عربي21:
2025-07-29@19:51:33 GMT

اليمن «على كف عفريت»!

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

إن ردّ فعلنا الطبيعي إزاء أي اعتداء أمريكي على أي بلد من بلدان منطقتنا والجنوب العالمي هو إدانة هذا العدوان، وهو الموقف السليم. وليست الاعتداءات الأمريكية على اليمن استثناءً، لا سيما أنها تترافق بقطع المساعدات الإنسانية عن قسم كبير من هذا البلد الفقير والمنكوب. هذا ينسجم تماماً مع النهج الإمبريالي الذي تتبعه الولايات المتحدة في منطقتنا على الأخص، وقد تصاعد بقوة منذ احتضار الاتحاد السوفييتي، ومن ثم انهياره.

فرأينا مذّاك حرباً أولى على العراق، تلتها حربٌ منخفضة الحدة رافقت خنق البلد من خلال الحظر المفروض عليه، وكان حظراً مجرماً بحق السكان المدنيين، حتى جاء وقت الاحتلال وما تبعه من عواقب وخيمة لا يزال العراق يرزح تحت وطأتها. هذا وناهيك من عمليات القصف الأمريكي اللاحقة، حيث باتت العراق واليمن وسوريا، وكأنها ميدان قنص للقوات المسلّحة الأمريكية تقصف من تشاء، متى تشاء، وكيفما تشاء بطائراتها وصواريخها ومسيّراتها.

يندرج كل ما سبق وصفه في طبيعة الأمور، إذ إننا نتحدّث عن سلوك دولة إمبريالية هي أعظم قوة عسكرية في العالم. ولهذا السبب بالذات، ينبغي على الأنظمة المناهضة لهذه القوة العظمى أن تتفادى ما يعطيها ذريعة للهجوم العسكري عليها، حتى عندما تكون خاضعة لشتى الإساءات من قِبَلها. فعلى سبيل المثال، تخضع كوبا لحظر مجرم منذ عشرات السنين، لكن حكمها أذكى من أن يقوم بممارسات من شأنها أن تعطي واشنطن ذريعة لشنّ اعتداء عسكري على الجزيرة من شأنه أن يفاقم أزمتها الاقتصادية إلى حد خطير. تصوّروا مثلاً لو قرّرت كوبا قصف البواخر الأمريكية في محيطها البحري ردّاً على خنقها من قِبَل واشنطن. لكان هذا السلوك مشروعاً تماماً من وجهة نظر الحق، لكنّه أرعن تماماً من وجهة النظر العملية نظراً لما سوف يجلبه بالتأكيد على الجزيرة من ويلات.

ومن وجهة النظر هذه، والحق يُقال، فإن سلوك الحوثيين في قصف البواخر الأمريكية في البحر الأحمر شبيه بالفرضية أعلاه. إنه مشروع في منظور الحق، وليس التضامن مع شعب غزّة مشروعاً وحسب، بل هو واجب أخلاقي. لكنّ الاعتداء على بواخر قوة عظمى في ممرّ بحري دولي إنما هو سلوك أرعن من حيث عواقبه المحتملة، لا بدّ من أن يجرّ الويلات على شعب اليمن الذي هو بالتأكيد غنيّ عنها بعد كل ما تكبدّه خلال حرب طاحنة بدأت قبل عشر سنوات ولم تنته، وإزاء الفقر المدقع والمجاعة المستشريين في صفوفه.


والحال، حيث أن أمريكا لم تتضرر من أعمال الحوثيين بما يجدر ذكره، وإسرائيل تضررت قليلاً، كان المتضرَّر الرئيسي هو مصر التي انخفض مدخولها من الملاحة عبر قناة السويس بنسبة 60 في المئة في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، بخسارة بلغت 7 مليارات دولار، وهي خسارة كبرى لبلد كمصر يعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة. والحقيقة أن نظرة قسم كبير من شعب اليمن إلى أعمال الحوثيين مختلفة تماماً عن نظرة الذين يصفّقون لأفعالهم من الخارج وكأنها بطولات. ففي الشطر الآخر من اليمن من يرون في سلوك الحوثيين مزايدة سياسية يوظّفها حكم صنعاء في صراعه الطائفي والسياسي معهم، كما يوظّفها في دغدغة مشاعر المواطنين في الشمال للتغطية على إخفاقه الكبير في المجال الاقتصادي.

والحقيقة أن حكم الحوثيين، حكم «أنصار الله» حسب التسمية الرسمية، غارق في الظلامية والرجعية الاجتماعية والسياسية، أقرب ما هو إلى حكم الطالبان في أفغانستان، وقد نتج عن انقلاب رجعي على التسوية المشروعة ديمقراطياً التي نجمت عن الانتفاضة الشعبية في عام 2011، وذلك بالتحالف لوهلة مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي لا يجمعه بالحوثيين سوى الانتماء الطائفي. وقد انتهز الحكم الحوثي جوّ التعبئة الذي خلقه من خلال ممارساته في البحر الأحمر كي يشدد قبضته القمعية على المجتمع، حتى انقض على منظمات الإغاثة على غرار ما فعله الطالبان، فاعتقل أكثر من مئة من أعضائها في وقت تحتاج اليمن أمسّ الحاجة إلى المعونة والإغاثة الدوليتين.

هذا ويبدو أن تصعيد الضربات العسكرية الأمريكية على مناطق الحوثيين جاء بحثّ من حكام الشطر الآخر من اليمن. ذلك أن واشنطن كانت قد اكتفت حتى الآن بضربات محدودة إذ لم تشكل ممارسات الحوثيين إزعاجاً كبيراً لها، بل جرى إحباط كافة هجومات الحوثيين على البواخر الحربية الأمريكية بالصواريخ البالستية والمسيرات لتدنّي مستواها التكنولوجي مقارنة بما لدى أمريكا (وهذا من حسن الحظ، فلو أصاب الحوثيون إحدى هذه البواخر وقتلوا بعض بحّارتها، لانهال على مناطقهم ما هو أخطر بكثير مما شهدناه حتى الآن).

وقد نقلت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية قبل شهرين عن عيدروس الزبيدي، نائب رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في الوقت نفسه، نقلت عنه دعوته الرئيس الأمريكي الجديد ليصعّد الهجوم على الحوثيين، منتقداً الإدارة السابقة لقلة حزمها في مواجهتهم. كما دعا الزبيدي إلى التنسيق بين الضربات الأمريكية وبين هجوم القوات الحكومية اليمنية على الأرض، وهو ما قد نشهده في المستقبل القريب. ولو تم ذلك تكون ممارسات الحوثيين قد فسحت المجال أمام تجدد الحرب اليمنية بتدخل عسكري أمريكي مباشر هذه المرة، بما ينسجم مع عدوانية إدارة ترامب ضد إيران، راعية الحوثيين، التي تفوق بكثير عدوانية إدارة بايدن.

فلمّا كان دونالد ترامب رئيساً للمرة الأولى، صوّتت أكثرية مجلس الشيوخ في عام 2019 على قرار ينهي الدعم الأمريكي للتدخل السعودي في اليمن، وكان القرار بمبادرة من السيناتور اليساري بيرني ساندرز. فأبطل ترامب هذا القرار بممارسة الفيتو الرئاسي. ثم لمّا تلاه جو بايدن في البيت الأبيض، كان أحد أول قراراته تجميد مبيعات السلاح للمملكة السعودية والإمارات المتحدة (لاحظوا الفرق عن معاملته للدولة الصهيونية). أما الآن وقد عاد ترامب إلى البيت الأبيض بعنجهية تفوق كثيراً ما بدا عنه في ولايته الأولى، فإن احتمال إعادة تسعير حرب اليمن بمشاركة أمريكية مباشرة بات احتمالاً قوياً، بما يندرج في الضغط الأمريكي على إيران وتهديد ترامب لها بالاعتداء العسكري المباشر على أراضيها.

(نقلا عن صحيفة القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدوان اليمن الحوثيين امريكا اليمن الحوثي العدوان مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الخارجية الأمريكية: المساعدات الإنسانية في غزة غير كافية .. ونعمل على زيادتها

أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، أن المساعدات الإنسانية في قطاع غزة غير كافية ونعمل على زيادتها، حسبما افادت قناة “ القاهرة الإخبارية ” في خبر عاجل .

باحث: كلمة الرئيس السيسي وضعت النقاط فوق الحروف بشأن غزة ومصر رفضت إغراءات اقتصادية كبرىخبير إستراتيجي: مصر تقف حائط صد أمام محاولات تهجير سكان غزةبالأرقام| وزير الصحة يكشف الدعم الطبي المقدم لأهالي قطاع غزة.. سيبكم من المأجورينبرلمانية: العلاقات المصرية البريطانية ركيزة دولية لوقف نزيف غزة


وقالت الخارجية الأمريكية:" نعمل على وقف الحرب في قطاع غزة،وحماس ترفض الإفراج عن المحتجزين في غزة".

وأضافت الخارجية الأمريكية:" هناك حاجة لفعل المزيد لإنقاذ سكان غزة، ومؤسسة غزة الإنسانية تهدف لإبقاء المساعدات بعيدا عن حماس".

وتابعت الخارجية الأمريكية: العلاقة بين ترامب ونتنياهو جيدة لكن الموقف الآن متغير كثيرا".

وأكملت الخارجية الأمريكية: “تركيز ترامب ينصب على إنهاء الحرب في غزة ودخول المساعدات الإنسانية”.

طباعة شارك غزة قطاع غزة أمريكا الاحتلال اخبار التوك شو

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: المساعدات الإنسانية في غزة غير كافية .. ونعمل على زيادتها
  • الإدارة الأمريكية..المصداقية في مهب الريح
  • الفلبين تطلب من "الدول الصديقة" المساعدة في تحرير 9 بحارة محتجزين لدى الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
  • وزير الدفاع اليمني يكشف عن خطة استراتيجية بمشاوكة أربع دول لإقتلاع الحوثيين من اليمن لكنه أصيب بالصدمة .. عاجل
  • تفاصيل مباحثات وزير الداخلية مع السفارة الأمريكية في اليمن
  • قائد عمليات حسم الإرهابية علي كف عفريت.. مطلوب حيا للعدالة
  • مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • جنرال أمريكي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ساهمت في تطوير التكتيكات العسكرية الأمريكية
  • رواية مدين نجل "صالح" عن مقتل والده برصاص الحوثيين تثير الجدل في اليمن
  • اليمن.. الحكومة تطالب بموقف داخلي وخارجي لمواجهة مهزلة استمرار ضح الحوثيين عملات مزوّرة