امتدح ربنا، جل وعلا، عباده الأبرار بإطعام الطعام رجاء ثواب الله ورضاه، قال سبحانه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الفضيلة من خير خصال الإسلام، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، وبيّن صلى الله عليه وسلم أنّ في إطعام الطعام وقاية ونجاة من النار، فعن عَدِيَّ بْن حَاتِمٍ، رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
وإن فطار الصائمين من العبادات العظيمة التي حثّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ورتّب عليها أجراً كبيراً، فجعل أجر المطعم كأجر الصائم، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا».
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لمن أكرم الصائمين بالإفطار، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَ: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ»، فلو لم يكن لإفطار الصائمين فضل وأجر، لما اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء لمن أفطر على موائدهم وأكل من طعامهم! ويحصل تفطير الصائم بأدنى شيء، إلا أن أكمله إشباعه، لأنه يحصل به المقصود من تقوية الصائم على العبادة، واستغناؤه في تلك الليلة.
وإفطار الصائم في شهر رمضان وغيره يعزز قيم التسامح والتآزر، ويزيد روابط المحبة بين الناس، وهو نوع من أنواع الجود والخير، والمؤمن العاقل من يبادر إلى فعل الخيرات التي تضاعف أجره وثوابه وخصوصاً في شهر رمضان، وقد «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ»، وورد أن كثيراً من الصالحين كانوا يحرصون على إطعام الطعام ويعتبرونه من أفضل العبادات، وربما آثر بعضهم غيره بفطوره وهو صائم طلباً للأجر والثواب، «وكان ابنُ عمرَ لا يفطرُ إلا مع اليتامَى والمساكينِ».
ونخلص مما سبق إلى أن تفطير الصائمين من أجمل صور التعاطف والمحبة والرحمة في المجتمع، وهو من أجلّ القربات وله أجر عظيم يساوي أجر الصائم نفسه.
كل معروف صدقة
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على بذل المعروف، والمعروف اسم جامع لكل ما ندب إليه الشرع من وجوه الإحسان وفعل الخير، وقد أمر الله بفعله، وحث عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، ووعد فاعله بالثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فينبغي على المؤمن ألّا يحقر من المعروف شيئاً، وأن يحرص على صنع المعروف وبذل الإحسان للناس.
يقول الله في محكم تنزيله: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، «سورة النساء: الآية 114». يقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77».
وقد جعل الله صُنع المعروف صدقة لفاعله، قال رسول الله: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». وصور المعروف كثيرة وعديدة، فينبغي على المسلم أن ينافس فيها ويحرص عليها، كي ينال ثوابها وأجرها، وألّا يقلل من قيمة أي خيرٍ يفعله.
وصية
أوصى النبي أحد أصحابه فقال: «عَلَيْكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ لِلْمُسْتَسْقِي مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ، أَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ»، وهي وصيته للنساء أيضاً، فقد قال: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ».
أي: لا تستصغرنَّ شيئاً تقدمْنَهُ هبة أو هدية، فهو من المعروف الذي يُديم الودّ ويؤلف بين القلوب. ومن قدّم معروفاً في الدنيا أثابه الله به في الآخرة، قَالَ رسول الله: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
حديث
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
فتوى
ورد إلى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي سؤال: «صليت الظهر في الدوام وبعد رجوعي نمت ولم أستيقظ إلا عند المغرب فصليت العصر والمغرب، فهل صومي صحيح»؟
فأجاب المجلس «صومك صحيح، لأن النوم عن الصلاة لا يؤثر على صحة الصوم، ولكن ينبغي للصائم اغتنام شهر رمضان في الإكثار من الأعمال الصالحة، ومن أهمها المحافظة على أداء الصلاة في وقتها، قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، «سورة البقرة: الآية 238».
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، (متفق عليه). أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: رمضان الصيام النبی صلى الله علیه وسلم صلى الله علیه وسلم أ ی صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
من صلى الفجر بعد شروق الشمس.. 3 أعمال تكفر هذا الإثم
لعله ينبغي معرفة حكم من صلى الفجر بعد شروق الشمس ، خاصة وأنه لم يعد حالاً فرديًا يعبر عن قلة ، وإنما أصبح عادة الكثيرين، الذين تمنعهم الظروف عن الاستيقاظ وأداء صلاة الفجر في وقتها، سواء بسبب النوم أو غيره من مستجدات العصر الراهن، من هنا تأتي أهمية الوقوف على حكم من صلى الفجر بعد شروق الشمس وما عقوبته ؟، لعله يكون حافزًا أو رادعًا لأولئك المتهاونين في فريضة الفجر، وهي أول صلوات النهار المكتوبة .
قال الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه يجوز للشخص أن يصلي الفجر بعد شروق الشمس إذا فاته، لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: “إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك” ، منوهًا بأن صلاة الفجر أو صلاة الصبح موعدها الشرعي عند طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس، فهذا وقتها.
وأضاف “ عبد السميع ” في إجابته عن سؤال: ( ما حكم من صلى الفجر بعد شروق الشمس ؟)، أن من لم يصل الفجر أو الصبح في هذا الوقت لعذر شرعي أو لغيره فعليه أن يقضيها بعد طلوع الشمس وهذا أمر واجب عليه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وتابع: و جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال “من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك”، مشيرًا إلى أنه ينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه وأن يكون حريصًا على أداء الصلاة في وقتها وفي جماعة؛ فذلك هو الأحسن والأفضل، فإذا كان الإنسان مستيقظًا وسمع أذان الفجر يجب عليه النهوض للصلاة في وقتها، ويأثم إذا خرج وقتها وعليه بالتوبة، مع كثرة الاستغفار والعزم على عدم العودة إلى مثل هذا الفعل مرة ثانية، «ثم يصلي ما فاته.
واستشهد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» رواه مسلم، أما إذا نام المسلم عن صلاة الفجر غير متعمدٍ فواتها، ولم يجد مَن يوقظه لأدائها، فلا حرج عليه في ذلك، وعليه في هذه الحالة الإسراع إلى أداء الصلاة متى استيقظ من نومه؛ فقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم العذر لمن غلبه النوم طبعًا أو جهدًا، لما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة حديث صفوان بن المعطل رضي الله عنه، وفيه قوله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ لاَ نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ» رواه أبو داود.
فضل صلاة الفجركما ورد أن صلاة الفجر لها فضائل ونفحات ربانية عظيمة، خاصة وأن صلاة الفجر في وقتها وفي جماعة لها فضل وثواب عظيم وتطرح البركة في الرزق، كما أن أثقل صلاتين على المنافقين هما العشاء والفجر، فهي تجعل الإنسان فى ذمه لله طوال اليوم، وصلاة الفجر لها في الإسلام مكانةٌ عظيمةٌ؛ فهي من أهمّ الصلوات المكتوبة وأقربها إلى رب العزة تبارك وتعالى، فـ صلاة الفجر تُظهر قُرب المسلم من خالقه؛ حين يقوم وينهضُ من نومه في وقت الفجر «وهو وقت يكون الناس فيه نيامًا»، فيقوم ويتوضّأ ويَخرج في هذا الوقت في ظُلمةِ الليل متجاوزًا برد الشتاء وحر الصيف؛ ليُطيع الله تعالى، وليقوم بما أمره به ربُّ العزة تبارك وتعالى من صلاة الفجر .
و قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»، صلاة الفجر خصوصًا لها أجرٌ وفضلٌ ومَناقب عظيمة جليلة، وهي كالآتي: هي خير من الدنيا وما فيها إذا التزم المسلم بها؛ وذلك لِعِظَم فضلها وأجرها عند الله سبحانه وتعالى، فقد وَرَدَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ركعَتا الفَجْرِ خَيرٌ مِنَ الدُنيا وما فيْها »، كما أنها النّور التّام للعبد المسلم المؤمن يوم القيامة، وهذا الفضل والأجر لمن يشهد صلاة الفجر مع الجماعة، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «بشّرِ المَشائيْنَ فيْ الظُلمِ إلى المَسَاجدِ بالنُور التّامِ يومَ القيْامَة»، صلاة الفجر تجعل المسلم بحماية الله ورعايته، فقد رُوِيَ عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: «مَنْ صَلّى الصُبحَ فَهوَ فيْ ذِمَة الله»، وعليه فإنها تحرمه من معية الله تعالى وحفظه.
وتعد صلاة الفجر سبب من أسباب تحصيل الأجر الجزيل العظيم، وهي سبب من أسباب النّجاة من النّار، والتزامه فيه البشارة بدخول الجنّة؛ فقد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال:«مَن صلَّى البردَينِ دخَل الجنةَ»، متفق عليه، والمقصود بالبردين هنا هما صلاتي الصّبح والعصر، وقد ثبت الترغيب في أن يؤدّي المسلم صلاة الصّبح في جماعة، فضً عن أنها ضمانُ للمسلم -بالتزامه بـ صلاة الفجر - بقاءه في صفّ الإيمان والأمن من النفاق، ومن عذاب الله وغضبه وعقابه.