"جهنمية" يقتحم الثورة السودانية ويعكس دور المرأة
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شارك فيلم جهنمية في مهرجان مينا السينمائي بكندا، وحظى على اهتمام كبير من النقاد بسبب ما يحمله الفيلم من جرأة وحس فني، حيث يقتحم أحلك لحظات الثورة السودانية وأكثرها تأثيرًا على مستقبل البلاد. تدور أحداثه في الأيام الأخيرة قبل سقوط عمر البشير، حين تُعتقل شامة وهي في طريقها لمظاهرة، لتجد نفسها في زنزانة ضيقة ومعتمة، مع أربع نساء أخريات، يقبعن منذ شهور.
يقول المخرج ياسر فائز متحدثًا عن الفيلم يستمد فيلم جهنمية اسمه من زهرة قوية نابضة بالحياة تزدهر حتى في البيئات القاسية، وترمز إلى الروح التي لا تقهر للمرأة السودانية. في جوهره، الفيلم عبارة عن انعكاس مؤثر لدورها في الثورة السودانية عام 2018. لم تكن النساء مجرد مشاركات بل كن قائدات للانتفاضة، وجسدن صرخة الحشد من أجل الحرية والسلام والعدالة.
وأضاف: "إن الدور الاستثنائي للمرأة السودانية في الحياة العامة والنضال السياسي في السودان، والذي وصل إلى ذروته خلال ثورة ديسمبر 2018، هو القوة الدافعة وراء هذا الفيلم. وللتعمق في السجن السياسي لهؤلاء النساء، أجريت مقابلات مع العديد من المعتقلات السابقات، بهدف تسليط الضوء على الجوانب العاطفية والصارمة والشاقة لتجاربهن".
داخل الزنازين، أصبحت هذه النساء نموذجًا للتضامن والمساندة. رغم قسوة الظروف وقيود الحرمان، نجحن في بناء روابط أخوية متينة، تشكلت من المعاناة المشتركة والأمل في غد أفضل. تتشاركن أحلامهن، ويساندن بعضهن نفسيًا وعاطفيًا، ويبدعن في خلق بيئة داعمة داخل الجدران الضيقة ويتمثل ذلك في مشهد الاحتفال بعرس إحداهن من خلال الحنة والرقص.
في أحلك الأوقات تتحرر دواخلهن من مخاوفها وأحزانها وأحلامها، فيمتلكن المكان عفويًا، بينما تجد شامة العزاء في أحلام غامضة لحبيبها، ويبدأن معًا في ابتكار طرق مقاومة تعيد إليهن ثقتهن في أنفسهن لتتصاعد المواجهة بين إرادتهن وبين قهر الاعتقال، حتى لحظة انتصار الثورة.
قصتهن ليست فقط عن الألم بل عن الأمل، عن قدرة الإنسان على مقاومة الظلم، وعن روح الجماعة التي تحول المحنة إلى منبع للقوة. هؤلاء النساء يثبتن أن الحرية ليست مجرد مكان خارج الأسوار، بل هي حالة عقلية وروحية يمكن الحفاظ عليها حتى في أحلك الظروف.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عمر البشير
إقرأ أيضاً:
لماذا تنتصر الدولة السودانية
د. عمرو محمد عباس محجوب
لكي نستطيع فهم اي انتصار او هزيمة لأي قوى مقاومة لابد ان ننظر لعوامل مفتاحية تشكل أساس هذا النصر. اول هذه العوامل لاي مشروع مهما كان تقدمياً او انسانيا إذا لم يبن على أساس شعبي قادر على تحمل تضحيات وتبعات هذا المشروع فإنه يحمل جذور فنائه وانكساره. وثاني العوامل ان هذا الأساس، وهو قائم على فكرة ليست دينية او طائفية او جهوية لكن افكار وطنية موحدة لمختلف قطاعات الشعب، يجب ان تكون متجذرة داخل البنى الاجتماعية جميعها ولها امتدادات متنوعة ومتشعبة وعابرة لكل الطوائف والأفكار السياسية.
نشأة ميليشيات الجنجويد في مطلع الألفية، كانت بدعم مباشر من حكومة البشير، بغرض ضرب الحركات المتمردة في دارفور. تسليح هذه الميليشيات ومنحها حصانة قضائية أسس لمعادلة خطيرة: الدولة تستخدم العنف الأهلي لتفكيك المعارضة، لكنها في ذات الوقت تضع بذور تمرد جهوي مستقبلي.
مع سقوط نظام البشير عام 2019 وظهور حكومة مدنية انتقالية لم ينهيا دور الجنجويد. بالعكس، تم دمجهم في المشهد السياسي عبر اتفاقيات هشة (مسار السلام)، بل وأصبحوا قوة شبه دولة ونشأ تناقض حاد: قوى الثورة كانت تطالب بإزالة بنية الدولة القمعية (الجيش للثكنات والجنجويد ينحل)، بينما الجنجويد ازدادوا قوة وسط تردد الدولة وضعف مؤسساتها.
الأسباب الاجتماعية التي شجعت انتصار الجيش السوداني تتعلق ببنية المجتمع السوداني وتفاعله مع الحرب.
اولا: الرفض الشعبي المتزايد لقوات الدعم السريع لاستمرار الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين (قتل، اغتصاب، نهب) في كافة مناطق الوطن، أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والاجتماعي للجنجويد. وتحول كثير من القبائل والمجتمعات المحلية التي كانت مترددة أو متحالفة مع الدعم السريع إلى معارضة نشطة، مما سهّل اختراق هذه المناطق. كما ان وجود حاضنة شعبية في مناطق الشمال والشرق استمرت في دعم الجيش، مما وفر له قاعدة اجتماعية صلبة.
ثانيا: الجيش السوداني، رغم مشاكله التاريخية الطويلة، يُنظر إليه من قبل قطاعات واسعة كرمز لوحدة الدولة السودانية والمؤسسة الحافظة لوحدة أراضي البلاد.
ثالثا: في الدور القبلي والمناطقي لعبت بعض القبائل الكبرى في دارفور وكردفان، التي عانت من تجاوزات الجنجويد، ووفرت معلومات ولوجستيات مهمة للجيش، وظهرت تحالفات قبلية جديدة مع الجيش، خصوصاً عندما بدا واضحاً أن الجنجويد بات يهدد بنية الدولة والمجتمع.
رابعا: نجاح استثمار الجيش في الخطاب الوطني مثل خطاب “الحفاظ على وحدة السودان” و”استعادة الدولة من مليشيات خارجة عن القانون”، مما جلب تعاطفاً اجتماعياً. وتركيز الإعلام المرتبط بالجيش على دور القوات المسلحة كحامي للوطن، في مواجهة “المرتزقة” أو “المتمردين” من الجنجويد.
خامسا: بعد شهور طويلة من الحرب، أصبح المجتمع المدني مرهقاً ومستنزفاً، مما جعله يبحث عن طرف قادر على فرض النظام ووقف القتال والجيش – بفضل بنيته النظامية – بدا أكثر قدرة على فرض الاستقرار مقارنة بالجنجويد الذي اعتمد على العنف والنهب.
لذلك فان نتيجة هذه الأسباب المتعددة أدت لتقاطع الحاضنة الوطنية مع الضغط الاجتماعي والقبلي والرفض الشعبي الشامل مما أضعف الجنجويد وسهّل للجيش استعادة السيطرة. كما ساعدت عدة تكوينات في الفضاء السياسي في لعب أدوار مهمة وحاسمة في تأييد عمليات الجيش ضد المليشيا واهمها أفراد وجماعات الطبقة الوسطى النشيطة التي استطاعت محاصرة الجنجويد وكل مسانديها من تحورات تقدم وصمود وتأسيس والمتعاونين والمتعاونات كما ساهمت النقابات المختلفة والتنظيمات الفئوية وجماعات الشباب والنساء المنضوية في مكونات لجان الطواريء ولجان القرى والمدن والمستنفرين.
يستحق المستنفرين وتكوينات الجماعات والقرى ولجان المقاومات المحلية الذين التحقوا اما بالجيش او المشتركة او كونوا مجموعات مسلحة في القرى والمدن واهمها تجربة الفاشر ، تناولا خاصا ومميزا لأنها شكلت رفع السلاح الشعبي في الدفاع عن الأرض والعرض ربما لأول مرة منذ اكثر من قرن.
عندما اندلع القتال بين الجيش السوداني والجنجويد، انكشفت حقيقة الصراع: الجنجويد ليسوا مجرد ميليشيا بل جيش موازٍ طامع في الحكم. توسع رقعة الانتهاكات بحق المدنيين، خصوصاً في غرب السودان والخرطوم والجزيرة، دفع الأهالي إلى تنظيم أنفسهم.
تميزت هذه التجربة الكبرى بانها تعبر عن حالة الغضب الشعبي العميق بعد الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجنجويد بحق المدنيين، لذلك أصبح حمل السلاح دفاعاً عن النفس مسألة حياة أو موت بالنسبة للعديد من المجتمعات المحلية.
وادّت لظهور مقاومة شعبية مسلحة من الحركات المحلية التي بدأت تنظم نفسها في شكل لجان مقاومة مسلحة أو كتائب دفاعية تشير إلى أن السلاح لم يعد حكراً على الدولة أو المليشيات، بل أصبح وسيلة للبقاء. واتخذت بعدا رمزيا ان السلاح هنا ليس مجرد أداة مادية، بل هو تعبير عن إرادة الشعب في رفض الإبادة والهيمنة، والبحث عن العدالة والكرامة.