لجريدة عمان:
2025-05-18@13:42:41 GMT

كل رجال الباشا

تاريخ النشر: 1st, April 2025 GMT

يقدم خالد فهمي فـي كتابه «كل رجال الباشا» بحثًا فاحصًا ودقيقًا فـي الإيمان بكون محمد علي باشا الذي حكم مصر منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصفه تقريبًا يعتبر باني مصر الحديثة، ومن بين الإنجازات التي قدمها تأسيس الجيش المصري الذي كان منظمًا على نحو عسكري فاق التنظيم العسكري لجيش سلطان الإمبراطورية العثمانية الذي لم يكن الباشا إلا وكيلًا عنها فـي حكمه على مصر والذي يُجدد له كل عام، كما اتبع خطى أهم جيوش العالم تنظيمًا، تحديدًا الجيش الفرنسي الذي دخل مصر مع حملة نابليون الذي تأثر به الباشا كثيرًا.

يقتفـي فهمي فـي بحثه هذا أدبيات مدرسة التابع التاريخية التي نشأت مع مجموعة من المثقفـين فـي الهند التي اخترعت تقاليد فـي كتابة التاريخ ونقده، بالإضافة لاعتمادها على الهامش وأصوات المهمشين فـي كتابة التاريخ، أي أن التاريخ لا يتحرك بالضرورة من الأعلى «رأس الهرم» بل من الأسفل. وبهذا فإن خالد فهمي لا يبحث فـي مرحلة محمد علي باشا عبر الكتب والسرديات التي سمح بها الباشا لتقديم صورته للعامة، ولا بالطريقة التي كتبَ فـيها الرحالة والمستشرقون الذي استضافهم بنفسه فـي بلاطه. ولا الطريقة التي عبرَ فـيها عن فترة حكمه لمصر علانية. بل يذهب فهمي ليكون «جنديًا» متخيلًا، والجندي هو المرتبة الأدنى فـي تنظيم الجيش، ممن كونوا جيش محمد علي باشا، الذي حارب الوهابية فـي الحجاز، وحارب عن العثمانيين فـي السودان وفـي قبرص، كما خاض حربًا ضد العثمانيين أنفسهم فـي سوريا التي يُعدها الحدث الأهم والأبرز فـي تاريخ جيشه خصوصًا بعد حصارهم لقلعة عكا قبل استسلامها لهم.

تدعيّ سردية «باني ومؤسس مصر الحديثة» أن محمد علي باشا حكم مصر بهدف استقلالها عن الدولة العثمانية، وبأنه رأى فـي مصر خصوصية كونت «الشعور القومي» بالانتماء لمصر، وذلك عبر الجيش الذي وضع حدودًا للهوية الوطنية المصرية، وقدم للعامة فرصة للدفاع عما سيعرُف أنه وطنهم الأوحد، الذي يشتركون مع من فـيه على مُثل وطموحات وحياة ومصير واحد. الأمر الذي حدث بعد الثورة الفرنسية للفرنسيين، فما الذي يعنيه حقًا أن تكون فرنسيًا؟ أو تكون مصريًا فـي هذه الحالة. كما تدعي أنه تمكن وبحكمة منه من تأسيس جيش عظيم ومنظم، يعتمد على كل الاستراتيجيات الحديثة فـي تكوين الجيش النظامي بل وتتفوق على تلك القادمة من أوروبا.

إلا أن ما تسكت عنه هذه السردية: أولا الحملات التي خرجت بأمر من علي باشا لاختطاف العبيد من السودان بهدف تجنيدهم، والرحلة التي قطعوها مكدسين فـي سفن عبر البحر، لينفق كثير منهم لعدم احتمالاهم ظروف «شحنهم» غير الآدمية، أو لعدم تحملهم الحياة بعد وصولهم بهدف تأسيس الجيش المصري، وبعد فشل هذه الحملة فـي أن تغطي تكاليف تشغيلها إذ إن المحصلة النهائية أكدت أن خسارة محمد علي باشا وحملته فاقت بكثير النتيجة التي توصلت إليها فـي العدد الذي حصدته من رؤوس العبيد فـي السودان اتخذ طريقًا آخر. إذ لم يثنِ هذا من عزيمة محمد علي باشا فـي إنشاء الجيش الأعظم، وبما أن الفلاحين ما كان بالإمكان أن يلتحقوا بجيشه فقد قام باختطافهم من أراضيهم وعائلاتهم. وفـي عمليات الخطف هذه، عمل على تكريس استراتيجيات تجبرهم على الامتثال لأوامره، بحيث تعيد هذه الاستراتيجيات إنتاج نفسها فـي كل مرة بما يضمن سير عملية الضبط هذه على نحو سلس فـي المرات القادمة. ويقدم لنا فهمي عبر هذه الدراسة كل هذه الاستراتيجيات مثل وشم أذرع الفلاحين ممن حاولوا الهرب وصولًا للقوة غير النظامية التي كانت تقف وراء جيشه لقتل كل من تسول له نفسه الانسحاب من المعركة. ويعتمد فهمي على مطابقة هذه الاستراتيجيات مع ما طرحه ميشيل فوكو فـي كتابه «المراقبة والمعاقبة».

عبر كل هذه القصص التي نعرف من خلالها كيف كون محمد علي باشا جيشه العظيم، نشاهد فـي المقابل الطرق التي اخترعها الفلاحون للمقاومة. إذ تؤكد دراسات ما بعد الاستعمار أن المقاومة لها أشكال عديدة مستمرة وهي من جنس السلطة، وفـي حالة الفلاحين فلقد تسببوا فـي عاهات جسدية لأنفسهم إن تطلب الأمر لاستبعادهم من الجيش. فبعد أن هربوا بعائلاتهم من قراهم وأراضيهم فور وصول شائعات اقتراب جيش محمد علي - المكون من «الألبان» الذي سيكون لهم حظوة بتسيدهم على الفلاحين ـ وصولًا لمن تسبب بالعمى لنفسه لكي لا يتم تجنيده، أو قطع أصابعه، أو أحد أطرافه إن تطلب الأمر. استمر الفلاحون قبل لحظة تجنيدهم وأثنائها بخلق أساليب مقاومة تبرهن على أنهم لم يقبلوا مشروع علي باشا وطريقته فـي إثبات نفسه.

ولا يتعلق الأمر بقصص هؤلاء الفلاحين التي تثبت تعنت واستبداد ووحشية محمد علي باشا فحسب، بل تبرهن قصص أخرى على ما اعتبره صالحًا قوميًا لم يكن إلا تحقيقًا لمصالحه الشخصية، ورغبته فـي التوسع أولًا، وفـي تعيينه رسميًا واليًا أبديًا على مصر، إذ كان السلطان يُجدد له كل سنة حكمه عليها، كما طالب محمد علي باشا بأن يكون حكم مصر فـي سلالته وحدها!، وكان يُحس بعظمته هو نفسه كسليل عثماني فـي مقابل العرب البرابرة الذين يحكمهم كما يعبر هو نفسه فـي أكثر من مناسبة استبعدتها السردية التي تقدمها السلطة.

يقدم لنا هذا الكتاب نموذجًا رائعًا فـي قراءة التاريخ عبر مدرسة التابع، ويمنحنا منظورًا نستبصر به المخفـي من السرديات الشائعة والمكرسة، وما تنطوي عليه من قصص قامت على أجساد المهمشين والضعفاء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محمد علی باشا

إقرأ أيضاً:

"وجوه متعددة خلف القناع".. عرض "هو الذي يُصفَع" يواصل لياليه بالفيوم

 

تواصل الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان تقديم العرض المسرحي "هو الذي يُصفَع" لفرقة صلاح حامد المسرحية، على مسرح مجلس مدينة الفيوم، ضمن فعاليات الموسم المسرحي الجديد، وفي إطار برامج وزارة الثقافة لدعم الإبداع المسرحي بالأقاليم.

قدم العرض بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، حيث شهد مسرح مجلس مدينة الفيوم ليلة جديدة من العرض الذي تقدمه فرقة صلاح حامد المسرحية بقصر ثقافة الفيوم، عن نص الكاتب الروسي ليونيد أندرييف، وإخراج أحمد السلاموني، بحضور ياسمين ضياء مدير عام فرع ثقافة الفيوم، والفنان عزت زين، وعدد كبير من المثقفين وأبناء الفيوم، ويستمر العرض مجانا حتى 18 مايو الحالي، ويعرض في التاسعة مساء.

أحداث العرض المسرحي "هو الذي يُصفَع"

تدور أحداث العرض داخل سيرك متواضع، تسيطر عليه حالة من الروتين والرتابة، وفجأة يظهر شخص غامض مختلف عن طبيعة السيرك وجميع العاملين به، بغرض العمل بالمكان، ويتعمد إخفاء شخصيته، لتأتي بعدها سلسلة من الأحداث، من خلال جولة داخل الجوانب النفسية للشخصيات بالسيرك، لتتغير بعدها حالة السيرك كليا.

ويتناول العرض الصراع بين السلطة والحب، وبين القناع والحقيقة، ويشير العرض إلى أن لكل منا قناعه الخاص الذي يخفي وراءه الكثير من الحقائق والمعاناة، ولكن مع تصاعد الأحداث هل ستسقط الأقنعة أم ستبقى؟

العرض أداء باسم نبيل، ولاء شعبان، أسامة الغمري، محمد وربي، حسام كامل، مروان إيهاب، ميرنا ياسر، زياد أشرف، مصطفى محمود، علاء لؤي، عبد الرحمن حسين، عبد الرحمن خالد، أميرة أحمد، حبيبة محمود، بالإضافة إلى فريق السيرك من الفنانين الشباب.

صناع العرض المسرحي "هو الذي يُصفَع"

"هو الذي يُصفَع" من أشعار أسامة سند، دراماتورج أحمد حداد، ترجمة سعد زغلول، ديكور وملابس محمد مهدي، تنفيذ ديكور عادل ربيع، تنفيذ ملابس شهد سيد، استعراضات حسام كامل، مساعد مصمم استعراضات علاء لؤي، موسيقى وألحان إيهاب حمدي، مكياج حبيبة محمود ويارا أحمد، مخرج مساعد مروان إيهاب وعبد الرحمن خالد، مخرج منفذ أحمد صلاح حامد.

عن العرض أوضح المخرج أحمد السلاموني أنه يتحدث عن كم الأقنعة التي نتعامل معها يوميا، سواء كانت حب أو كره أو مصالح شخصية، دون النظر للطرف الآخر، وما هو تأثير هذه الأقنعة علينا في المجتمع وإلى متى تظل هذه الأقنعة موجودة، ومتى نتخلى عنها.

وعن مشاركتها في العرض، تحدثت الفنانة ولاء شعبان عن دورها في شخصية "زينيديا" بأنها شخصية تحب التملك، وأن تظل دوما هي السيدة الأولى لهذا السيرك، وقد اختارت مهنة ترويض الأسود لرغبتها الدائمة في السيطرة والقوة والنفوذ، واختتمت حديثها بمقولتها داخل العرض "الدنيا ما هي إلا قناع، إذا سقط قناع فهناك ألف قناع".

وتحدث أيضا الفنان حسام كامل، عن دوره في شخصية "البلياتشو"، الذي شعر بالتهميش والغيرة من تواجد "هو" في السيرك، بسبب حالة الروتين التي كان يعاني منها السيرك، وعبر عن سعادته بهذا الدور، إلى جانب تصميمه لاستعراضات العرض.

العرض من إنتاج الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، ويقدم بإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، وبالتعاون مع إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، برئاسة لاميس الشرنوبي، وفرع ثقافة الفيوم.

 

مقالات مشابهة

  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • بعد سلسلة من محاولات الاغتيال الفاشلة.. من هو محمد السنوار الذي عُثر على جثته داخل نفق خان يونس؟
  • "وجوه متعددة خلف القناع".. عرض "هو الذي يُصفَع" يواصل لياليه بالفيوم
  • المفاجأة التي لم تخطر على المتمرد عبد العزيز الحلو، حليف ميليشيا آل دقلو الإرهابية، أن الجيش على بُعد 43 كيلومترًا من كاودا
  • "انتعاش" في حركة الملاحة البحرية بالمياه العربية
  • رجال يد الأهلي يواجه الجيش الملكي المغربي في كأس الكؤوس الإفريقية
  • متحف المركبات يسلط الضوء على إنسانية الأسرة الملكية
  • حكيم باشا رقم واحد| حوار جريء لـ أحمد صادق.. وهذا رأيه في أحمد الفيشاوي والعوضي
  • وداعاً أيها الشاعر الذي أزعج الظالمين والقتلة والفاسدين كثيراً ..!
  • محمد بن زايد يروي لترامب قصة مستشفى كند الذي وُلِد فيه