لم يتجاوز الشهر في منصبه.. «ترامب» يطلق العنان لـ«الفوضى» في العالم!
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
أيام قليلة لم تتجاوز الشهر مرّت على تعيين “دونالد ترامب” كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، غير أن هذه الأيام “إن صح التعبير زلزلت العالم”، عبر قرارات ربما “تجاوزت المئة”، ووصف بأنه الأسرع في اتخاذ القرارات، مطلقا العنان لفوضى اقتصادية وسياية عارمة في العالم، تاركا خلفه “دون اكتراث”،غضبا عالميا واسعا.
. فكيف ذلك؟
وحول هذا الأمر، قالت قناة “سكاي نيوز“، في تقرير عنونته “ترامب” يطلق العنان للفوضى في العالم متعمدا”: “أصبح السعوديون غاضبين، والدنماركيون في حالة هياج، وكولومبيا تراجعت، والمكسيك وكندا تستعدان لحرب رسوم جمركية مع الولايات المتحدة، أما بكين فأطلقت حربها التجارية مع واشنطن، ردا على قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” فرض رسوم بنسبة 10% على المنتجات الصينية، وحتى البريطانيين الذين طالما كانوا فخورين بـ “علاقاتهم الخاصة” مع الولايات المتحدة، لجأوا إلى تقاليدهم في الدبلوماسية الهادئة للتعامل مع سياسات وأصبح المشهد العالمي يبدو وكأن الرئيس “دونالد ترامب” ألقى كيسًا من الزجاج المكسور تحت أقدام زعماء دول العالم الذين غالبًا ما تضافرت جهودهم على مدى ثمانية عقود في إطار النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية”.
وأضاف تقرير القناة: “يبدو أنه بات على الجميع الرد على “دونالد ترامب” يوميا، حتى أن رئيس وزراء أستراليا “أنطوني ألبانزي” قال عندما سُئل في الأسبوع الماضي عن رأيه في إعلان “ترامب” أن الولايات المتحدة ستستولي على قطاع غزة المدمر وتحوله إلى ريفييرا الشرق الأوسط، “لن أقدم، بصفتي رئيس وزراء أستراليا، تعليقًا يوميًا على تصريحات الرئيس الأمريكي، وسواء اعترف قادة العالم بذلك علنا أم لا، فإنهم ينظرون إلى نهج “دونالد ترامب” المتسلط تجاه بعض مؤسسات الحكومة الأميركية ويتساءلون عن دور الولايات المتحدة في النظام الدولي بعد الحرب الباردة: ماذا عن الأدوار الأمريكية في حلف الناتو والأمم المتحدة، والبنك الدولي وغيرها من ركائز النظام الدولي”؟
وأضاف التقرير، “فيما يتصل بحلف الناتو الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، لطالما شكك “ترامب” في قيمته وهدد بعدم الدفاع عن الدول الأعضاء في الحلف التي تفشل في زيادة إنفاقها العسكري إلى المستوى الذي يطالب به، وفي أول يوم له في المكتب البيضاوي، قرر ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية للمرة الثانية، وهو التصرف الذي من شأنه أن يترك الوكالة التابعة للأمم المتحدة بدون أكبر ممول لها، واحتشد قادة منظمة الصحة العالمية للرد على قرار ترامب وطالبوا دول العالم بالضغط على واشنطن لإلغاء قرار ترامب. وقال مبعوث ألماني قلقاً: “السقف يحترق”.
وكتب هيثر هرلبورت خبير الشؤون الدولية والسياسية في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” البريطاني في تحليل له: إن ” إن تصرفات “ترامب” تنبئ بتحول دائم في المشهد السياسي ــ وليست مجرد حركة مفتاح يعود إلى وضعه الطبيعي بعد 4 سنوات، وبعيدا عن الدوائر القيادية، فإن أي شخص يعتمد على المساعدات الأميركية للحصول على الغذاء أو الدواء سيواجه مخاطر كبيرة بعد قرار ترامب إلغاء هيئة المعونة الأميركية، وإنهاء مهمتها التي استمرت 6 عقود للمحافظة على استقرار الدول الفقيرة من خلال تقديم المساعدات الغذائية لمواطنيها”.
وتقول أريانا قصي مصطفى من تجمع “شبكة نساء كوسوفو” الذي يضم 140 منظومة غير حكومية: “رغم ذلك نحن صامدون، وسنحاول بذل أقصى جهد” لمواصلة تقديم المساعدات للمحتاجين”.
وأضاف التقرير: “بعد إعادة انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة وبمساعدة “صديقه الرئاسي” الملياردير إيلون ماسك، أطلق ترامب العنان لفوضى عارمة من خلال تشتيت انتباه العالم، فالأوامر والتصريحات الرئاسية تصدر بوتيرة سريعة للغاية بما يكفي لتفتيت أي معارضة، والآن لا يوجد من يمكنه متابعة كل هذه الأوامر والتصريحات، سواء كان شخصا أو حكومة، وبالتالي يحدث ما يسميه حلفاء ترامب “إغراق المنطقة”، هل هناك مشكلة في ذلك؟ يرد “ترامب” بكلمة واحدة هي: “فافو”، كاختصار لعبارة “اخلق الفوضى ثم رتبها” باستثناء أن الكلمة الأولى فيها ليست “فوضى”، وقد نشر الرئيس الاختصار على وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبا بصورة له وهو يرتدي قبعة فيدورا وقميصا مخططا”.
وتابع التقرير: “تتم الإشارة إلى كولومبيا باعتبارها نموذجا على ما يمكن أن يحدث لأي دولة عندما تقول لا لـ”ترامب”، لقد قاوم رئيسها لفترة وجيزة استقبال طائرات قادمة من الولايات المتحدة لإعادة مهاجرين غير شرعيين، لكن الرئيس الأميركي هدد بفرض رسوم بنسبة 50% على صادرات كولومبيا، فاضطر رئيسها إلى التراجع والموافقة على طلب “ترامب”، لقد أسعد أسلوب الإجبار أنصار “ترامب” ، الذين خرجوا لصالحه خلال انتخابات 2024 متأثرين بشدة بقلقهم بشأن الاقتصاد وأوضاعهم المالية، ويقول “ترامب” إنه يحاول توفير أموال دافعي الضرائب وإنفاقها على أمور تتماشى مع المصالح الأميركية، ففي حديثه عن غرينلاند وقطاع غزة على سبيل المثال، يقول الرئيس صاحب شعار “أميركا أولاً” إن الولايات المتحدة ستسولى عليهما”.
وتابع التقرير: “فيما استبعد استخدام الجيش الأميركي لتهجير سكان غزة البالغ عددهم حوالي مليوني شخص من أرضهم إلى مكان خر، لكنه متمسك بخطته لتهجير الفلسطينيين وتحويل القطاع إلى منتجع سياحي فاخر، ولا يتوقف “ترامب” كثيرا عن حقيقة أن أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها بدءا من الشرق الأوسط المتقلب وحتى الصين ناهيك عن بريطانيا يعارضون خطته لغزة، وقد أعلنت المملكة العربية السعودية “رفضها المطلق” للخطة. كما أن هذه الخطة يمكن أن تنسف وقف إطلاق النار الهش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. كما أنها تمثل انتهاكا للقانون الدولي أيضا”.
وأضاف: “في الوقت نفسه فإن مشاهد تدفق النازحين الفلسطينيين العائدين إلى بيوتهم المدمرة في شمال القطاع بعد وقف إطلاق النار تؤكد أنهم لا يريدون مغادرة أرضهم، وعندما ننتقل من رغبة “ترامب” في امتلاك غزة إلى عزمه الاستيلاء على جزيرة غرينلاند الدنماركية سنجد رئيسة وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن تقول للصحفيين “لسنا حلفاء سيئين” ردا على تصريح لنائب الرئيس الأميركي “جيه.دي فانس” الذي قال فيه إن الدنمارك وهي عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي “ليست حليفا جيدا”، مكررا كلام رئيسه عن أن الاستيلاء على غرينلاند “ممكن”.
وتابع التقري، “الحقيقة أن مشاعر القلق من سياسات ترامب وقرارته تسيطر على أغلب قادة أوروبا أيضا، وقد ظهر هذا واضحا خلال القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل والتي كان يفترض أن تبحث زيادة الإنفاق الدفاعي والتصدي للتهديد الروسي، فتحولت إلى الكلام عن ترامب وتهديداته”.
وقال “دونالد تاسك” رئيس وزراء بولند: “علينا عمل أي شيء لتجنب هذه الحرب التجارية الغبية وغير الضرورية تماما”، مضيفا أن تهديدات ترامب بفرض رسوم على منتجات دول الاتحاد الأوروبي “اختبار جاد” للوحدة الأوروبية “وهذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها مشكلة من هذا النوع بين الحلفاء. وقال القادة الأوروبيون إنهم سينتظرون حتى يكشف ترامب عن مقترحاته بالتفصيل”.
وأضاف التقرير: “في الوقت نفسه أشعلت تصريحات “ترامب” معركة في جزيرة غرينلاند للمطالبة بالاستقلال الكامل عن الدنمارك وأصبح الاستقلال قضية رئيسية قبل الانتخابات المقررة في مارس، وقال بعض قادتها إن أكبر جزيرة في العالم، والتي يسكنها 57 ألف شخص، لا تريد أن تكون جزءًا من الولايات المتحدة أو الدنمارك”.
وقال نايا إتش ناثانيلسن، وزير الأعمال والتجارة في غرينلاند، لوكالة أسوشيتد برس: “لقد تسبب الخطاب المؤسف (للرئيس ترامب) في الكثير من القلق والانزعاج ليس فقط في غرينلاند ولكن في بقية دول التحالف الغربي”، ورغم ذلك فالموقف في أوروبا من “ترامب” غير موحد، فقادة اليمين المتطرف الأوروبي أشادوا بأجندة ترامب خلال تجمع بالعاصمة الإسبانية مدريد تحت شعار “جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى”. شارك في هذا التجمع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ونائب رئيسة وزراء إيطاليا ماتيو سالفيني وزعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي مارين لوبان وغيرهم”.
وتابع التقري، “قلل بعض القادة المشاركين في التجمع من أهمية تهديد ترامب بزيادة الرسوم على صادرات الاتحاد الأوروبي وقالوا إن الضرائب والتشريعات في الاتحاد الأوروبي أخطر على رخاء المنطقة من رسوم ترامب. لكن كل المتحدثين تطرقوا إلى قضية الهجرة غير الشرعية، التي تشكل قضية مؤلمة ومثيرة للانقسام في أوروبا كما هو الحال في الولايات المتحدة، وقالت لوبان إن تجمع “وطنيون من أجل أوروبا” الممثل لأحزاب وقوى اليمين المتطرف الأوروبي هو الأفضل في التعامل مع ترامب، مضيفة “نحن الوحيدون الذين يمكنهم الحديث مع إدارة “ترامب” الجديدة”.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أمريكا أمريكا والعالم الرئيس الأميركي دونالد ترامب دونالد ترامب الولایات المتحدة دونالد ترامب رئیس وزراء فی العالم
إقرأ أيضاً:
ترامب يخوض حربا ضد مواطنيه
ترجمة: أحمد شافعي -
لم يستعمل رئيس في تاريخ الجمهورية الأمريكية كلمة «أمريكا» بفعالية دونالد ترامب، لا بوصفها رمزا يذكِّر بالوحدة، وإنما ليصب بها الزيت على نيران حروبنا الثقافية المضرمة.
أمريكا، أمريكا، اجعلوها عظيمة. إنها بالفعل لعظيمة، فحافظوا على عظمتها. أمريكا يجب... وأمريكا سوف... وأمريكا أولا. و«أمريكا للأمريكيين وللأمريكيين فقط» مثلما قال ستيفن ميلر نائب كبير موظفي دونالد ترامب والدافع وراء كثير من سياساته المحلية القومية.
ولكن ما معنى أن يكون المرء أمريكيا لو أن رجالا مسلحين ومقنّعين يعترضون أي شخص، سواء أكان مواطنا أم لا، ويرغمونه على ركوب سيارة رباعية الدفع مبهمة العلامات ليختفي ـ إذا تحقق للرئيس ترامب مبتغاه ـ في لويزيانا النائية أو يساق إلى معسكر اعتقال في إلسلفادور؟
ذلك أن الرئيس ترامب ورجاله من أمثال ميلر يخوضون حربا لا على المهاجرين فقط ولكن أيضا على مفهوم المواطنة. فوفقا لأحد التقارير، طردت وكالة تنفيذ قوانين الهجرة والجمارك ما يصل إلى ستة وستين مواطنا خلال ولاية ترامب الأولى، ثم إنه أصدر الآن أمرا تنفيذيا ينهي حق المواطنة بالميلاد. فتنفي حكومته الأطفال الذين ولدوا في الولايات المتحدة، ومنهم ولد عمره أربع سنوات مصاب بحالة متدهورة من السرطان. وتقول وزارة العدل إنها «تعطي الأولوية لسحب الجنسية»، وتؤسس إطارا لسحب جنسية المواطنين المجنّسين الذين يعدهم البيت الأبيض غير مرغوب فيهم.
يعترف نائب الرئيس جيه دي فانس أن توسع وكالة الهجرة والجمارك هو الملهم الأساسي لأجندة البيت الأبيض. وفي سلسلة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، رفض المخاوف من توقيع الرئيس لمشروع قانون المصالحة، قائلا إنه ليس في المشروع شيء مهم، لا الدين ولا تخفيضات برنامج الرعاية الطبية، بالمقارنة مع ضمان تمويل وكالة الهجرة والجمارك. فالوكالة التي تعمل الآن وكأنها جهاز شرطة سرية سوف تحصل على خمسة وسبعين مليار دولار إضافية لإقامة مراكز احتجاز وتوظيف موظفين جدد وتعزيز عملياتها.
وتمضي حرب الرئيس ترامب على المواطنين بالتوازي مع تسييسه لاسم أمريكا، وبرغم أن حربه نفسها غير مسبوقة الحدة، فتسييسه لاسم أمريكا يستغل تقليدا طويلا، وأمريكيا بالمناسبة، لعله في مثل قدم الأمة الأمريكية نفسها.
خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر، كان أغلب سكان نصف الكرة الأرضي الغربي يشيرون إلى العالم الجديد باسم أمريكا. ثم حدث في قرابة ستينيات القرن نفسه، وفي رد فعل على جهود التاج البريطاني لتشديد السيطرة على ممتلكاتها الأمريكية، أن بدأ الرعايا البريطانيون المنشقون في استعمال لفظ «أمريكا» بمعنيين فيقصدون بأحدهما العالم الجديد مثلما يقصدون بالثاني شريحتهم الصغيرة من هذا العالم، أي الشريط الضيق من الأرض بين جبال أليجيني والبحر.
في عام 1777، أطلقت مواد دستور الاتحاد على البلد الجديد اسم الولايات المتحدة الأمريكية وبقيت تشير إليه أيضا باسم أمريكا فقط. وهذا الخلط اللغوي بين مجمل العالم الجديد وأحد أجزائه ينطوي على طموح، إذ توقع الكثيرون في الولايات المتحدة آنذاك أن تضم الأمة الجديدة نصف الكرة الأرضية بأكمله، أو أن تصل على الأقل إلى المحيط الهادئ. كان جورج واشنطن من أوائل من قصروا استعمال أمريكا على الولايات المتحدة، إذ قال في خطاب وداعه لمواطني الولايات المتحدة سنة 1796 إن «اسم الأمريكي يخصكم». في المقابل، لم يستول الثوار الساعون إلى الإطاحة بالحكم الملكي الأسباني على اسم أمريكا لأنفسهم.
فبالنسبة لهم، لم تكن أمريكا رمزا لقومية وإنما لأممية. فقد كتب الزعيم السياسي الكولومبي فرانسيسكو دي باولا سانتاندير عام 1888 أنه ليس من المهم كثيرا أين كان محل ميلاده، قائلا: «إنني لست إلا أمريكيا، وبلدي هو أي ركن في أمريكا لا يخضع لحكم الأسبان»، وكان سيمون بوليفار، الثوري الفنزويلي الذي حرر جزءا كبيرا من أمريكا الجنوبية من الحكم الإسباني، يرجو لأمريكا الحرة ـ كلها ـ أن تقود الإنسانية إلى مستقبل يحكمه القانون والعدل.
آمن البعض داخل الولايات المتحدة بهذه الرؤية. ففي خطبة الرابع من يوليو سنة 1821 استعرض جون كوينسي آدمز هذه الوطنية المتفائلة التي ارتبطت لاحقا برؤساء من أمثال وودرو ويلسون ورونالد ريجان، قائلا إن «أمريكا» وهبت العالم مبادئ «المساواة في الحرية والمساواة في العدالة والمساواة في الحقوق».
وقد تجاوزت رؤية آدمز الواقع إلى التفاؤل. ففي العقود التالية، توسعت العبودية، وتسارع تهجير الهنود والتوسع غربا وكذلك تسارعت وتيرة القومية العدوانية من النوع الذي تمثله اليوم حركة ماجا MAGA أو «إعادة أمريكا إلى عظمتها من جديد».
تابع آدمز في يأس تحول ما أطلق عليه «قاتل الهنود الاستعبادي الأنجلوسكسوني» إلى مثال وطني للبطولة. تزايد زخم الحرب على المكسيك، وبخاصة بعد أن تحرر المستوطنون الاستعباديون في تكساس سنة 1836 من الحكم المكسيكي. إذ شحذ أهل تكساس نصل التفوق العرقي للهوية البيضاء في مواجهة المكسيك، وراود الكثيرين وهم بأن جمهورية تكساس الجديدة ما هي إلا خطوة أولى إلى تحويل القارة بأكملها إلى وطن أنجلوسكسوني. وقال سام هاوستن رئيس تكساس إن العلم أحادي النجمة سيخرج من رحم العرق الأنجلوسكسوني ليخفق فوق المكسيك وأمريكا الوسطى. ودعا رجل دولة آخر ومالك عبيد من تكساس يدعى آشبل سميث إلى «أمركة هذه القارة بالسيف».
أصبحت الأنجلوسكسونية الناشئة من رحم الحرب، مثلما تخوف آدمز، سمة محركة للأمريكية بالمقابلة بين فضائلها والرذائل المتصورة في الأمريكيين الأسبان. فكتبت صحيفة نيويورك مورنينج هيرالد عام 1839 أن «الحكم الجمهوري الرشيد المستقر العادل القائم على المساواة لن يوجد أبدا في الجمهوريات الأسبانية حتى يتولى العرق الأنجلوسكسوني مقاليد الحكم في شتى أرجاء أمريكا الجنوبية». بمعنى أن الجمهوريات الأمريكية الأسبانية كانت البلاد «المنحطة» الأصيلة في العالم.
ضمت الولايات المتحدة تكساس إليها في عام 1845 وقامت في العام التالي بغزو المكسيك. وبحلول عام 1848، انتصر الجيش الأمريكي في الحرب، وبرغم وجود العديد من المتحمسين للتوسع الذين ناصروا الاستيلاء على «كامل المكسيك»، فإن الرأي المعارض الذي تبناه السناتور جون سي كالهون من كارولينا الجنوبية هو الذي ساد. إذ حذر كالهون من أن دمج «أعراق المكسيك المختلطة» في الولايات المتحدة سوف يقوض حكم «العرق القوقازي».
ما كان للولايات المتحدة أن تتقبلهم مواطنين، فقد قال كالهون إن «حكمنا هو حكم الرجل الأبيض». وكان عدد الأمريكيين في المكسيك أكبر من أن يمكن اتخاذهم عبيدا، فقصر الكونجرس المهمة على الاستيلاء على نصف المكسيك الشمالي الأقل كثافة سكانية.
جاءت أمريكا الأسبانية برد دائم على الأنجلوسكسونية، في أعقاب قيام وليم ووكر بغزو نيكاراجوا سنة 1855. لقد فشل ووكر ـ وهو مرتزق من تينيسي متحالف مع تجار العبيد الجنوبيين ـ في مسعاه إلى «أمركة» نيكاراجوا، لكن أفعاله أثارت غضب الأمريكيين الأسبان فبدأوا يتكلمون عن وجود أمريكتين لا يمكن التوفيق بينهما. وبإلصاق صفة «اللاتينية» بأمريكا، جعلوا أنفسهم ـ بالمقارنة مع جيرانهم في الشمال، السكسونيين الجشعين الفرديين الأنانيين الغزاة المستعبِدين ـ أكثر إنسانية وروحانية وتناغما مع اعتماد الوجود البشري على بعضه بعضا.
واليوم بات استعمال كلمة «أمريكا» في وصف الولايات المتحدة وحدها أمرا روتينا، فأغلب الناطقين بالإنجليزية يستعملونه بلا نية عدائية. ومع ذلك يتبرم كثير من الأمريكيين اللاتينيين حينما يستولي ممثلو الولايات المتحدة على اسم أمريكا وكأنما لا وجود لأمريكا لاتينية، فحينما يقول شخص مثل ميلر إن «أمريكا للأمريكيين» يجدون أن الحقد ينضح من مقولته.
في عام 1971 كتب الروائي الأوروجواني إدواردو جاليانو: «لقد فقدنا الحق في تسمية أنفسنا أمريكيين». وكان جاليانو رجلا مثقفا وحضريا، أما أغلب أبناء المكسيك الأفقر من أبناء الريف ممن عبروا الحدود الجنوبية على مدار أكثر من قرن باحثين عن عمل فكانوا يقولون مثل قوله. ففرقة «لوس تيجريس ديل نورتي» المكسيكية الشمالية تغني بأن مجمل العالم الجديد هو «أمريكا»، وأن «كل المولودين هنا أمريكيون». وللفرقة أغنية أخرى تقول: «نحن أكثر أمريكية من ابن الأنجلوسكسوني». وهذه الفرقة تحظى بشعبية كبيرة بين المهاجرين، الذين يتعرضون اليوم لملاحقة هيئة الهجرة والجمارك الأمريكية، وسوف يتعرض أطفالهم المولودون على أرض الولايات المتحدة للحرمان من المواطنة، إذا ما حقق الرئيس ترامب مبتغاه.
عندما تحررت الولايات المتحدة من الحكم الكولونيالي قبل مئتين وتسع وأربعين سنة، أسهمت في ظهور مبادئ المساواة والعدالة الحديثة، كما قال آدمز في الرابع من يوليو ذات ماض بعيد. ولكنها انقلبت أيضا على تلك المبادئ. فقد اتسع نطاق العبودية بشكل وحشي، بينما غذت الحروب العرقية الحدودية فكرة تفوق الولايات المتحدة على بقية الدول وانتفاء المساواة بينها وبين تلك الدول، فهي أفضل من الجمهوريات الجديدة الأخرى التي تكونت منها «أمريكا».
ويستمر هذا التقليد على أيدي أصحاب الأيديولوجيات في الحركة الترامبية، إذ يتصورون «أمريكا» معقلا لأنجلوسكسونية محاصرة. وكما كان الحال في أربعينيات القرن التاسع عشر، فإن هاجسهم المشترك هو المكسيك. ففي ذلك الماضي، كان «العرق التيوتوني العظيم» ينتشر، كما كتب المبعوث الأمريكي إلى المكسيك عشية الحرب المكسيكية الأمريكية، وأنه سرعان ما «ينتشر في جميع أنحاء القارة». والآن انقلبت الأمور إلى الداخل، إذ إن ثمة، من وراء جدار، إلحاحا على البيت الأبيض من أجل اتخاذ إجراءات أشد صرامة ضد المهاجرين، وهكذا فإن الصراع على معنى أمريكا يكشف حقيقة القومية التي تتبناها حركة ماجا: فهي أحدث تعبير عن الاعتقاد بالتفوق الأنجلوسكسوني، وعن الرغبة في الهيمنة على العالم، دون محاسبة من العالم.
واليوم، من الذي يسمي نفسه أمريكيا في أمريكا الرئيس ترامب؟ اسألوا برايان جافيديا، المواطن الأمريكي الذي أوقفته دورية الحدود في الثاني عشر من يونيو، فأرغمته عناصرها على إدارة وجهه نحو سياج معدني أسود، مطالبين بمعرفة المستشفى الذي ولد فيه. أجاب جافيديا: «أنا أمريكي يا أخي!». ثم قال لاحقا: «نحن غير آمنين يا رفاق، نحن اليوم غير آمنين في أمريكا».
جريج جراندين أستاذ تاريخ في جامعة ييل ومؤلف كتاب «أمريكا، أمريكا».
خدمة نيويورك تايمز