السودان.. حرب الهويات والغنيمة
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
رغم تغطية الإعلام الدولي للحرب في السودان، تصمت معظم الإذاعات العربية عن مأساة الحرب الأهلية في السودان، والتي طالت لعدة عقود، والسبب في ذلك أمرين: الأول اهتمام وسائل الإعلام بالحرب في غزة والتغيير السياسي في سوريا، والأمر الثاني، أن حرب السودان عرقية ناتجة عن التعريف القومي لهوية الدولة تابعها مفهوم الغنيمة، باحتكار النفط سابقا واحتكار والسيطرة على مناجم الذهب حاليا، وهي لا تساعد الحكومات العربية على وضع اللوم على الخارج الإمبريالي كما يوصف دائما.
خلال 40 عاما كان الجنجويد وجلهم من القبائل العربية في دارفور في صدارة الأحداث السودانية، ظهروا في دارفور عقب سقوط النميري ووصول سوار الذهب إلى الحكم لتأمين الطرق، وتشكلت منهم قوة عسكرية في سنة 2003م استغلها عمر البشير لمحاربة فصائل الجنوب، فانفصل عن شماله بعد حرب دامت عقدين من الزمان، ثم استخدم البشير هذه المجموعات لتصفية خصومه المعارضين له في الشمال والغرب.
في سنة 2013م تحولت تلك المجموعات تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) وبمساعدة جهاز الاستخبارات الوطني إلى قوة ضاربة بعشرات الآلاف من المسلحين تسمى قوة الدعم السريع.
برزت قوة الدعم السريع بعد سقوط نظام البشير وأصبح حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري في السودان للفترة الانتقالية بقيادة البرهان، وبذلك أصبح للدعم السريع صلاحيات أكبر منافسة وموازية للجيش، من خلالها لعب الدور الأبرز في قمع المظاهرات في سنة 2019 م عقب الانقلاب العسكري، حيث نفدت قوات الدعم السريع مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019 والتي راح ضحيتها 100 من المتضاهرين العزل.
وفي 6 سبتمبر 2023 تمردت قوات الدعم السريع عن الجيش السوداني وبدأ مسلسل الحرب الأهلية مرة أخرى، علما بأن الدعم السريع وقواعدة من الجنجويد في دارفور والجيش السوداني معضمه من السودانيين من أعراق أفريقية.
منذ البداية كان الجيش يتحصل على دعم من الجارة مصر لعدة أسباب منها محاولة نقل تجربة السيسي إلى مصر، وضمان وجود السودان كداعم لمصر في قضية السد الإثيوبي وتقاسم مياه المصب، إضافة إلى روسيا التي تحاول اللعب مع الطرفين.
بالمقابل لجئ حميدتي إلى الإمارات التي لها رغبة أكيدة في وأد أي تجربة ديموقراطية ونهضة عمرانية تؤثر سلبا على موقعها التجاري، فكانت الداعم الأكبر لحميدتي وساهمت في ترويض حفتر ليكون الممول بالسلاح والوقود عبر الصحراء الليبية إلى السودان، مقابل إشراك المرتزقة السودانيين في حرب حفتر على طرابلس وفتح مناجم الذهب للإمارات وجزئيا إلى روسيا، ويقدر كمية الوقود المهرب إلى السودان من المنطقة الشرقية بليبيا عن طريق ميناء ينغازي ما لا يقل عن 3 مليار دولار من مجموع 9 مليار مجموع دعم الوقود في ليبيا، أما الهدف الآخر للإمارات هو الحصول على ميناء بحري على البحر الأحمر لضمان استمرار تجارة العبور التي أصبحت مهددة من موانئ جنوب البحر المتوسط إن ساد في أي منها حكم رشيد.
يتم تمويل قوات الدعم السريع من تهريب الذهب من مناجم السودان حيث تقول التقارير في سنة 2017 تم تهريب أكثر من 145 طن من الذهب الخام من مجموع 250 طن تنتجها السودان جلها يصدر إلى الإمارات وروسيا، وهذه الأموال لا تعود للحكومة المركزية.
الأمر الآخر المهم أن السودان يوجد به أكثر من 200 مجموعة عرقية و 114 لغة جلها أفريقية، مما حدا بالمشرع في دستور 2005 أن تكون العربية والإنجليزية هما اللغات الرسمية، رغم ذلك تريد مجموعات الجنجويد والإخوان المسلمين أن تكون دولة السودان عربية إسلامية، وهذا النهج افضى إلى انفصال الجنوب عن الشمال بسبب الإقصاء، واليوم تتفكك الدولة في حرب أهلية مدمرة، وهي نتائج لتعريف الهوية بأنها نتاج اللغة السائدة المفروضة من المجموعة الأقوى في الدولة وليس الأكثرية.
إن هذا التعريف القومي المزيف للهوية بأن أساسها الدين والقومية قد نشر الحرب الأهلية في جل الدول العربية المنتفضة بعد 2011 مثل العراق وليبيا واليمن وسوريا والسودان وحتى تونس، وهو إرث ثقيل لم تتخلص منه عقليات شعوب العالم الثالث بعد.
من الملاحظ أن استقرار الدول المتقدمة أحد عواملة الأساسية تعريف هوية الدولة على أسس الجغرافيا والتاريخ المشترك، والتي تشيع اختلاف اللغات والثقافات ضمن الشعب الواحد، فمثلا عند معظم الدول الغربية من تواجد على أرض الوطن لفترة معينة وتقبل قوانينها وسار بنظامها وأصبح له مع موطنوا الدولة تاريخ مشترك (من 5 حتى 20 سنة) يصبح جزء من الدولة، ومواطن فيها وهويته الوطنية التي تجمعه بذلك الشعب جعلته جزء من وعاء الدولة بغض النظر عن اللغة والدين والعرق.
في ليبيا مثلا الإسلاميين السلفيين يريدونها دولة خلافة، وعائلات العهد الملكي تريدها ملكية دستورية، وأنصار حفتر والنظام السابق يريدونها دولة ذات هوية قومية عربية، أما المثقفين والنشطاء المدنيين وجل الأمازيغ والعائدين من المعارضة فيريدونها دولة مواطنة ديموقراطية هويتها الجغرافيا والتاريخ المشترك دون الاهتمام بالعرق والدين واللغة.
في السودان لو تم تأسيس الدولة على هوية جامعة وهي الجغرافيا والتاريخ المشترك لما كان هناك انهيار للدولة ولا مئات الآلاف من القتلى، وأكثر من 10 مليون مشرد معرضين للمجاعة، مع انهيار البنية التحتية، بالمثل تعريف هوية الدولة على أسس اللغة والدين، دمر اليمن والعراق والسودان وسوريا، وعطل قيام الدولة في ليبيا وتونس، وأوجد قلاقل في البحرين والجزائر.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان فی سنة
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع تعلن حالة الطوارئ جنوب دار فور وحركة نزوح جماعي في كردفان
أعلنت الإدارة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع في مدينة نيالا حالة الطوارئ والتعبئة العامة بولاية جنوب دارفور، عقب تقدمات لافتة للجيش السوداني في إقليم كردفان المتاخم.
وناشدت مفوضية "العون الإنساني" بجنوب كردفان المنظمات الوطنية والدولية بالتدخل العاجل لتقديم الدعم للنازحين الذين فروا من قرى بمحافظة الريف الشرقي والقطاع الغربي لكادقلي، عقب هجمات شنتها قوات تتبع للحركة الشعبية – جناح الحلو والدعم السريع.
وأكد المفوض فضل الله عبد القادر أبوكندي نزوح أكثر من 900 أسرة إلى مدينة كادقلي ومناطق أخرى، مشيرا إلى بدء تدخلات عاجلة لتوفير الغذاء والمأوى، بتنسيق مع حكومة الولاية والمنظمات وسط ترتيبات لمزيد من الاستجابة الإنسانية.
من جهته، قدم والي شمال دارفور حافظ بخيت محمد دعما إضافيا بقيمة 300 مليون جنيه لوزارة الرعاية الاجتماعية، مخصصا لتكايا الطعام بمدينة الفاشر، في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة الناتجة عن الحصار المفروض من قوات الدعم السريع.
ووجه الوالي ببدء التوزيع الفوري للدعم، داعيا المنظمات الدولية للتدخل العاجل وفك الحصار.
إجراءات أمنية مشددة:
ألقت حملة نفذتها السلطات الأمنية بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان القبض على 30 أجنبيا بالمدينة دون مستندات رسمية وفتح في مواجهتهم بلاغ تحت المادة 30 من قانون الجوازات والهجرة بالقسم الأوسط.
انتهاكات مروعة في دار فور:
كشفت شبكة "صيحة" عن توثيق 14 حالة اغتصاب و64 حالة اختطاف لنساء وفتيات في مخيم زمزم شمال دارفور، بعد اجتياح قوات الدعم السريع للمنطقة في أبريل الماضي.
وشملت الانتهاكات اغتصابا جماعيا، تعذيبا، وطلب فدية مالية، وفق شهادات مباشرة للناجيات وشهود عيان.
توضيحات رسمية حول نبأ تشكيل حكومة تضم كتائب "البراء" و"درع السودان":
قال رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس: في خطاب رسمي وجهه إلى "كافة وسائل الإعلام والشعب السوداني": "تابعت ببالغ الدهشة والاستغراب البيان الذي صدر عن قناة "سودانية 24" والذي نسب إلي فيه أنني، بصفتي رئيسا للوزراء، سأقوم بتشكيل حكومة تضم كتائب البراء ودرع السودان، وإني أؤكد أنني لم أدل بأي تصريح من هذا النوع".
وأضاف: "أود أن أوضح أنني حتى الآن لم أقم بأداء القسم الرسمي، ولم أبدأ أي خطوات عملية في مشاورات تشكيل الحكومة، وكل ما أُشيع خلاف ذلك، لا أساس له من الصحة، وصولي إلى السودان قد تأخر لأسباب تتعلق بإجراءات الخروج، وليس لأي أمر سياسي أو تنظيمي".
وتابع: "كما أنني أذكر بأن رئيس مجلس السيادة قد منحني كافة الصلاحيات في تشكيل الحكومة دون فرض أو إجبار على إشراك أفراد أو جهات بعينها، ومع ذلك، فإنني لا أنكر ولا أقلل من دور كتائب البراء ودرع السودان، ولا من تضحياتهم الكبيرة إلى جانب القوات المسلحة".
وأردف: "أشير إلى أن عملية تشكيل الحكومة حاليا ستتضمن إتفاقية سلام جوبا، مما يفرض علينا التزامات واضحة يجب احترامها في هذه المرحلة الدقيقة".