"الجنيبي" لـ"الرؤية": مصنع "أملاح الدقم" يغطي 45% من احتياجات السوق المحلية.. وخطط مستقبلية للتوسع في الصناعات التحويلية
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
◄ المصنع هو الأول من نوعه في عمان لتلبية احتياجات الشركات العاملة في حقول النفط
◄ 12 مليون ريال إجمالي الاستثمارات بالمشروع بقدرة إنتاجية 135 ألف طن سنويا
◄ التخطيط لرفع القدرة الإنتاجية إلى مليون طن سنويا
◄ درجة نقاء منتج مصنع أملاح الدقم تصل إلى 99.99%
◄ المشروع يُعزز حضور المنتج العماني في الأسواق المحلية والعالمية
الرؤية-ريم الحامدية
قال خالد بن علي الجنيبي الرئيس التنفيذي للشركة العالمية المتكاملة للهندسة، إن فكرة إنشاء مصنع أملاح الدقم جاءت استجابة للطلب المتزايد على الملح الصناعي من شركات النفط، والذي تستخدمه في عمليات حفر الآبار، إذ يُعدّ الملح عنصرًا أساسيًا في سوائل الحفر التي تضمن استقرار الأجزاء المحفورة وتمنع انهيارها، إلى جانب الحفاظ على مستوى الضغط داخل البئر، مشيرا إلى دور الملح في تحلية المياه المستخدمة لإنتاج البخار الذي يُحقن في مكامن النفط الثقيل لتعزيز الإنتاج، وفق تقنية تُعرف علميًا بـ"الاستخلاص المُعزز للنفط".
وأضاف- في تصريحات لـ"الرؤية"- أن مصنع أملاح الدقم يقع في شاطئ بنتوت بولاية محوت على بُعد حوالي 80 كم من ميناء الدقم، ويُعد الأول من نوعه في سلطنة عُمان لإنتاج الملح الخام والصناعي المخصص للشركات العاملة في حقول النفط، مبيناً أن المصنع قادر على إنتاج 135 ألف طن سنويًا، مع نسبة نقاء عالية تصل إلى 99.99%.
وبيّن الرئيس التنفيذي للشركة العالمية المتكاملة للهندسة، أنَّ مثل هذه المشاريع الاستراتيجية تعتبر ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، لأنها تُعزز حضور المنتج العماني في الأسواق المحلية والعالمية، ولذلك فإن دعم المصنع من خلال تشجيع الشركات المستهلكة الحكومية والخاصة على شراء منتجاته أولوية مقارنة بالملح المستورد، مؤكدا وجود خطط مستقبلية لتوسيع أنشطة المصنع، وإضافة منتجات جديدة لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير العالمي.
وأوضح خالد بن علي بن سليم الجنيبي أن اختيار ولاية محوت بمحافظة الوسطى لإقامة المصنع جاء نتيجة قربها من ميناء الدقم والمشروعات الاقتصادية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، بالإضافة إلى العوامل البيئية والجغرافية الملائمة لتكثيف الملح البحري، لافتاً إلى قرب المصنع من حقول النفط التي تُعد المستهلك الأول لمنتجاته.
وأشار الجنيبي إلى أنَّ الشركة استثمرت نحو 12 مليون ريال عُماني في المشروع الذي يمتد على مساحة مليون و700 ألف متر مربع وينتج 135 ألف طن من الملح الصناعي سنويًا، مع القدرة على رفع الإنتاج إلى مليون طن سنويًا عند زيادة مناوبات التشغيل وتوسعة بعض مرافق المصنع، مضيفاً أن الشركة تسعى إلى التوسع في الصناعات التحويلية من خلال الاستفادة من المعادن المصاحبة لإنتاج الملح، مثل عنصر البرومين ومركب بروميد الصوديوم، بالإضافة إلى الصناعات التي تعتمد على الملح الخام مثل الكلورين والمركبات القلوية.
وحول الجدوى الاقتصادية للمشروع، أكد الرئيس التنفيذي للشركة العالمية المتكاملة للهندسة، أن منتج الملح الصناعي كان يُستورد سابقًا من عدة دول بكميات تجاوزت 90 مليون طن سنويًا، ويُستهلك بكميات كبيرة محليًا، لافتاً إلى أن المصنع يغطي حاليًا 45% من احتياجات السوق المحلية، مع إمكانية رفع هذه النسبة حسب احتياجات حقول النفط، وإن منتج المصنع يتميز بجودة عالية ودرجة نقاء تصل إلى 99.99%، وهي المواصفات المطلوبة من الشركات النفطية.
وعن منتجات المصنع، قال الجنيبي إن عملية إنتاج الملح تعتمد على التبخر الطبيعي باستخدام أشعة الشمس في أحواض تجفيف المياه المالحة (البحرية والجوفية)، ويُكثف الملح تدريجيًا عبر هذه الأحواض بناءً على الظروف البيئية، ليتم في المرحلة الأخيرة حصاد الملح الخام وتنقيته من الشوائب مثل الرمال والغبار، كما أن المصنع يستخدم تقنية حديثة تضمن إنتاج الملح وفق المواصفات العالمية، حيث يمر المنتج بمراحل متعددة تشمل التصفية، التكسير، الغربلة، ثم التعبئة والتوزيع. وأوضح أن المصنع يُصدّر الملح الصناعي حاليًا إلى ثلاث شركات نفطية رئيسية وهي شركة تنمية نفط عُمان، وشركة أوكسيدنتال عُمان، وشركة هاليبرتون، مع خطط مستقبلية للتوسع في الصناعات التحويلية.
وأكد خالد بن علي الجنيبي أن مصنع أملاح الدقم يعزز الحركة الاقتصادية في سلطنة عمان نتيجة لدوره في تشجيع إقامة الكثير من المشروعات المرتبطة به نظرًا لتوفر المادة الأولية المطلوبة لهذه المشروعات، إذ إن وجود مثل هذه الصناعات محليًّا يعزز القيمة المضافة داخل السوق المحلي من حيث إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين والاستعانة بمواد التصنيع والخدمات المحلية.
ولفت إلى أن عدد العمال بالمصنع وصل بنهاية العام 2024 إلى 25 عاملًا منهم 14 عاملًا عُمانيًّا، وهناك نية لتوظيف عدد من الشباب العُماني خلال الفترة المقبلة عند بدء خطة التوسع المتوقع تنفيذها في عام 2025، مبيناً أن الشركة العالمية المتكاملة للهندسة لديها مبادرات مجتمعية متعددة، ومنها دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمنطقة من خلال إبرام عدد من العقود معها، والحرص على توظيف عدد من أبناء المناطق المجاورة للمصنع، وتنفيذ الحملات التطوعية المتعلقة بالبيئة وتنظيف الشواطئ، وغيرها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإشعاعات النووية: وميض أمل أم ظلال خطر؟! (1)
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
تأخذُنا هذه السلسلة في رحلة لعالَم الإشعاعات النووية، من أسرار الذرة إلى لعبة التخصيب، وصولًا إلى الصدام الحاسم بين إيران والغرب، فهل ستكون هذه الإشعاعات النووية وميضَ أمل، أم ظلال خطر تقلب العالم رأسًا على عقب؟
في عام 1895، لاحظ العالِم الألماني رونتجن شيئًا غريبًا وهو يعمل في مختبره، أشعة غير مرئية تصدر عند تعريض سطح معدني لإلكترونات مُتدفِّقة، وكانت هذه الأشعة تخترق جلده لكنها توقفت عند عظامه، فظهرت صورة يده على لوح فوتوغرافي، أطلق عليها "أشعة إكس" تعبيرًا عن غموضها، ولم يكن يدرك حينها أن هذا الاكتشاف سيُغيِّر وجه الطب والعلوم إلى الأبد.
وسعى العلماء للكشف عن غموض هذه الأشعة، ومنهم العالم الفرنسي هنري بيكريل الذي ركّز أبحاثه على أملاح عنصر اليورانيوم، ظنًا منه وحدسًا بأنَّ هذه الأملاح قد تُصدر أشعة إكس بعد أن يتم تعريضها لمصدر طاقة قوي. لكن الأمر الذي أثار دهشته وتعجبه، أنه لاحظ أنَّ هناك إشعاعًا آخر صادر من هذه الأملاح، هذا الإشعاع يصدُر من الذرة نفسها! ولكن ما الذي جعله يظُن أن الإشعاع يصدر من داخل الذرة؟ ولماذا اعتقد جازمًا أن الإشعاع الصادر من أملاح اليورانيوم يختلف عن أشعة إكس؟
الجواب أنه لاحظ أن أملاح اليورانيوم تُصدِر الإشعاع دون تعرُّضها للشمس أو مصدر للطاقة أو سيل مُتدفق من الإلكترونات، فحتى لو تم وضعها في ظلام دامس فإنها تقوم بإصدار هذا الإشعاع، وهذا ما جعله على يقين بأن الإشعاع صادر من الذرة ذاتها!
كان هذا الأمر من الغرابة بمكان، وقد لعبت الصُدف دورها في الكشف عنه، لأن بيكريل كان يعتزم تعريض أملاح اليورانيوم لأشعة الشمس، ولكن في اليوم الذي كان يُخطط للقيام بذلك، تلبدت السماء بالغيوم واشتد الظلام، ولذا قام بيكريل بوضع أملاح اليورانيوم في درج طاولته في مكان مُظلِم؛ مما مهَّد الطريق له لاكتشاف هذا الإشعاع النووي العجيب، والذي لم يعهده الإنسان من قبل؛ فهو لا يُرى بالعين المجردة، ولكن بيكريل لاحظ أثره الخارجي، وهذه الملاحظة قادته إلى اكتشافه.
وكانت هذه الصدفة بداية لغور عالم الإشعاع النووي؛ إذ اتضح فيما بعد أن هذا الإشعاع عبارة عن طاقة تنبعث من داخل نواة بعض الذرات.
وبعد اكتشاف بيركيل، قام الزوجان الشغوفان ماري وبيير كوري بأبحاثهما حول هذه الظاهرة العجيبة، وكرَّسا حياتهما لفك شفرة "النشاط الإشعاعي"، وبعد تجارب مُضنية، اكتشفا أنَّ هناك عناصر أخرى تمتلك الخواص ذاتها؛ بل وتفوق اليورانيوم في قوة نشاطها الإشعاعي، وقاما بتسمية العنصر الأول باسم البولونيوم، تيمنًا بوطن ماري، والآخر الراديوم، نسبة إلى كلمة "شعاع"، تعبيرًا عن نشاطه الإشعاعي الفائق.
كانت لهذه الاكتشافات أهمية عميقة؛ إذ غيَّرت مفاهيمنا عن المادة، فقد اعتُقِد سابقًا أن الذرة وحدة صلبة ومتماسكة؛ إذ تبيَّن أنها تحمل في داخلها طاقات هائلة، تُطلقها عبر أنواع مختلفة من الإشعاعات: ألفا، وبيتا، وجاما. والنوعان الأولان: ألفا وبيتا، لا يملكان القدرة على اختراق الأجسام، لكنهما قد يدخلان الجسم عبر الاستنشاق أو الابتلاع، مُسببيْن أضرارًا خلوية بالغة، مع تفوُّق أشعة بيتا في الضرر بسبب طاقتها الأعلى. أما أشعة جاما فهي الأخطر؛ إذ تخترق الجسم بالكامل وتُدمِّر الخلايا بشكل كامل.
ولم تكن هذه الاكتشافات الكبيرة بلا ثمن؛ إذ تعرَّض عدد من العلماء الذين تعاملوا مع هذه الإشعاعات لمخاطر صحية جسيمة، منهم من أصيب بالسرطان ومنهم من فارق الحياة، لذا، تُبنى المفاعلات الحديثة بحواجز حماية مُتعدِّدة، من دروع خرسانية إلى ألواح من الرصاص، لضمان سلامة العاملين والبيئة.
لقد لعبت الصدفة دورًا بارزًا في اكتشافنا للإشعاعات النووية؛ فلولا الغيوم التي حجبت الشمس في ذلك اليوم الذي كان بيكريل يعتزم فيه تعريض أملاح اليورانيوم لأشعة الشمس، لما توصلنا إلى هذه الإشعاعات النووية، أو لتأخرنا أعوامًا في التعرف عليها.
فهل كانت هذه الصدفة نعمة أم نقمة على الإنسان؟! وهل النور الخفي الذي يصدر من تلك الذرات أضاء الطريق لمستقبل مُزهِر، أم أنَّ ذلك النور وتلك الصدفة كانت وابلًا من الويلات على الإنسان وخطت طريقه للهاوية!
وللحديث بقية..
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر