إسطنبول ـ في خطوة تمهد مبكرا لمعارك الانتخابات الرئاسية المقبلة، أعلن حزب الشعب الجمهوري التركي اليوم الأحد تزكية رئيس بلدية إسطنبول المعتقل أكرم إمام أوغلو مرشحا وحيدا للحزب في الانتخابات المقبلة، وذلك عقب تصويت تمهيدي داخلي شارك فيه أعضاء الحزب ومواطنون من خارجه لاختيار الشخصية الأقدر على منافسة الرئيس رجب طيب أردوغان في الاستحقاق الرئاسي المنتظر.

وجاء ترشح إمام أوغلو منفردا بعدما رفض رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش خوض المنافسة، والذي يُعتبر أحد أبرز الأسماء داخل المعارضة، معللا موقفه بأن الوقت "لا يزال مبكرا" للحديث عن مرشحين، مما منح إمام أوغلو طريقا مفتوحا نحو التزكية مدعوما بقاعدة حزبية وشعبية واسعة.

وجرى التصويت داخل أكثر من 5600 صندوق انتخابي في 81 ولاية تركية، وسط مشاركة لافتة من خارج الحزب عبر ما يعرف بـ"صناديق التضامن"، مما منح التصويت طابعا شعبيا يتجاوز الإطار الحزبي، واعتُبر بمثابة استفتاء على قيادة إمام أوغلو ورسالة احتجاج على قرار سجنه.

وبهذا التصويت يكون حزب الشعب الجمهوري قد أطلق فعليا حملته الرئاسية من داخل أروقة القضاء والسجون، واضعا إمام أوغلو في قلب المعادلة السياسية قبل 3 سنوات من موعد الانتخابات المقررة في 2028، وسط جدل دستوري محتدم بشأن ما إذا كان يحق للرئيس رجب طيب أردوغان الترشح لولاية ثالثة، وما إذا كانت البلاد تتجه نحو انتخابات مبكرة أو تعديل دستوري يعيد رسم ملامح المشهد السياسي برمّته.

مجموعة من الناخبين من أمام مقر حزب الشعب الجمهوري في أنقرة (مواقع التواصل) دعوة من السجن

وتأتي الانتخابات في سياق سياسي استثنائي، إذ قضت محكمة الصلح الجزائية في إسطنبول اليوم الأحد بسجن رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو على خلفية تحقيقات في قضايا فساد تتعلق بعمل البلدية، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة من أنصاره ومن قطاعات واسعة من المعارضة، التي ترى في القضية "توظيفا سياسيا لإقصائه من المشهد الانتخابي".

إعلان

وواجه إمام أوغلو سيلا من الاتهامات التي وُجهت إليه على مدى الأيام الأربعة الماضية، خضع خلالها لتحقيقات مكثفة بتهم تتعلق بالفساد المالي وتقديم دعم غير مباشر لمنظمات تُصنف على قوائم الإرهاب في تركيا، غير أن المحكمة اعتبرت أن "الاحتجاز على ذمة المحاكمة بسبب هذه التهم لا يُعد ضروريا في هذه المرحلة نظرا لأنه محتجز أصلا في قضايا مالية".

وأصدرت وزارة الداخلية التركية قرارا بإبعاد إمام أوغلو عن مهامه بشكل مؤقت ضمن إطار التحقيقات الجارية بحقه.

وفي تحد لقرار اعتقاله، دعا إمام أوغلو أنصاره إلى التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع في التصويت التمهيدي لحزبه للتعبير عن غضبهم مما وصفها بـ"محاولة تكميم إرادة الناخبين عبر القضاء".

زوجة وابن أكرم إمام أوغلو يشاركان في الانتخابات التمهيدية (مواقع التواصل) رهان مزدوج

يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن حزب الشعب الجمهوري يسعى من خلال ترشيح أكرم إمام أوغلو إلى الضغط على الحكومة وتعزيز رواية الاضطهاد السياسي، مشيرا إلى أن هذا التوجّه كان قائما قبل اعتقاله أيضا، إذ "هندس إمام أوغلو تحوّلات داخل الحزب لإضعاف أي منافس محتمل على ورقة الترشح للرئاسة".

ويعتبر علوش -في حديث للجزيرة نت- أن القضية تحوّلت إلى صراع وجودي بين أردوغان وخصومه، حيث لا يبدو أن التراجع خيارا لأي طرف، مضيفا "أردوغان يُراهن على ما يراه أدلة قانونية قوية لإدانة إمام أوغلو، وعلى قوة مؤسسات الدولة، والمعارضة تراهن على الشارع نفسه".

ويُلفت إلى أن القضية تأتي ضمن سياق أوسع لإعادة تشكيل السياسة الداخلية والتأثيرات الخارجية عليها، موضحا أن أردوغان نجح في تفكيك جبهة المعارضة من خلال استقطاب الشارع الكردي، إلى جانب "تفريغ حالة المعارضة القومية من مضمونها".

كما يرى أن نقطة قوة حزب الشعب الجمهوري تكمن في تقديم القضية باعتبارها اضطهادا سياسيا، مستفيدا من الغضب الشعبي على الأوضاع الاقتصادية، لكنه يرى أن الرئيس أردوغان لا يزال يحتفظ بعوامل قوة كثيرة، موضحا أن "السلطة لا تزال قادرة على دفع المعارضة إلى اللعب وفق قواعدها".

إعلان

ويختم علوش بأن هيمنة المعارضة على البلديات تحولت إلى عبء بسبب ضعف أدائها من جهة، وقدرة السلطة على محاصرة تجربتها وتقويضها من جهة أخرى.

أوغلو دعا أنصاره إلى التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع في التصويت التمهيدي لحزبه (مواقع التواصل) شبهات انتخابية

وبحسب وسائل إعلام مقربة من الحكومة، كشفت وثائق تحقيقات رسمية عن شبهات تفاهمات مالية وانتخابية جرت خلف الكواليس بين حزب الشعب الجمهوري وحزب المساواة الشعبية والديمقراطية خلال الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/آذار 2024، في إطار ما عُرف حينها بـ"الاتفاق الحضري".

ووفق ما ورد في ملفات التحقيق، يُشتبه بأن إمام أوغلو أشرف على تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى جهات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، مقابل انسحاب باشاك دميرطاش -زوجة الزعيم الكردي المعتقل- من الترشح لرئاسة بلدية إسطنبول لصالح إمام أوغلو، بعد اجتماع عُقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، حضره نواب من الحزب ومسؤولون على صلة بالحزب، وبعلم ودعم مالي مباشر من إمام أوغلو، بحسب ما ورد في التحقيقات.

وبعد هذا الاجتماع تم تحويل 20 مليون دولار عبر عملات مشفّرة إلى "محفظة باردة"، وهو التحويل الذي يقال إنه نُظم بإشراف مباشر من رئيس بلدية شيشلي رسول إمراه شاهين، الذي ظهر لاحقا في لقاء سري مع قيادي سابق في الحزب في أحد فنادق إسطنبول المطلة على مضيق البوسفور.

وخلال اللقاء، سُلمت مبالغ مالية كبيرة نقدا على شكل "رسوم إقناع"، دون علم رسمي من قيادة حزب المساواة الشعبية والديمقراطية.

تم التصويت داخل أكثر من 5600 صندوق انتخابي في 81 ولاية تركية (مواقع التواصل) نتائج التحقيقات

وتشير التحقيقات إلى أن تلك التفاهمات توسعت لاحقا لتشمل مطالب سياسية ومكاسب إدارية تمثلت في منح مناصب حساسة لعناصر محسوبة على التنظيم، من بينها نائب الأمين العام لبلدية إسطنبول، ومواقع داخل بلديات المناطق الكبرى، أبرزها بلدية اسنيورت، حيث تم توقيف 18 شخصا على الأقل ممن يشتبه في ارتباطهم المباشر بالتنظيم.

إعلان

وبحسب الوثائق، فإن إمام أوغلو لعب دورا محوريا في تمويل تلك التفاهمات واتخاذ قراراتها، رغم ما أشيع عن تذمّره لاحقا من تصرفات بعض الأطراف المشاركة، وتهديده بقطع العلاقة معهم بعد الانتخابات.

وفي السياق، يرى الباحث في الشأن التركي عمر أفشار أن مصير ترشح إمام أوغلو للرئاسة يبقى مرتبطا بسير التحقيقات والقرارات القضائية التي ستصدر لاحقا، لكنه يؤكد أن المشهد لا يمكن قراءته من زاوية قانونية صرفة.

ويشير أفشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الحديث عن إمكان استبعاده من السباق الانتخابي يظل سابقا لأوانه، ما لم تُصدر المحاكم قرارا نهائيا مانعا، إلا أن الأهم -في تقديره- كيف ستنعكس هذه التطورات على المشهد السياسي، وعلى توازنات القوى داخل المعارضة وخارجها.

ويخلص إلى أن استمرار الجدل بشأن هذه الاتهامات -في هذا التوقيت تحديدا- سيُضيف تعقيدات إلى السباق الرئاسي، سواء بقي إمام أوغلو مرشحا فعليا أم أصبح مجرد نقطة ارتكاز في معركة سياسية أوسع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان حزب الشعب الجمهوری بلدیة إسطنبول مواقع التواصل رئیس بلدیة إمام أوغلو إلى أن

إقرأ أيضاً:

إبراهيم نصر الله.. مرشح فلسطيني يتحدى عمالقة الأدب على درب «نوبل»

أعلنت جائزة “نيوستاد” الأميركية المرموقة، والمخصصة للإبداع الأدبي، عن قائمتها القصيرة للعام الحالي، والتي ضمت تسعة مرشحين من أنحاء العالم، من بينهم الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله (1954)، كمرشّح عربي وحيد في القائمة، التي تُعرف بأنها إحدى أبرز الجوائز الأدبية على مستوى العالم وتُلقّب بـ”نوبل الأميركية”.

نصر الله، المولود في عمان لأسرة فلسطينية هجّرتها إسرائيل من قرية البريج خلال نكبة 1948، نشأ وتعلّم في مدارس وكالة الغوث داخل مخيم الوحدات، قبل أن يحصل على دبلوم في التربية وعلم النفس، ويُعرف بمسيرته الأدبية الحافلة التي تضع المأساة الفلسطينية في قلب السرد الإنساني والأدبي.

رُشّح نصر الله عن روايته “زمن الخيول البيضاء”، وهي عمل ملحمي أشبه بـ”الإلياذة الفلسطينية”، توثّق عبر سيرة ثلاثة أجيال في قرية فلسطينية مسار التحولات التاريخية الكبرى، من العهد العثماني إلى الانتداب البريطاني، وصولاً إلى النكبة، مجسّداً من خلالها مأساة شعب ونضاله في وجه الاستعمار والاقتلاع.

وكتب نصر الله على صفحته في فيسبوك: “أن تُنافس رواية زمن الخيول البيضاء على جائزة نيوستاد، التي توصف بأنها نوبل الأميركية، فهذا يقول الكثير عن تمكّن الأدب الفلسطيني من تمثيل سرديته الوطنية، وقدرته على تخطّي الأطر التي تحكم عادةً الجوائز الكبرى”.

من جهته، قال روبرت أونديانو، المدير التنفيذي لمجلة World Literature Today، الجهة الراعية للجائزة: “نعيش في زمن عصيب، وجائزة نيوستاد التي تكرّم أفضل كتّاب العالم، تمثل منارة أمل للمسيرة الإنسانية”.

وأضاف: “الأدب يعزز قدرتنا على إدراك هويتنا وما يمكن أن نُصبح عليه، ويعكس عمل لجنة التحكيم عاماً بعد عام أهمية الأدب المستمرة في حياتنا”.

هذا وتضم قائمة المرشحين مع نصر الله كلاً من: يوري أندروخوفيتش (أوكرانيا)، إليف باتومان (الولايات المتحدة)، مي-مي بيرسنبروغ (الولايات المتحدة)، روبرت أولين باتلر (الولايات المتحدة)، صافية الحلو (السودان/الولايات المتحدة)، ماتياس إينار (فرنسا)، يوكو تاودا (اليابان)، جيسمين وارد (الولايات المتحدة).

وسبق أن فاز بالجائزة كتاب كبار مثل: غابرييل غارسيا ماركيز، تشيسواف ميلوش، توماس ترانسترومر، آسيا جبار، ونور الدين فرح، ما يعكس المكانة الرفيعة للجائزة ضمن المشهد الأدبي العالمي.

في رصيد إبراهيم نصر الله أكثر من 20 رواية، وسلسلة من الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة، إلى جانب ما يقارب 20 مجموعة شعرية، كان أحدثها “مريم غزة” (2024)، في استمرار لمشروعه الإبداعي الذي يوثّق المعاناة ويؤكد الحق الفلسطيني من خلال الأدب.

آخر تحديث: 16 يونيو 2025 - 13:21

مقالات مشابهة

  • عاصفة انتقادات من المعارضة للجنة الانتخابات الجديدة بغينيا
  • غول العمالة
  • الصومال ومتلازمة الانتخابات.. تصاعد الخلافات وتزاحم الأزمات
  • محاكمة إمام أوغلو بتهمة ترهيب المدعي العام في إسطنبول
  • النيابة العامة تطالب بسجن عمدة إسطنبول 7 سنوات
  • إبراهيم نصر الله.. مرشح فلسطيني يتحدى عمالقة الأدب على درب «نوبل»
  • إمام أوغلو أمام القضاء ومطالبات بحظره سياسيًا
  • جثة مقطعة وشرطي منتحر.. تفاصيل جريمة مرعبة تهز إسطنبول
  • هل ينجح أردوغان في إيقاف تراجع شعبيته قبل الانتخابات؟
  • هدف علوان مرشح لأجمل تصفيات آسيا 2026