جمال أحمد حمد إزيرق: في عيد الأم
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
جمال أحمد حمد إزيرق: في عيد الأم
ود شيخنا إبراهيم: تمر أيام وتتعدى
عبد الله علي إبراهيم
في عزاء الأستاذ عمار محمد آدم في زوجته، رحمها الله، لقيت شيخنا ود إبراهيم لأول مرة. وهو اسم في الصُلاح ملء سمع بلدة الأراك ونواحيها. وأبعد. وما عرفوني به حتى قلت له:
- كان أمي جمال أحمد حمد إزيرق جاتك . . .
ولم يتركني أكمل سؤالي فقال:
- بلحيل.
والحكاية أن أمي، وهي شديدة الاعتقاد في آل ود إبراهيم لصلاحهم وقرابتهم وختميتهم الواضحة، أرقها طول غيابي في بطن العمل السري الشيوعي الذي استمر منذ 1973 إلى 1978. وسعت للإطمئنان عليّ من جهتين. جاءتني يوماً وأنا في "الغميلة ديك" بين الشيوعيين بكتاب "الحصن الحصين" من بركة قريبنا سر الفتوح الذي يجمع بين التربية الروحية وإصلاح الدراجات. أظن. واحتفظت به طويلاًً لبركة الكتاب الصغير وبراً بالوالدة وللمسة البروليتاريا عليه.
من جهة أخرى زارت أمي شيخنا ود إبراهيم. ورأيته في المأتم رجلاً "قليَّلاً" تنحدر وجنتاه القديمتان المهذبتان بقوة في حنكين التقيا في زواية حادة. وطوق حيوية وجهه بلياقة الختمية لا مفر. شَبَه خالي المرحوم عطا عبد المولي. والخال مَثَل أمي الأعلى في "كيف تعيش كختمي لا غير". وبدا لي من لقاء شيخنا أنه طمأن الوالدة على أنني سأخرج من الغميلة وسيكون كل شيء OK.
لم يتطرق شيخنا في حديثنا في بيت البكاء لتعريفه للشيوعيين الذي حفظته أمي عنه وأطلعتني عليه في لقاء لنا في الغميلة الشيوعية. قالت إنها سألته عما يريده الشيوعيون من أمثالي. ويبدو أنني حيرتها وقطعت قلبها. فقال لها إنهم يريدونها "معلقة كدي لا ترتاح ولا تريح". ولا أعرف تعريفاً للمثقف (والثوري بوجه خاص) أبلغ من تعريف ود شيخنا أو أدق. فقد سبقه الفارابي ليقول إن المثقف ذبابة خيل لا تكف عن اللسع. واستفدت هذا التعريف للفارابي عن المرحوم التجاني الماحي. كما أن أوسع التعريفات عن المثقف شيوعاً في أمريكا هو أنه الذي يزلزل السلطان (سلطان الدولة أو العائلة أو الحزب أو النقابة المهنية وهلمجرا) بالأسئلة طلباً للحق. فالولاء في مضمار المعرفة هو للمسألة لا للحلول. أليس هذا هو تعريف ود شيخنا الخالق الناطق: عاوزنها معلقة لا ترتاح لا تريح؟
يعجبني في المثقف التقليدي مثل شيخنا الفضل. فمهنتهم هي الاستماع الجليل لما يؤرق "زبائنهم". يسمعون بلا كلل ولهم عبارة مطمئنة لكل مشتك. وجلال الاستماع فريضة غائبة في المثقف الحديث. فما أن تبدأ بالشكوى لطبيب عن علتك حتى قاطعك بقوله: "افتح خشمك. قول عاع". يظن أن رواية المرض زائدة لا معنى لها.
لما عدت من غملتي بين الشيوعيين في 1978 وجدت أمي ترتاح إلى إغنيتين. فمتى غنى الراديو من الحقيبة: "ماتقول ضعت من إهمالي أنا عامل الحزم رأسمالي" استمعت ثم رددت هذا المقطع من الإغنية بالذات بعد نهايتها قائلة: "والله صح!". وكانت إمرأة حازمة ولكن الدنيا ما بتدي حريف. أما الأغنية الثانية فلزيدان وهي "تمر أيام وتتعدى ونقعد نحسب المدة". وكانت تنبهني للأغنية متى جاءت في الراديو. وبدا لي انها جذلى بعودتي بعد أيام تعدت وحسبت مدتها.
ودعت ود شيخنا ولم اسمعه يدعوني لحضور إنشاد البراق الختمي على روح المرحومة. ونبهني من معي للدعوة. فجلست. وكنت أفكر متى يكون للمثقف الحديث مقبضاً على طقوس مثل تلك التي تتنزل على يد ود شيخنا عذباً سلسبيلا في يوم حزين؟
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
خلاف ورثة يفجّر أغرب معادلة نسب: الأب إيراني والأم إيرانية.. والابن كويتي؟
صورة تعبيرية (منصات تواصل)
قضية غريبة تفجّرت في الكويت بعدما كشف خلاف بين الورثة عن واحدة من أغرب حالات تزوير الجنسية في تاريخ البلاد: الأب إيراني، الأم إيرانية، لكن الابن... كويتي على الورق فقط.
الواقعة تعود إلى عام 1986، حين أقدمت سيدة إيرانية على إدخال ابنها من زواج سابق إلى ملف جنسية زوجها الكويتي الجديد، مستغلة ثغرة في النظام. وبهذا التزوير، أصبح الشاب – المولود في إيران – كويتيًا رسميًا، التحق بالمدارس والجامعات، ثم عمل كـ"كابتن طيار"، دون أن يُشكّك أحد في نسبه.
اقرأ أيضاً ترمس الشاي يُرسل رجلًا إلى المقبرة.. بسبب هذا الخطأ 20 يونيو، 2025 نار طهران تصل الشمال الإسرائيلي: تل أبيب تكشف عن حصيلة ضحايا قصف اليوم 20 يونيو، 2025لكن بعد وفاة الزوج الكويتي، تصاعدت الخلافات بين الأبناء، ما دفع البعض للتشكيك في هوية الأخ غير الشقيق. فتم اللجوء إلى فحص DNA، وكانت الصدمة: الابن لا يمت بصلة للوالد المتوفى، بل هو أخ من الأم فقط!
المحكمة حكمت عليه بالسجن 7 سنوات بعد ثبوت علمه بالتزوير، وتجديده الوثائق على أساس بيانات مزورة. لكنه فرّ إلى إيران قبل النطق بالحكم، الذي صدر غيابيًا.
وتبيّن لاحقًا أن ثلاثة أشخاص أُدرجوا ضمن ملف الجنسية نفسه بنفس الطريقة.