محور نتساريم.. مفرق الشهداء
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
محمد رامس الرواس
بعد مرور 473 يومًا من وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي تنسحب الفرقة 162 وهي تتجرع طعم الهزيمة من أحد أهم مناطق الاجتياح البري الذي قامت به دولة الكيان الإسرائيلي خلال حرب غزة باحتلاله ألا وهو محور نتساريم.
هذا المحور بموقعه الاستراتيجي كان يمثل الحلم الإسرائيلي الذي كان آرييل شارون يحلم بأن يقيم عليه مستوطنة إسرائيلية منذ العام 1971 ضمن خطة وضعها وباءت بالفشل حينها، ولقد عاد جيش الاحتلال عام 2005 ليجدد الحلم ويقيم هذا المشروع الاستيطاني وكان هذا أحد مخططات الجنرالات الإسرائيليين، ولكنهم اندحروا مرة أخرى، واليوم يتجرعون الهزيمة للمرة الثالثة في هذا المكان الذي أصبح يمثل أيقونة النصر للمقاومة الفلسطينية والهزيمة لجيش الاحتلال.
خلال حرب غزة عاد الكيان الإسرائيلي باحتلال المكان والموقع ووضع آلياته وجنوده وبدأ يشيد البنية التحتية ويجهزها لإقامة الحلم المستوطنة مرة أخرى بدأها بالسيطرة على الطريق الذي أطلق عليه رقم 749 من شرق قطاع غزة إلى غربها عند البحر ثم بدأ يتوسع على جانبي هذا الطريق يمينا وشمالا، والممر في واقعه يمتد بطول 7 كيلومترات، ولقد توسع جيش الاحتلال فيه بعرض 4 كيلومترات، وأنشأ بداخله 4 قواعد عسكرية، وكان الهدف هو فصل شمال غزة عن جنوبها وقطع التنقل بين الشمال والجنوب وتقطيع أوصال القطاع على كافة المستويات، وأولها المستوى الاجتماعي. ولقد أصبحت هناك أسر من قطاع غزة منفصلة عن بعضها بفعل هذا المحور، إضافة إلى منع عودة المُهجَّرين قسرًا من شمال القطاع إلى جنوبه، ولقد أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذا المحور عدة مسميات منها: "خط الجثث" لما كان يرتكبه من مجازر فظيعة في القتل ثم يترك الجثث على قارعة الطريق تنهشها الكلاب، وفي المقابل أطلقت عليه حماس "مفرق الشهداء" بسبب العدد الكبير ممن استشهدوا هناك.
لقد قام جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال احتلاله محور نتساريم بإنشاء ثكنات عسكرية ومواقع وبعض البنى التحتية ولقد كانت هناك زيارات لبعض الصحفيين الإسرائيليين ونواب من الكنيست من اليمين المتطرف لمناطق المحور، وقاموا باختيار بعض الأماكن لإنشاء فلل ووحدات عقارية خاصة بهم في المنطقة التي تطل على ساحل البحر، ويحلمون من خلالها بإنشاء مستوطنات في هذا المكان.
واليوم يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو ينسحب من المحور بتخريب وإحراق منشآته العسكرية وما قام ببنائه فترة وجوده، قال تعالى في سورة الحشر: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
هذا هو ديدنهم عبر الزمان واليوم وهم منهزمون، ويعودون من حيث أتوا خلفوا خلفهم كمية كبيرة من الدمار والخراب والحرائق في منطقة هذا المحور، فكانت توجد هناك جامعة ومساجد ومنازل وبنى تحتية للسكان الفلسطينيين كانت قائمة، وقام جيش الاحتلال بهدمها عند احتلالهم للمحور.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
أستاذ وناشط حقوقي فلسطيني ولد عام 1994 في محافظة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، عُرف بموقفه الثابت في الدفاع عن قريته ومناهضة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في منطقة مسافر يطا. ساهم عام 2019 في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي حاز جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل عام 2025، ووثق معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال. واستشهد في 28 يوليو/تموز 2025 برصاص مستوطن إسرائيلي قرب منزله أثناء تصديه لعملية استيطانية.
المولد والنشأةوُلد عودة محمد خليل الهذالين عام 1994 في قرية أم الخير شرق بلدة يطا بمحافظة الخليل، في قلب الضفة الغربية المحتلة.
وتعود أصوله إلى قبيلة الهذالين، إحدى القبائل البدوية العريقة التي استقرت في المنطقة بعد أن أجبرها الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من موطنها الأصلي في بئر السبع عام 1948.
نشأ في كنف أسرة بدوية تعتز بأرضها، وتربى على قيم الصمود والتشبث بالأرض وعدم الاستسلام.
كان محبا للرياضة لا سيما كرة القدم، وشارك في مباريات ودية أقيمت في قريته ضمن فرق محلية مثل نادي مسافر يطا ونادي سوسيا، وآمن بأن الرياضة تعزز الانتماء وتُنمّي روح التحدي.
تلقى عودة تعليمه الأساسي في مدارس مسافر يطا، والتحق بمدرسة أم الخير الابتدائية عام 2000، وواصل دراسته رغم ضعف البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى المدارس بسبب مضايقات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أظهر منذ صغره حبه لتعلم اللغات، وأبدى اهتماما خاصا باللغة الإنجليزية، مما دفعه لإكمال تعليمه الإعدادي والثانوي في مدرسة الصرايعة التي تخرج فيها عام 2012. وواصل دراسته الجامعية في جامعة الخليل، وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 2016.
تزوج الهذالين وأنجب ثلاثة أطفال وهم وطن ومحمد وكنان.
المسيرة النضاليةعمل عودة بعد تخرجه مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة الصرايعة الثانوية الواقعة في البادية الفلسطينية، لكنه لم يكتف بالدور التعليمي، بل سرعان ما برز ناشطا في مجال حقوق الإنسان ومقاومة الاستيطان جنوب الضفة الغربية.
وعرفه المحليون والدوليون بأنه صوت قرية "أم الخير" والمدافع الأول عن سكانها، وأصبح المتحدث غير الرسمي باسمها، خاصة في الأوساط الحقوقية والإعلامية.
تولى لفترة طويلة مسؤولية المرافعة الميدانية، واستقبل الوفود الأجنبية من دبلوماسيين وصحفيين ونشطاء حقوقيين، وقادهم في جولات توثيقية داخل المناطق المهددة بالهدم، موضحا واقع البيوت التي أصبحت خياما، والأراضي التي صودرت لصالح التوسع الاستيطاني.
إعلانبالعربية والإنجليزية، قدّم الهذالين شهادات حية ومؤثرة نقلت معاناة قريته إلى العالم، مستخدما لغة بسيطة لكنها قادرة على النفاذ إلى الضمير الإنساني.
شارك الهذالين في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي صُوّر على مدى أربع سنوات (2019-2023) وانتهى العمل عليه قبل أيام قليلة من اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنرويج، حصد أصداء واسعة في الأوساط السينمائية والحقوقية، وفاز بجائزتي "أفضل فيلم وثائقي" و"جائزة الجمهور" في مهرجان برلين السينمائي عام 2024، ثم حقق إنجازا تاريخيا بفوزه بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل في الدورة الـ97 للأكاديمية، التي أُقيمت يوم 2 مارس/آذار 2025 على مسرح دولبي في هوليود.
وسلّط الفيلم الضوء على معاناة الفلسطينيين في قرية مسافر يطا جنوب محافظة الخليل، وركز على حياتهم التي يقضونها في المقاومة للبقاء والعيش في أرضهم رغم القمع والاستيطان.
وأثار فوز الفيلم بجائزة أوسكار موجة غضب كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، واعتبرته الحكومة الإسرائيلية "لحظة حزينة للسينما العالمية"، ذلك أنه جسّد حقيقة النكبة التي ترفض روايتها.
الاستشهاداستشهد عودة محمد خليل الهذالين مساء يوم الاثنين 28 يوليو/تموز 2025، وذلك بعدما أطلق مستوطن إسرائيلي النار مباشرة على رأسه أمام منزله في قرية أم الخير.
ووفقا لشهادات الأهالي، جاء الاعتداء في سياق اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي برفقة جرافة عسكرية أراضي القرية لتوسيع مستوطنة "كرميئيل" المقامة على الأراضي المصادرة.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن المستوطن المسؤول عن إطلاق النار هو ينون ليفي، أحد أبرز المستوطنين المعروفين بتورطهم في اعتداءات ممنهجة ضد الفلسطينيين جنوب الضفة الغربية.
ويُذكر أن ليفي هذا مُدرج منذ عام 2023 في قوائم العقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية والكندية، ضمن حزمة شُرعت لمحاسبة المستوطنين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة (ج) من الضفة الغربية.
سياسات قمع إسرائيليةوفي 29 يوليو/تموز 2025، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي خيمة عزاء الشهيد عودة الهذالين في قرية أم الخير، واعتدت على عدد من النشطاء والصحفيين الأجانب ثم طردتهم بالقوة، وأعلنت المنطقة "عسكرية مغلقة"، في محاولة واضحة لمنع أي مظاهر للتضامن المحلي والدولي.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن القوات طردت المعزين بالقوة من العزاء واعتقلت ناشطتين أجنبيتين كانتا ضمن المتضامنين.