تحاول هذه الورقة الاقتراب من العلاقات التاريخية بين عُمان والهند عبر ثلاثة مكونات: أولها الطبيعة الجغرافية وطبيعة المياه المشتركة التي تؤهل لتلك العلاقات؛ بينما يتمثل المكون الثاني في التباين الإنساني والإقليمي الذي كان علة تحريك الاقتصادات القديمة والحديثة؛ وأخيرا طبيعة الثقافة والعقيدة السياسية لسلطة الدولة وسمات المجتمع العماني؛ مما أتاح المزيد من الانفتاح على الآخر والبحث عن فرض التبادل للفائض من الإنتاج.

تقترن السياسة أبدا بالمصلحة؛ وإدارة المصلحة تتكئ على التباين بين المكونات الإنسانية وتشتغل اشتغال «العقيدة السياسية» في المجتمعات المدنية؛ وبحسب ما يرى عبدالإله بلقزيز لا شيء في السياسة غير تحقيق مصلحة أو الدفاع عن مصلحة متحققة؛ كالمحافظة على الإنجازات أو الرغبة في الحصول على منافع مختلفة خلقتها التباينات في الكيانات السياسية المختلفة وفق التنوع الثقافي والجغرافي على مساحة الكرة الأرضية؛ ويشير القرآن إلى مسألة الاختلاف في الثقافات ومن بينها اللغات، والقدرات والمهارات؛ وما يرتبط بها من إنتاج زراعي أو صناعي يبحث عن أسواق التبادل؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿أَهُم یَقسِمُونَ رَحمَتَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَینَهُم مَّعِیشَتَهُم فِی ٱلحَیَوٰةِ ٱلدُّنیَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعض دَرَجَـٰت لِّیَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضا سُخرِیّا وَرَحمَتُ رَبِّكَ خَیر مِّمَّا یَجمَعُونَ﴾؛ فهذا التباين علة التبادل والعلاقات بين المجتمعات الإنسانية - كما يراه المفسرون - هي قِسْمَة تَقْتَضِيها مَشِيئة الله المَبْنِيَّةُ عَلى اَلْحِكَمِ والمَصالِحِ ولَمْ يفَوِّض الله أمْرَها إلى البشر عِلْمًا بِعَجْزِهِمْ عَنْ تَدْبِيرِها بِالكُلِّيَّةِ.

ويرتبط هذا الاختلاف الطبيعي في الأرض بالاختلاف الأيديولوجي أو الثقافي؛ إذ الاقتصاد وحركته علة التباين والمصالح وهما محركا العلاقات الإنسانية بين الحضارات على مر التاريخ؛ كما أنها تفسح المجال إلى فهم الهُويات لتتحول من انغلاقها إلى ديناميتها عبر حالة التثاقف والتبادل؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿وَمِن ءَایَـٰتِهِ خَلقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَـٰفُ أَلسِنَتِكُم وَأَلوَ ٰنِكُم إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰت لِّلعَـٰلِمِینَ﴾، وما تزال الثقافة هي المحرك نحو النمو والرغبة بين المجتمعات وهي سبيل التباين والاختلاف ليكون المدخل الإنساني نحو بناء علاقات تجارية وثقافية مدخلا للاكتشاف والفهم أو التعارف بعيدا عن الانغلاق والتشنج. ولا يمكن للثقافة أن تتحرك أو تنفتح في عزلتها فهي بنية فوقية وفق نظرية كارل ماركس تتأثر بالبنى المادية (= حركة الاقتصاد)؛ وهذا ما جعل القارة الهندية في مجملها تمثل الظهير الاقتصادي والتنموي والحضاري لمنطقة الخليج والجزيرة العربية.

إن هذا الفهم للطبيعة الإنسانية والأقاليم، والاختلاف الثقافي وما بينهما وبين التواصل الحضاري من وشائج ومحفّزات جعلت من الدولة البوسعيدية تدرك أهمية الآخر في بناء الاقتصاد ومتانة الهوية ومرونتها؛ لا سيما في مجال التعددية الدينية؛ واستوعب السلطان قابوس - رحمه الله تعالى وطيب ثراه - هذا البعد الحضاري في بناء عُمان الحديثة باعتبارها دولة المواطنة والمؤسسات، ونجده يشير في مناسبات شتى إلى أهمية اكتشاف الآخر وصداقته، وإلى خطورة الانغلاق والتطرف الفكري أو الديني؛ فقد جعل ذلك من الثوابت السياسية تعزيزا لقيم الحق والعدل ووشائج الأخوة، والصداقة وتوطيد الأمن والسلام لخير الإنسانية. وقد ترجمت هذه العقيدة السياسية في الدستور العماني (= النظام الأساسي للدولة) وهو حالة تعبيرية عن نظام الدولة للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي؛ ويعبر عن ثقافة النظام نفسه بكل مؤسساته، ويستدعي هويته الوطنية والثقافية؛ كما يعبر الدستور عن تلكم العلاقات بين الناس أنفسهم في المجتمعات الدستورية أو المدنية؛ فهو يختزل مبادئ الثقافة السياسية التي تشتغل عليها كل المؤسسات والمنظومات في المجتمع لتطوير نظام قائم على الوعي السياسي، وسلطة القانون، والحريات؛ لذا يوفر النظام الأساسي موانع للمجتمع من أي انزلاق طائفي أو عصبوي عاطب للمنظومة السياسية. إن النهج القائم على حقوق الإنسان نهجٌ يعبر عن الحالة الدستورية والعقد الاجتماعي في دولة ما؛ فالاستدخالات الدستورية النابعة من شرعة الحقوق تتضمن الاعتراف المبدئي بالانتماء إلى الإنسانية باعتبارها هوية كونية وثقافة أساسية لبناء كل اجتماع سياسي، وتبدأ هذه الثقافة الحقوقية في النظام الأساسي من الديباجة التي تمثل أهم الدعائم الحقوقية: العدالة؛ دعائم الحق والأمن؛ مشاركة أبناء الوطن، وتمكينهم من صنع مستقبلهم (= المشاركة السياسية)؛ والحقوق الواجبات، والحريات العامة.

نلاحظ أن العقيدة السياسية العُمانية تقتضي أن تكون الدولة مبنية على منطق المشتركات المدنية أو السياسية؛ فالدولة تجعل العلاقة السياسية مبنية في طرفيها (= السلطة والمواطن) على الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الانتماءات الإثنية أو الثقافية أو الدينية؛ بحيث تكون الدولة صاحب السيادة في توفير الأجواء التي تحمي الاختلاف الديني وحق الاعتقاد؛ الأمر الذي دفع السلطان قابوس -طيب الله ثراه- إلى إنشاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عوض «الشؤون الإسلامية»؛ ليكون من حق الإنسان المواطن والمقيم أن يُحترَمَ في معتقداته ودينه، ومن واجبات الدولة حماية دور العبادة والاختلاف، وهو ما نلاحظه في المرسوم السلطاني رقم (84/ 1997م) بإجراء تعديل في مسميات بعض الوزارات.

إن أجواء التعددية الدينية في تاريخ عمان الحديث سمة للدولة الوطنية الحديثة التي بدأت تباشيرها مع نشأة الدولة البوسعيدية، على الرغم من وجودها في تاريخ عمان الطويل؛ سواء أكانت في سياق الدين الإسلامي من حيث تعددُ مذاهبه؛ أم كانت بين الانتماءات الدينية المختلفة؛ إذ تلفت فاليري هوفمان إلى السمة الحضارية الفارقة وهي العيش المشترك والسلم الاجتماعي، وتشير إلى هذه الظاهرة الحضارية في زنجبار إبان حكم السلطان ماجد بن سعيد بن سلطان (1856- 1870م) الذي كان يشجع الأجواء النقدية بين النزعات الدينية بطرق علمية دون وجود نزعات طائفية حتى لو تعلق النقد بمذهبه، والأمر نفسه حدث بشأن رعايا الدولة من التجار الهنود في ولاية المصنعة الذين تأثروا بالحروب الداخلية أو حركات التمرد على الدولة إذ أشار صاحب الجلالة السلطان تيمور بن فيصل (1886- 1965م) إلى واجبه في حفظ مصالح التجار وأمنهم لتحقيق المصالح المشتركة.

(2)

إن الارتباط الحضاري بين المكونات الإنسانية لا يخضع لمجرد التبادل التجاري ولغة المصالح وإن كان ذلك من أسبابه الطبيعية؛ لعلل التباين في الإنتاج والعرض والطلب والتباينات الجغرافية؛ وإنما تخضع العلاقات لمنطق الثقافة؛ لذلك نشأت الدراسات الهندية في التراث الإسلامي على يد أبي الريحان البيروني في «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة»؛ إذ رأى أن التباين الحضاري بين التراث الإسلامي والهندي لا بد أن يتكئ على منطق الموضوعية والوصف دونما ميل أو انحياز، وقد تتحول منتجات طبيعية تأتي من خارج الحدود الجغرافية إلى جزء من ثقافة المنطقة العربية كالقهوة والأرز ناهيك عن الأزياء وقطع النسيج والأخشاب؛ مما يزيد من حجم التواصل والارتباط بين المنطقة العربية والقارة الهندية، وهذا ما يفسّر العلاقة بين البنى الفوقية والتحتية في الحركة الاجتماعية والحضارية.

يصف ابن بطوطة مدينة قلهات العمانية التي زارها في فترة سابقة بأنها على الساحل، وهي حسنة الأسواق ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشاني. وأنه أكل بهذه المدينة سمكا لم يأكل مثله في إقليم من الأقاليم، وهم «يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه، والأرز يجلب إليهم من أرض الهند وهم أهل تجارة ومعيشتهم مما يأتي إليهم في البحر الهندي»؛ مما يجعلنا نضع هذه العادات الثقافية المرتبطة بالتجارة والمصالح وفنون الطعام مدخلا لفهم الهُوية من حيث هي خصوصية شعب من الشعوب؛ لفهم وحدة الإقليم وفق تعبير ولكنسون عبر سمتين هما التناسق، والتكامل؛ إذ يساعد التشابه الثقافي والاجتماعي المرتبط بالخصوصية الطبيعية والتجانس الاقتصادي على تفسير منطقة ما بصفات تختلف عن الأخرى، ويأتي جزء من هذه الوحدة نتيجة التنوع في القاعدة العريضة للمصدر؛ بحيث تعتمد بعض المدن على بعض بسبب دورة المنتجات الزراعية؛ مما يساعد على صياغة الهوية السياسية. ويضيف ولكنسون أنه لا يمكن لأي إقليم أن يبقى منعزلا تماما؛ مما يفتح المجال للمقايضات مع العالم الخارجي؛ بما أن المنطقة (= عُمان) على درجة عالية من الإنتاج الزراعي؛ ليأتي دور الوسطاء (= التجار الهنود) في عمان لممارسة دورين في تبادل السلع والمنتجات؛ كان الدور الأول يتمثل في استلام المنتجات الزراعية وإعادة تصديرها؛ وتمثل الثاني في استجلاب منتجات أصبحت جزءا من الثقافة العربية وإعادة توزيعها؛ وهو ما جعل هذا الدور جزءا أصيلا من سمات الإقليم ووحدته؛ وهذا ما يجعل الباحثين يعتقدون بعراقة الصلات الحضارية بين الهند والمنطقة العربية عموما وبينها وبين عمان على وجه خاص؛ إذ يصفها رضوان الرحمن بأنها صلات استمرت منذ قرون، ولم تكن مبنية على الاقتصاد فحسب؛ بل كانت مبنية على ارتباطات حضارية بسبب سيادة الأمن والاستقرار في المنطقتين؛ مما أسهم في بناء ما يسمّيه بـ«الثقافة الساحلية»؛ إذ كان العمانيون يمثلون دور «الوسيط التجاري بين موانئ الخليج والجزيرة العربية، وموانئ المحيط الهندي، وموانئ البحر الأحمر»، وهي علاقات امتدت زمنا ووردت في مصادر كلاسيكية قديمة كالنصوص السومرية. ويضيف أن الهند من أكثر المناطق التي ارتادها العمانيون بسبب الرياح الموسمية في تسيير الرحلات الحرية؛ فالهند بالنسبة إلى العمانيين هي «السوق المفتوحة» يصدرون إليها «اللؤلؤ، والخيول العربية، واللبان، والتمور، والليمون» ويستوردون «الأخشاب، والصندل، والعود، والمسك، والعنبر، والعاج، والتوابل، والأحجار الكريمة»، وتحولت هذه السلع التي قد لا تنتجها المناطق العربية إلى جزء من ثقافة المنطقة وهويتها بفعل هؤلاء التجار البحارة العمانيين الذين فهموا طبيعة البحر والمناخ وأحوال الطقس، ولم يقتصر دورهم على التبادل التجاري وإنما تجاوز إلى الأدوار الثقافية والحضارية بسبب الاستيطان والهجرات القديمة إلى الهند؛ مما يجعل التواصل الحضاري بين عمان وجهورية الهند تواصلا حضاريا عريقا يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني. ويؤكد ولكنسون نظام التبادل الاقتصادي الحضاري في عمان الذي نشأ من الألفية الخامسة إلى الرابعة قبل الميلاد بفضل نظام التقايض الذي ربط بين الشعوب؛ لا سيما ما يسميه الإغريق بحضارة «آكلي الأسماك» التي سبقت حضارة الهند، وهو مجتمع تنوعَ ليصبح مجتمعا زراعيا يسجل حضوره القوي في التجارة البحرية.

(3)

يشير مقدام الفياض إلى التداخل بين المياه العربية والمحيط الهندي الذي مكَّن الانفتاح مندفعا بحركة المصالح التجارية؛ لا سيما وأن الهند تتسم بموارد طبيعية وفيرة، ومصادر غنية، وإمكانات عالية قادرة على تصدير الفائض من منتجاتها ورؤوس أموالها، ونقل خبرة أبنائها ومهرتها من العمال إلى مختلف الأقطار، وكانت عُمان من أبرز هذه المحطات لأسباب إقليمية وسياسية أو ثقافية جاذبة؛ حتى أطلقت بعض المصادر اللاتينية على هذه المناطق «تخوم الهند» بسبب الامتزاج البشري والثقافي، وهذا ما يجعلنا نحاول الاقتراب من ظاهرة هجرة الشعوب الهندية إلى هذه التخوم. على أننا سنشتبك مع دراسة عُمانية أخرى كانت أطروحة دكتوراه مهمة في جامعة السلطان قابوس للباحث إسماعيل بن أحمد وإذا كان الفياض يجد صعوبة بالغة في تحديد أول تاجر هندي قرر الاستقرار في عمان؛ ليكون نواة في تشكيل الجاليات الهندية التجارية على السواحل العمانية؛ فإن الزدجالي حاول تقديم قوائم تتسم بالدقة إلى درجة كبيرة لحصر الأسر الهندية التي امتهنت التجارة في المنطقة في فترة الدراسة؛ بيد أن العودة إلى ابن بطوطة تجعلنا نعتقد بوجاهة إشارة الفياض بوجود مستوطنة هندية في قلهات تشير إليها بعض اللقى الأثرية كوجود بقايا معبد هندوسي في قلهات يجعل التعددية الدينية في عمان حالة ثقافية تتسم بالثبات في تاريخها، وكانت قلهات هي الميناء العماني الرئيس في حقبة الاحتلال البرتغالي (1507م- 1650م). وتعزو بعض الدراسات استقرار التجار الهنود في عمان إلى ميزة التسامح التي عرف بها سلاطين الدولة البوسعيدية، ومعاملاتهم الحسنة لهم؛ مما شكل حافزا قويا للهجرة إليها منذ نهاية القرن الثامن عشر؛ ليكونوا الفئة التجارية الأولى، ووصلت سلطتهم إلى زنجبار وجوادر، وعاش هؤلاء التجار وبجميع أعراقهم وانتماءاتهم الدينية حياة مستقرة في ظل حكم غير متعصب دينيا أو عرقيا، يعاملهم باحترام، ويمنحهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية والمكانة الاجتماعية اللائقة، ويوفر المناخ الاجتماعي المشجع على التعايش بين شتى المذاهب والأعراق؛ مما أدى إلى حالة اقتصادية مستقرة ما تزال تتسم بالاستمرار.

على أن الهجرات من القارة الهندية لم تقتصر على مجرد ممارسة التجارة وامتهانها، وإنما للبحث عن حيوات هادئة لممارسة التدين، والحفاظ على الهويات الدينية التي سرعان ما وجدت طريقها إلى هوية دينامية تأخذ من ثقافة المنطقة والاندماج في معطياتها التاريخية الخاصة؛ فكانت الهجرات الهندية من المسلمين ومن غيرهم قرارا نابعا من إرادة هذه الجاليات ورغبتها في البحث عن ملاذات آمنة؛ «واشتهر عن البانيان أنهم كانوا يحيون حياة الثراء والبحبوحة، وامتلاكهم قاعدة اقتصادية متينة في وطنهم الأم (= الهند) بسبب نجاحهم في مجال التجارة، وما لاقوه من روح التسامح والمعاملة الإنسانية العربية المعهودة مع الجاليات الأجنبية (= المسلمة وغيرها)، بما في ذلك السماح لهم بإنشاء دور عبادتهم وإيداع الأبقار فيها، وحرق موتاهم، وإقامة المدارس الخاصة بهم، وحرية عملهم في مختلف المجالات، والتصرف بالفائض المالي بإرساله كله أو بعضه إلى مواطنيهم، وظلوا محتفظين بلغتهم الأم، وعاداتهم ولباسهم، ولم يشهدوا في تاريخهم أية محاولة لإجبارهم على الاندماج مع غيرهم».

يؤصّل الباحث العماني الحصيف بدر العبري مسألة التسامح أو التعددية الدينية في عمان الماضي والحاضر؛ لتكون جزءا من الثقافة الدينية في مدونات الفقهاء العمانيين من الإباضية وغيرهم، ويرى بأنها حالة اجتماعية راسخة في نصوص الفقه والممارسات اليومية سواء أكانت بين المذاهب الإسلامية وأتباعها أم كانت بين المسلمين وبقية الناس من أتباع الديانات الأخرى، ولا يعني ذلك خلو الأوضاع الاجتماعية أحيانا من بعض الممارسات التي لا تنتمي إلى الثقافة الدينية الأصيلة، ولكنها تخالف القاعدة التي أصبحت جزءا من ثقافة المجتمع وممارساته؛ فـ«التسامح الفقهي مع اليهود والنصارى والمجوس والبانيان، والذين شاركوا العمانيين ردحا من الزمن في وطنهم، وشاركوهم في معاملاتهم» هو السمة البارزة لهذا المجتمع وسلطاته المتعاقبة، والشأن نفسه في الفقه السني، والشيعي.

(4)

تقتضي إدارة التبادل التجاري النابع من التباين الإنساني والطبيعي بين الأقاليم وجود ثقافة قادرة على توفير الأجواء الكفيلة بتوفير مناخات لهذه الجاليات الراغبة في استيطان المنطقة وإدارة تجارتها؛ وهذا ما يبرز أهمية «العقيدة السياسية» بوصفها أيديولوجيا الدولة البوسعيدية المؤمنة بالبعد الإنساني وأهميته في إدارة الحضارة والتنمية؛ مما شجع هجرة التجار الهنود إلى عمان في فترات تاريخية طويلة ولكننا نلاحظ وجود قوائم لأسر هندية في الفترة (1744- 1970م) استقرت في سلطنة عمان بسبب البعد الإنساني وإيمان السلطة به؛ إذ يقدم إسماعيل الزدجالي أسماء هذه الأسرة ويمهد نظريا للعوامل والدوافع الداخلية والخارجية التي جعلت من التجار الهنود يرون عُمان الإقليم المناسب لاستيعاب الحركة التجارية ودور الوساطة فيها. وعندما نعود إلى ظروف الاستقرار في المنطقة؛ فإننا نلاحظ أنها عوامل مبنية وفق الرؤية السياسية التي أصبحت عقيدة الدولة، وثقافة بنيوية للسلاطين منذ المؤسس الإمام أحمد بن سعيد (1744- 1783م) فقد أعطى للتجار البانيان تصريحا لإقامة ثلاثة معابد في مسقط؛ فالاهتمام بالبنى الاقتصادية أهم السمات البنيوية التي ميزت الدولة البوسعيدية، وهو أمر لا يعود إلى إدارة المصلحة الاقتصادية والسياسية فحسب، وإنما يرجع إلى طبيعة السمة الثقافية لسلاطين الدولة، كما يحدد العبري العامل الاجتماعي الدافع إلى توفير الظروف الحماية للتجارة؛ ومردُّ هذا العامل إلى طبيعة الثقافة السائدة في الأوساط الاجتماعية؛ مما دفع الهندوس (= البانيان) عدم الاكتفاء بالاستقرار وإنما الاندفاع إلى التعايش والاندماج الثقافي أحيانا مع المحيط. وسجّل الإنجليز في يومياتهم هذه السمات في عمان، ومن بين هؤلاء المبشّر المسيحي الإنجليزي وليام بالجريف بأنهم يتسمون بالتسامح مع كل الأجناس والديانات والعادات بغض النظر عن الانتماء الديني، وهذا قلّما يوجد في بقاع الأرض؛ مما جعل التجار الهنود يجدون أنفسهم يعيشون بحرية في عمان بوصفها «الموطن الثاني» لهم؛ ليمارسوا عباداتهم، ويقيموا شعائرهم الجنائزية، وهي سماتٌ تجعل من عمان منطقة إنسانية واسعة الإطار والبعد الحضاري، وتجعل من الهوية الوطنية حالة دينامية على درجة عالية من المتانة.

لم يكن التاجر الهندي مجرد «بائع» في البيئة العمانية أو وسيط تجاري كما يشير الزدجالي وإنما ولد فيه انتماء عميق لعمان نلاحظه في شخصية رام شاندرا رادجي R. C. Raadji فقد اقترح على الإمام سعيد بن أحمد الانتقال إلى مسقط؛ ولعل ذلك كان وراء انتقال ابنه حمد بن سعيد عام (1789م) وكان ذلك سببا لازدهار النشاط التجاري البحري وحقق الأرباح إلى خزينة الدولة؛ ولم يكتف التجار الهنود على تشجيع الحكام على إدارة التجارة؛ وإنما يسهم التاجر الهندي في إدارة الموارد المالية فقد استحدث موجي بهيماني M. Bahimani وابنه غوبالجي Gjobalgi نظام الجمارك في عهد السيد سلطان بن أحمد (1792- 1804م). وتكشف عراقة الأسر الهندية في سلطنة عمان عن طبيعة الثقافة السياسية والاجتماعية، وإيمان «السلطان العماني» دائما بعمق الإنسانية والتعددية، وحضور الاقتصاد بوصفه محركا للعلاقات بين الشعوب بكل أطيافها؛ إذ نلاحظ تأسيس شركات تجارية عائلية مطلع القرن السابع الميلادي واستمرارها في عهد الدولة البوسعيدية وبقائها إلى هذا التاريخ مثل شركة أسرة دانجي موراجي شبيكة D. M. Shabika في (1600م) وشركة نارينداس براجي فلابداس N. P. Vallaphdas في (1650م)؛ مما شجع المزيد من العلاقات الهندية العمانية التجارية بموجب الاتفاقيات وأسلوب إدارة الدولة لها. وحصر الزدجالي مجموعة من الأسر الهندية التي استقرت في عمان خلال الفترة التي حددها في دراسته (1744- 1970م) وإن كانت بعض هذه الأسر وصلت عمان قبل هذا التاريخ المحدد مثل أسرة شبيكة، والتي بلغت (12) أسرة كان لها الدور الكبير في تأسيس مؤسسات تجارية ودفع الحركة التنموية في البلاد وتشجيع الهجرات التجارية، كما كان لها الدور الكبير تصدير السلع العمانية مثل التمور والليمون الجاف إلى الهند؛ لتعود السفن إلى عمان بالمواد الغذائية والبهارات والحبوب والأخشاب والأقمشة.

سعود بن عبدالله الزدجالي كاتب وباحث عماني

ألقيت هذه الورقة في العاصمة الهندية نيودلهي في ذكرى الـ(70) عاما على العلاقات التاريخية بين سلطنة عمان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدولة البوسعیدیة الدینیة فی من ثقافة فی عمان وهذا ما

إقرأ أيضاً:

تربويون لـ"الرؤية": رقمنة المناهج التعليمية "ضرورة حتمية" لتفادي التخلف الحضاري

 

 

 

◄ الحامدي: الأتمتة الرقمية تفتح آفاقاً جديدة للتعلم التفاعلي

◄ العجمية: المحتوى الرقمي يحفز الطلبة على التعلم ويحسن مستوى التحصيل الدراسي

◄ العلوي: الوقت أصبح ملائما لانطلاق مشروع رقمنة المناهج

◄ البلوشية: رقمنة المناهج تحتاج إلى دراسة شاملة تراعي جميع الأبعاد والأطراف

◄ أولياء الأمور يتخوّفون من تعلق الطلبة بالأجهزة الإلكترونية وفقدان المهارات الأساسية

 

الرؤية- ريم الحامدية

أكد تربويون وإداريون وخبراء في الميدان التربوي أنَّ التوجه نحو رقمنة المناهج التعليمية بات ضرورة حتمية تفرضها متغيرات العصر الرقمي، وتطورات التكنولوجيا المتسارعة، وانخراط العالم في أنظمة تعليمية مرنة وذكية، مشيرين إلى أن سلطنة عُمان تمتلك الإرادة والرؤية الواضحة للمضي قُدمًا نحو هذا التحول بما يتماشى مع أهداف رؤية عمان 2040.

وفي الوقت الذي أبدى فيه المشاركون تأييدهم لهذا التوجه بوصفه خطوة مهمة لتحسين جودة التعليم وتوسيع آفاق التعلم التفاعلي، أكدوا- في تصريحات لـ"الرؤية"- أهمية تنفيذ المشروع بطريقة متدرجة ومدروسة تراعي الجوانب الفنية والاقتصادية والاجتماعية، مع توفير البنية التحتية اللازمة، وتأهيل المعلمين، وتوعية أولياء الأمور، وصولًا إلى بيئة تعليمية رقمية آمنة وشاملة.

وقال الدكتور سالم الحامدي مدير مدرسة علي بن أبي طالب للتعليم الأساسي، إن التوجه نحو رقمنة المناهج التعليمية يُعد ضرورة تفرضها معطيات العصر الرقمي والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، التي تتسارع بخطى كبيرة في المجتمعات الذكية. وأشار إلى أنَّ المعرفة لم تعد حبيسة الورق، بل أصبحت تياراً يعبر الألياف الضوئية ويستوطن الشاشات التفاعلية الذكية.


 

وأوضح أنَّ الأتمتة الرقمية تمثل ثورة معرفية تعيد تشكيل العملية التعليمية وتفتح آفاقاً جديدة للتعلم التفاعلي، حيث تمنح الطالب دوراً فاعلاً في الفهم والتحرر من قيود التلقين إلى فضاء العالم التكنو-رقمي، مؤكداً أن الإنسان اليوم قد وصل إلى مرحلة من النضج الرقمي ومعرفة التكنولوجيا، وأن الجيل الرقمي من الطلبة أكثر انفتاحاً على العالم من أي وقت مضى، في ظل توفر الرقميات والتقنيات الحديثة.

وحول التحديات والمخاوف المرتبطة بتحويل المناهج إلى رقمية، أشار الحامدي إلى الفجوة الرقمية التي قد تُحدث مشكلات في العدالة التعليمية بين الطلبة والأسر، نتيجة تفاوت القدرة على الوصول إلى الأجهزة الحاسوبية والتقنيات الذكية والإنترنت، إلى جانب تحديات أخرى مثل تشتت الانتباه، والغياب المتكرر، أو عدم حضور الحصص إلكترونياً، وإساءة الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في الصف، وأمور أخرى تتعلق بالحماية الأمنية الرقمية للمحتوى، وظهور مشتتات كالإعلانات بسبب ضعف حماية خصوصية البيانات، مما يُبرز الحاجة إلى تعزيز الأمن السيبراني.

وأكد الحامدي أنَّ الحلول الممكنة تكمن في تهيئة بيئة تحتية تقنية متينة، وتدريب جميع أطراف العملية التعليمية، بمن فيهم الطلبة وأولياء الأمور، ودمجهم في بيئات التعلم الرقمية. كما شدد على ضرورة تصميم محتويات تفاعلية عالية الجودة تراعي الفروق الفردية، إلى جانب تعزيز الأمن الرقمي، وذلك في الوقت الذي حققت فيه السلطنة تقدماً ملحوظاً، خاصة في المدارس، بفضل جهود وزارة التربية والتعليم.

وشدد الحامدي على أهمية تقديم دعم متكامل للمعلمين وأولياء الأمور قبل تطبيق المناهج الرقمية، مثل التدريب التقني والتربوي على استخدام المنصات التعليمية، وأدوات إدارة الصف الرقمي، إلى جانب دعم فني مُستمر من فنيي الأجهزة التعليمية وفرق الدعم لحل المشكلات اليومية، موضحًا أن هناك حاجة ماسة أيضاً إلى تهيئة نفسية وتربوية للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور لبناء قناعة بأهمية التحول الرقمي وتقبّل التغيير، وتوفير الأدوات التقنية اللازمة، مثل الأجهزة المناسبة وخدمة الإنترنت الجيدة.

وأضاف أن الدعم الموجه لأولياء الأمور يجب أن يتضمن ورشا توعوية وتدريبا مكثفا لنشر الثقافة الرقمية وآليات متابعة الأبناء خلال الحصص "أونلاين"، إلى جانب التوجيه والإرشاد التربوي والقيمي لخلق بيئة منزلية داعمة وآمنة للتعلم الرقمي، مع توفير فرق دعم فني لهم.

وحول تأثير المحتوى الرقمي على تفاعل الطلبة وتقدمهم الدراسي، قال

الحامدي إن التوقعات تشير إلى أن المحتوى الرقمي يُسهم في زيادة انخراط الطلبة وتفاعلهم في الصفوف الدراسية، وأن التوظيف الجيد لزمن التعلم الرقمي من خلال الشروحات، ومحاكاة الفيديوهات، والمسابقات التفاعلية، يرفع من مستوى الفهم والاستيعاب.

وأشار إلى أنَّ من بين التحديات المصاحبة احتمال تشتت الطلبة وضعف الانضباط الذاتي إذا لم تكن هناك إدارة صفية إلكترونية فعالة، مؤكدا أن المحتوى الرقمي، إذا ما تم توظيفه بجودة عالية وبتخطيط مدروس، فإنه يتفوق على المحتوى الورقي، خاصة في ظل ما يشهده العالم من ثورة تكنولوجية وذكاء اصطناعي، شرط وجود إشراف فعال ودعم فني مستمر.

وفيما يتعلق بمستقبل التعليم في سلطنة عُمان، أشار الحامدي إلى أنَّ السلطنة تمضي بخطى واثقة نحو التحول الرقمي في التعليم، بدافع من رؤية طموحة ومشاريع استراتيجية تهدف إلى بناء نظام تعليمي مرن وتفاعلي وشامل، موضحا أن التصورات المستقبلية تشمل رقمنة المناهج، وتطوير محتوى تفاعلي يتماشى مع المستجدات العالمية، مع الحفاظ على القيم الأخلاقية والعمانية المتأصلة في المناهج.

وأضاف أن من أهم الأهداف تحقيق العدالة التعليمية عبر دعم الأسر المتعسرة رقمياً وتوفير مصادر التعلم الرقمية، إلى جانب مواءمة التعليم مع: رؤية عمان 2040" لبناء جيل متمكن من المعرفة الرقمية، إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية في المدارس والمنازل، وتوفير الإنترنت عالي السرعة، والأجهزة المناسبة، وتدريب المعلمين وأولياء الأمور على استخدام التقنيات الحديثة لضمان نجاح عملية التحول الرقمي في التعليم.

من جانبها، أكدت رباب بنت محمد بن مبارك العجمية مساعدة مديرة مدرسة، أن رقمنة المناهج باتت ضرورية في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، مبينة: "التوجه نحو رقمنة المناهج خطوة مهمة جدًا وواقعية في ظل التطور التكنولوجي اللي نعيشه اليوم، فالتعليم لم يعد محصورا في الورقة والقلم، والطالب اليوم أقرب للشاشة والتطبيقات من الكتاب التقليدي، لكن تنفيذ ذلك يحتاج إلى مراحل مدروسة حتى نضمن نجاح التجربة، ونتفادى أي فجوات قد تؤثر على التحصيل الدراسي".


 

وحول المخاوف والتحديات، أشارت العجمية إلى تفاوت الإمكانيات بين الطلبة باعتباره أحد أبرز ما يثير القلق، موضحة: "كإدارة مدرسة، أبرز المخاوف اللي أراها هي تفاوت الإمكانيات بين الطلبة من حيث توفر الأجهزة والإنترنت، وهذا قد يخلق فجوة بين الطلبة، وأيضا لدينا بعض المعلمين والطلبة وحتى أولياء الأمور يحتاجون إلى مزيد من التدريب".

وشددت العجمية على ضرورة تقديم تهيئة شاملة لجميع أطراف العملية التعليمية، لضمان سلاسة الانتقال نحو التعليم الرقمي، مضيفة: "نحتاج إلى تدريب عملي ومكثف للمعلمين في استخدام الأدوات الرقمية، وإدارة الصفوف عبر المنصات، أما بالنسبة لأولياء الأمور، فالدعم يكون بتقديم ورش مبسطة تشرح لهم آلية المتابعة والمساعدة في البيت، كما نحتاج إلى فرق دعم فني في المدارس نفسها، لحل أي مشاكل تواجه الطلبة والمعلمين على الفور."

وعبّرت العجمية عن تفاؤلها بتأثير المحتوى الرقمي على تحفيز الطلبة وتحسين تحصيلهم الدراسي، كما اقترحت البدء بتجريب المشروع في عدد محدد من المدارس، مع تقييم التجربة أولًا بأول. مع وجود آليات واضحة لقياس التحصيل وتفاعل الطلبة، وأظن أن مستقبل التعليم في السلطنة سيكون أكثر مرونة وانفتاحًا".

 

وفي السياق، أكد سالم بن محمد العلوي مساعد مدير مدرسة، أهمية التوجه نحو رقمنة المناهج التعليمية، مشيرًا إلى أن الوقت أصبح ملائمًا للانطلاق في هذا المشروع بشكل مدروس يواكب التقدم العالمي في مجال التكنولوجيا.

وقال العلوي: "في الحقيقة، تعتبر رقمنة المناهج خطوة مهمة جدًا لمواكبة التقدم العالمي في التكنولوجيا، فهي وسيلة لتحسين جودة التعليم، ونحن جزء من هذا العالم وعلينا أن نسعى بخطوات جادة للوصول إلى مشروع الرقمنة، كما لا ننسى أن هناك إيجابيات كثيرة منها سرعة الوصول للمعلومة، وإمكانية تحديث المناهج بكل سهولة ويسر، وتقليل تكلفة الطباعة والتوزيع، وكذلك تشجيع الطلبة على التعلم الذاتي، ويُعتبر الوقت مناسبًا، فهناك دول سبقتنا في هذا المجال، ولكن علينا أن نبدأ بتوازن وتدرّج".


 

 

وحول أبرز المخاوف والتحديات المحتملة مع تطبيق التعليم الرقمي، أوضح العلوي أن هناك عقبات واقعية ينبغي أخذها بعين الاعتبار، سواء من موقعه كإداري أو كولي أمر، مبينا: "هناك مخاوف وتحديات واقعية قد تواجهنا في تطبيق الرقمنة، مثل ضعف البنية التحتية التكنولوجية، كعدم توفر الإمكانيات لدى الطلبة والمعلمين من أجهزة تخدم هذا التقدم التكنولوجي، خاصة وأن بعض البيوت لديها من ثلاثة إلى خمسة أبناء وجميعهم يحتاجون لأجهزة في حال تطبيق المشروع."

كما أشار إلى أن أن ضعف الشبكة، وانقطاع الإنترنت بين فترة وأخرى سواء في المدارس أو المنازل، يمثل تحديًا كبيرًا، وأن مشروع الرقمنة يحتاج إلى قاعدة قوية من الشبكات وتوافرها في كل مكان وزمان، وقد تكون خدمات مثل (ستارلينك) خطوة واعدة لدعم هذا الجانب.

 

وفيما يتعلق بجاهزية البنية التحتية لاحتضان التحول الرقمي، أكد العلوي أهمية البدء بخطوات أساسية رغم وجود بعض أوجه القصور، قائلا: "نبدأ بتطبيق أساسيات مشروع الرقمنة أفضل من أن نرى العالم يتقدّم ونحن نبقى متفرجين".

وحول تأثير المحتوى الرقمي على تفاعل الطلبة وتحصيلهم الدراسي، أكد العلوي أن المحتوى الرقمي إذا طُبّق بشكل سليم فسيكون له أثر ملموس وإيجابي، موضحا أن المحتوى الرقمي سيؤثر على تفاعل الطلبة وتحصيلهم الدراسي بشكل كبير، وذلك من عدة جوانب، فمن ناحية التفاعل، يتيح استخدام الوسائط المتعددة مثل الصور، ومقاطع الفيديو، والاختبارات القصيرة الفورية، والألعاب التعليمية، ما يجعل عملية التعلم أكثر جاذبية وتشويقًا للطلبة.

وأضاف العلوي أنه من ناحية التحصيل الدراسي، فإن الطلبة يستطيعون الوصول إلى المعلومات والموارد التعليمية بسرعة وسهولة، كما يشجع المحتوى الرقمي على التعلم الذاتي، ويتيح تتبّع التقدم الدراسي وتقديم تغذية راجعة فورية، كما هو الحال في منصة نور التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم.

وقدّم العلوي مجموعة من المقترحات لضمان نجاح مشروع الرقمنة وتحقيق الاستفادة القصوى مثل: الدعم الفني المستمر، تقديم محتوى رقمي متنوع وجاذب ومصمم بشكل تربوي سليم، إشراك المعلمين ذوي الخبرة في تطوير المحتوى، وتقديم برامج تدريبية شاملة ومستمرة للمعلمين والطلبة، إلى جانب عمليات تقييم ومتابعة وتحسين مستمرة".

من جانبها، أكدت زليخة البلوشية مساعد مدير ومدرب دولي معتمد بمدرسة الرخاء للتعليم الأساسي، أن رقمنة المناهج التعليمية تُعد من الخطوات المهمة في سياق التحول الرقمي الذي يشهده العالم، مشيرة إلى أن المشروع يتماشى مع تطلعات رؤية "عمان 2040"، لكنه يحتاج إلى دراسة شاملة تراعي جميع الأبعاد وتضع الطالب، باعتباره محور العملية التعليمية، في صلب هذا التحول.


 

وقالت البلوشية إن العالم يتجه نحو الرقمنة، لا سيما في قطاع التعليم، وإن رقمنة المناهج تعد من الأطر المهمة التي ينبغي التعامل معها بجدية، مضيفة أن الطالب يجب أن يمتلك مهارات القرن الحادي والعشرين، وهو ما يتطلب بيئة رقمية متكاملة، إلا أن البنية التحتية الرقمية في الوقت الراهن ليست مكتملة بالشكل الذي يسمح بتنفيذ هذا المشروع بشكل فعّال.

وعن أبرز التحديات المتوقعة عند تطبيق التعليم الرقمي، بيّنت البلوشية أن العدالة التعليمية لن تتحقق في ظل الفجوة الاقتصادية التي تعاني منها بعض الأسر، حيث لا يملك كثير من الطلبة القدرة على اقتناء أجهزة حاسوب أو أجهزة لوحية. وأشارت إلى أن هذا التفاوت سيؤثر على فرص التعلم وبالتالي على المستوى التعليمي، مضيفة أن ضعف البنية التقنية وقلة تأهيل الكوادر التعليمية تشكلان عائقًا، بالإضافة إلى عدم التزام بعض المعلمين بتطبيق أدوات متنوعة في الموقف التعليمي.

كما تحدثت البلوشية عن مخاوف أولياء الأمور من ازدياد تعلق الأبناء بالأجهزة الإلكترونية، وفقدانهم لمهارات أساسية كالقراءة والكتابة والحساب، فضلًا عن ضعف السيطرة الأسرية بسبب قلة الوعي التقني وعدم القدرة على توفير إنترنت عالي الجودة.

وأكدت أن تحقيق الرقمنة التعليمية يتطلب أولًا نشر ثقافة الرقمنة المنهجية في المجتمع، ثم وضع خطة تنمية مهنية رقمية تستهدف المعلمين من خلال ورش تدريبية تركّز على المنصات التعليمية والبرامج التفاعلية، إلى جانب ضرورة توفير فرق دعم فني تقدم المساعدة المستمرة، وتحفيز المعلمين على الابتكار من خلال الحوافز التي تسهم في جودة التعليم الرقمي، لافتة إلى أهمية التواصل المستمر بين المدرسة والأسرة، من خلال تنظيم لقاءات مباشرة، وتوفير أدلة إرشادية رقمية مبسطة، وخط ساخن لتقديم الدعم الفوري.

وحول تأثير المحتوى الرقمي على تفاعل الطلبة وتحصيلهم الدراسي، أوضحت أن لذلك أثرًا إيجابيًا من حيث زيادة التفاعل بسبب الأدوات التفاعلية مثل الألعاب التعليمية والاستراتيجيات الرقمية التي تسهّل فهم الحقائق، وتوفير التغذية الراجعة الفورية التي تساعد الطلبة على تصحيح أخطائهم. لكنها حذّرت في المقابل من بعض الآثار السلبية، ومنها ضعف المهارات الكتابية والتعبيرية، والاعتماد الكلي على التكنولوجيا بدلًا من تنمية مهارات البحث والاجتهاد، مشيرة إلى أن بعض الطلبة قد يلجؤون إلى أدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي للحصول على الحلول الجاهزة، مما قد يؤثر على نموهم المعرفي. وأضافت أن الاستخدام المكثف للتقنيات قد يؤدي إلى مشكلات صحية ونفسية لدى الطلبة.

وقدّمت البلوشية مجموعة من المقترحات لضمان نجاح مشروع الرقمنة، من بينها تأهيل المعلمين باستمرار، وتوفير الدعم الفني، وتقديم أجهزة حواسيب أو لوحية للطلبة من الأسر المعسرة، إلى جانب تقديم باقات إنترنت مجانية أو منخفضة التكلفة.

 كما شدّدت على أهمية أن يكون المحتوى الرقمي ملائمًا لكل مرحلة عمرية، ويراعي الفروق الفردية، ويُبنى وفق منطق التدرّج من السهل إلى الصعب.

 

مقالات مشابهة

  • الموسوي: ايران الدولة الأولى التي تقف على خط الجهاد لتمثل قلعة المقاومة
  • تباحث هاتفيا مع سلطان عمان.. الرئيس السيسي يؤكد ضرورة العودة للتفاوض حقناً للدماء
  • شراكة جزائرية – عُمانية واعدة في المجال الصناعي
  • شراكة بين صحار ألمنيوم وأثر لتمويل المبادرات الصحية
  • اللحظات الأخيرة في كارثة الطائرة الهندية المنكوبة
  • رشيد يرفض دعوة المحكمة الاتحادية لتدخل الأحزاب السياسية لحل خلافاتها مع محكمة التمييز
  • برلماني: 30 يونيو محطة مضيئة في تاريخ مصر وجسدت وحدة الشعب ورفضه اختطاف الوطن
  • تربويون لـ"الرؤية": رقمنة المناهج التعليمية "ضرورة حتمية" لتفادي التخلف الحضاري
  • الغربية.. حملات نظافة مكثفة لإعادة الوجه الحضاري لعروس الدلتا
  • وزير الدولة للإنتاج الحربي يستقبل رئيس وزراء صربيا لبحث آليات تعزيز التعاون المشترك