هل ستطالب واشنطن الحكومة السورية بإزالة القواعد الروسية؟
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
كشفت صحيفة "ذا هيل" الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشهد نقاشا داخليا محتدما بشأن كيفية التعامل مع الوجود العسكري الروسي في سوريا، في ظل التحولات السياسية الأخيرة التي أطاحت بالرئيس المخلوع بشار الأسد وأتت بأحمد الشرع إلى رأس الحكومة الانتقالية الجديدة.
ويتساءل مسؤولون أميركيون عما إذا كان ينبغي لهذه الحكومة السورية الجديدة أن تطلب طرد القوات الروسية من القاعدتين البحرية والجوية التي تستخدمهما موسكو في سوريا.
ورغم أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على سوريا تمنحها نفوذا واسعا للتأثير على الحكومة الجديدة، فإن هذه المسألة لا تزال محل خلاف داخل دوائر صنع القرار الأميركية. ووفقا لمصدرين مطلعين على المناقشات، لم تشمل شروط واشنطن لتخفيف العقوبات مسألة الوجود العسكري الروسي.
وقال أحد هؤلاء المطلعين إن "هناك نقاشا داخليا كبيرا داخل الإدارة الأميركية حول ما إذا كان يجب أن نطلب من حكومة الشرع إزالة القواعد الروسية". وأشار إلى وجود ضغوط من بعض المسؤولين في وزارة الخارجية والبيت الأبيض لدفع دمشق إلى هذا الخيار.
ويأتي هذا الجدل في وقت تسعى فيه إدارة ترامب إلى دفع موسكو نحو مفاوضات جادة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا. وكان ترامب قد أجرى مكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 18 مارس/آذار الماضي، حيث تطرق إلى منطقة الشرق الأوسط كـ"مساحة محتملة للتعاون". إلا أن استمرار الحرب مع كييف ورفض بوتين وقف إطلاق النار أثار استياء ترامب، الذي هدد بفرض عقوبات إضافية.
إعلان سياسة خارجية أكثر حزمامن جهته، قال النائب الجمهوري جو ويلسون إن على واشنطن أن تطلب من حكومة الشرع إزالة القاعدة البحرية الروسية في طرطوس والقاعدة الجوية في اللاذقية.
وتبنى السيناتور جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، لهجة أكثر حذرا، حيث أوضح أن ابتعاد دمشق عن روسيا وشركائها -الصين وإيران وكوريا الشمالية- سيعود بالنفع على الولايات المتحدة.
كذلك، دعا النائب بات فالون إلى طرد روسيا من سوريا، مشددا على أن "الوجود الروسي في سوريا يفيد وكلاء إيران الذين يعملون على زعزعة استقرار المنطقة".
وتشير تقارير استخباراتية إلى أن بوتين يسعى للتقرب من الحكومة السورية الجديدة، حيث عرض على الشرع "التعاون العملي" لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد. ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، قدمت موسكو في فبراير/شباط نحو 23 مليون دولار للبنك المركزي السوري، كما بدأت بتوريد شحنات نفط وغاز لضمان بقاء نفوذها العسكري.
رفع العقوبات الاقتصاديةوتواجه الحكومة الانتقالية في دمشق ضغوطا اقتصادية هائلة، وسط إحجام عربي وأوروبي عن تقديم الدعم خشية التعرض للعقوبات الأميركية، في حين تؤكد تقارير أن العقوبات "تخنق الاقتصاد السوري".
وفي الوقت الذي قدمت فيه إدارة بايدن السابقة في يناير/كانون الثاني استثناءات محدودة لبعض المعاملات في سوريا، يرى المحللون أن هناك حاجة إلى تسهيلات أوسع لتمكين الحكومة الجديدة من تحقيق الاستقرار، خاصة مع وجود ملفات كبيرة على الطاولة، مثل تفكيك ترسانة الأسد الكيميائية ومكافحة الإرهاب والتحقيق في مصير الصحفي الأميركي أوستن تايس.
بدوره، قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ، إن على إدارة ترامب "رفع العقوبات سريعا" لضمان تحول سوريا إلى حليف موثوق، وإبعاد إيران والصين عن الأراضي السورية.
ورغم أن الحكومة السورية الجديدة تشمل تمثيلا للأقليات الدينية والعرقية، أشارت الصحيفة إلى أن وجود شخصية مثل أحمد الشرع يثير ريبة بعض المسؤولين في واشنطن.
إعلانوحذر سيباستيان غوركا، نائب مساعد الرئيس وكبير مسؤولي مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، من الوثوق بـ"قائد جهادي لم يُهزم عسكريا"، حيث قال إنه درس الحركات الجهادية لمدة 24 عاما، ولم ير أبدا "زعيما جهاديا ناجحا يصبح ديمقراطيا.. هو لم يخسر في دمشق، بل فاز، لذا دعونا نطبق القليل من المنطق السليم".
وعندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عن موقف واشنطن من القواعد الروسية، قال إن الإدارة تراقب تصرفات الحكومة المؤقتة في عدد من القضايا "بينما نحدد سياسة الولايات المتحدة المستقبلية تجاه سوريا".
وقال المتحدث: "في نهاية المطاف، تريد الولايات المتحدة أن تعيش سوريا في سلام مع جيرانها، تحترم حقوق الإنسان وتمنع الإرهابيين من استخدام أراضيها كملاذ آمن".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة السوریة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
عمر سيد أحمد
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقابفي 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيتالعقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالميالسودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
تهديد الأمن الغذائي والدوائيمع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهبفي ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
تعميق أزمة سعر الصرفكل هذه التطورات تؤدي إلى:
تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًاالعقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحربمن أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذالعقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
* خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن