبحث مع سفير باكستان بالقاهرة سبل تعزيز التعاون العلمي والدعوي
  • شيخ الأزهر يستقبل سفير باكستان بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون العلمي والدعوي
  • شيخ الأزهر: ما يحدث في قطاع غزة فضح الصمت العالمي
  • شيخ الأزهر: الحضارة الغربية ليست كلها خيرًا.. وبعضها دمار للإنسانية
  • شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية