عربي21 ترصد التطورات في تركيا بعد اعتقال إمام أوغلو.. هذه تفاصيل ما حدث
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
استفاقت تركيا على ما وصف بأنه "زلزل سياسي"؛ إثر حملة اعتقالات واسعة شنتها السلطات التركية على رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، المعارض أكرم إمام أوغلو، وأشخاص مرتبطين به، في خطوة تسببت في هبوط قياسي لليرة التركية، ووصفتها المعارضة بأنها "انقلاب ضد الرئيس القادم".
وطالت حملة الاعتقالات إلى جانب إمام أوغلو، المنتمي لحزب "الشعب الجمهوري" المعارض، 106 أشخاص آخرين، بينهم رؤساء بلديات فرعية في مدينة إسطنبول وصحفيون، وذلك على ذمة التحقيق في قضيتين منفصلتين.
وتتعلق القضية الأولى بتهم فساد و"تشكيل منظمة إجرامية"، وصدر قرار اعتقال 100 شخص على ذمتها، بينهم إمام أوغلو، في حين تمثلت القضية الثانية بـ"مساعدة منظمة إرهابية"، وتشمل 7 أشخاص، بينهم كذلك رئيس بلدية إسطنبول.
ماذا جرى؟ (تسلسل زمني)
توجهت أعداد كبيرة من قوى الأمن مع ساعات الفجر الأولى إلى منزل إمام أوغلو الواقع في منطقة "ساريير"؛ للقبض على رئيس البلدية الكبرى، الذي تمكن من انتزاع المدينة الاستراتيجية من حزب العدالة والتنمية الحاكم لولايتين متتاليتين.
في غضون ذلك، شارك إمام أوغلو مقطعا مصورا عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، ظهر فيه وهو يرتدي ملابسه، قائلا إن "إرادة الشعب تتعرض للانقلاب".
Millet iradesine darbe vuruluyor. pic.twitter.com/waXHu23ZVN — Ekrem İmamoğlu (@ekrem_imamoglu) March 19, 2025
في أعقاب ذلك، جرى اقتياد إمام أوغلو إلى أحد المراكز الصحية لإجراء فحص طبي، قبل التوجه إلى مركز إدارة الأمن في منطقة الفاتح الواقعة بالشطر الأوروبي من إسطنبول.
قررت ولاية إسطنبول تعليق المظاهرات وجميع أنواع الاجتماعات في المدينة مدة 4 أيام، بالإضافة إلى إغلاق شوارع رئيسية في منطقة الفاتح، وإغلاق محطات مترو على الخط الرئيس الواصل بميدان تقسيم.
في الأثناء، أفادت وسائل إعلام تركية بتعليق الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك منصتا "إكس" و"إنستغرام".
تصاعدت الدعوات للاحتجاج على اعتقال إمام أوغلو الذي ينظر له على أنه منافس محتمل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حين دعا زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزيل إلى التظاهر والاحتشاد أمام مقرات الحزب في عموم تركيا ضد ما وصفه بـ"الانقلاب".
نشر حساب إمام أوغلو على منصة "إكس" رسالة خطية في ثاني تعليق لرئيس بلدية إسطنبول منذ اعتقاله مع ساعات الفجر الأولى، قال فيها: "سترد أمتنا بكل قوة على الأكاذيب والمؤامرات والفخاخ، وعلى منتهكي حقوق الشعب، وعلى من يسلبون إرادة الشعب. أسلم أمري لله أولا، ثم لأمتي".
Önce Allah’a sonra milletimize emanetim! pic.twitter.com/tYfqrPedaw — Ekrem İmamoğlu (@ekrem_imamoglu) March 19, 2025
الليرة تهبط لمستوى قياسي
هوت الليرة التركية إلى مستوى غير مسبوق، حيث سجلت 40 ليرة للدولار بعد ساعات قليلة من اعتقال السلطات رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، قبل أن تتراجع إلى 38 ليرة للدولار في أحدث معاملات الأربعاء.
وكان مستوى إغلاق العملة التركية أمس الثلاثاء 36.67 للدولار.
من جهتها، أعلنت بورصة إسطنبول توقف التداول مؤقتا، بعد انخفاض المؤشر الرئيسي 6.87 بالمئة في التعاملات المبكرة، وتم تفعيل آلية فاصل التداول على مستوى السوق، حسب وكالة رويترز.
وعلق وزير المالية التركي، محمد شيمشك، على التطورات عبر تدوينة نشرها على منصة "إكس"، قائلا: "يتم اتخاذ كل ما يلزم لضمان الأداء الصحي للأسواق"، مشددا على استمرار البرنامج الاقتصادي المعتمد "بكل عزم وإصرار".
نظرة إلى الوراء
جاء اعتقال إمام أوغلو بعد ساعات قليل من إصدار جامعة إسطنبول قرارا يقضي بإلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية؛ بسبب تهمة التزوير في أثناء انتقاله إلى فرع إدارة الأعمال في الجامعة عام 1990 من جامعة غيرنة الأمريكية في قبرص، غير المعترف بها في تركيا في ذلك الوقت.
ويقطع هذا القرار على إمام أوغلو الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يشترط القانون التركي على المرشح للرئاسيات حمل شهادة جامعية.
وكان إمام أوغلو تقدم قبل أسابيع قليلة بطلب إلى حزب "الشعب الجمهوري" للترشح عنه في الانتخابات الرئاسية، وهو ما دفع الأخير إلى الإعلان عن انتخابات تمهيدية داخلية في 23 آذار / مارس الجاري، يخوضها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى لوحده.
وينظر في الأوساط التركية إلى إمام أوغلو على أنه منافس محتمل لأردوغان الذي يتمتع بفرصة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في حال إجرائها قبل موعدها المحدد عام 2028.
من هم المعتقلون مع إمام أوغلو في القضيتين؟
◼ القضية الأولى: الفساد
تركز القضية الأولى على اتهامات تتعلق بـ"تشكيل منظمة إجرامية"، و"الرشوة المنظمة"، و"التلاعب بالمناقصات"، و"الاستحواذ غير القانوني على البيانات الشخصية" في فروع بلدية إسطنبول الكبرى.
في بيان صادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول، تم وصف إمام أوغلو بأنه "زعيم منظمة إجرامية"، مشيرا إلى أن المخالفات تعود إلى فترة تولي الأخير رئاسة بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول قبل عام 2019.
وأشار البيان إلى أن التحقيقات في هذه القضية بدأت عقب انتشار ما يُعرف إعلاميا بـ"فيديوهات عد النقود في حزب الشعب الجمهوري"، الذي جرى تسريبها للإعلام التركي العام الماضي.
وبحسب البيان، فقد "توسع التحقيق نتيجة للتقرير الذي أعده المفتشون بشأن المخالفات في المناقصات ومشتريات الخدمات، والعقود الوهمية المتعلقة بوسائل الإعلان الخارجية التي أبرمتها بلدية إسطنبول الكبرى والشركات التابعة لها".
كما أشار البيان إلى أن شركات تابعة لبلدية إسطنبول الكبرى، مثل MEDYA A.Ş. وKÜLTÜR AŞ. وKİPTAŞ وİSFALT، استُخدمت في عمليات الفساد المشار إليها.
وأصدرت النيابة العام في إسطنبول أوامر اعتقال بحق 100 شخص، من بينهم إمام أوغلو وشخصيات أخرى أبرزها:
◼ مراد أونغون، مستشار إمام أوغلو ومدير شركة ميديا إنك
◼إركان ساتشي، فنان
◼ نجاتي أوزكان، صحفي ومدير حملة إمام أوغلو في الانتخابات المحلية عام 2024
◼ تونجاي يلماز، المدير العام لشركة إمام أوغلو للإنشاءات
◼ كان أكين تشاغلار، الأمين العام لبلدية إسطنبول الكبرى
◼ بوغرا جوكجه، رئيس وكالة تخطيط إسطنبول
◼ القضية الثانية: "مساعدة منظمة إرهابية"
تعود هذه القضية إلى الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في 31 آذار/ مارس عام 2024، وأسفرت عن فوز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول للمرة الثانية على التوالي، وأدت إلى تقدم كبير لحزب الشعب الجمهوري في عموم البلاد.
وتشير القضية إلى ما يعرف محليا بـ"التوافق الحضري"، وهي استراتيجية انتخابية اتبعها حزب الشعب الجمهوري بالاتفاق مع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب "ديم" المناصر للأكراد في تركيا.
ونص الاتفاق على تخلي حزب "ديم" عن تقديم مرشحين في بعض المناطق في مدينة إسطنبول؛ بهدف فسح المجال أمام مرشحي حزب الشعب الجمهوري.
واعتبرت النيابة العامة أن هذا الاتفاق سعى إلى تعزيز نفوذ حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" في المدن التركية، لافتة إلى أن بعض المسؤولين المنتخبين في المجالس البلدية كانوا على صلة بالتنظيم المدرج على قوائم الإرهاب في أنقرة وعدد من الدول الغربية.
وأصدرت النيابة أوامر اعتقال بحق سبعة أشخاص على ذمة التحقيق، بينهم إمام أوغلو، وآخرون أبرزهم:
◼ رسول أكرم شاهان، رئيس بلدية منطقة شيشله في إسطنبول وعضو حزب الشعب الجمهوري
◼ إبرو أوزديمير، نائبة رئيس بلدية شيشله
◼ ماهر بولات، نائب الأمين العام لبلدية إسطنبول الكبرى
ماذا قالوا؟
أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري: هناك حاليا قوة قائمة لمنع الأمة من تحديد الرئيس القادم، ونحن نواجه محاولة انقلاب ضد رئيسنا القادم. تركيا لن تستسلم لهذا الانقلاب السياسي، وندعو كافة مواطنينا إلى مقراتنا المحلية للوقوف ضد انقلاب 19 آذار / مارس.
منصور يواش، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى: يجب على كل من يدافع عن سيادة القانون والديمقراطية وإرادة الشعب في هذا البلد أن يعلم أن هذه المحاولات ضد رئيس بلدية منتخب غير مقبولة على الإطلاق.
دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية وحليف أردوغان: القضاء التركي مستقل ونزيه وموضوعي. وإن التقليل من شأن إجراء قانوني من خلال تسميته "انقلابا"، والاستعداد لنقل المطالبة بالحقوق إلى الشوارع، هو فساد سياسي.
ماذا ينتظر إمام أوغلو؟
من المتوقع أن تستمر فترة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول على ذمة التحقيق لمدة 4 أيام، وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية حضوره الانتخابات التمهيدية لحزبه، المقرر عقدها الاثنين المقبل.
في غضون ذلك، تواصل السلطات التركية تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة بحق 106 أشخاص، حيث جرى اعتقال 84 شخصا منهم حتى الآن.
وتحدثت وسائل إعلام تركية عن إمكانية تعيين "قيّوم" في بلدية إسطنبول الكبرى في المرحلة المقبلة، وهو مسؤول حكومي يتم تعيينه لتسيير شؤون البلدية بدلا عن رئيسها المنتخب.
ويرى مراقبون أن إمام أوغلو تعرض لضربة قاسية عبر القضايا القضائية التي تلاحقه خلال الآونة الأخيرة، في حين يرجح البعض تصاعد شعبية المعارض البارز في تركيا، على غرار ما حدث مع أردوغان إثر سجنه عام 1999 بسبب قصيدة شعرية ألقاها خلال توليه مهام رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.
مظاهرات غاضبة
وشهد مقر شرطة إسطنبول ، الأربعاء، تجمعات كبيرة إثر اعتقال رئيس بلدية المدينة، وأفادت وسائل إعلام محلية بأن السلطات أغلقت عددًا من الشوارع الرئيسية في إسطنبول، كما تم إيقاف العمل في إحدى محطات المترو.
وتجمع مواطنون في شارع وطن بمنطقة الفاتح٬ احتجاجا على توقيف إمام أغلو٬ كما شهدت منطقة بيازيد بمنطقة الفاتح أيضا اشتباكات بين الشرطة والمحتجين الرافضين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية تركيا الشعب الجمهوري أردوغان تركيا أردوغان اسطنبول الشعب الجمهوري سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس بلدیة إسطنبول الکبرى حزب الشعب الجمهوری منطقة الفاتح فی إسطنبول إمام أوغلو فی ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
البيانوني ينهي شهادته لـ عربي21 حول تاريخ سورية والتحول الديمقراطي
اليوم أصل مع المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، المحامي علي صدر الدين البيانوني، إلى الحلقة الأخيرة من رواية سيرته الذاتية وشهادته على تاريخ سورية الحديث والمعاصر، ودور الإسلاميين فيه.
عايشت معه تجربة امتدت 19 سنة ضمن القيادة الفعلية للجماعة، وخلال جلسات مطولة سرد لي رؤيته لتاريخ سورية وحاضرها بكل ما تحمله من تعقيدات وصراعات. رغم تقدمه في العمر وضعف قدرته على الحركة والعودة إلى مدينته حلب التي نشأ وترعرع فيها، يظل البيانوني متمسكاً بشغفه الكبير تجاهها، معبراً عن سروره بالتحول السياسي الكبير الجاري في سورية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.
قد لا يصل السياسي الحالم دائماً إلى مراده، لا سيما في عالمنا العربي عامة، وسورية على وجه الخصوص، لكن ما جرى في سورية منذ 8 ديسمبر الماضي، حين أعلن رسمياً نهاية نظام بشار الأسد، يشكل منعطفاً تاريخياً وإنجازاً يحق للسوريين ومن بينهم البيانوني نفسه أن يفخروا به. ويأمل البيانوني أن تفتح هذه المرحلة مجالاً لتجربة ديمقراطية حقيقية تنهي عقوداً من الاستبداد وترسخ مبادئ الحرية والعدالة.
فيما يلي التفاصيل الكاملة.
19 ـ بعد تسليمي أمانة المسؤولية في عام 2010
بعد تسليم أمانة المسئولية للأخ المهندس محمد رياض الشقفة في شهر أيلول 2010، وضعت نفسي تحت تصرّفه، وبقيت قريبا من إخواني أشارك بما يُطلَب مني. ولما كان النظام الأساسي للجماعة، يمنح العضوية الحكمية في مجلس الشورى للمراقبين العامين السابقين، فقد كنت ـ وما زلت ـ أمارس مسؤوليتي عضواً في مجلس الشورى، منذ ذلك الحين.
ومع انطلاقة الثورة السورية المباركة في شهر آذار 2011، كان شأني شأن كلّ السوريين الأحرار، في تأييد الثورة السلمية، ودعمها ومساندتها. وكنت قد أيقنتُ من خلال سنوات طويلة من المراس السياسي، أن النظام السوري بتركيبته الحالية، غير قابل للإصلاح، بل هو أصلاً لا يملك أي توجّه نحو الإصلاح، لأن الإصلاح الحقيقي يعني سقوط منظومتَيْ الاستبداد والفساد، اللتين يقوم عليهما.
وأذكر أنني في بداية عام 2011، بعد أن شعرت بشيء من الفراغ، هممتُ بكتابة مذكراتي عن العمل في الجماعة، لأضع أمام إخواني، وخاصةً الأجيال الشابّة، خلاصة هذه التجربة، بكلّ نجاحاتها وإخفاقاتها، وإنجازاتها وأخطائها، لتقويمها والاستفادة منها، وبدأت بتجميع الوثائق والمستندات وفرزها وتصنيفها، تمهيداً لكتابة هذه المذكّرات.. إلاّ أنني وبعد انطلاقة الثورة السورية المباركة، وجدت أن واجب الوقت أصبح هو التفرّغ لدعم هذه الثورة السلمية، بكلّ جهدٍ ممكن، واستفراغ كل الجهود والإمكانات، لمساندتها حتى تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة..
أذكر أننا عندما عقدنا مع مجموعة من القوى الوطنية، (المؤتمر الوطني لدعم الثورة) في بروكسل في بلجيكا، بتاريخ 3 حزيران 2011، وقبيل إلقائي كلمتي في المؤتمر، وصلتني اتصالات هاتفية عديدة من سورية، وعندما رددت عليها كان على الهاتف هناك أخ صديق من سورية، يبلغني بأنني مدعوّ لزيارة سورية، والاجتماع مع رئيس الجمهورية مباشرة، للبحث في أوضاع البلد، وأنهم سينقلونني مباشرة من المطار إلى القصر الجمهوري، فأجبت مستغرباً: وهل يجتمع الرئيس مع المجرمين؟.ولا أخفي أنني كنتُ في بداية الثورة، مشفقاً على الثورة والثوار، ومتحفّظاً في حديثي عنها أمام وسائل الإعلام، لأنني كنت أدركُ مدى بطش النظام، واستعدادَه لتدمير سورية فوق رؤوس أبنائها، في سبيل بقائه متسلطاً على رقابهم، ولم أكن متأكّداً في الوقت نفسه، من مدى قدرة الشعب السوري على الثبات والصمود، وتقديم التضحيات.. إلاّ أنه بعد انتشار الثورة في كلّ المحافظات والمدن والبلدات، وبعد ظهور البطولات الرائعة من الثوار، والتضحيات الكبيرة، من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال.. لم يعدْ أمامي، وأمامَ كلّ مواطن حرّ، إلا بذل الغالي والنفيس لنصرة أهلنا الثائرين، وتقديم العون الممكن لهم بكلّ أشكاله، عملاً بقوله تعالى: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة.. وكنت أحضّ إخواني على ذلك في كلّ مناسبة أو لقاء. وكنت أعمل منذ انطلاقة الثورة، على مشروع التسديد والمقاربة والتحشيد والتجميع، في إطار وطنيّ جامع، وأشجّع الجميع على ذلك.
وفي تلك الفترة، بعد انطلاق الثورة، دعاني فضيلة الأخ المراقب العام، مع مجموعة من الإخوة، للالتحاق بقيادة الجماعة، لتوسيع دائرتها، استجابة لمتطلّبات دعم الثورة، فاستجبنا للدعوة، ولبّيْنا النداء، وأخذنا مواقعنا في القيادة، وكنتُ حينها النائبَ الأول للمراقب العام، مسؤولاً عن الدائرة السياسية.
وعندما اتخذت قيادة الجماعة قراراً عهدت فيه إلى الإخوة في كل محافظة بدعم الثورة في محافظتهم، سارعتُ مع إخواني في محافظة حلب، إلى دعوة الناشطين في المحافظة، من الإخوان وغيرهم، لتشكيل (اللجنة المركزية لدعم الثورة في محافظة حلب)، التي اختارني الإخوة رئيساً لها، وقمنا بما نستطيع في تقديم الدعم والعون والمساندة، بكل أشكالها، إلى فصائل الثورة في المحافظة، دون تمييز بين فصيل وآخر، ودخلتُ مع مجموعة من الإخوة إلى الداخل السوريّ عدة مرات، وتجوّلنا في المدينة والريف، والتقينا بأعدادٍ كبيرة من الثوار والضباط والمقاتلين والمدنيّين، نشدّ من أزرهم، ونؤكّد على دعمهم. ولا أخفي أننا كنا نعود من كلّ جولة، بمعنوياتٍ عالية، وتفاؤل كبير، لما نجده عند أهلنا من صمود وثبات، واستعداد كبير لبذل الغالي والنفيس، وتقديم التضحيات.
وأذكر أننا عندما عقدنا مع مجموعة من القوى الوطنية، (المؤتمر الوطني لدعم الثورة) في بروكسل في بلجيكا، بتاريخ 3 حزيران 2011، وقبيل إلقائي كلمتي في المؤتمر، وصلتني اتصالات هاتفية عديدة من سورية، وعندما رددت عليها كان على الهاتف هناك أخ صديق من سورية، يبلغني بأنني مدعوّ لزيارة سورية، والاجتماع مع رئيس الجمهورية مباشرة، للبحث في أوضاع البلد، وأنهم سينقلونني مباشرة من المطار إلى القصر الجمهوري، فأجبت مستغرباً: وهل يجتمع الرئيس مع المجرمين؟.
أنا في نظر القانون مجرمٌ، محكومٌ عليه بالإعدام، بموجب القانون رقم (49) لعام 1980، فقال لي لقد صدر قانون بالعفو منذ أيام، قلت: ولكن القانون نصّ على يعفى عن الجرائم المرتكبة قبل 30 أيار 2011، ونحن الآن في 3 من حزيران، وأنا ما زلت مصرّاً على انتمائي للجماعة، وما زلت مجرما في نظر القانون، فسألني هل تريد أن أجيبهم بأنك تشترط إلغاء هذا القانون؟. قلت: فات أوان مثل هذا الشرط، بعد أن تم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، ودُمّرت الأبنية على ساكنيها، واستشهد الآلاف من المدنيين. أطالب الآن بوقف عمليات القتل، وسحب الجيش من الشوارع، ومحاكمة المجرمين الذين قتلوا الأبرياء من المدنيين.. وعندئذ أفكّرُ في تلبية الدعوة. وقلت: لوكان بشار الأسد يريد حلاًّ حقيقياً، لوجد الطريق إليه واضحا. وانتهت المكالمة.
وخلال وجودي في القيادة، مسئولاً عن الدائرة السياسية، شاركت إخواني في إصدار وثيقة (عهد وميثاق) التي تقدمت بها الجماعة، إلى المجتمع السوري، وكلّ القوى الوطنية بتاريخ 25/3/2012.
وعندما بدأت مشاورات تشكيل (الإئتلاف الوطني للثورة وقوى المعارضة) في عام 2012، دعيت للمشاركة في هذه المشاورات، كشخصية وطنية مستقلة، وبعد تشاور وحوار، مع المراقب العام والإخوة في القيادة، شاركت في تأسيس هذا الائتلاف، بتاريخ 4/11/2012، وكنت عضواً في الهيئة السياسية فيه. لكن بعد أقلّ من سنتين، شعرت بعدم الجدوى من الاستمرار في هذا الائتلاف، للأسباب التي أشرت إليها في كتاب الاستقالة التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام في الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فقد كنت حريصاً منذ أن شاركت في تأسيس الائتلاف الوطني، أن يبقى هذا الائتلافُ معبّراً عن الثورة السورية ومبادئها، ساعياً إلى تحقيق أهدافها، بعيداً عن الرؤى الشخصية، والصراعات الفئوية، والأجندات الحزبية، والتدخّلات الخارجية.. وكنت أحاولُ أن أؤدّيَ دوري في خدمة الثورة ومبادئها وأهدافها، متعاوناً مع نخبة وطنية طيبة، ما زلت أحمل لها كلّ عرفان وتقدير.
لا أخفي أنني كنتُ في بداية الثورة، مشفقاً على الثورة والثوار، ومتحفّظاً في حديثي عنها أمام وسائل الإعلام، لأنني كنت أدركُ مدى بطش النظام، واستعدادَه لتدمير سورية فوق رؤوس أبنائها، في سبيل بقائه متسلطاً على رقابهمورغم أن الائتلافَ خلالَ مسيرته، والمحطّات التي مرّ بها، تعرّض لمحاولاتٍ كثيرة لحرفه عن مهامّه الأساسية، في تمثيل الثورة وخدمة مشروعها، كما تعرّض لضغوطٍ كثيرة حاول من خلالها البعضُ أن يمليَ عليه إراداتٍ خارجية، لحرفه عن خطه الوطني الثوريّ.. إلاّ أني كنت أشعرُ أنه بالتعاون مع النخبة الطيبة من منتسبيه، يمكننا أن نشكلَ سدّا في وجه تلك المحاولات، وهذا ما كان يدفعني إلى المثابرة والمواظبة، حرصاً على متابعة العمل لخدمة الثورة من خلال موقع انتُدِبتُ له، على أمل أن يتعاون كلّ المخلصين والشرفاء، على إعادته إلى مساره الوطنيّ الذي أراده له مؤسّسوه.
إلا أنه في الآونة الأخيرة، بدأت أشعرُ أن الطوفانَ أصبح أقوى من السدّ، وأن النزعة الشخصية والقرارات الفردية غير المدروسة، بدأت تطغى، بعيداً عن روح ثورتنا وتطلّعات شعبنا، وأصبحنا في كلّ يوم نفاجَأ بموقف، أو نسمع تصريحاً، ثم لا يلبثُ أن يتمّ سحبه أو تصحيحه أو التنصّل منه.
ولقد فوجئت ـ كما فوجئ كثيرٌ غيري ـ بأن الائتلاف ممثّلاً برئيسه، يوجّه رسالة تهنئة للثورة المضادّة في مصر الشقيقة، ويبارك للانقلابيّين نجاحَهم في الانقضاض على ثورة الشعب المصريّ، التي كانت إحدى الثورات الملهمة لثورة الشعب السوري.
هذه التهنئة لا تختلف كثيراً ـ في نظري ـ عن تهنئة المجرم بشار الأسد بفوزه المزعوم في انتخابات الدم المزيّفة في سورية، وتُخرج الائتلافَ عن نهجه الثوريّ الوطني الذي اختطّه له المؤسّسون.
إن استشعاري لثقل الأمانة، وجسامة المسئولية أمام الله أولاً، ثم أمام شعبنا في سورية الجريحة ثانياً، يضطرني إلى تقديم استقالتي من الائتلاف الوطني، الذي لم يعد ـ في رأيي ـ يعبّر عن آمال شعبنا وتطلّعاته في تحقيق أهداف ثورته المجيدة.
متمنّياً لكم جميعاً الخير والتوفيق لما فيه خير شعبنا وأمتنا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لندن في العاشر من حزيران 2014 علي صدر الدين البيانوني
وفي عام 2014 أعاد إخواني في مجلس الشورى، انتخابي رئيسا للمجلس، واستمررت في هذا الموقع إلى حين انتهاء دورة المجلس في عام 2018 . وكنت خلال هذه السنوات أسعى إلى تفعيل دور مجلس الشورى، من خلال تفعيل مكتب المجلس.
وما زلت أعيش هموم الجماعة والشعب السوري، وأبذل جهدي وطاقتي في تقديم المشورة والعون والمساندة،. وأشارك في كل ما أدعى إليه من جهود إيجابية وبناءة.
وأخيراً.. إن كان لي أن أختم هذه الترجمة الموجزة، فإنني أتوجه إلى أبناء شعبنا السوريّ الحر الأبي؛ بأن ثورة أهلنا في سورية، كانت ثورة الضرورة، وأننا جميعاً لم نخرجْ أشَرا ولا بطرا، وأننا لا نريد علوّاً في الأرض ولا فسادا. وأنّ وطنية الثورة لا تتعارضُ مع إسلاميتها، كما أن إسلامية الثورة لا تتعارض مع وطنيتها.. وأريد أن أؤكّدَ أن التوحّد والتوافق، لا يعني التطابق في كل شيء، فالهمّ الكبيرُ يجمعُنا، والهدفُ الكبيرُ يوحّدنا، ودولة العدل والحرية والمساواة ينبغي أن تظلّلنا..
لقد كشفت هذه الثورة المباركة، أهمية أرض الشام، وشعب الشام، وحجم المؤامرة الدولية على الشام؛ وانكشافُ كلّ هذا لا ينبغي أن يورثنا ضعفاً ولا يأساً ولا قنوطاً، بل يجب أن يزيدنا أملاً وعملاً وتوكّلاً على الله وإعداداً وإحكاماً، وثقةً بوعد الله لعباده الصالحين.
أسأل الله الرحمة لشهدائنا الأبرار، والفرج للأسرى، والمعتقلين، والمفقودين، والنازحين والمهجّرين، والشفاء للجرحى والمصابين، وأسأل الله أن يعينيهم ويحفظهم ويرعاهم. وأدعو السوريين كلّ السوريين، للتعاون والتكافل والتناصر، ومساعدة الضعيف وحمل الكلّ من الثكالى والأرامل واليتامى والمساكين.. وأدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا بجميل وعده (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)
20 ـ وفي الختام:
وفي ختام هذه الترجمة الموجزة، التي سطّرتها بناء على رغبة بعض الإخوة الكرام، أسجّل اعتزازي بجماعة الإخوان المسلمين، التي انتسبت إليها، بتشجيعٍ من والدي رحمه الله، ونشأت في ظلالها، منذ نعومة أظفاري، وعشت فيها مع إخوة أحبة كرام، أكثر من خمسة وستين عاماً، هي معظم سنوات عمري التي تجاوزت الثمانين.. وشهدتُ إنجازاتها ونجاحاتها، كما شهدتُ تعثّراتها وإخفاقاتها، وعاصرتُ مِحَنَها وابتلاءاتها.. فلم يزدني ذلك إلاّ اقتناعاً بسلامة منهجها وصحة طريقها، وثباتاً على نهجها ومبادئها، وحباً بقادتها وأبنائها، الذين أحببتهم في الله، وأحبّوني، وأسأل الله عز وجل أن يثبّتني وإياهم على الحق، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا. وأن يجمعنا في مستقرّ رحمته، تحت ظلّ عرشه، يومَ لا ظلّ إلاّ ظلّه. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
أبو أنس علي صدر الدين البيانوني
إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ "عربي21".. هذه بدايتي
إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي تفاصيل تجربته في سجون الأسد
إقرأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي شهادته.. من سجون الأسد إلى مفاوضات الطليعة
إقأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي كواليس توحيد اخوان سورية ومعركة حماة الكبرى
إقرأ أيضا: البيانوني: هذا ما جرى حين جلس "الإخوان" وجهاً لوجه مع مخابرات الأسد
إقرأ أيضا: البيانوني يروي لـ"عربي21" شهادة مرحلة مفصلية في تاريخ الإخوان بسوريا