فرصة كي يثبت الشرع أنه ليس "الجولاني"…
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
من الطبيعي مسارعة النظام الجديد في سوريا إلى معالجة الوضع القائم في الساحل السوري بجدّية، أقله من أجل أن يظهر أنّه نظام مختلف عن نظام آل الأسد. لن تنجح هذه المعالجة سوى عبر إثبات أحمد الشرع أنّه ليس "أبو محمد الجولاني". أي أنّه ليس "إرهابياً يضع ربطة عنق" على حد تعبير أحد أركان النظام العراقي الذي تسيطر عليه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران.
وقعت بالفعل مجازر في منطقة الساحل السوري. استهدفت المجازر، التي وقفت وراءها تنظيمات تكفيرية، العلويين. أخذت المجازر، التي ارتكبت في حقّ العلويين، أبعاداً تتجاوز حدود البلد. ثمة مخاوف من تفتيت لسوريا في وقت ليس معروفاً ما الذي تريده إسرائيل التي تصرفت بشكل مريب منذ اليوم الأول لسقوط نظام آل الأسد.
تؤكّد جدية تعاطي الغرب مع الحدث السوري ردود فعل العواصم الأوروبيّة المختلفة، كذلك الرد الأمريكي الواضح الذي عبّر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو. أخذ العالم ما يجري في سوريا على محمل الجدّ. ليس هناك من يريد مزيداً من المجازر في بلد عرف كيف يتخلّص من بشّار الأسد ونظامه.
لم يكتف روبيو بـ"إدانة" الجرائم التي ارتكبتها عناصر إسلامية متطرفة، بل أشار إلى وجود "جهاديين أجانب"، شاركوا في المجازر التي وقعت في منطقة الساحل السوري. بات هناك خوف من أن يكون الحكم الجديد الذي على رأسه أحمد الشرع وقع في الفخ الذي نصبه له النظام الإيراني ومجموعات علوية تابعة للنظام السابق الذي لم يعد لدى أركانه، في مقدمهم بشّار الأسد وشقيقه ماهر والضباط التابعون لهما، غير خيار الدولة العلوية.
تحصد سوريا حالياً ما زرعه حافظ الأسد الذي آمن منذ توليه السلطة في العام 1970 بأن الحكم العلوي يُبنى على ركيزتين أساسيتين. أولاهما إلغاء أي معارضة من أي نوع، خصوصاً معارضة المدن السنية الكبرى، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة، التي كان الأسد يكن كرهاً شديداً لها ولأهلها. استخدم الأسد الأب الحديد والنار من أجل إخضاع المدن، بما في ذلك اللاذقية التي هي في الأصل مدينة سنّية – مسيحية قبل أن يجتاحها علويو النظام الذين هبطوا عليها من الجبال.
أما الركيزة الثانية للنظام الذي أسسه حافظ الأسد، فهي ركيزة الاعتماد على إسرائيل التي حصلت منه على ضمانات من نوعين. ضمانات لأمن الدولة العبرية أولاً وأخرى تتعلق بالتخلي عن الجولان المحتل. لم يرد الأسد الأب استعادة الجولان في أي يوم. رفع كلّ الشعارات "الوطنية" ولجأ إلى كل المزايدات من أجل ضمان بقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967.
ثمة ركيزة ثالثة للنظام السوري السابق تأمنت بعد قيام "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران عام 1979. تتمثل تلك الركيزة في الحلف الذي تكرّس بين النظام الإيراني والنظام العلوي. كان لبنان من ضحايا هذا الحلف الذي من نتائجه قيام "حزب الله" الذي حل سلاحه المذهبي مكان السلاح الفلسطيني بعد العام 1982.
لا شكّ أن تركة نظام آل الأسد ثقيلة جداً. لكنّ التصدي لهذه التركة يقوم قبل أي شيء على تفادي اللجوء إلى الوسائل التي اعتمدها الأسد الأب والأسد الابن طوال 54 عاماً. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء الأحداث الأخيرة هل في استطاعة "هيئة تحرير الشام" والفصائل الحليفة لها تأسيس نظام مختلف كلّياً عن نظام آل الأسد بعيداً عن فكرة الانتقام؟
أظهر أحمد الشرع منذ فرار بشّار الأسد إلى موسكو رغبة واضحة في الابتعاد عن الفكر الذي تحكّم بـ"هيئة تحرير الشام". لكن الكمين الذي نصبته "فلول النظام السابق" لمجموعة عسكرية تابعة للسلطة الجديدة أدى إلى ردود فعل كان الرئيس السوري الجديد في غنى عنها. لا يمكن اللجوء إلى القتل ردّاً على القتل في حال كان مطلوباً التأسيس لنظام جديد يتساوى فيه المواطنون السوريون بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والطائفي والقومي.
ستكون الأيام المقبلة أياماً حاسمة أمام النظام السوري الجديد، خصوصاً أنّ إيران ستحاول وضع المسألة العلوية في سوريا في الواجهة. ليس سرّاً أن الأحداث السورية تدور حالياً على خلفية منافسة شديدة بين إيران وتركيا حيث توجد أيضاً أقلّية كبيرة (نحو 16 مليون علوي). صحيح أنّ هناك تمايزاً بين علويي سوريا وعلويي تركيا، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ أي مجازر يتعرض لها علويو سوريا ستكون لها انعكاسات في الداخل التركي.
تحصد سوريا ما زرعه حافظ الأسد. المهمّ بالنسبة إلى شخص مثل أحمد الشرع الاقتناع بأنّ تلك التجربة الفاشلة يجب ألّا تتكرر، لا لشيء سوى لأن ذلك كفيل بتفتيت سوريا وتنفيذ الشعار الذي رفعه بشّار الأسد والعلويون من أنصاره في بداية الثورة قبل 14 عاماً، شعار "الأسد أو نحرق البلد".
لا يمكن الاستخفاف بالتحدي الذي يواجه النظام الجديد في سوريا الذي لا يستطيع تجاهل أنّ مراقبين دوليين رفعوا علم الأمم المتحدة ذهبوا حديثاً إلى مناطق المجازر الأخيرة في الساحل السوري. يشير ذلك إلى مدى خطورة الوضع السوري الذي بات تحت المجهر الدولي. يحدث ذلك في وقت توجد فيه مخاوف تركية من انعكاسات للحدث السوري على الداخل التركي. أي دور ستلعبه تركيا في جعل شخصية أحمد الشرع مقبولة عربياً وإقليمياً ودولياً؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سوريا أحمد الشرع الجولاني سقوط الأسد الساحل السوری نظام آل الأسد أحمد الشرع فی سوریا
إقرأ أيضاً:
شهادات وتفاصيل يرويها أحمد الشرع ووزراء حكومته في مفاتيح دمشق
سلّط الفيلم الوثائقي "مفاتيح دمشق" الذي عرضته قناة الجزيرة الضوء على التحولات التي شهدتها سوريا، وعلى تفاصيل سيطرة قوات "ردع العدوان" على العاصمة، وذلك من خلال شهادة شخصيات شاركت في صنع هذا التحول وأبرزها، الرئيس أحمد الشرع وبعض وزرائه.
وشكّل دخول قوات عمليات "ردع العدوان" دمشق فجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 لحظة فارقة في تاريخ سوريا الحديث، وهي اللحظة التي احتفظ بها السوريون باعتبارها إيذانا بنهاية مرحلة وبداية أخرى جديدة.
وفوجئت "هيئة تحرير الشام" وإدارتها العسكرية بسرعة الانهيارات التي أصابت النظام (المخلوع) وحلفاءه، حيث جاءت التطورات أسرع من المتوقع وانتهت بتحولات سياسية وعسكرية جديدة في سوريا.
ويؤكد وزير الداخلية السوري أنس خطاب، في حديثه ضمن الفيلم الوثائقي "مفاتيح دمشق"، أن "عملية ردع العدوان كانت الحل الوحيد في ذلك الوقت للحفاظ على ما تم إنجازه خلال 14 عاما من الثورة".
وبحسب وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، فقد سميت عملية "ردع العدوان"، لأن هدفها كان الرد على اعتداءات نظام بشار الأسد (المخلوع) على المناطق المحررة طيلة 5 سنوات من خلال القصف اليومي.
ولم تكن الصدمة في انهيار النظام، بل في السرعة التي تحقق بها ذلك، وفي إدراك الحلفاء قبل الخصوم لهذا الواقع، ويقول تشالز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط إن الدبلوماسية الدولية كانت في حالة صدمة، ولا أحد توقع أن يحصل ذلك في سوريا.
وأشار الفيلم الوثائقي إلى التحركات الدبلوماسية التي سبقت انهيار النظام السوري المخلوع، حيث كان المشهد السياسي يتحرك بوتيرة متسارعة في الدوحة لمجاراة التطورات الميدانية داخل سوريا.
وجاء في شهادة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أنهم تعرضوا لضغوط من بعض الأطراف -لم يسمها- لإصدار بيان موقع باسمه أو باسم قائد عمليات "ردع العدوان" وهو الرئيس الحالي لسوريا، يؤكد موافقتهم على الحل السياسي.
إعلانوبحسب رئيس الوزراء السوري السابق محمد غازي الجلالي، فقد كان يتردد حينها في كواليس مجلس الوزراء أن هناك شكلا من أشكال التسوية السياسية.
أما الرئيس أحمد الشرع فتحدث في شهادته عن الدور الروسي، وكشف أن رسالة وصلته من الطرف الروسي بعد أن سيطرت قوات "ردع العدوان" على الريف الغربي لحلب، جاء فيها "توقفوا عند هذا الحد وخذوا ما أخذتم وإلّا سيتم تصعيد الموقف". ويقول الشرع إنه فهم من الرسالة الروسية أن الوضع بات منهارا بالنسبة لنظام الأسد.
وكشف الشيباني من جهته عن محادثات أجرتها المعارضة السورية حينها مع الطرف الروسي، تحدثا فيها عن مصالح الطرفين وعن شراكة محتملة بين سوريا وروسيا في المستقبل.
دخول دمشقوبعد تحرير مدينة حمص في 7 ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأ السباق نحو العاصمة دمشق، ومع وصول طلائع قوات "ردع العدوان" إلى تخوم العاصمة تحرك الفيلق الثامن بقيادة أحمد العودة المدعوم من روسيا وبعض الأطراف العربية في محاولة للتقدم نحو دمشق.
ويكشف الرئيس السوري أحمد الشرع في شهادته أنه أعطى أمرا الساعة الواحدة والنصف ليلا، فتحركت القوات باتجاه العاصمة، وقال إنه تواصل مع رئيس الوزراء السوري السابق محمد غازي الجلالي وأخبره بأن مؤسسات الدولة تبقى كما هي لأن الهدف تغيير النظام.
في حين أوضح وزير الطاقة محمد البشير أنه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 قابل الرئيس الشرع الذي أمر بنقل السلطة لحكومة الإنقاذ السورية التي كانت تعمل في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
ويروي الرئيس الشرع في شهادته ضمن الفيلم الوثائقي "مفاتيح دمشق" أنه ذهب إلى قاسيون بعد دخوله دمشق، وزار المسجد الأموي الذي يحمل رمزية كبيرة بالنسبة للسوريين. ويقول إن دمشق تعني له الكثير فهي "تاريخ عظيم وأحداث كبرى ومفرق تاريخ في مراحل التاريخ وتُعَنْوِن دائما لمرحلة جديدة ولأفول مرحلة ماضية".
ويظهر الفيلم الوثائقي كيف أن النظام السوري الجديد بقيادة الرئيس الشرع حرص على الحفاظ على البنية التحتية في سوريا وعلى الأمن والاستقرار والتنمية، وعدم الثأر باتباع شعار "نصر لا ثأر فيه"، بالإضافة إلى تجنيب سوريا الدخول في صراعات.
وبعد أن طوت دمشق مع غروب يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 آخر فصول حكم عائلة الأسد، صدرت أوامر إلى قوات "ردع العدوان" بالتوجه نحو الساحل السوري، الذي بقيت فيه آخر رموز النظام المنهار. ويؤكد وزير الدفاع أن التوجه العام لدى قيادة العمليات كان منع نشوب حرب أهلية بين السوريين.
ومع فجر 9 ديسمبر/كانون الأول 2024 كانت وحدات "ردع العدوان" تدخل أطراف طرطوس واللاذقية، في مشهد يطوي ما تبقى من الجغرافيا القديمة للنظام المخلوع، ليمتد خط التحرير من الشمال إلى العاصمة إلى الساحل السوري.
الخطر الحقيقيوفي الجانب الآخر من المشهد كانت إسرائيل تمثل خطرا حقيقيا على الجمهورية الجديدة في سوريا، فقد استغلت الفرصة للقيام بشن هجمات داخل الأراضي السورية ويقول الرئيس الشرع إن ما حصل كان مفاجئا لها، فذهبت لاستهداف مواقع عسكرية حساسة في سوريا، مشيرا إلى أن المشهد السوري لا يزال مجهولا في نظر إسرائيل.
إعلانويكشف عبد القادر الطحان، معاون وزير الداخلية السوري، أن إسرائيل شنت أكثر من 500 غارة جوية طالت كل المطارات العسكرية السورية، ومنصات إطلاق الصواريخ وألوية الدفاع الجوي، كما قصفت مراكز البحوث وكل البنية العسكرية.