هل بات زيلينسكي عبئا على الأميركيين والأوروبيين؟
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
كييف- بعد أن أحجمت الحكومة الأوكرانية عن حضور مؤتمر ميونخ للأمن، تكشّف أنها اضطرت لذلك وعلى أعلى مستوى، مثقلة بالحاجة إلى لقاء المسؤولين الأميركيين الجدد، الذين يلعبون الدور الأكبر في جهود "وقف الحرب وإحلال السلام".
لكن كييف تمتعض من هذه الجهود الأميركية وتنتقدها بلطف، لأنها تُبحث بين الجانبين الأميركي والروسي بشكل مباشر، بينما تضعها جانبا مع "شركائها" وداعميها الأوروبيين.
ويعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أبرز المنتقدين، إذ "عاند" الأميركيين مرارا خلال الأيام الماضية بقوله إن "الولايات المتحدة لا تملك خطة جاهزة لإنهاء الحرب"، وبات اليوم ينادي بـ"جيش أوروبي" يأخذ بعين الاعتبار أن "أميركا لن تكون إلى جانب أوروبا في عديد من القضايا".
شروط مسبقةيتمحور توجه زيلينسكي حاليا حول عدد أمور، أبرزها رفض عقد "صفقات خلف الظهور"، فلا قرارات حول أوكرانيا من دونها، ولا حول أوروبا من دونها أيضا، لأنه "إذا لم يُسمح لنا بالتفاوض حول مستقبلنا، فسنخسر جميعا" حسبما قال.
كما يشترط الرئيس الأوكراني أن يسبق أي لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -تخطط لعقده الولايات المتحدة في السعودية أو تركيا- وجود خطة لإنهاء الحرب وتقديم ضمانات لبلاده.
إعلانوتناقلت وسائل إعلام أوكرانيا أن زيلينسكي رفض "بلطف" طلبا أميركيا للاستحواذ على 50% من معادن أوكرانيا الثمينة، بدلا من "صفقة تبادل" بقيمة 500 مليار دولار طرحها ترامب لاستمرار المساعدات العسكرية لكييف، ثم سارع رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، إلى دعوة دول أوروبا لاستخراج 20 معدنا نادرا من أصل 30 يحتاجونها، أبرزها اليورانيوم والليثيوم والتيتانيوم، بشكل مشترك مع بلاده.
وأخيرا يسعى زيلينسكي لأن تجرى الانتخابات في بلاده بعد الحرب فقط، وبعد أن تنتهي حالة الأحكام العرفية المفروضة، وليس نهاية العام الجاري كما دعا الأميركيون مباشرة بعد تولى ترامب الحكم.
يبدو المشهد الأوكراني حاليا وكأن الولايات المتحدة تفرض إملاءات صعبة على كييف في وضعها الحرج، وكأن زيلينسكي رئيس لا يناسب إدارة ترامب، و"يجب تغييره".
وتتفق مع هذه الفكرة جزئيا أوليسا ياخنو، أستاذة العلوم السياسية في جامعة "شيفتشينكو" بالعاصمة كييف، وتقول للجزيرة نت "ليس لأن الأميركيين لا يريدون زيلينسكي فقط، بل لأنه عقبة أمام الروس، الذين يعتبرونه رئيسا غير شرعي، ولأن كليهما يضطر للتعامل معه بحكم الأمر الواقع، وهذا يعقد مساعي واشنطن، ولا يشبع رغبات موسكو".
وتضيف "مشكلة واشنطن غير المعلنة مع زيلينسكي أنه يريد سلاما دائما بضمانات قوية محددة، ويرفض مجرد وقف الحرب، الذي سيكون في صالح الروس، وسيعيد كرتها".
وبينما قد يحظى موقف زيلينسكي من شكل نهاية الحرب بتأييد شعبي، فإن ضعفه لا يشفع له أمام "الكبار"، ولذلك بدأ التفكير جديا بالانتخابات المقبلة التي يريدها الأميركيون.
ويشير مراقبون إلى أن العقوبات، التي فُرضت مؤخرا على الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو، كونه واحدا من 5 من رموز "الأوليغارشية" التي تعهد زيلينسكي بمحاربتها في انتخابات 2019.
إعلانوفي بيان مشترك، اعتبرت عدة منظمات حقوقية في أوكرانيا أن "فرض العقوبات على السياسيين ورجال الأعمال المعارضين هو انتقام سياسي، يقوض القانون، وينتهك بشكل صارخ الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها أوكرانيا، ويشكل تهديدا خطيرا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما أن فيه اغتصابا للسلطة في الدولة".
وحسب استطلاع للرأي أجرته مجموعتا "بيزنس كابيتال" و"نيو إيميدج"، فإن بوروشينكو يأتي بعد زيلينسكي في سلم الشعبية الرئاسية، لكن حزبه "التضامن الأوروبي" أوفر حظا في الانتخابات البرلمانية.
ويقول النائب عن حزب "بوروشينكو" ميكولا كنياجيتسكي -للجزيرة نت- إنه "ليس سرا أن زيلينسكي يغار من بوروشينكو، لأنه سياسي محنك يتمتع بعلاقات واسعة مع قادة العالم"، معتبرا إنه يحاول إقصاءه عن المنافسة، حتى وإن كان ذلك غير قانوني.
ويضيف موضحا "بوروشينكو، كزيلينسكي، كانا ولا يزالان رجلا أعمال كبار في أوكرانيا، لكنهما غير محسوبين على فئة الأوليغارشية الحاكمة التي تمارس الاحتكار وتسيطر على السلطة".
قلق الأوروبيينوإذا كان زيلينسكي متعبا للغربيين فعلا، فقد يكون بوروشينكو خيارا مناسبا لهم، حسب مراقبين، فهو الصديق القديم، الذي سبق واستطاع الاتفاق مع الروس.
يقول النائب كنياجيتسكي إنه "لم يسمح لبوروشينكو بالسفر لحضور مؤتمر ميونخ، على عكس مسؤولين ونواب آخرين. إن نظرة الأوروبيين لأوكرانيا قد تتغير، لأنهم يساعدون دولة ديمقراطية بشكل مباشر أو عبر المؤسسات الخيرية، لا دولة شمولية كما يحولها زيلينسكي".
وأضاف "دعم الشركاء صندوق بوروشينكو الخيري منذ بداية الحرب، وهو ثاني أكبر مؤسسة خيرية في البلاد، ودعمه هو بما يقارب 600 مليون دولار، ولهذا تثير العقوبات الجدل، وتقلق الأصدقاء الأوروبيين".
أما أستاذة العلوم السياسية ياخنو، فترى أن "التوتر لم يتوقف بين زيلينسكي وبوروشينكو، بل زاد ونقص على مدار سنوات الحرب، لكنه لم يغير موقف الأوروبيين أو يثير انتقادهم".
ومن وجهة نظر ياخنو، فإن "أوكرانيا دولة يراقب الغرب ديمقراطيتها ويدعمها على أساس ذلك وفق المصالح الإقليمية والمبادئ الدولية، كما أن شعبها يرفض أساليب الإقصاء، وهو من يقرر خياره، النظام فيها رئاسي برلماني، ومن الصعب على أي شخص أن يتفرد فيها بكامل السلطة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.
وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of listأما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.
ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".
الحرب أنهكت المجتمعوذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.
إعلانولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.
ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.
واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".
وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.
وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.
وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.
قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطيةولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.
إعلان
غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.
وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".
وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".
وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".
وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.