سودانايل:
2025-06-20@22:44:03 GMT

قضية العلمانية والتصويب خارج المرمى

تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT

بداية ينبغي التوضيح بأن الكاتب من دعاة فصل الدين عن الدولة، بلا مواربة، وقد قدم للمكتبة السودانية بحثاً عن هذه المسألة بعنوان "الدين والدولة – مشروع رؤية لفض الاشتباك" من إصدار دار المصورات عام 2022.
لدى الكاتب قناعة بأنه إذا كانت الدعوة للعلمانية تعني أن تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع مواطنيها، غض النظر عن أديانهم وثقافاتهم وأعراقهم، فإن معظم دساتير السودان، من دستور 1956 وحتى دستور الإسلاميين عام 2005، اشتملت على تلك المبادئ، بل إن دستور 2005 مضى أبعد عن ذلك في تأكيد تلك المبادئ (راجع دستور 2005).


إذن هنالك خلل ما يجب تصحيحه؛ إذ ليس هناك أكثر دلالة على عمق هذا الخلل، من أن معظم الاتفاقيات والمواثيق التي تداولتها أيدي الساسة السودانيين بمختلف مشاربهم، ابتداءً من البيان الختامي لمؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، تضمنت تلك المبادئ "العلمانية". بيد أن معظم القوى الرئيسية الموقعة على تلك المواثيق (خاصة الحزبين الكبيرين) ربطت ذلك لاحقاً بما أطلق عليه "المؤتمر الدستوري"!
وهنا لا بد لنا أن نسأل أنفسنا سؤالاً مباشراً وواضحاً: إذا كانت تلك القوى السياسية متفقة على مبادئ العلمانية الأساسية، وهي أن تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، وأن السلطة للشعب يمارسها عبر إنتخابات حرة ونزيهة؛ لماذا، إذن، ظهر مفهوم "المؤتمر الدستوري" في حياتنا السياسية منذ عهد بعيد خاصة وأن دستور 2005، المعترف به من القوة الأساسية المناهِضة لشعار "العلمانية"، وأعني إسلاميي المؤتمر الوطني، يشمل ذات المبادئ المعلنة في البيان الختامي لمؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية؟! لماذا الإصرار ذلك المؤتمر لمعالجة مسألة متفق حولها؟
الرأي عندي، أن إحالة الأمر للمؤتمر المنشود، إنما ناتج من الخوف "البنيوي" لدى الحزبين الكبيرين، من الابتزاز الشديد الذي سيتعرضا له من إسلامويي المؤتمر الوطني، في حالة رفعهم لشعارات مثل العلمانية أو فصل الدين عن الدولة، وتأثير ذلك على جماهيرها التي استقطبتها أساساً على محمولات دينية.
لو رجعنا للماضي بعض الشيء، في محاولة لتفسير ذلك الارتباك، سنجد أن الدافع الرئيسي لنشوء الحركة الشعبية لم يكن موقفاً من دستور 1973 العلماني، وإنما كان بسبب ما يسمى بقوانين سبتمبر التي صدرت تحت مظلته! وما إصرار حركتي الحلو وعبد الواحد على علمانية الدستور إلا رفضاً منهم لتلك القوانين، التي يقوم مقامها حالياً القانون الجنائي لسنة 1991، وبالذات ما يسمى بالعقوبات الحدية. نفهم من ذلك، أن القضية الأساسية التي ينبغي مناقشتها أو التحاور حولها، هو موضوع علاقة الدين بالقوانين وبالذات القانون الجنائي، وليس وقوف الدولة على مسافة واحدة، ذلك المبدأ الذي لا يوجد اختلاف أصلاً حوله، بمن في ذلك إسلامويي المؤتمر الوطني!
هل يعني الاتفاق على علمانية الدولة إبعاد الدين عن مصادر التشريع؟ بالتأكيد لا! هناك قوانين مرتبطة بمعتقدات الناس، سواء مسلمين، أو مسيحيين، أو من معتقدي كريم المعتقدات؛ وهي قوانين الأحوال الشخصية. صحيح أن بعضها يحتاج لتطوير ليتماهى مع قيم وأنماط حياة مستجدة، بيد أن ذلك لا يلغي ارتباطها بالمعتقد سواء تحدثنا عن المسلمين أو المسيحيين أو المعتقدين في ديانات أو ثقافات أخرى، وما أكثرهم. هذه نقطة هامة للغاية، وينبغي وضعها في دائرة الانتباه ونحن نتجادل حول ماذا تعني علمانية الدستور.
للخروج من ذلك الجدل الدائري حول مسألة العلمانية، أرى أن على خطابنا السياسي والفكري والإعلامي، الاتجاه نحو معالجة تلك الجزئية، أي علاقة الدين بالقانون، وليس علاقة الدين بالدولة. من وجهة نظري أنه إذا تم التصويب على ذلك الهدف سنختصر الكثير من الجدل، علماً بأن الإسلاميين، وحتى هذا الجانب، أي القانون الجنائي، لا يملكون أي حجة على الآخرين يبتزونهم من خلالها! فهناك شواهد، لا تقبل الجدل، بأن الإسلامويين أنفسهم نفضوا أيديهم عن ذلك القانون نظرياً وعملياً وتجاوزوا في ذلك ثوابت استقرت منذ أكثر من ألف عام، من أمثلة ذلك التجاوز الجرئ، من صلب القانون الجنائي السوداني الحالي والمتضمن للعقوبات الحدية:
* لا يميز القانون بين المسلم وغيره في الشهادة.
* لا يوجد تمييز في الدية بين المرأة والرجل، أو بين المسلم وغير المسلم.
* أضاف القانون الجنائي شرطاً لتطبيق حد السرقة جعل من المستحيل تطبيق ذلك الحد.
* جعل تحديد قيمة الدية، في القتل الخطأ مثلاً، مرتبطاً بتقديرات رئيس القضاء متجاوزاً القاعدة المعروفة وهي عدد مئة من الإبل.
* ما تم تنفيذه من بتر للأعضاء (فيما يخص الحدود والقصاص) لم يتجاوز العشرة حالات، حسب المعلومات المتوفرة للكاتب، في خلال الخمسة والثلاثون عاما.ً
* تحايلت حكومة الإنقاذ على مادة "حد الردة" بوسائل مختلفة في إتجاه عدم تطبيقها، والذي يعني ضمناً عدم قناعتها به (أمثلة: قضيتي السيدة أبرار والسيد البارون).
بالنظر لكل تلك الحقائق، نرى أن تجاوز العقبات فيما يخص مسألة العلمانية، أو فصل الدين عن الدولة، أمر قابل للتحقق بدون دفع أثمان باهظة، وكل المطلوب، في نظر الكاتب، أن يتم الخروج من ذلك الجدال الدائري، ومخاطبة القضية الحقيقية التي هي مسألة علاقة الدين بالقانون.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القانون الجنائی علاقة الدین الدین عن

إقرأ أيضاً:

الرئيس التونسي متهماً «الإخوان» بالتنكيل بالشعب: لا أحد فوق القانون

البلاد _ تونس

وجّه الرئيس التونسي قيس سعيد انتقادات لاذعة لتنظيم الإخوان، متهمًا إياهم بالعمل على زعزعة استقرار البلاد وتأجيج الأوضاع، ومواصلة محاولاتهم للعبث بأمن الدولة. جاء ذلك خلال لقائه أمس الثلاثاء، برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري.
وقال سعيد إن”فلول الردة وجدت من يخدمها داخل عدد من المرافق”، مضيفًا أن المسؤولية لا تقع فقط على هذه العناصر، بل تمتد إلى”خدمها وسدنتها” الذين لا هدف لهم سوى إيذاء المواطن التونسي وزرع الفوضى. وشدّد على أن”الصراع الحقيقي هو بين الفاعل، وهو الشعب، والمنظومة الممثلة بالإخوان”، مشيرًا إلى أن هذه المنظومة ستندثر، ومعها أعوانها وأذرعها.
وأكد الرئيس التونسي أن الدولة تُدار بمؤسساتها وبما ينظّمها من قوانين، وأنه لا يوجد أحد فوق المساءلة. وأضاف:”لا مجال للتردّد في إقصاء من لا يعمل؛ من أجل مصلحة الشعب، ويجب الإسراع بتحقيق انتظارات المواطنين”.
في السياق ذاته، اعتبر محللون سياسيون أن الإخوان ما زالوا يحاولون التسلل مجددًا إلى مفاصل الدولة، مؤكدين أن تصريحات الرئيس سعيد تشير إلى استمرار أنشطة الجماعة داخل البلاد وخارجها، من خلال عناصرها المزروعة في مؤسسات الدولة. وأضافوا أن المرحلة المقبلة ستشهد تطهير هذه المؤسسات من أتباع الإخوان، خاصة بعد انتهاء عملية التدقيق الشاملة في التعيينات الحكومية منذ 2011.
وأشار المحللون إلى أن الهدف من هذه العملية هو تفكيك منظومة الإخوان، التي زرعت أنصارها في مفاصل الدولة بعد ثورة 2011، مشيرين إلى أن قيس سعيد يسعى لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة بعيدًا عن الأحزاب التي لفظها الشارع.
وفي إطار مكافحة تغلغل الإخوان في الدولة، أطلقت الحكومة التونسية في سبتمبر 2023 عملية تدقيق شاملة لكل التعيينات التي تمت من 14 يناير 2011 حتى 25 يوليو 2021. وتشرف على هذه العملية لجنة قيادة برئاسة رئيسة الحكومة، تضم 26 لجنة فرعية و436 مراقبًا من مختلف أجهزة الرقابة.
وشملت العملية الوزارات، والمؤسسات العمومية، والبنوك ذات المساهمة العامة، ومجلس نواب الشعب، وتهدف إلى مراجعة التعيينات غير القانونية، أو تلك التي شابتها مخالفات.
وسلط التقرير الضوء على استغلال حركة النهضة لمرسوم”العفو التشريعي العام” الصادر في فبراير 2011، حيث قامت بتوظيف آلاف من أنصارها في أجهزة الدولة، ومنحتهم تعويضات مالية ضخمة، ما أثقل كاهل الميزانية العامة. كما اتُّهمت الحركة بإصدار تعليمات لإطلاق سراح عناصر متورطة في قضايا إرهابية، وإنشاء حساب خاص في خزينة الدولة لتعويض من وصفتهم بـ”ضحايا الاستبداد”، دون احترام الإجراءات القانونية.
ويُجمع المراقبون على أن الرئيس قيس سعيد يسعى عبر هذه الإجراءات إلى استعادة هيبة الدولة ومحاسبة كل من أسهم في اختراقها، مؤكدين أن المسار طويل، لكنه ضروري لضمان مستقبل سياسي مستقر لتونس.

مقالات مشابهة

  • بهية الحريري من ثانوية بهاء الدين الحريري: التّربية والثقافة جسر عبور من زمن الألم إلى الأمل
  • العبدلي: أزمةُ النزاع على رئاسة مجلس الدولة كانت السبب الرئيس في نهايته
  • «الداخلية» تحبط محاولة لترويج أقراص مخدرة في الإمارات
  • شاهد.. حكم يطبق قانونا جديدا لأول مرة بكأس العالم للأندية
  • زياد بهاء الدين: خروج الدولة من الاقتصاد كليًا حديث غير واقعي
  • بهاء الدين: خروج الدولة من الاقتصاد بشكل كامل حديث غير واقعى
  • باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!
  • الدبيبة: انتهى عهد “الشيخ والحاج” ولا سجون خارج الدولة
  • الصكوك السيادية في مصر.. مساع لتقليص الدين وتحذيرات من التفريط في الأصول
  • الرئيس التونسي متهماً «الإخوان» بالتنكيل بالشعب: لا أحد فوق القانون