إلى ماذا يسعى ترامب حقا في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة - أو حتى هو شخصيا - يجب أن "تسيطر" على قطاع غزة، وتزيل سكانها الذين يزيد عددهم عن مليوني فلسطيني، وتحويله إلى "ريفييرا" على البحر الأبيض المتوسط لشعوب العالم.
وجاء في مقال نشره موقع مجلة "ذي أتلانتك" للباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، حسين إيبش، أنه في هذا الأسبوع فقط نشر ترامب مقطع فيديو تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يظهره هو وإيلون ماسك في حفل في "ترامب غزة"، وهي جنة يهيمن عليها تمثال ذهبي للرئيس.
وأكد المقال أنه كمسألة عملية وسياسية، فإن الفكرة غير قابلة للتنفيذ، ولكن بمجرد اقتراحها، ربما مهد ترامب الطريق لهدفين آخرين يمكن تحقيقهما من شأنهما إعادة تشكيل الشرق الأوسط ويؤديان إلى الفوضى للفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية.
وأوضح "يبدو أن الأول هو الاتفاق النووي مع إيران، وكان ترامب صريحا إلى حد ما بشأن رغبته في التوصل إلى اتفاق، ولكن بعد أن أعلن عن فرض عقوبات جديدة على إيران في وقت سابق من هذا الشهر، عقد ترامب مؤتمرا صحفيا خاطب فيه إيران مباشرة قائلا: أود أن أكون قادرا على إبرام صفقة عظيمة، صفقة حيث تمكنكم من الاستمرار في حياتكم وسوف تبدعون بشكل رائع".
وذكر أنه "يتعين على ترامب أن يدرك أن اليمين الإسرائيلي ــ وحلفائه المحافظين في أميركا ــ سوف يغضبون من مثل هذا الاتفاق ويطالبون ببعض أشكال التعويض".
وقال إنه "هذا يقودنا إلى هدفه الثاني، ففي نفس المؤتمر، ألمح ترامب إلى أنه قد يخفف من مخاوف إسرائيل من خلال عرض توسيع سيطرتها الرسمية في الضفة الغربية، وعندما سئل عما إذا كان يدعم "سيادة" إسرائيل في المنطقة، قال إن إدارته ستعلن على الأرجح عن هذا الموضوع المحدد للغاية خلال الأسابيع الأربعة المقبلة، ولا يزال الفلسطينيون يكتمون أنفاسهم".
وذكر "يبدو ضم أجزاء إضافية من الضفة الغربية تافها مقارنة بغزة، وربما يكون هذا هو الهدف على وجه التحديد، فمن خلال تكرار خطته لإخلاء غزة، نجح ترامب في تحويل "نافذة أوفيرتون" (مصطلح يصف مجموعة الأفكار المقبولة في الخطاب العام) في الشرق الأوسط وتعزيز فكرة أن مطالب الفلسطينيين باطلة بطريقة أو بأخرى، وهذه الخطوة تتبع تكتيك ترامب المعتاد: تكرار نفس الشيء المروع مرارا وتكرارا حتى لا يصبح صادما بعد الآن، يبدو "غزة - لاغو" جنونا، ولكن إذا طبقنا عدسة ترامب، فسوف تظهر طريقة معينة - طريقة قد تجعله يحصل على صفقة نووية مع إيران".
وكشف المقال أن "هناك عدة أسباب للاعتقاد بأنه قادر على إبرام مثل هذا الاتفاق، وربما اتفاق بشروط مواتية للولايات المتحدة، أولا، موقف إيران التفاوضي ضعيف بشكل استثنائي، ولقد ألحقت إسرائيل أضرارا جسيمة بوكلاء طهران الإقليميين، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والميليشيات العراقية والسورية، والحوثيين في اليمن، وحماس، والأسوأ من ذلك بالنسبة لإيران كان سقوط الدكتاتور السوري بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، الحليف الأقوى للنظام في المنطقة".
ونتيجة لهذا، أصبحت إيران غير قادرة على فرض قوتها في الشرق الأوسط أو الدفاع عن نفسها بشكل كاف ضد الهجمات المحتملة من "إسرائيل" أو أي مكان آخر.
وأكد المقال أن "الاتفاق من شأنه أن يمنح النظام ليس فقط قدرا إضافيا من الحماية ولكن أيضا تخفيف العقوبات، الأمر الذي من شأنه أن يسمح للبلاد بالبدء في إعادة بناء اقتصادها وإعادة النظر في استراتيجيتها للأمن القومي".
وبيّن أن "النفوذ الإيراني المتبقي القليل يأتي في الغالب من التقدم الذي أحرزته نحو التسلح النووي منذ عام 2018، عندما انسحب ترامب من الاتفاق الذي تفاوض عليه الرئيس باراك أوباما، ولهذا السبب فإن الاتفاق الآخر هو أحد الخيارات القليلة المتاحة لإيران لاستعادة بعض القوة. ويمكن للمرء أن يتخيل أن البلاد تسابق الزمن للحصول على سلاح نووي، لكن النظام يجب أن يعلم أن واشنطن لديها خطة لتدمير قدراته النووية في غضون أيام قليلة من خلال القصف على مدار الساعة".
ولكن في رد فعل على إعلان ترامب هذا الشهر عن زيادة العقوبات، بدا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وكأنه يرفض فكرة التوصل إلى اتفاق، لكن طهران كانت تشير بخلاف ذلك منذ ثمانية عشر شهرا على الأقل إلى أنها منفتحة على تجديد المحادثات مع واشنطن.
أما بالنسبة لترامب، فإن الاتفاق هو أبسط طريقة لمنع إيران من الاندفاع نحو القنبلة وجر الولايات المتحدة إلى الصراع، وهو آخر شيء يريده، وقد يمثل أيضا أفضل فرصة له لترسيخ نفسه كصانع صفقات دولي.
ومن المؤكد أنه سيزعم أن "عبقريته الفريدة" أنتجت صفقة لم يتمكن أوباما من الحصول عليها (على الرغم من أن كل شيء تقريبا كان سيجعل ذلك ممكنا حدث في عهد جو بايدن). وربما يطالب بجائزة نوبل للسلام، وقد يحصل عليها.
وأكد المقال "من السهل تخيل الخطوط العريضة لمثل هذه الصفقة، ومن المرجح أن تضطر إيران إلى وقف المزيد من تخصيب اليورانيوم، والتخلي عن مخزونها الحالي للاحتفاظ به خارج البلاد، ووضع منشآتها النووية تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو على الأقل مراقبتها، وربما تضطر إلى تدمير بعض أجهزة الطرد المركزي أيضا".
ووفقا لمعظم التقديرات، فإن إيران على بعد عام تقريبا من تطوير رأس حربي قابل للاستخدام، وأي اتفاق من شأنه أن يمدد هذه الفترة بشكل كبير، وتمكن أوباما من إقناع إيران بالموافقة على إيقاف أي تقدم نووي لمدة 15 عاما.
ونظرا لموقف النظام الضعيف اليوم، فقد يحصل ترامب على 20 عاما أو أكثر، قد يصر ترامب أيضا على أن تحد إيران بشكل يمكن التحقق منه من الأسلحة والتمويل الذي تمنحه لوكلائها الإقليميين، لقد أثبتت "إسرائيل" فعليا أن هذه المجموعات لا تستطيع الدفاع عن إيران على أي حال، لذلك قد يكون النظام أكثر استعدادا لتقليص دعمه.
وأوضح "قد تكون العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق هي ترسانة الصواريخ الإيرانية، والتي قد ترفض البلاد تفكيكها، لكن نزع الصواريخ من جانب واحد أمر غير مسموع به تقريبا في العلاقات الدولية، ولا ينبغي لهذا أن يردع الولايات المتحدة.. والواقع أن الضربات الجوية الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر أدت إلى تدهور ترسانة إيران بشكل كبير، فضلا عن دفاعاتها الأرضية الجوية وقدرتها على إنتاج الوقود للصواريخ المتطورة. والصواريخ الإيرانية لا تشكل التهديد الذي كانت تشكله في السابق".
واعتبر أنه "إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن هذا يترك الغضب الناتج عن ذلك لدى اليمين الإسرائيلي وحلفائه في أميركا. والإدارة لديها بالفعل مخطط لكيفية تهدئتهم: إطار "السلام من أجل الرخاء" الذي دافع عنه جاريد كوشنر خلال ولاية ترامب الأولى. والواقع أن الكثير من الاقتراح غير عملي، بل وحتى سخيف، ولكنه يحتوي على خطة لضم إسرائيل لـ 30% إضافية أو أكثر من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الأردن. وهذا من شأنه أن يترك الأراضي الفلسطينية المتبقية محاطة بإسرائيل موسعة جديدة ومعتمدة من الولايات المتحدة".
ويعتبر الإسرائيليون اليمينيون الضفة الغربية بأكملها إرثهم الحصري، لذلك قد لا يكونون سعداء بالحصول على 30 بالمئة فقط منها، ولكن الخطة من شأنها أن توسع بشكل كبير منطقة سيطرتهم السيادية، وفي كل الاحتمالات، سيكون استرضاؤهم كافيا بعد توقيع الاتفاق النووي.
وتابع المقال "سوف يحتج الفلسطينيون، فهم يريدون دولة، وليس أرضا منكمشة محدودة ومهيمن عليها من قبل إسرائيل الموسعة التي قد ترغب قريبا في السعي إلى السيطرة الكاملة من النهر إلى البحر، كما يتصور ائتلافها الحاكم/ ولكن من المرجح أن تتمكن إسرائيل والولايات المتحدة من فرض المخطط بالقوة. لقد سيطرت إسرائيل بالفعل على المنطقة بشكل فعال منذ عام 1967، ولا يوجد الكثير من العوائق التي تحول دون مطالبة الدولة بها صراحة".
وختم "لقد تعرضت خطة "السلام من أجل الرخاء" للسخرية على نطاق واسع عندما صدرت في عام 2020، والآن، بجانب خطة ترامب بشأن غزة، ستبدو لبعض اليمين وكأنها نموذج للعقلانية وضبط النفس. وقد يكون هذا كافيا لتحقيق ذلك".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية ترامب الولايات المتحدة غزة الضفة إيران إيران الولايات المتحدة غزة الضفة ترامب المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة التوصل إلى اتفاق الضفة الغربیة الشرق الأوسط من شأنه أن
إقرأ أيضاً:
دولة فلسطين مفتاح الشرق الأوسط الجديد
ربما كان بنيامين نتنياهو رئيس حكومة اليمين الإسرائيلي قد أصاب الحقيقة حين قال إن الشرق الأوسط سيتغير، بعد الفصل الأخير من حربها المتواصلة منذ ثلاثة عقود من العمل السياسي الدؤوب على دولة فلسطين، من أجل قطع الطريق على قيام هذه الدولة الناقصة في الشرق الأوسط، لكن بالطبع، ليس بالضرورة أن يكون الشرق الأوسط، الذي لن يكون بعد هذه الحرب، كما كان قبلها، كما يريد ويحلم، الرجل الذي لا يمكن وصفه إلا بكونه مجرم الحرب الذي لم يخرج من هذه الحرب إلا وهو مدان من قبل القضاء الدولي بهذه الصفة.
وفي استعراض سريع لمسلسل الأحداث في الشرق الأوسط، خاصة تلك المتعلقة بمحور الإقليم، أي ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ انتهاء الحرب الباردة، يمكن البدء بالإشارة إلى أهم حدثين وقعا في تلك اللحظة التاريخية، وهما الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في أواخر العام 1987، والحرب الثلاثينية الدولية - الأميركية على العراق.
وفي حقيقة الأمر كان الحدثان متعارضين في وجهتيهما، ففي الوقت الذي سعت فيه إسرائيل إلى الزج بالشرق الأوسط في الجيب الأميركي، على طريقة شرق أوروبا، بدءا من العراق، كانت الانتفاضة فعلاً اعتراضياً عما بدأ يدور في خلد الإسرائيليين من أحلام السيطرة الإقليمية، التي تبدأ بضم الأرض الفلسطينية، ولا تنتهي بالوصول إلى الفرات والخليج العربي.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن العقل الاستراتيجي الأميركي قد توقف طويلاً، حول خياراته ما بعد الحرب الباردة، وكان منها بالطبع فتح المجتمعات العربية، لتنظيفها مما يعيق الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية على الشرق الأوسط برمته، لكن كانت هناك محاذير أخرت الخطوة، وإزاء ما اتهمت به إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، الذي قاد الحرب الثلاثينية على العراق العام 1990، من الكيل بمكيالين، أجبرت تلك الإدارة سلف نتنياهو اليميني المتطرف إسحق شامير وكان رئيس حكومة إسرائيل على الذهاب لمدريد، بحثاً عن حل سياسي لملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو مفتاح تغيير صورة الشرق الأوسط، بهذه الوجهة أو تلك.
لكن كان للانتفاضة أيضاً فعلها التاريخي، فقد دفعت إلى تغيير داخلي إسرائيلي، لم يحدث مثيل له من بعد، وكان ذلك حين فاز اليسار ممثلاً بحزبي العمل وميريتس، بعد أن حازا على 56 مقعداً بالكنيست (44+12) مترافقاً بشبكة أمان عربية مكونة من خمسة نواب كنيست، أي بمجموع 61، من أصل 120 وهي الأغلبية البسيطة التي ذهب بها شمعون بيريس وإسحق رابين إلى توقيع اتفاق أوسلو، الذي وضع الحجر الأساس لحل الدولتين، والذي أطار صواب اليمين الإسرائيلي لدرجة أن يحرض على رابين وكان هو الكاريزما التي حملت أوسلو على الجانب الإسرائيلي، فيقتله رجل يميني متطرف، ومن ثم يفتح الباب أمام نتنياهو للوصول إلى موقع رئيس الحكومة.
والغريب أن نتنياهو وكان شاباً في ذلك الوقت، ترشح عن اليمين، في ظل التوقع بفوز اليسار، بمرشحه شمعون بيريس الذي بكّر موعد الانتخابات لاستثمار التعاطف الشعبي مع اليسار بعد مقتل رابين، لكن المفاجأة كانت فوز اليمين، وبزعامة نتنياهو وليس شارون، والأهم أنه فاز كرئيس حكومة منتخب مباشرة من الناخبين، وليس من الكنيست.
أي بصلاحيات رئيس منتخب كما لو كان في ظل نظام انتخابي رئاسي، وليس كرئيس حكومة تختاره الأغلبية البرلمانية في ظل نظام إسرائيل البرلماني، أي بصلاحيات أعلى، وكانت إسرائيل قد اختارت ذلك النظام بعد سنوات من تحكم أحزاب صغيرة في الحكومات التي تشكلت خلال ثمانينيات القرن الماضي، حين كان العمل والليكود متساويين في القوة الانتخابية، واضطرا في ظل تلك الحالة إلى أن يقدما التنازلات الحكومية للأحزاب الصغيرة خاصة حكومات الليكود، أو أن يشكلا معاً حكومات وحدة وطنية كانت تسمى حكومات الرأسين، حين تقاسم كل من إسحق شامير وشمعون بيريس منصب رئيس الحكومة، لنصف مدة الكنسيت وهي أربع سنوات.
يمكن القول، إن برنامج اليمين الإسرائيلي المستمد من تعاليم زئيف جابوتنسكي، عراب الليكود والأب الروحي لنتنياهو صاحب نظرية الجدار الحديدي، التي تعني إجبار العرب والشرق الأوسط على قبول دولة إسرائيل بالقوة العسكرية وليس بالتفاوض، بدأ بقطع الطريق على أوسلو، ورغم أن نتنياهو بعد أن أجبر على متابعة أوسلو عبر اتفاق الخليل، خسر مقعد رئيس الوزراء العام 1999 بعد ثلاث سنوات في المنصب، إلا أنه عاد بعد ذلك بعشر سنوات، أمضى نصفها معتزلاً السياسة ونصفها الآخر في ظل قيادة أرئيل شارون لليمين وللحكومة، ثم عاد ليقود إسرائيل منذ العام 2009 حتى الآن تقريباً، باستثناء بضع سنوات مقتطعة، لم تحرف المسار السياسي الذي رسمه وقاده لإقامة إسرائيل الثانية أو إسرائيل الكبرى، متجاوزاً حدود التقسيم، بل حدود العام 1967، حيث يعترف كل العالم بأن الأرض التي احتلتها إسرائيل في ذلك العام أراض محتلة، لا يحق لإسرائيل ضمها، بما في ذلك الأرض الفلسطينية ومنها القدس الشرقية.
انسداد الأفق أمام مواصلة السير على طريق أوسلو، ساعد نتنياهو، حتى وهو خارج موقع قيادة الدولة على متابعة تنفيذ برنامجه لاحقاً، فرغم أن اليسار عاد للحكم العام 1999، إلا أنه عاد بقيادة إيهود باراك، اليساري الصقري بالخلفية الأمنية والذي اعتبر خليفة رابين في حزب العمل، ولم تكن عودة اليسار بقيادة باراك عودة لمسار أوسلو، فسرعان ما اصطدم باراك بعرفات في كامب ديفيد حين حاول الإسرائيلي الذهاب مباشرة للحل النهائي دون القدس، وكانت الانتفاضة الثانية، فجاء شارون، في ظل مواجهة مسلحة عطلت تماماً مسار الحل السياسي.
هكذا ولأسباب عديدة تكرّس اليمين في المجتمع الإسرائيلي، ولم يعد اليسار منافساً لليمين على الحكم، وتربع نتنياهو على عرش إسرائيل، فسارع لإغلاق مسار المفاوضات، بعد سنوات من المماطلة والتعطيل، وذلك العام 2014، رغم محاولة باراك أوباما حينها التوصل لاتفاق نهائي، ولا بد من الإشارة إلى أنه في الوقت الذي عاد فيه اليمين ليحكم إسرائيل العام 2001، ظهرت حماس كقوة حاسمة في الساحة الفلسطينية، إلى أن تشجعت مع إصرار أميركي - إسرائيلي على إجراء انتخابات العام 2006، للمشاركة فيها والفوز بها، ومن ثم فضلت التفرد بحكم غزة، وفصلها عن ولاية السلطة الفلسطينية، بما توافق مع برنامج نتنياهو بالتحديد لطي صفحة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولسنا هنا مضطرين لاستعراض وقائع سنوات الانقسام منذ العام 2007 حتى الآن، لنؤكد أن نتنياهو كان يفضل حماس في غزة، والسلطة في الضفة لتكريس الانقسام، ولعل آخر تلك الدلائل هو إصراره على عدم تسلم السلطة الفلسطينية الحكم في غزة، بعد الحرب، ولأنّ لكل شيء ردَّ فعلٍ مساوياً له في المقدار ومعاكساً له في الاتجاه كما تقول نظرية آينشتاين النسبية، فإن حرب الإبادة التي أطلقها نتنياهو مستغلاً طوفان الأقصى، ومحاولاً عبرها النجاح في ضم كل أرض فلسطين التاريخية، أي كل غزة وكل الضفة، وإضافة أراضٍ لبنانية وسورية، أردنية وربما مصرية وحتى عراقية ومن ثم تغيير الشرق الأوسط ليصبح مرتكزاً على محور دولة إسرائيل الكبرى، العظمى إقليميا، وقد شجعه النجاح التكتيكي بمواصلة الحرب مدة عامين.
كذلك الإنجازات العسكرية على جبهات حزب الله وسورية وحتى إيران، ومن ثم عودة ترامب للبيت الأبيض، على الاعتقاد بأنه صار قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفه الذي عاش حياته من أجله، هذه الحرب فتحت الباب واسعاً لتغيير الشرق الأوسط.
أما ما قلب ظهر المجن على مجرم الحرب، فكان سببه فشله في تحرير الرهائن، وفي سحق المقاومة الفلسطينية، ومواصلته حرب الإبادة بكل أركانها، وصولاً إلى حرب التجويع، ما قلب العالم بأسره، رأساً على عقب، فكان إعلان نيويورك الذي يفتح الطريق لدورة تاريخية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل، باعتراف دولي بدولة فلسطين، بما في ذلك اعتراف الدول الأوروبية التي رعت تاريخياً قيام دولة إسرائيل بحدودها ما قبل 67، في المقدمة فرنسا وبريطانيا، والحديث عن فرنسا وبريطانيا ليس حديثاً عن دول هامشية، فهما دولتان عظميان، كعضوين في مجلس الأمن وفي مجموعة السبع الكبار.
وإذا ما ترافق ذلك مع التنسيق مع السعودية وفي ظل انتفاضة دولية ضد جريمة الحرب الإسرائيلية، فلا بد من القول إن الشرق الأوسط حقاً يتغير وذلك بقيام دولة فلسطين الذي بات أمراً مرجحاً، وكل ذلك يعني أن الضحايا التي سقطت في غزة، وتدمير كل مقومات الحياة فيها، لم يكن بلا ثمن، وحيث إن الثمن كان باهظاً، فإن النتيجة هي درة تاج الشرق الأوسط الجديد، الذي لن يكون كذلك، إلا بعد أن يزول الظلم التاريخي الذي وقع على فلسطين وشعبها.
الأيام الفلسطينية