السائل يقول: في قوله تعالى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، هل المقصود هنا الحديد فقط، أم حتى المعادن الأخرى كالذهب والفضة وغيرها؟

في قول الله تبارك وتعالى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، ذهب أكثر المفسرين، بل ذهب جمهور المفسرين، كما نقل غير واحد منهم، إلى أن المقصود بالحديد هنا جنسه من المعادن، ويقصدون بذلك ما يشترك معه في المنافع والخواص، ولا يقصدون مطلق المعادن كالذهب والفضة، وإنما يقصدون ما يشترك مع الحديد في الخواص والمنافع، وما يُستعمل فيه.

لكننا إذا نظرنا إلى الآية الكريمة، فإننا نجد أن الله تبارك وتعالى خصَّ الحديد بالذكر، وإن كان غيره يشترك معه في جملة من المنافع والخواص، إلا أن ذلك لا يعني عموم ما يمكن أن ينقدح في الذهن من المعادن الأخرى، ولهذا ذهب الجمهور حينما قالوا بأن المقصود ما يشترك مع الحديد من جنسه من المعادن، فإنهم يذكرون الحديد ويخصونه بالذكر؛ لأنه يدخل في أكثر صناعات السلاح والعتاد، وهذا هو المعنى الذي تشير إليه الآية الكريمة: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس».

وهو بما أودعه الله تبارك وتعالى فيه من خواص قابل للمطاوعة والتعدين، ليُصنع منه مختلف أنواع السلاح والعتاد اللازم لإقامة العدل في الأرض، وردع البغي والعدوان، وزجر المعتدين ذوي الجبروت والظلم الذين يسعون في الأرض فسادًا، والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.

ولذلك، ذكر غير واحد أن الحديد يدخل في صناعة أغلب السلاح والعتاد الذي يحتاج إليه في هذه المنافع، فهذا هو معنى الآية الكريمة، فذكر الحديد على جهة التخصيص مقصود، لكن المعنى لا يقتصر عليه، كما أن المعنى لا يتسع ليشمل كل معدن، وإنما يُقصد بذلك ما يشترك مع الحديد في عِظَم المنافع، وفي صلابة الخواص، وقابليته للتصنيع، وشدة احتياج الناس إليه، وفيما يُتخذ منه من صناعة الحديد، كل هذه المنافع والاستعمالات والخواص هي التي تجعل من ذكر الحديد على جهة التخصيص في هذه الآية الكريمة مفهومًا، فلا ينبغي أن يتوسع ليشمل ما خُصَّ بالذكر في مواضع أخرى في كتاب الله عز وجل، أو في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يتخذه الناس حُلِيًّا، على سبيل المثال.

فالذهب والفضة إنما تُتخذ لتكون حلية وزينة، أما الحديد وما أشبهه مما يذكره بعض المفسرين المعاصرين اليوم، كالنيكل والرصاص والمعادن التي تشبه الحديد في خواصه ومنافعه فإنها داخلة بالمعنى لا بالذكر، وتقدم الجواب في معنى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس».

والصحيح أن هذا الفعل «وأنزلنا» في سياق الامتنان من الله تبارك وتعالى، يأتي فيما هو أمرٌ يمتن الله عز وجل به على عباده، مما تشتد إليه حاجتهم، فالله تبارك وتعالى استعمله في إنزال الكتاب، واستعمله في إنزال المطر، وفي الرحمة، واستعمله كذلك في الأنعام، «أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج».

وهذا لا يتأتى مما يذكره بعض المعاصرين من كون الحديد عنصرًا غريبًا عن الأرض، فهو موجود في لبِّ الأرض وفي ظاهرها، وإنما المعنى هو ما نصَّ عليه غير واحد، وهو الإيجاد والخلق، لكن هذه الصيغة، فيما أوجده الله تبارك وتعالى وخلقه لعباده، إنما ترد فيما يكون وجه الامتنان فيه كبيرًا، لشدة احتياج الخلق إليه، ولعِظَم منافع ما امتنَّ الله عز وجل عليهم به، ووروده بهذه الصيغة في معايشهم وحياتهم.

ومن ذلك أيضًا امتنان الله تعالى على داود عليه السلام: «وألنّا له الحديد»، فالحديد ورد في ثلاثة مواضع شهيرة في كتاب الله عز وجل: ورد في سورة الكهف: «آتوني زبر الحديد»،، وزُبَر الحديد هي القطع التي تنتج من صهْر الحديد لإزالة الخبث عنه، وليكون نقيًّا خالصًا، ثم يُطرَق بعد ذلك حتى يصير زُبَرًا، أي قطعًا.

وورد أيضًا في سياق الامتنان على داود عليه السلام: «وألنَّا له الحديد»، في هذه المواضع كلها تأكيد على أن الحديد مقصود بذكره على جهة الخصوص، لكن هذا لا ينفي أن يكون الامتنان والإنعام شاملًا لما يشترك معه في المنافع والخواص، دون اتساع لما كان دونه في المنافع والخواص؛ لأن غالب عتاد الناس في الماضي وفي الحاضر، من العتاد والسلاح، من السيوف والسكاكين والمدرعات والأسلحة اليوم، إنما يُتخذ من الحديد أصالةً، أو من معادن تشترك مع الحديد في الصلابة والقوة والخواص، وما يحتاج إليه في صناعة العتاد والسلاح، والله تعالى أعلم.

السائل يقول: كيف نوفِّق بين محاربة التسوُّل وبين التصدُّق على الفقراء والمساكين؟

الأصل أن هناك فارقًا جوهريًّا ينبغي أن يُنتبَه إليه، التصدُّق على الفقراء والمساكين يكون في وجهه الأول الذي يُندَب إليه، بأن يتفقد المتصدِّق أحوال الناس، ليتعرف على المستحقين للصدقات والزكوات، أي صدقات النفل، والصدقات الواجبة التي هي فريضة الزكاة، فهو الذي يتعرَّف عليهم، وهو الذي يبحث عنهم، ثم هو بعد ذلك يوصِل إليهم ما تجود به نفسه، إن كان ذلك على سبيل التبرع، أو ما يلزمه إن كان ذلك على جهة الواجب، أي فريضة الزكاة، فهذا فارق ينبغي أن يكون حاضرًا، حتى لا يُظن أن المسكين أو الفقير هو الذي يأتي ليسأل، بل الواجب على الغني والمُوسِر والمُحسنين أن يبحثوا، وأن يتفقدوا أحوال مجتمعاتهم، وأن يتخذوا الوسائل الكفيلة بالتعرف على أحوال المعوزين في مجتمعهم، وألَّا يُلجِئوهم إلى السؤال، بل يُبادروا هم إلى تفقد أحوالهم ومد يد العون إليهم، لا أن يضطروهم إلى السؤال.

أما المتسوِّل، فهو الذي يأتي ليسأل الناس، قد يكون ذا حاجة، وقد لا يكون صاحب حاجة، وهو ما يشير إليه السائل، فقد يكون من المحتالين الذين يكتسبون الأموال، وقد يكون قادرًا على العمل أو في يُسر، لكنه يتكثَّر من المال، ويريد أن يثري بسؤاله الناس، فهؤلاء هم الذين لا ينبغي أن يُعانوا؛ لأن هذا سيكون فيه عون على الاحتيال، وخداع الناس، وهم غير مستحقين لذلك.

ويُرَدُّون بالكلمة الطيبة، إلا إذا قامت البينة على أنهم من هذا الصنف الذي يحتال على الناس ويخدعهم، فهؤلاء لا بد من اتخاذ الوسائل الكفيلة بمنعهم من التسول، والاحتيال على الناس، وأكل أموالهم بالباطل، أما من كان مُرتابًا منهم، أو قويت الشبهة فيهم، فالواجب أن يكون الرد دون نهر، كما قال ربنا تبارك وتعالى: «وأما السائل فلا تنهر»، والأصل في السائل أن يُعطَى، كما دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكن لشدة الريبة، وكثرة الاحتيال، ولعموم ما ابتُليت به المجتمعات اليوم من المتسوِّلين، فإن التثبُّت أولى، دون مبالغة في التعنيف أو الزجر، وإنما بالكلمة الطيبة، بالدعاء بأن يفتح الله تبارك وتعالى عليه، أو بالاعتذار إليه بكلمة حسنة وبرفق، فإن كانت هناك دلائل على أنهم إنما يخدعون الناس، ويأكلون الأموال بالباطل، فهؤلاء هم الذين يُتخذ في حقهم الإجراءات المعروفة. أما كيف يُتوصل إلى التعرف عليهم، فهذه مسألة أخرى، لكن ينبغي للناس اليوم أن يكونوا حذرين يقظين، وأن يتنبهوا وألَّا تُستثار عواطفهم؛ لأن الحال كما لا يخفى على كثير من الناس للأسف الشديد قد عمت به البلوى فعلًا، وإن كان مع هذا التنبيه، فلا ينبغي أيضًا أن يُبالَغ، أو أن يُتَّهم الناس جزافًا. وبحمد الله تعالى أننا اليوم نجد كثيرًا من اللجان المختصة والجمعيات التي تتفقد أحوال المحتاجين من الفقراء والمساكين، فيمكن اللجوء إليهم لتبيُّن أحوال هؤلاء السائلين، ومعرفة احتياجهم وصدقهم، إذ لا يلزم أن يكون الأداء إليهم فور سؤالهم، بل يمكن أن تُؤخذ بياناتهم، فإذا ثبت بعد ذلك أنهم مستحقون، أُعطوا مما تجود به النفس، والله تعالى الموفِّق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الآیة الکریمة الله عز وجل الله تعالى ینبغی أن ی مع الحدید ر الحدید ا ینبغی أن یکون هو الذی على جهة إنما ی الذی ی

إقرأ أيضاً:

فضيلة الدكتور نظير عياد يشيد بنجاح دولة التلاوة

أشاد الأستاذ الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، في افتتاح المسابقة العالمية للقرآن الكريم الثانية والثلاثين بمسجد مصر الكبير، بنجاح مشروع "دولة التلاوة" وبنجاح المسابقة العالمية للقرآن الكريم.

الدكتور نظير عياد يشيد بنجاح دولة التلاوة

وأكد فضيلة المفتي أن التفاف المجتمع المصري حول هذه المشروعات يؤكد حقيقتين: الأولى أن القرآن الكريم لا ينفصل عن حياة الأمة، والثانية أن العودة إليه ضرورة في عصر تتزاحم فيه الماديات وتتقلب فيه الأحوال.

واستشهد فضيلته بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ»، وبشر آباءهم بتاج الوقار يوم القيامة، داعيًا الجميع للتمسك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: «عليك بتلاوةِ القرآنِ، وذِكرِ اللهِ؛ فإنَّهُ نورٌ لك في الأرضِ، وذخرٌ لك في السماءِ».

وأوضح فضيلة الدكتور نظير عياد أن إعجاز القرآن الكريم قائم على فصاحة ألفاظه، ودقة معانيه، وشمول بيانه، وما جمعه في نظمه البديع من عقيدة وتشريع ومكارم أخلاق، ووعظ وتقويم، وإخبار بالمغيبات، مما يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ويقود كل متذوق للغة العربية إلى مزيد من الخضوع أمام عظمة هذا الكتاب الرباني.

الدكتور نظير عياد يؤكد القرآن الكريم هو نور الحياة وهدى الوجود

وأشار فضيلته إلى أن القرآن الكريم هو نور الحياة وهدى الوجود، يبني الإنسان على الحق، ويقيم عواطفه على الخير، ويجعل التعاون على البر والتقوى أساسًا للعمران البشري، مؤكدًا أن هذا الإعجاز الفريد جعل القرآن مصباحًا يهدي المؤمنين كما تهدي الشمس العالم بنورها.

واستعاد الدكتور نظير عياد في كلمته مسيرة التلاوة المصرية التي أنجبت عمالقة القراء، مثل: الشيخ محمد صديق المنشاوي، الشيخ محمود علي البنا، الشيخ محمود الحصري، الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، عليهم رحمة الله، مؤكدًا أن مشروع "دولة التلاوة" الذي تبنته وزارة الأوقاف اليوم يعيد إحياء هذه المدرسة المصرية في أدائها الرفيع، من خلال اكتشاف المواهب الشابة ورعايتها في فنون الترتيل والتجويد.

 

نتائج حلقة المنافسة ببرنامج دولة التلاوة

جاءت نتائج الحلقة بمشاركة ستة متسابقين كالتالي:

محمد القلاجي: 271 درجة

أشرف سيف صالح: 268 درجة

محمد ماهر شفيق: 267 درجة

محمود السيد عبدالله: 267 درجة

رضا محمد رضا: 266 درجة

وليد صلاح عطية: 263 درجة

 

 

مقالات مشابهة

  • دعاء طلب الرحمة والمغفرة والعتق من الله سبحانه وتعالى
  • عون غادر الى سلطنة عمان في زيارة تستمر يومين
  • هل يجوز منع الإنجاب إذا كانت المرأة مريضة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • إصدار توثيقي جديد يستعرض حياة وآثار الشيخ نبهان بن سيف المعمري
  • رئيس لبنان يبدأ زيارة رسمية لسلطنة عمان غدًا تستمر يومين
  • صور جديدة تكشف الجانب الخفي لجزيرة إبستين.. ما الذي آلت إليه بعد وفاته؟
  • بعد غدٍ.. الرئيس اللبناني يزور سلطنة عُمان
  • تفسير قوله تعالى صم بكم عمي فهم لا يعقلون.. علي جمعة يوضح
  • كيف يتفكر الإنسان ويكون الفكر لله؟..على جمعة يوضح
  • فضيلة الدكتور نظير عياد يشيد بنجاح دولة التلاوة