بعد الإعلان عن مقتله.. ماذا تعرف عن قائد مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين؟
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
السومرية نيوز – دوليات
ما زال الغموض يلف مصير قائد مجموعة "فاغنر" الروسية للمرتزقة، يفغيني بريغوجين، الحليف السابق للرئيس فلاديمير بوتين قبل تمرده عليه، وذلك بعد أن أكدت وكالات أنباء روسية سقوط طائرة خاصة وتحطمها، مساء الأربعاء 23 أغسطس/آب 2023، كان يفغيني بريغوجين أحد ركابها.
وأظهرت مقاطع تم تداولها بشكل واسع على منصات روسية حطام طائرة وقد تهشم بشكل كامل وما زال مشتعلاً على الأرض، ومشاهد أخرى للحظات سقوطها من السماء.
بحسب بيانات روسية نقلتها وكالتا رويترز والأناضول، فإن الطائرة الخاصة التي سقطت كانت تقل 7 ركاب، إضافة إلى 3 هم طاقم الطائرة، فيما أكد بيان لوكالة النقل الجوي الفيدرالية الروسية، أن اسم قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، كان من بين قائمة ركاب الطائرة.
وبناءً على ذلك، تداولت وسائل الإعلام بشكل واسع نبأ مقتل بريغوجين، فيما لم يتم التأكد بعد من أن بريغوجين كان على متن الطائرة فعلياً، وهو ما قد يثبته التأكد من هوية جثث ركاب الطائرة العشرة.
رغم ذلك، نقلت قناة الجزيرة القطرية في وقت متأخر من الليل، عن مصدر سياسي في مجموعة فاغنر، تأكيده أن خبر وفاة بريغوجين ليس مؤكداً.
من هو يفغيني بريغوجين، وكيف حصل على هذه القوة العسكرية؟
في ذروة الغزو الروسي الأول لشرق أوكرانيا، في صيف 2014، اجتمعت مجموعة من كبار المسؤولين الروس في مقر وزارة الدفاع، وهو مبنى مهيب من عهد ستالين، على ضفاف نهر موسكفا في العاصمة موسكو، من أجل مقابلة يفغيني بريغوجين.
بريغوجين هو رجل في منتصف العمر، له رأس أصلع، ونبرة صوت خشنة، كان الكثير من المسؤولين المجتمعين في تلك الغرفة يعرفونه جيداً، ليس لأنه شخص ذو مكانة مرموقة، وإنما لأنه كان متعهد عقود تموين الجيش من طعام وشراب.
وفي ذلك الاجتماع لم يكن بريغوجين هناك لمناقشة أمور المطبخ، وإنما لطلب مختلف تماماً، وهو الحصول على قطعة أرض من وزارة الدفاع يمكن أن يستخدمها لتدريب "المتطوعين" الذين لا تربطهم أي صلة رسمية بالجيش الروسي، وذلك لاستخدامهم لخوض الحروب بدلاً عن الجيش الروسي، أي بمعنى آخر لتأسيس ميليشيا غير رسمية تابعة للجيش الروسي.
ولد يفغيني بريغوجين في عام 1961 في مدينة سانت بطرسبرغ، التي كانت تعرف آنذاك باسم "لينينغراد"، أي أنه أصغر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنحو 9 أعوام فقط.
ووفقاً لما ذكره موقع Riamo الروسي، فقد توفي والد بريغوجين وهو صغير، بينما والدته كانت طبيبة تعمل في أحد المستشفيات.
في حين أنّ ابن عم بريغوجين من طرف والده هو المهندس السوفييتي الشهير، ورائد تطوير اليورانيوم "إيفيم إيليتش بريغوجين"، الذي عاش وعمل لفترة طويلة في قرية "جوفتي فودي" وسط أوكرانيا، والذي توفي في عام 1999.
*بريغوجين وعملية السرقة الأولى
وبينما كان في عمر مبكر قام زوج والدته مدرب التزلج، صموئيل فريدمانوفيتش زاركوي، بتربيته، والذي بفضله ذهب يوجين للتزلج، ودرس حتى في مدرسة داخلية للتزلج، لكن بريغوجين لم يصبح رياضياً محترفاً، وإنما قرر سلوك "الطرق الملتوية" بعد التخرج مباشرة.
في سن الـ18، أدين بريغوجين بأول عملية سرقة له، ففي إحدى أمسيات عام 1980، غادر بريغوجين وثلاثة من أصدقائه مقهى في سان بطرسبرغ بالقرب ليروا امرأة تمشي بمفردها على طول الشارع المظلم.
قام أحد رفاق بريغوجين بإلهاء المرأة عن طريق طلب سيجارة، وعندما قامت بفتح محفظتها جاء بريغوجين من خلفها وأمسك رقبتها، وضغط عليها حتى فقدت الوعي.
بعد ذلك خلع صديقه حذاءها، بينما قام بريغوجين بإزالة أقراط الذهب ببراعة ووضعها في جيوبها، قبل أن يهربوا تاركين المرأة مستلقية في الشارع.
ولم تمضِ أيام حتى تم إلقاء القبض على بريغوجين، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة عامين، ومع ذلك فإن المحكمة السوفييتية بدلاً من أن تترك بريغوجين في السجن قررت الحكم عليه مع "وقف التنفيذ".
وذلك من أجل الاستفادة منه من خلال إرساله للعمل في مصنع كيماويات في نوفغورود، وهي فرصة له لإثبات جديته بالعمل للحصول على وظيفة هناك بعد انتهاء فترة محكوميته، لكنه لم يقضِ سوى بضعة أسابيع ليفر هارباً باتجاه سانت بطرسبرغ مجدداً، وفقاً لما ذكرته وكالة Rosbalt الروسية.
وعندما عاد بريغوجين إلى مدينته تورط مجدداً بعمليات السرقة رفقة بعض أصدقاء السوء، ليقبض عليه مجدداً في عام 1981، ويُدان بالسجن لمدة 13 عاماً وفقاً لمجلة فوربس الأمريكية.
ورغم أن حكمه كان لمدة 13 عاماً فإنه لم يقضِ في السجن سوى 9 أعوام، ليتم العفو عنه، وإطلاق سراحه في عام 1990، عندما كان الاتحاد السوفييتي على شفى الموت والتفكك.
*من سارق إلى بائع نقانق
بعد خروجه من السجن عاد بريغوجين إلى سانت بطرسبرغ، وقرر أن كسب المال من "كد يمينه"، فبدأ في بيع النقانق من خلال طهي النقانق وصنع الخردل في مطبخ شقة عائلته.
وقال في إحدى المقابلات لمجلة سانت بطرسبرغ الإلكترونية "Gorod 812": "في عام 1990 في حي أبراشكا كنت أول من بدأ بيع الهوت دوغ في سانت بطرسبرغ".
وأضاف في المقابلة الوحيدة له على الإطلاق في عام 2011: "كان الخردل يعجن في شقتي- في المطبخ كانت والدتي تحسب العائدات لي- كنت أكسب 1000 دولار شهرياً، وهذا المبلغ كان عبارة عن كمية كبيرة من أوراق الروبل".
كما أكد بريغوجين أنه بعد حصوله على مال وفير قرر الالتحاق بمعهد لينينغراد للكيماويات، ليصبح صيدلانياً، ولكن باعترافه الشخصي لم يستطع إنهاء دراسته.
ووفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، كان بريغوجين من الأشخاص الطموحين، وكان يضع نصب عينيه أعلى من أن يكون بائع نقانق فقط، لذلك كان دائماً ما يعرف كيفية التواصل مع الأشخاص الأعلى منه، وكان يبحث دائماً عن أشخاص في أعلى المستويات ليصادقهم.
*من مطعم للتعري إلى طباخ بوتين الأول
لم يمضِ وقت طويل حتى امتلك بريغوجين حصةً في سلسلة من المتاجر الكبرى، وفي عام 1995 قرر أن الوقت قد حان لفتح مطعم مع شركائه في العمل.
استعان بريغوجين بمدير فندق بريطاني يدعى "توني جير"، ووظفه ليكون مديراً لأحد محاله المتخصصة في بيع النبيذ، ومن ثم وضعه مديراً لمطعمه الجديد في جزيرة فاسيليفسكي في سانت بطرسبرغ.
في البداية لجأ بريغوجين وتوني جير إلى حيلة من أجل حشد العملاء في مطعمهم الجديد، وهو جلب "فتيات تعرٍّ" لجذب الناس، ولكن سرعان ما انتشر خبر أن الطعام كان ممتازاً ليتم فصل المتعريات.
ركز جير على تسويق المطعم باعتباره المكان الأكثر رقياً لتناول الطعام في المدينة، وأصبح مكاناً رئيسياً يأتي إليه رجال الأعمال والفنانون لتناول الطعام فيه، ومن بين هؤلاء كان عمدة سانت بطرسبرغ "أناتولي سوبتشاك"، الذي كان يأتي أحياناً مع نائبه فلاديمير بوتين.
ووفقاً للبريطاني جير الذي لا يزال يعيش في سانت بطرسبرغ، فقد أكد في لقاء سابق مع صحيفة Argumenty i Fakty الروسية أنّ بريغوجين كان شخصاً صارماً للغاية، حتى إنه كان يستخدم "جهازاً ضوئياً" خاصاً للكشف عن الغبار الموجود على الطاولات، وكان يستخدمه بشكل يومي كل صباح للتأكد من أن عمال النظافة قد أدوا عملهم بشكل صحيح.
بقي بريغوجين يعرف على أنه صاحب أفضل مطعم في روسيا لسنوات عديدة، حتى عام 2002، وبحلول ذلك الوقت كان بوتين قد أصبح رئيساً لروسيا.
خلال السنوات الأولى من حكمه كان بوتين يحب في كثير من الأحيان مقابلة الشخصيات الأجنبية المرموقة في مسقط رأسه "سانت بطرسبرغ"، وكان يصطحبهم أحياناً إلى أحد مطاعم بريغوجين، الذي كان يقدم الطعام بنفسه لبوتين وضيوفه.
وقال بريغوجين: "رأى بوتين أنني كنت متواضعاً لدرجة أنني كنت أحضر الأطباق بنفسي، كانت بداية علاقتي مع الرئيس الروسي التي من شأنها أن تنمو وتنتشر بطرق غير متوقعة".
وسرعان ما بدأ بريغوجين في الفوز بعقود تعهدات تلبية الأحداث الحكومية الكبرى من خلال شركة كونكورد، وهي شركة قابضة أنشأها في التسعينيات.
وفي عام 2012، فاز بأكثر من 10.5 مليار روبل (200 مليون جنيه إسترليني) من العقود لتوفير الطعام لمدارس موسكو، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الروسية، نقلاً عن سجلات من السجل المالي الروسي.
*من طباخ بوتين الأول إلى قائده العسكري غير النظامي
وبالعودة إلى اجتماع مقر وزارة الدفاع في موسكو، والذي حضره بريغوجين، إضافة إلى كبار المسؤولين الروس في عام 2014، استغل بائع النقانق الحرب الروسية في أوكرانيا ذلك العام.
فقد وجد بريغوجين من تلك الحرب فرصةً جيدة لإنشاء مجموعته العسكرية الخاصة، خاصة أن بوتين نفى حينها أن تكون القوات الروسية النظامية متورطة في أي شيء في أوكرانيا.
وقال مسؤول سابق بوزارة الدفاع الروسية لصحيفة The Guardian البريطانية إنّ بريغوجين عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأسيس مجموعة مرتزقة تقاتل إلى جانب الانفصاليين الأوكران في حربهم للانضمام إلى روسيا، وإنّ "مرتزقة فاغنر" كانت مشروع بريغوجين نفسه، وليست تابعة للمخابرت العسكرية الروسية.
وخلال الاجتماع طلب بريغوجين من وزارة الدفاع إعطاءه قطعة أرض لجعلها ثكنة عسكرية لتدريب المتطوعين لمجموعته.
ورغم أنّ الكثير من المسؤولين في الاجتماع لم يُعجبوا بطلب بريغوجين، فإنه قال لهم إنه طلب عادي، وإن الأوامر جاءت من "أبي"، في إشارة إلى فلاديمير بوتين، وللتأكيد على مدى قربه منه. منحته وزارة الدفاع الروسية أرضاً في مولكينو، بجنوب روسيا، حيث أقام فيها قاعدة انطلاق مقاتليه، بالإضافة إلى وجود روابط مزعومة أيضاً بموقع في مولكينو جنوب روسيا أيضاً، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
ورغم أنّ مجموعة فاغنر بدأت ببضع مئات من المتطوعين في عام 2014، فإن أعدادهم وصلت إلى الآلاف في السنوات القليلة التالية، وباتت فاغنر طرفاً أساسياً يقاتل باسم الجيش الروسي في كل من سوريا وأوكرانيا، إضافة إلى نحو اثني عشر بلداً إفريقيّاً، من بينها ليبيا والسودان ومالي وإفريقيا الوسطى وزيمبابوي وغيرها.
المواجهة المحتومة بين الرئيس وطباخه
واستفاقت روسيا السبت، 24 يونيو/حزيران 2023، على أكبر تصعيد بين قوات "فاغنر" والجيش الروسي، وتفجّر هذا الصراع المؤرق للكرملين بعدما اتّهم بريغوجين الجيش الروسي بقتل عدد كبير من عناصره، في قصفٍ استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، وهو اتّهام نفته موسكو، مُطالبةً مقاتلي "فاغنر" باعتقاله بتهمة "الدعوة إلى تمرّد مسلّح".
وكان بريغوجين قد أعلن، صباح السبت، وصول قواته إلى مدينة "روستوف" الروسية، ومحاصرة مقر المنطقة العسكرية الجنوبية، وأظهرت مشاهد تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاتلي فاغنر منتشرين حول مبنى المقر التابع لوزارة الدفاع الروسية مع عربات مدرعة ودبابات.
كما أعلن أنه ورجاله "سيدمرون كل من يعترض طريقهم ومستعدون للمواصلة حتى النهاية"، طالباً لقاء فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة، وسيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، مهدداً أنه في حال لم يأتيا إليه فإنه سوف يتجه نحو موسكو.
وفي خطاب استثنائي نقله التلفزيون الرسمي، ردّ الرئيس بوتين قائلاً إن "التمرد المسلح" لمجموعة فاغنر العسكرية الخاصة خيانة، وإن أي شخص يحمل السلاح ضد الجيش الروسي سيعاقب.
وأضاف أنه سيفعل كل شيء لحماية روسيا، وأنه سيتم اتخاذ "إجراء حاسم" لتحقيق الاستقرار في روستوف، التي سيطرت مجموعة فاغنر على جميع المنشآت العسكرية فيها.
في حين ردّ بريغوجين على خطاب الرئيس الروسي قائلاً إن "الرئيس مخطئ، ولن يسلم أحد نفسه بناء على طلب الرئيس أو جهاز الأمن الفيدرالي أو غيرهما".
أضاف بريغوجين: "نحن وطنيون، وأولئك الذين يعارضوننا اليوم هم الذين تجمعوا حول الحثالة"، كما اتهم الجيش الروسي بالسرقة قائلاً: "عندما قيل إننا في حالة حرب ضد أوكرانيا ذهبنا وقاتلنا، لكن اتّضح أن الذخائر تُسرق".
في حين نشرت وكالة رويترز، السبت 24 يونيو/حزيران 2023، مقطع فيديو لما قالت إنه لمزاعم مجموعة فاغنر وهي تسقط مروحية للجيش الروسي.
الوكالة أشارت إلى أن المروحية تم إسقاطها في منطقة فورونيج، الواقعة على بعد 500 كيلومتر إلى الجنوب من موسكو، ويظهر الفيديو تصاعد أعمدة الدخان في منطقة سقوط المروحية.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: یفغینی بریغوجین فلادیمیر بوتین الرئیس الروسی الدفاع الروسی الجیش الروسی وزارة الدفاع مجموعة فاغنر سانت بطرسبرغ بریغوجین من فی عام
إقرأ أيضاً:
اليونان تنتقد حكما للقضاء المصري.. ماذا تعرف عن أزمة دير سانت كاترين؟
أصدرت محكمة شرم الشيخ في مصر حكماً قضائياً في يوم الأربعاء الماضي، في النزاع القائم بين محافظة جنوب سيناء ودير سانت كاترين، الواقع على سفح جبل سيناء، قضى بـ"أحقية تابعي دير سانت كاترين في الانتفاع بالدير والمواقع الدينية والأثرية المحيطة به، مع احتفاظ الدولة المصرية بملكيتها لهذه المواقع باعتبارها من الأملاك العامة".
وقد أثار هذا الحكم موجة استياء في الأوساط الدينية والسياسية اليونانية، سارعت القاهرة إلى احتوائها، نظرا لحساسية التوقيت وسياق العلاقات الثنائية بين مصر واليونان.
وجاء الحكم في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وأثينا تنامياً ملحوظاً في ملفات استراتيجية، من بينها ترسيم الحدود البحرية، والتعاون في مجالات الطاقة والربط الكهربائي مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن التنسيق الأمني في شرق المتوسط لمواجهة النفوذ التركي المتصاعد.
وقد شكل الحكم القضائي بشأن دير سانت كاترين اختباراً حقيقياً لهذه العلاقات المتينة، ما استدعى تدخلاً مباشراً من أعلى المستويات السياسية في البلدين.
اتصال هاتفي لاحتواء الموقف
وفي يوم الجمعة الماضي، أجرى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس اتصالاً هاتفياً برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، طالب خلاله بتجديد الالتزام المصري بما تم الاتفاق عليه خلال زيارة السيسي إلى أثينا في 7 آيار/مايو الماضي، وخصوصاً الحفاظ على الطابع الأرثوذكسي اليوناني لدير سانت كاترين.
من جهتها، أكدت الرئاسة المصرية في بيان رسمي بتاريخ 29 آيار/مايو الماضي٬ أن الحكم القضائي لا يمس بوضع الدير المقدس، بل "يعزز مكانته التاريخية والدينية"، ويكرس حق الرهبان في الانتفاع بالمواقع، في حين تبقى الملكية العامة للدولة المصرية.
الرئيس #السيسي ينفي ما تردد بشأن #دير_سانت_كاترين: “لا يمكن حد يمسه” #eXtranews pic.twitter.com/JaiAa2xERY — eXtra news (@Extranewstv) May 7, 2025
تأكيدات مصرية متكررة
وحرصت القاهرة على طمأنة الجانب اليوناني، فشدد وزير الخارجية والهجرة بدر عبد العاطي، خلال لقائه بسفراء الدول الأوروبية في القاهرة، على أن الحكم لا يغير من وضع الدير أو يمس حرمته، بل يمثل لأول مرة اعترافاً قانونياً بوضعه التاريخي.
وأضاف عبد العاطي أن القضاء المصري المستقل لم يصادر أي من ممتلكات الدير، بل رفض الطعون المقدمة ضده وأقر بشرعية وضعه وحقوق الرهبان في استخدامه، مؤكداً في الوقت نفسه استمرار الجهود للتوصل إلى تسوية مرضية بشأن أي خلافات متبقية مع السلطات المحلية في جنوب سيناء.
ودعا الوزير المصري إلى تحري الدقة في ما يُتداول إعلاميا حول مصادرة مزعومة للدير، مشيراً إلى أن بعض المزاعم، كوقف أنشطة الدير وتحويله إلى متحف، لا تستند إلى أي أساس قانوني، مطالباً بالرجوع إلى نص الحكم الكامل قبل إطلاق أي تقييمات.
تصعيد في الخطاب داخل اليونان
رغم التأكيدات المصرية، لم تهدأ ردود الفعل داخل اليونان، حيث اعتبر عدد من الشخصيات السياسية والدينية الحكم تهديداً وجودياً للدير. فقد أعرب الأرشمندريت بورفيريوس فرانغاكوس، ممثل الدير في أثينا، عن قلقه الشديد، واصفاً الحكم بأنه يتناقض مع الاتفاق الودي الذي تم التوصل إليه مع القاهرة في كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي نص على الاعتراف بملكية الدير لـ71 عقاراً في المنطقة.
واتهم فرانغاكوس الحكومة المصرية بـ"الانحراف عن الاتفاق بشكل مفاجئ ودون إخطار"، محذراً من تراجع محتمل في الضمانات المقدمة للرهبان الذين يعيشون حالياً بتصاريح إقامة مؤقتة.
كما شهدت الساحة السياسية في اليونان استغلالاً داخلياً للقضية، إذ وجهت المعارضة انتقادات لحكومة "الديمقراطية الجديدة"، واستغل رئيس الوزراء الأسبق أنطونيس ساماراس القضية للعودة إلى الواجهة بتصريحات حادة تحدث فيها عن "تهميش اليونان على الساحة الدولية".
كما أكد المتحدث باسم الحكومة اليونانية، بافلوس ماريناكيس، تمسك بلاده الراسخ بالحفاظ على الوضع التاريخي القائم لدير سانت كاترين في سيناء، مشدداً على التزام اليونان بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الجانب المصري بشأن وضع الدير، كما أُعلن خلال انعقاد المجلس الأعلى للتعاون بين البلدين.
وخلال مؤتمر صحفي عقده ماريناكيس، الاثنين، أوضح أن "اليونان تدعم الوضع الراسخ والطويل الأمد لدير سانت كاترين"، مشيرا إلى أن بلاده ستعمل على تنفيذ الاتفاق مع الجانب المصري كما نوقش وتم الإعلان عنه، بهدف حماية الطابع والهوية الأرثوذكسية للدير.
وكشف المتحدث الرسمي أن الحكومة اليونانية تسلّمت بالفعل نسخة من الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف المصرية، قائلاً: "نملك نسخة من القرار منذ يوم الجمعة الماضي. إنه مؤلف من 160 صفحة، ويتضمن العديد من المسائل القانونية المعقدة".
وأشار ماريناكيس إلى أن وزارة الخارجية اليونانية لا تزال تدرس نص الحكم بشكل دقيق، نظراً لتعقيداته القانونية وصياغته باللغة العربية، مضيفاً: "ما زال القرار قيد الدراسة، إذ يتضمن عناوين وآراء تفسيرية، بالإضافة إلى حيثيات قانونية دقيقة ومعقدة للغاية، وأشير إلى ذلك تفادياً لأي سوء فهم".
وختم ماريناكيس بالتأكيد على الأهمية البالغة التي توليها بلاده لهذا الملف، قائلاً: "هذه القضية ليست تقنية فحسب، بل ذات طابع عميق يتعلق بإيماننا وقيم الأرثوذكسية، وتعكس مشاعر الشعب اليوناني والمسيحيين الأرثوذكس حول العالم"، مشدداً على أن أثينا ستكرّس كل جهدها للحفاظ على هوية الدير ومكانته الروحية.
اتفاق مرتقب لتهدئة التوتر
وفي محاولة لإنهاء التوتر القائم، رجحت مصادر يونانية توقيع اتفاقية ثنائية جديدة خلال الأيام المقبلة، تهدف إلى تثبيت الطابع الأرثوذكسي لدير سانت كاترين رسمياً، بما يسهم في ترسيخ التحالف الديني والسياسي بين مصر واليونان.
ويُذكر أن للأوقاف المصرية ممتلكات عدة داخل اليونان، ما يجعل من العلاقات الدينية بين البلدين ذات بعد متبادل يتجاوز مجرد المسائل العقارية.
الدير بين التاريخ والسياسة
ويتمتع دير سانت كاترين، المصنف ضمن أقدم الأديرة المأهولة في العالم، بمكانة دينية وتاريخية استثنائية، إذ شُيد في القرن السادس الميلادي في الموقع الذي يُعتقد أن النبي موسى تلقى فيه الوصايا العشر.
ويضم الدير، التابع لطائفة الروم الأرثوذكس، كنيسة التجلي التي تحتوي على تسع كنائس فرعية، أبرزها الكنيسة التي يُقال إن الله كلّم فيها النبي موسى.
كما يشمل الدير كنائس أخرى، وقاعات طعام، ومساكن للرهبان، ومكتبة نادرة تحتوي على ستة آلاف مخطوطة، فضلاً عن مسجد فاطمي من القرن الثاني عشر، ما يضفي عليه بُعداً دينياً مشتركاً بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية.
ويأتي هذا النزاع القانوني في ظل مشروع تطوير واسع تقوده الحكومة المصرية في منطقة سانت كاترين، التي تضم محمية طبيعية وبلدة سياحية تحمل الاسم نفسه، بهدف تعزيز السياحة الدينية والبيئية في شبه جزيرة سيناء.
وتولي الحكومة المصرية مشروع "التجلي الأعظم" في مدينة سانت كاترين أهمية بالغة، في إطار رؤية شاملة لتطوير المنطقة وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية ذات طابع ديني وروحاني وبيئي فريد.
ويأتي المشروع تنفيذاً لتوجيهات عبد الفتاح السيسي، بحسب ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي في تصريحات سابقة، أكد فيها أن الحكومة تسابق الزمن للانتهاء من أعمال التطوير الجارية، تمهيداً لافتتاح المشروع في أقرب وقت ممكن.
مشروع "التجلي الأعظم"
ويهدف مشروع "التجلي الأعظم" إلى إحياء مسار خروج "بني إسرائيل" في سيناء، من خلال تنظيم رحلات سياحية إلى الموقع بعد استكمال أعمال البنية التحتية والتجهيزات اللازمة.
ويُعد هذا المشروع جزءاً من خطة أشمل لتحديث مدينة سانت كاترين، بما يتناسب مع خصوصيتها التاريخية والدينية، وما تحتويه من مقومات طبيعية وأثرية وسياحية تجعلها نقطة جذب فريدة على خارطة السياحة الدولية.
وبحسب مدبولي، فإن مشروع "التجلي الأعظم" لا يقتصر على إعادة تأهيل المواقع الدينية والأثرية فحسب، بل يشمل تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات السياحية، وإنشاء منشآت بيئية متوافقة مع طبيعة المنطقة، وذلك لتعزيز تجربة الزوار والحفاظ على الطابع البيئي الفريد للمدينة.
ويأمل القائمون على المشروع في أن يسهم في تعزيز السياحة الدينية والروحية، لا سيما أن سانت كاترين تحتضن واحداً من أقدم الأديرة المأهولة في العالم، وموقعاً مقدساً له رمزية خاصة لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث.