أمراء التكنولوجيا يشعلون العالم
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
لم يشهد التاريخ البشري تراكم الثروة بهذا الشكل غير العادل في أيدي قلة من الأفراد، ولم يسبق له أن رأى ثروة تتحول إلى سلاح قادر على قلب النظام العالمي رأسًا على عقب.
عبر الأفلام السينمائية، لم تعد غرفة الرئيس الأميركي البيضاوية مشهدًا غريبًا عن أذهاننا، لكن رؤية إيلون ماسك فيها، بقبعته المميزة، وابنه المشاغب متدلٍ من عنقه، وملابسه غير الرسمية، تجعل منه الرمز الأكثر إثارة في هذا المشهد.
عندما تم إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، المؤسسة الحكومية التي لطالما وزعت المساعدات والتمويلات حول العالم، وقف ماسك أمام الصحافة بنبرة ساخرة ومتعجرفة ليؤكد أن إغلاقها كان قرارًا صائبًا. وبينما كان ابنه "إكس" (لاحظوا الاسم!) يمازح الرئيس ترامب قائلًا: "أنت لست الرئيس، عليك المغادرة"، لم يجد ترامب إلا أن يبتسم ابتسامة متكلفة أثناء توقيعه على مرسوم إغلاق الوكالة.
في تلك اللحظة، كان ماسك يملك ثروة تفوق إجمالي ما يملكه مليار إنسان حول العالم. كانت نظرته تكشف بوضوح أنه يعتبر قطع المساعدات الإنسانية، بما فيها تلك المخصصة لمكافحة الإيدز في أفريقيا، "إنجازًا اقتصاديًا" لبلاده.
لكن المفارقة أن هذه المؤسسة التي تم إغلاقها لم تكن تكلف الحكومة الأميركية سوى 65 مليار دولار سنويًا، أي أقل من 1٪ من ميزانية الدولة، وأقل حتى من عُشر ثروة ماسك نفسه.
إعلانعندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقارير تنتقد القرار، مؤكدة أن ملايين الأطفال سيواجهون الهلاك بسببه، تعاملت إدارة ترامب مع الأمر بلا مبالاة، معتبرة أن الصحافة التقليدية أصبحت "موضة قديمة" لا تستحق الاهتمام.
انهيار القيم الإنسانية
لم ينظر ماسك إلى عمل الوكالة من منظور إنساني أو أخلاقي، بل كان يسأل السؤال ذاته الذي بات شعارًا للإدارة الأميركية الجديدة: "كم سنربح من وراء هذا؟". هذا السؤال أصبح المعيار الذي يقيسون به كل شيء، من عضوية الناتو إلى القضية الفلسطينية، ومن العلاقات التجارية إلى اتفاقيات المناخ، وحتى المساعدات الإنسانية.
ترامب، الذي صنع ثروته من التجارة، أحاط نفسه بفريق من المليارديرات الذين يتبنون نفس المنطق، وهو منطق بارد لا يعترف بالقيم الأخلاقية ولا يعرف معنى التعاطف.
بهذه العقلية، لا يرون في مقتل 50 ألف فلسطيني في غزة مأساة، بل فرصة لتحويل سواحل القطاع إلى منتجعات سياحية بعد طرد مليوني إنسان من ديارهم. يعتقدون أن تمويل علاج الأطفال المصابين بالإيدز في أفريقيا "تبذير"، تمامًا كما يرون أن أي مشروع لا يحقق ربحًا مباشرًا للولايات المتحدة لا يستحق الوجود.
مع توليه رئاسة "وزارة كفاءة الحكومة"، بدأ ماسك أولى خطواته بإغلاق (USAID) وتسريح آلاف الموظفين، وهو ما لم يكن سوى البداية.
ليس من الصعب تخمين خطوته التالية: كل ما لا يدر المال سيُغلق. بالنسبة له، هذا أمر طبيعي، بل ضروري، خاصة أن الدائرة المحيطة به تطالبه بالمزيد، وتحثه على اتخاذ قرارات أكثر قسوة ودموية.
مافيا باي بال
مع تزايد هيمنة ترامب، بدأ الإعلام الأميركي في التركيز على الدائرة الضيقة المحيطة به، والتي حظيت بأسماء عديدة، لكن أبرزها كان "مافيا باي بال" (The PayPal Mafia). قاد هذا المصطلح الصحافة الغربية، وعلى رأسها الغارديان، إلى إعداد ملفات وتحليلات عن هذه المجموعة، بل حتى ويكيبيديا أدرجت صفحة خاصة بها.
إعلانتضم هذه العصبة كلًا من ماكس ليفشين، كيث رابوا، ريد هوفمان، بيتر ثيل، ديفيد ساكس، وإيلون ماسك. يجمعهم أمران: جميعهم عملوا سابقًا في شركة باي بال، وجميعهم أصبحوا مليارديرات بفضل التكنولوجيا. لكنّ هناك قاسمًا مشتركًا آخر: جميعهم يدعمون ترامب.
هؤلاء رجال أعمال صقلتهم بيئة وادي السيليكون القاسية، حيث لا مكان للرحمة، وحيث البقاء للأقوى. في عالمهم، لا يوجد مكان للمنافسة العادلة، بل فقط للرابح المطلق والخاسر المطلق. تمكنوا من البقاء في القمة عبر سحق المنافسين بلا رحمة، والآن، هم من يشكلون السياسة الأميركية. مهمتهم الأولى كانت تحطيم البيروقراطية التقليدية، وتدمير الأعراف والقواعد السياسية التي حكمت واشنطن لعقود.
لذلك، لم يكن غريبًا أن يصف بعضهم ترامب بأنه "سوط الله"، فهو الأداة التي سيستخدمونها لتنفيذ رؤيتهم المظلمة. لم يتأخر ماسك عن التحرك، فقد بدأ بالفعل في اتخاذ خطواته الأولى.
هل تعتقد أن هؤلاء التقنيين سيجعلون حياتنا أسهل؟ إن كنت تظن ذلك، فأنت مخطئ. بيتر ثيل لا يؤمن بالديمقراطية، وديفيد ساكس يعارض التعددية الثقافية.
في رؤيتهم للمستقبل، البقاء سيكون للأذكى والأقوى فقط. يؤمنون بأن الناجين في هذا العالم هم أولئك الذين ينجبون أكبر عدد من الأطفال الأذكياء، وليس من المستغرب أن يكون لماسك 13 طفلًا.
إقطاعيات التكنولوجيا
في بلد يمتلك أكبر جيش وأقوى اقتصاد في العالم، يصبح لهذه التحولات تأثير عالمي. عندما أدى ترامب القسم رئيسًا للولايات المتحدة، كان يقف إلى جانبه عمالقة التكنولوجيا: مالكو أمازون وفيسبوك وإكس، الذين تجاوزت ثرواتهم مجتمعة موازنات جميع الدول الأفريقية.
هذه الثروات الفاحشة منحتهم شعورًا بأنهم خارج نطاق المحاسبة، تمامًا كما كان الحال مع أمراء الإقطاع في أوروبا القرون الوسطى، لكن هذه المرة بأسلحة التكنولوجيا لا السيوف. لقد بنوا لأنفسهم إمبراطوريات لا يمكن المساس بها، معتقدين أنهم قادرون على إعادة تشكيل العالم كما يحلو لهم.
إعلانلا أحد يجرؤ على تحدي غوغل أو يوتيوب أو إنستغرام، لا بسبب التفوق التقني فقط، بل لأنها باتت تتمتع بحماية سياسية مطلقة. عندما حاول الاتحاد الأوروبي فرض تنظيمات جديدة على هذه الشركات، هددهم ترامب قائلًا: "سنفرض عليكم عقوبات اقتصادية".
والآن، هذه الشركات تقدم بياناتنا في الشرق الأوسط لإسرائيل، لتساعدها على قتل المزيد من الأبرياء، فهل يمكن الوثوق بها لتقديم أي خير للإنسانية؟
الرغبة في إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا لم تنبع من حرصهم على وقف نزيف الدم، بل لأن أوكرانيا غنية بالموارد التي تحتاجها شركات التكنولوجيا الكبرى.
هذه الإمبراطوريات لا تستهدف المسلمين فقط، بل أوروبا، كندا، بنما، المكسيك، والصين جميعها ضمن مخططاتها.
ربما يكون هذا هو الدافع الوحيد الذي سيدفع العالم إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة هذه القوة الجامحة، وإيقاف الأمراء الجدد قبل أن يحرقوا العالم بأسره.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
لميس الحديدي عن زيارة ترامب للمنطقة: إيلون ماسك نجم الزيارة
كتبت -داليا الظنينى:
قالت الإعلامية لميس الحديدي، إن زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المنطقة، والتي بدأها من العاصمة السعودية الرياض، حملت أبعادًا سياسية مهمة، رغم غلبة الطابع الاقتصادي على اليوم الأول من الزيارة.
وأضافت الحديدي، خلال تقديمها حلقة جديدة من برنامج "كلمة أخيرة" على شاشة ON، أن الزيارة شهدت توقيع 145 اتفاقية بين البلدين، بلغت قيمتها نحو 300 مليار دولار، في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية السعودية-الأمريكية.
وأشارت إلى أن عددًا من أبرز شخصيات وادي السيليكون (Silicon Valley) حضروا فعاليات اليوم، وعلى رأسهم رجل الأعمال إيلون ماسك، الذي وصفته بـ"النجم الأبرز"، موضحة أنه حظي باهتمام خاص من كل من ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وذكرت أن السعودية وافقت على استخدام خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" في قطاعي الطيران والملاحة البحرية، في خطوة تعكس التحول التكنولوجي الكبير في المملكة.
وسلطت الحديدي الضوء على العلاقة الحميمية التي بدت واضحة بين ترامب وولي العهد السعودي خلال كلمته في منتدى الاستثمار السعودي-الأمريكي، حيث خاطب ترامب بن سلمان مازحًا: "محمد، هل تنام ليلًا؟ أعتقد أنك مثلي، تتقلب وتفكر ليلًا في كيفية تحسين حياة شعبك."
وفي الشق السياسي، اعتبرت الحديدي أن أبرز الأخبار في نهاية اليوم تمثل في إيقاف العقوبات المفروضة على سوريا، وهو ما لاقى ترحيبًا واسعًا من سوريا ولبنان والأردن وعدد من الدول العربية وإحتفالات في ربوع سوريا .
وأكدت أن خطاب ترامب، الذي استمر لنحو 45 دقيقة، لم يأتِ على ذكر إسرائيل إطلاقًا، في حين تطرق إلى الوضع في غزة، قائلًا: "غزة وأهلها يُعاملون بطريقة لا يمكن القبول بها، ولو كنت في الرئاسة لما وقعت أحداث السابع من أكتوبر، فقادة غزة يستهدفون المدنيين."
اقرأ أيضا:
ممثل المستأجرين يكشف لمصراوي أبرز النقاط الخلافية في قانون الإيجار القديم
هرم جديد.. أحدث 9 صور لمحطة مترو الرماية بالخط الرابع
"الإفتاء" توضح حكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات
فرص عمل بالإمارات برواتب تصل لـ 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
لميس الحديدي ترامب إيلون ماسكتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
لميس الحديدي عن زيارة ترامب للمنطقة: "إيلون ماسك نجم الزيارة"
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك