فتاوى: فتاوى: يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
السائل يقول: في قوله تعالى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، هل المقصود هنا الحديد فقط، أم حتى المعادن الأخرى كالذهب والفضة وغيرها؟
في قول الله تبارك وتعالى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، ذهب أكثر المفسرين، بل ذهب جمهور المفسرين، كما نقل غير واحد منهم، إلى أن المقصود بالحديد هنا جنسه من المعادن، ويقصدون بذلك ما يشترك معه في المنافع والخواص، ولا يقصدون مطلق المعادن كالذهب والفضة، وإنما يقصدون ما يشترك مع الحديد في الخواص والمنافع، وما يُستعمل فيه.
لكننا إذا نظرنا إلى الآية الكريمة، فإننا نجد أن الله تبارك وتعالى خصَّ الحديد بالذكر، وإن كان غيره يشترك معه في جملة من المنافع والخواص، إلا أن ذلك لا يعني عموم ما يمكن أن ينقدح في الذهن من المعادن الأخرى، ولهذا ذهب الجمهور حينما قالوا بأن المقصود ما يشترك مع الحديد من جنسه من المعادن، فإنهم يذكرون الحديد ويخصونه بالذكر؛ لأنه يدخل في أكثر صناعات السلاح والعتاد، وهذا هو المعنى الذي تشير إليه الآية الكريمة: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس».
وهو بما أودعه الله تبارك وتعالى فيه من خواص قابل للمطاوعة والتعدين، ليُصنع منه مختلف أنواع السلاح والعتاد اللازم لإقامة العدل في الأرض، وردع البغي والعدوان، وزجر المعتدين ذوي الجبروت والظلم الذين يسعون في الأرض فسادًا، والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
ولذلك، ذكر غير واحد أن الحديد يدخل في صناعة أغلب السلاح والعتاد الذي يحتاج إليه في هذه المنافع، فهذا هو معنى الآية الكريمة، فذكر الحديد على جهة التخصيص مقصود، لكن المعنى لا يقتصر عليه، كما أن المعنى لا يتسع ليشمل كل معدن، وإنما يُقصد بذلك ما يشترك مع الحديد في عِظَم المنافع، وفي صلابة الخواص، وقابليته للتصنيع، وشدة احتياج الناس إليه، وفيما يُتخذ منه من صناعة الحديد، كل هذه المنافع والاستعمالات والخواص هي التي تجعل من ذكر الحديد على جهة التخصيص في هذه الآية الكريمة مفهومًا، فلا ينبغي أن يتوسع ليشمل ما خُصَّ بالذكر في مواضع أخرى في كتاب الله عز وجل، أو في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يتخذه الناس حُلِيًّا، على سبيل المثال.
فالذهب والفضة إنما تُتخذ لتكون حلية وزينة، أما الحديد وما أشبهه مما يذكره بعض المفسرين المعاصرين اليوم، كالنيكل والرصاص والمعادن التي تشبه الحديد في خواصه ومنافعه فإنها داخلة بالمعنى لا بالذكر، وتقدم الجواب في معنى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس».
والصحيح أن هذا الفعل «وأنزلنا» في سياق الامتنان من الله تبارك وتعالى، يأتي فيما هو أمرٌ يمتن الله عز وجل به على عباده، مما تشتد إليه حاجتهم، فالله تبارك وتعالى استعمله في إنزال الكتاب، واستعمله في إنزال المطر، وفي الرحمة، واستعمله كذلك في الأنعام، «أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج».
وهذا لا يتأتى مما يذكره بعض المعاصرين من كون الحديد عنصرًا غريبًا عن الأرض، فهو موجود في لبِّ الأرض وفي ظاهرها، وإنما المعنى هو ما نصَّ عليه غير واحد، وهو الإيجاد والخلق، لكن هذه الصيغة، فيما أوجده الله تبارك وتعالى وخلقه لعباده، إنما ترد فيما يكون وجه الامتنان فيه كبيرًا، لشدة احتياج الخلق إليه، ولعِظَم منافع ما امتنَّ الله عز وجل عليهم به، ووروده بهذه الصيغة في معايشهم وحياتهم.
ومن ذلك أيضًا امتنان الله تعالى على داود عليه السلام: «وألنّا له الحديد»، فالحديد ورد في ثلاثة مواضع شهيرة في كتاب الله عز وجل: ورد في سورة الكهف: «آتوني زبر الحديد»،، وزُبَر الحديد هي القطع التي تنتج من صهْر الحديد لإزالة الخبث عنه، وليكون نقيًّا خالصًا، ثم يُطرَق بعد ذلك حتى يصير زُبَرًا، أي قطعًا.
وورد أيضًا في سياق الامتنان على داود عليه السلام: «وألنَّا له الحديد»، في هذه المواضع كلها تأكيد على أن الحديد مقصود بذكره على جهة الخصوص، لكن هذا لا ينفي أن يكون الامتنان والإنعام شاملًا لما يشترك معه في المنافع والخواص، دون اتساع لما كان دونه في المنافع والخواص؛ لأن غالب عتاد الناس في الماضي وفي الحاضر، من العتاد والسلاح، من السيوف والسكاكين والمدرعات والأسلحة اليوم، إنما يُتخذ من الحديد أصالةً، أو من معادن تشترك مع الحديد في الصلابة والقوة والخواص، وما يحتاج إليه في صناعة العتاد والسلاح، والله تعالى أعلم.
السائل يقول: كيف نوفِّق بين محاربة التسوُّل وبين التصدُّق على الفقراء والمساكين؟
الأصل أن هناك فارقًا جوهريًّا ينبغي أن يُنتبَه إليه، التصدُّق على الفقراء والمساكين يكون في وجهه الأول الذي يُندَب إليه، بأن يتفقد المتصدِّق أحوال الناس، ليتعرف على المستحقين للصدقات والزكوات، أي صدقات النفل، والصدقات الواجبة التي هي فريضة الزكاة، فهو الذي يتعرَّف عليهم، وهو الذي يبحث عنهم، ثم هو بعد ذلك يوصِل إليهم ما تجود به نفسه، إن كان ذلك على سبيل التبرع، أو ما يلزمه إن كان ذلك على جهة الواجب، أي فريضة الزكاة، فهذا فارق ينبغي أن يكون حاضرًا، حتى لا يُظن أن المسكين أو الفقير هو الذي يأتي ليسأل، بل الواجب على الغني والمُوسِر والمُحسنين أن يبحثوا، وأن يتفقدوا أحوال مجتمعاتهم، وأن يتخذوا الوسائل الكفيلة بالتعرف على أحوال المعوزين في مجتمعهم، وألَّا يُلجِئوهم إلى السؤال، بل يُبادروا هم إلى تفقد أحوالهم ومد يد العون إليهم، لا أن يضطروهم إلى السؤال.
أما المتسوِّل، فهو الذي يأتي ليسأل الناس، قد يكون ذا حاجة، وقد لا يكون صاحب حاجة، وهو ما يشير إليه السائل، فقد يكون من المحتالين الذين يكتسبون الأموال، وقد يكون قادرًا على العمل أو في يُسر، لكنه يتكثَّر من المال، ويريد أن يثري بسؤاله الناس، فهؤلاء هم الذين لا ينبغي أن يُعانوا؛ لأن هذا سيكون فيه عون على الاحتيال، وخداع الناس، وهم غير مستحقين لذلك.
ويُرَدُّون بالكلمة الطيبة، إلا إذا قامت البينة على أنهم من هذا الصنف الذي يحتال على الناس ويخدعهم، فهؤلاء لا بد من اتخاذ الوسائل الكفيلة بمنعهم من التسول، والاحتيال على الناس، وأكل أموالهم بالباطل، أما من كان مُرتابًا منهم، أو قويت الشبهة فيهم، فالواجب أن يكون الرد دون نهر، كما قال ربنا تبارك وتعالى: «وأما السائل فلا تنهر»، والأصل في السائل أن يُعطَى، كما دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن لشدة الريبة، وكثرة الاحتيال، ولعموم ما ابتُليت به المجتمعات اليوم من المتسوِّلين، فإن التثبُّت أولى، دون مبالغة في التعنيف أو الزجر، وإنما بالكلمة الطيبة، بالدعاء بأن يفتح الله تبارك وتعالى عليه، أو بالاعتذار إليه بكلمة حسنة وبرفق، فإن كانت هناك دلائل على أنهم إنما يخدعون الناس، ويأكلون الأموال بالباطل، فهؤلاء هم الذين يُتخذ في حقهم الإجراءات المعروفة. أما كيف يُتوصل إلى التعرف عليهم، فهذه مسألة أخرى، لكن ينبغي للناس اليوم أن يكونوا حذرين يقظين، وأن يتنبهوا وألَّا تُستثار عواطفهم؛ لأن الحال كما لا يخفى على كثير من الناس للأسف الشديد قد عمت به البلوى فعلًا، وإن كان مع هذا التنبيه، فلا ينبغي أيضًا أن يُبالَغ، أو أن يُتَّهم الناس جزافًا. وبحمد الله تعالى أننا اليوم نجد كثيرًا من اللجان المختصة والجمعيات التي تتفقد أحوال المحتاجين من الفقراء والمساكين، فيمكن اللجوء إليهم لتبيُّن أحوال هؤلاء السائلين، ومعرفة احتياجهم وصدقهم، إذ لا يلزم أن يكون الأداء إليهم فور سؤالهم، بل يمكن أن تُؤخذ بياناتهم، فإذا ثبت بعد ذلك أنهم مستحقون، أُعطوا مما تجود به النفس، والله تعالى الموفِّق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الآیة الکریمة الله عز وجل الله تعالى ینبغی أن ی مع الحدید ر الحدید ا ینبغی أن یکون هو الذی على جهة إنما ی الذی ی
إقرأ أيضاً:
مسيرات في 235 ساحة بالحديدة تبارك انتصار إيران وتؤكد الثبات مع غزة
وهتف المشاركون في المسيرات التي تقدّمها بمربع مدينة الحديدة، وزير النقل والأشغال العامة محمد قحيم والمحافظ عبدالله عطيفي، ووكيل أول المحافظة أحمد البشري، ووكلاء المحافظة محمد حليصي، محمد النهاري، وعلي الكباري، بشعارات عبرت عن الجهوزية الكاملة لخيار الجهاد، وتعزيز الالتفاف حول توجيهات القيادة الثورية، في مواجهة العدو الصهيوني، الأمريكي ومشاريعه العدوانية.
ورفعت الحشود بمشاركة وكلاء المحافظة للمربعات الشرقية والجنوبية والشمالية، العلمين اليمني والفلسطيني، ولافتات عكست التلاحم الشعبي مع جبهات الصمود في فلسطين وإيران، مباركين الانتصار الإيراني على كيان العدو الصهيوني، مؤكدين أن ما تحقق في الرد الإيراني هو نتاج إرادة مواجهة حقيقية كسرت هيبة كيان العدو، وأسقطت وهم التفوق الصهيوني أمام صلابة الجبهة المناهضة للهيمنة.
واعتبر أبناء الحديدة، فشل العدو الأمريكي الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه ضد إيران، يؤكد الوهن غير مسبوق في مشروع الهيمنة، ويفتح الباب أمام دول وشعوب المنطقة لإعادة صياغة واقعها من موقع القوة.
وجدّد المشاركون، موقفهم الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني، مشيرين إلى أن ما يتعرض له قطاع غزة من إبادة يومية لا يمكن فصله عن المشروع الاستكباري نفسه، وأن الرد على تلك الجرائم لا يكون إلا بالجهاد والكفاح المستمر.
وأكدوا أن صمت الأنظمة المطبعة وتواطؤها بات غطاءً سياسيا لجرائم الاحتلال الأرعن، وأن الشعوب الحرة، وفي طليعتها الشعب اليمني، ماضية في فك الحصار واستعادة زمام المبادرة من داخل الميدان.
وشدد أبناء تهامة على أن الحديدة، بكل رجالها وأطيافها، جزء لا يتجزأ من جبهة المواجهة، وستظل في طليعة الصفوف المعبّأة لكل نداء يصدر عن قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، باعتبارها جبهة متقدمة في معركة الأمة، وحصن منيع في وجه أي تهديد يستهدف كرامة الشعب أو سيادة القرار.
وأوضح المشاركون، أن تزامن المسيرات مع ذكرى الهجرة النبوية يمنحها بُعدًا رمزيًا عميقًا، حيث مثلت الهجرة لحظة تحول حاسمة في تاريخ الأمة، انتقل فيها الحق من الاستضعاف إلى التمكين، ومن الترقب إلى الفعل، وهو ما يتجدد اليوم في واقع المواجهة مع العدو، حيث تنهض الشعوب الحرة لصناعة مصيرها ومراكمة عناصر القوة والانتصار.
وأكدت الحشود الجماهيرية أن الرهان على المسارات السياسية المعلبة التي تُروجّها عواصم الهيمنة لم يجلب للقضية الفلسطينية سوى المزيد من الدماء والخذلان، وأن طريق الجهاد هو وحده القادر على فرض معادلة توازن، وكسر غطرسة العدو، باعتباره الخيار الفاعل لاستعادة الكرامة المسلوبة والحق المغتصب.
كما أكدت الجهوزية لخوض أي مواجهة يفرضها مسار التصعيد مع العدو، وأن خيار التعبئة والتحرك الشعبي يمثل ركيزة أساسية في معادلة الرد، ولن يُفرط فيه تحت أي ظرف، باعتباره سلاح الشعوب الحية في مواجهة مشاريع الإخضاع والاستعمار.
وأهاب أبناء الحديدة بالشعوب الحيّة أن تدرك حساسية المرحلة، وتتحرك بحجم الخطر، وأن تُدرك أن صمتها لم يعد حيادًا بل خيانة مكتملة، وأن التخاذل اليوم يعني منح العدو مزيدا من الوقت لسفك الدماء.
وأعلن المشاركون النفير العام، مؤكدين أن الحديدة ستظل ساحة ولاء ويقظة، وأن أبناءها على العهد، أوفياء لمحور المقاومة، جاهزون لتنفيذ التوجيهات، وحاضرون في كل جبهة يُرفع فيها لواء العزة.
وبارك بيان صادر عن المسيرات، للأمة العربية والإسلامية، حلول العام الهجري الجديد، سائلة الله عز وجل أن يجعله عام جهاد ونصر للمستضعفين والمظلومين في كل أرجاء العالم.
وأوضح البيان أن المناسبة ترتبط وجدانياً بالشعب اليمني، أنصار رسول الله، الذين يجددّون من خلالها العهد والولاء لله ورسوله، والوفاء لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وتأكيدهم على المضي في نهج الجهاد والبذل والعطاء، بثبات لا يعرف التراجع، وتوكل راسخ على الله حتى يتحقق النصر الموعود لعباده.
وعبرت المسيرات في بيانها، عن أصدق التهاني والتبريكات للجمهورية الإسلامية في إيران، قيادة وشعباً ومجاهدي الجيش والحرس الثوري، بمناسبة الانتصار الكبير على كيان العدو الصهيوني، المدعوم من المجرم ترامب، الذي أذعن صاغراً للجمهورية الإسلامية، معلناً استسلامه وداعياً إلى وقف الحرب ووقف إطلاق النار دون شروط.
وأكد البيان أن العدو الإسرائيلي تكبّد خسائر بشرية فادحة تحت ضربات إيران المزلزلة، لم يعرف لها مثيلاً في تاريخه الدموي الأسود، داعياً الدول العربية والإسلامية لاتخاذ الجمهورية الإسلامية قدوة في مقارعة الطغيان، ونموذجاً في مقاومة الاستكبار، إن كانوا يعقلون.