الجزيرة:
2025-12-01@22:55:40 GMT

أمراء التكنولوجيا يشعلون العالم

تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT

أمراء التكنولوجيا يشعلون العالم

لم يشهد التاريخ البشري تراكم الثروة بهذا الشكل غير العادل في أيدي قلة من الأفراد، ولم يسبق له أن رأى ثروة تتحول إلى سلاح قادر على قلب النظام العالمي رأسًا على عقب.

عبر الأفلام السينمائية، لم تعد غرفة الرئيس الأميركي البيضاوية مشهدًا غريبًا عن أذهاننا، لكن رؤية إيلون ماسك فيها، بقبعته المميزة، وابنه المشاغب متدلٍ من عنقه، وملابسه غير الرسمية، تجعل منه الرمز الأكثر إثارة في هذا المشهد.

عندما تم إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، المؤسسة الحكومية التي لطالما وزعت المساعدات والتمويلات حول العالم، وقف ماسك أمام الصحافة بنبرة ساخرة ومتعجرفة ليؤكد أن إغلاقها كان قرارًا صائبًا. وبينما كان ابنه "إكس" (لاحظوا الاسم!) يمازح الرئيس ترامب قائلًا: "أنت لست الرئيس، عليك المغادرة"، لم يجد ترامب إلا أن يبتسم ابتسامة متكلفة أثناء توقيعه على مرسوم إغلاق الوكالة.

في تلك اللحظة، كان ماسك يملك ثروة تفوق إجمالي ما يملكه مليار إنسان حول العالم. كانت نظرته تكشف بوضوح أنه يعتبر قطع المساعدات الإنسانية، بما فيها تلك المخصصة لمكافحة الإيدز في أفريقيا، "إنجازًا اقتصاديًا" لبلاده.

لكن المفارقة أن هذه المؤسسة التي تم إغلاقها لم تكن تكلف الحكومة الأميركية سوى 65 مليار دولار سنويًا، أي أقل من 1٪ من ميزانية الدولة، وأقل حتى من عُشر ثروة ماسك نفسه.

إعلان

عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقارير تنتقد القرار، مؤكدة أن ملايين الأطفال سيواجهون الهلاك بسببه، تعاملت إدارة ترامب مع الأمر بلا مبالاة، معتبرة أن الصحافة التقليدية أصبحت "موضة قديمة" لا تستحق الاهتمام.

انهيار القيم الإنسانية

لم ينظر ماسك إلى عمل الوكالة من منظور إنساني أو أخلاقي، بل كان يسأل السؤال ذاته الذي بات شعارًا للإدارة الأميركية الجديدة: "كم سنربح من وراء هذا؟". هذا السؤال أصبح المعيار الذي يقيسون به كل شيء، من عضوية الناتو إلى القضية الفلسطينية، ومن العلاقات التجارية إلى اتفاقيات المناخ، وحتى المساعدات الإنسانية.

ترامب، الذي صنع ثروته من التجارة، أحاط نفسه بفريق من المليارديرات الذين يتبنون نفس المنطق، وهو منطق بارد لا يعترف بالقيم الأخلاقية ولا يعرف معنى التعاطف.

بهذه العقلية، لا يرون في مقتل 50 ألف فلسطيني في غزة مأساة، بل فرصة لتحويل سواحل القطاع إلى منتجعات سياحية بعد طرد مليوني إنسان من ديارهم. يعتقدون أن تمويل علاج الأطفال المصابين بالإيدز في أفريقيا "تبذير"، تمامًا كما يرون أن أي مشروع لا يحقق ربحًا مباشرًا للولايات المتحدة لا يستحق الوجود.

مع توليه رئاسة "وزارة كفاءة الحكومة"، بدأ ماسك أولى خطواته بإغلاق (USAID) وتسريح آلاف الموظفين، وهو ما لم يكن سوى البداية.

ليس من الصعب تخمين خطوته التالية: كل ما لا يدر المال سيُغلق. بالنسبة له، هذا أمر طبيعي، بل ضروري، خاصة أن الدائرة المحيطة به تطالبه بالمزيد، وتحثه على اتخاذ قرارات أكثر قسوة ودموية.

مافيا باي بال

مع تزايد هيمنة ترامب، بدأ الإعلام الأميركي في التركيز على الدائرة الضيقة المحيطة به، والتي حظيت بأسماء عديدة، لكن أبرزها كان "مافيا باي بال" (The PayPal Mafia). قاد هذا المصطلح الصحافة الغربية، وعلى رأسها الغارديان، إلى إعداد ملفات وتحليلات عن هذه المجموعة، بل حتى ويكيبيديا أدرجت صفحة خاصة بها.

إعلان

تضم هذه العصبة كلًا من ماكس ليفشين، كيث رابوا، ريد هوفمان، بيتر ثيل، ديفيد ساكس، وإيلون ماسك. يجمعهم أمران: جميعهم عملوا سابقًا في شركة باي بال، وجميعهم أصبحوا مليارديرات بفضل التكنولوجيا. لكنّ هناك قاسمًا مشتركًا آخر: جميعهم يدعمون ترامب.

هؤلاء رجال أعمال صقلتهم بيئة وادي السيليكون القاسية، حيث لا مكان للرحمة، وحيث البقاء للأقوى. في عالمهم، لا يوجد مكان للمنافسة العادلة، بل فقط للرابح المطلق والخاسر المطلق. تمكنوا من البقاء في القمة عبر سحق المنافسين بلا رحمة، والآن، هم من يشكلون السياسة الأميركية. مهمتهم الأولى كانت تحطيم البيروقراطية التقليدية، وتدمير الأعراف والقواعد السياسية التي حكمت واشنطن لعقود.

لذلك، لم يكن غريبًا أن يصف بعضهم ترامب بأنه "سوط الله"، فهو الأداة التي سيستخدمونها لتنفيذ رؤيتهم المظلمة. لم يتأخر ماسك عن التحرك، فقد بدأ بالفعل في اتخاذ خطواته الأولى.

هل تعتقد أن هؤلاء التقنيين سيجعلون حياتنا أسهل؟ إن كنت تظن ذلك، فأنت مخطئ. بيتر ثيل لا يؤمن بالديمقراطية، وديفيد ساكس يعارض التعددية الثقافية.

في رؤيتهم للمستقبل، البقاء سيكون للأذكى والأقوى فقط. يؤمنون بأن الناجين في هذا العالم هم أولئك الذين ينجبون أكبر عدد من الأطفال الأذكياء، وليس من المستغرب أن يكون لماسك 13 طفلًا.

إقطاعيات التكنولوجيا

في بلد يمتلك أكبر جيش وأقوى اقتصاد في العالم، يصبح لهذه التحولات تأثير عالمي. عندما أدى ترامب القسم رئيسًا للولايات المتحدة، كان يقف إلى جانبه عمالقة التكنولوجيا: مالكو أمازون وفيسبوك وإكس، الذين تجاوزت ثرواتهم مجتمعة موازنات جميع الدول الأفريقية.

هذه الثروات الفاحشة منحتهم شعورًا بأنهم خارج نطاق المحاسبة، تمامًا كما كان الحال مع أمراء الإقطاع في أوروبا القرون الوسطى، لكن هذه المرة بأسلحة التكنولوجيا لا السيوف. لقد بنوا لأنفسهم إمبراطوريات لا يمكن المساس بها، معتقدين أنهم قادرون على إعادة تشكيل العالم كما يحلو لهم.

إعلان

لا أحد يجرؤ على تحدي غوغل أو يوتيوب أو إنستغرام، لا بسبب التفوق التقني فقط، بل لأنها باتت تتمتع بحماية سياسية مطلقة. عندما حاول الاتحاد الأوروبي فرض تنظيمات جديدة على هذه الشركات، هددهم ترامب قائلًا: "سنفرض عليكم عقوبات اقتصادية".

والآن، هذه الشركات تقدم بياناتنا في الشرق الأوسط لإسرائيل، لتساعدها على قتل المزيد من الأبرياء، فهل يمكن الوثوق بها لتقديم أي خير للإنسانية؟

الرغبة في إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا لم تنبع من حرصهم على وقف نزيف الدم، بل لأن أوكرانيا غنية بالموارد التي تحتاجها شركات التكنولوجيا الكبرى.

هذه الإمبراطوريات لا تستهدف المسلمين فقط، بل أوروبا، كندا، بنما، المكسيك، والصين جميعها ضمن مخططاتها.

ربما يكون هذا هو الدافع الوحيد الذي سيدفع العالم إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة هذه القوة الجامحة، وإيقاف الأمراء الجدد قبل أن يحرقوا العالم بأسره.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

تجاوز 37 تريليون دولار.. ماسك يحذر: الدين الأمريكي سبق قدرات الميزانية

حذر الملياردير ورجل الأعمال إيلون ماسك من أن الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية غير مسبوقة، مشددًا على أن الديون الأمريكية المتضخمة والفوائد الضخمة المرتبطة بها تتجاوز الميزانية العسكرية بأكملها، وأن الحل يكمن في تعزيز الإنتاجية باستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات.

وفي مقابلة مع رائد الأعمال الهندي نيخيل كاماث، أوضح ماسك أن التفاوت الحالي بين إنتاج السلع والخدمات والمعروض النقدي قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي حاد، محذرًا من أن الاقتصاد الأمريكي يواجه خطرًا حقيقيًا ما لم يتم رفع الإنتاجية بشكل جذري.

وقال: “مع استمرار تقدم الحضارة، سيكون الذكاء الاصطناعي والروبوتات على نطاق واسع، وهذا هو الحل الوحيد تقريبًا لأزمة الديون الأمريكية”.

وتوقع ماسك أن إنتاج السلع والخدمات سيتجاوز معدل التضخم خلال 3 سنوات أو أقل، معربًا عن اعتقاده أن التطورات في الذكاء الاصطناعي والروبوتات ستقود البشر إلى مرحلة يصبح فيها العمل اختيارياً خلال العقدين المقبلين، وهو ما يمثل تحولًا جذريًا في طبيعة العمل والحياة الاقتصادية والاجتماعية.

ويقود ماسك شركة xAI المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي تقف وراء روبوت الدردشة “غروك”، الذي تم إطلاقه في نوفمبر 2023، لتكون من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على دعم الإنتاجية بشكل غير مسبوق.

وتأتي تصريحات ماسك في ظل تفاقم الدين القومي الأمريكي، الذي تجاوز 37 تريليون دولار في أغسطس 2025، مع استمرار البلاد في مواجهة عجز ميزاني يمتد لأكثر من 20 عامًا، واستمرار رفع سقف الدين أكثر من 100 مرة منذ الحرب العالمية الثانية، في محاولة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الأمريكي وسط إعادة هيكلة عالمية في التجارة والسياسات المالية.

وأشار ماسك إلى أن الحل يكمن في التكنولوجيا والابتكار، وأن على الولايات المتحدة الاستثمار بقوة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأنظمة غير المأهولة، لزيادة الإنتاجية وتحقيق الاستقرار المالي، مؤكدًا أن “التقدم التكنولوجي لن يحل أزمة الديون فحسب، بل سيغير طبيعة العمل والاقتصاد بالكامل”.

وتأتي تصريحات ماسك في وقت حساس، إذ يواجه الاقتصاد الأمريكي ديونًا قياسية وضغوطًا مالية متزايدة، بينما يسعى إلى تحفيز النمو الاقتصادي دون زيادة مفرطة في الإنفاق العام. ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتات على أنها أدوات استراتيجية لتعويض نقص الإنتاجية البشرية، وقد تشكل نقلة نوعية في أسواق العمل ومستوى المعيشة.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، ارتفع الدين الأمريكي تدريجيًا ليصبح اليوم أعلى من أي وقت مضى في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى البحث عن حلول مبتكرة لإدارة الاقتصاد. في العقدين الأخيرين، أصبح الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة محورًا رئيسيًا للنقاش حول مستقبل العمل والإنتاجية.

مقالات مشابهة

  • فرقة نجوم مصرية يشعلون معهد الموسيقي العربية بروائع الزمن الجميل.. صور
  • تجاوز 37 تريليون دولار.. ماسك يحذر: الدين الأمريكي سبق قدرات الميزانية
  • في اليوم العالمي لمكافحة الإيدز.. ما هي المصاعب التي تواجه المرضى في العالم العربي؟
  • تعرف إلى طائرة إيرباص إيه 320 التي أربكت حركة الطيران في العالم
  • التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة بالبلاد
  • عالم بلا عمل ولا مال.. هل أصبح إيلون ماسك شيوعيا؟
  • دول العالم الثالث التي حظر ترامب استقبال المهاجرين منها:
  • نجوم الراب يشعلون مهرجان "شتاء مدينتي" بحفل كامل العدد بمشاركة شهاب وتومي
  • بين حصار لا ينتهي وموت بطيء .. الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها في غزة
  • جروك يثير عاصفة جديدة.. روبوت xAI يغرق منصة X بمديح مبالغ فيه لإيلون ماسك