بين ضغوط أمريكية ودولية من جانب واعتداءات إسرائيلية مستمرة من جانب آخر، يصرح الرئيس اللبناني جوزاف عون مرارا بأن أي خطوة لسحب سلاح "حزب الله" تتطلب حوارا وطنيا ضمن استراتيجية دفاعية شاملة.

 

ومع زيارة ثانية خلال شهر أجرتها قبل أيام إلى بيروت مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض، واستمرار خروقات إسرائيل لوقف إطلاق النار واحتلالها مناطق عدة جنوب لبنان، يتساءل مراقبون ما إن كانت الدولة اللبنانية تملك قدرة وإرادة سياسية لنزع سلاح حزب الله، أم أن الأمر يبقى رهنا بمعادلات القوى الإقليمية والدولية؟

 

وقال المحلل السياسي اللبناني أحمد الأيوبي للأناضول، إن الدولة اللبنانية قادرة على سحب السلاح "لأنها تمثل الشرعية ولأن حزب الله غير قادر لا سياسيا ولا عسكريا على مواجهة الدولة ولا الإجماع اللبناني".

 

فيما قلل المحلل السياسي اللبناني آلان سركيس، خلال حديث للأناضول، من جدوى الحوار مع "حزب الله" بخصوص نزع سلاحه، قائلا إن ذلك "مضيعة للوقت لأنه لا يحمل مهلة زمنية محددة مع تصريحات متكررة لكوادر من الحزب بعدم تسليم السلاح".

 

بينما قال المحلل السياسي اللبناني غسان سعود للأناضول، إن الدولة اللبنانية "لن تُستدرج إلى فخ نزع سلاح حزب الله منعا لتصادم بينها وبين الحزب".

 

وشنت إسرائيل في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.

 

وحتى الثلاثاء، ارتكبت إسرائيل ما لا يقل عن 1430 خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما خلّف 125 قتيلا و371 جريحا على الأقل، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية.

 

وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/ شباط الماضي، خلافا لاتفاق وقف إطلاق النار، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال رئيسية ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة.

 

** خطوات جديدة

 

استبعدت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام بند "المقاومة" من بيانها الوزاري، بعد أن كانت معادلة "الجيش، الشعب، المقاومة" حاضرة في بيانات الحكومات السابقة.

 

وأُدرجت هذه المعادلة بشكل مباشر أو غير مباشر، في جميع البيانات الوزارية على مدى سنوات، في محاولة لمنح "شرعية" لسلاح "حزب الله" المصنف "جماعة إرهابية" في الولايات المتحدة.

 

وأكد البيان الوزاري "حق لبنان في الدفاع عن نفسه في حال التعرض لأي اعتداء"، مشددا في الوقت ذاته على "واجب الدولة في احتكار حمل السلاح وتطبيق القرار 1701 كاملا من دون اجتزاء أو انتقاء".

 

ومن جهة، يُصر الحزب مدعوما بتحالفه مع إيران على أن سلاحه "مقاومة"، وضروري لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.

 

من جانب آخر، تزداد المطالب الداخلية والخارجية بفرض الدولة اللبنانية سيطرتها على كامل أراضيها، خاصة بعد الانهيار الاقتصادي والحرب الأخيرة مع إسرائيل التي فاقمها وجود سلاح خارج إطار الجيش الرسمي.

 

وبعد انتهاء زيارة أورتاغوس التي استمرت 3 أيام، أصدرت سفارة واشنطن في بيروت بيانا قالت فيه إن المسؤولة الأمريكية "أبدت في كل لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين ارتياحها للنقاشات الصريحة حول دفع لبنان نحو حقبة جديدة، ما يعني نزع سلاح حزب الله بسرعة، وتطبيق إصلاحات للقضاء على الفساد، وقيام حكومة منفتحة وشفافة".

 

بدوره، قال الرئيس عون، الاثنين، إن "سحب سلاح حزب الله يتطلب اللجوء إلى الحوار"، وكشف عن البدء قريبا في "صياغة استراتيجية للأمن الوطني"، بينما لم يصدر تعليق فوري من الحزب على ذلك.

 

ورغم هذه التصريحات، لم يعلن لبنان رسميا حتى الساعة خطة واضحة أو جدولا زمنيا لتنفيذ هذا التعهد، وسط انقسام داخل مجلس الوزراء بين مؤيدين ومعارضين لذلك.

 

** حالة انتظار

 

وقال الأيوبي إن "الرئيس عون أكد حتمية إنهاء كل حالات السلاح غير الشرعي، لكن المشكلة تكمن في التوقيت".

 

واعتبر أن "تسارع التطورات الإقليمية وتخلي إيران عن أذرعها في العراق واليمن واتجاه المليشيات العراقية الموالية لطهران إلى تسليم أسلحتها، عوامل لا تترك أمام حزب الله هامشا للمناورة ولا لكسب الوقت".

 

وأشار إلى أن المطلوب حاليا "إنهاء حالة الانتظار غير المبرر لأنه يحمل مخاطر حقيقية على لبنان أمنيا من جهة الكيان الإسرائيلي".

 

وشدد على أن "أي تأخير في تسليم السلاح غير الشرعي يوقف الإصلاحات ويمنع أي دعم للبنان على المستوى المالي والاقتصادي من المجتمعين العربي والدولي".

 

وطالب الأيوبي كلا من عون وسلام بـ"حسم هذا الملف من منطلق قرار الدولة، وإذا كان لا بد من حوار فيجب أن يكون على آليات تنفيذ خطاب القسم والبيان الوزاري بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية".

 

وعن إمكانية السلطات اللبنانية سحب السلاح، قال: "هذا ممكن لأن الدولة تمثل الشرعية ولأن حزب الله غير قادر، لا سياسيا ولا عسكريا على مواجهة الدولة ولا الإجماع اللبناني على إنهاء ظاهرة الدويلة داخل الدولة".

 

ورأى أن "التهويل بحصول انشقاقات داخل الجيش مجرد أوهام، لأن المؤسسة العسكرية متماسكة وقوية وقادرة على حفظ وحدة البلد، كما فعلت عندما تخطت الأزمات بقيادة العماد جوزاف عون" عندما كان قائدا للجيش قبل تسلمه رئاسة لبنان.

 

** تجارب فاشلة

 

أما سركيس، فيرى أن مواقف المبعوثة الأمريكية كانت واضحة خلال لقائها المسؤولين اللبنانيين "إذ أكدت أنها تريد سحب سلاح حزب الله في أقرب وقت ودون تباطؤ".

 

وقال إن الدولة اللبنانية "بموقف لا تحسد عليه، فهي من جهة لا تستطيع سحب سلاح الحزب بالسرعة التي تريدها واشنطن، ومن جهة أخرى تخاف من حزب الله خاصة أنه ما زال مسيطرا رغم تدمير إسرائيل لمعظم ترسانته من الأسلحة".

 

ولفت المحلل السياسي إلى أن "لبنان يمر بأزمة لأنه غير قادر على تلبية مطالب المجتمع الدولي لكنه في الوقت نفسه مطالب بحلول".

 

وبشأن حديث الرئيس عون عن أن سحب سلاح "حزب الله" يحتاج إلى حوار، قال سركيس إن "تجارب الحوار مع الحزب بهذا الخصوص كانت فاشلة في 2006 و2008 إلى 2012، وكانت بمثابة تذاكٍ من الحزب على المجتمع الدولي والأمريكيين خاصة".

 

واعتبر أن الحوار بشأن سلاح الحزب "مضيعة للوقت لأنه لا يحمل مهلة زمنية، فهم يراهنون على عامل الوقت لأن يغض المجتمع الدولي النظر عن لبنان، بينما لا يزال كوادر الحزب يصرحون بعدم تسليم السلاح".

 

وتساءل المحلل اللبناني عن مدى جدوى الحوار "ما دام المطلوب واضحا وهو تسليم السلاح وحصره بيد الدولة فقط".

 

ولفت سركيس إلى أن مبعوثة واشنطن "لا تحمل موقفا أمريكيا فحسب، بل إن موقفها يمثل الجانبين العربي والأوروبي".

 

ورأى أن المجتمع الدولي لن يساهم ماليا في إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل خلال الأشهر الماضية، إذا لم تنفذ الدولة اللبنانية نزع السلاح وتقدم على إصلاحات اقتصادية وإدارية في المؤسسات الحكومية.

 

** فخ التصادم

 

بينما رأى المحلل والصحفي اللبناني سعود، أن "الدولة اللبنانية لن تُستدرج إلى فخ نزع سلاح حزب الله منعا لتصادم بينها وبين الحزب".

 

ولافتا إلى كلام عون بشأن الحوار مع الحزب، قال سعود إنه "يعكس موقفا توافقيا وحواريا مع حزب الله الذي يتصرف على هذا الأساس".

 

وأوضح أن "دعوة عون تشير إلى أن نقاشا جرى مع الحزب قبل انتخابه رئيسا، حين لم يمانع الحزب وصوله لسدة الرئاسة بناء على تصرفاته مع الحزب خلال ولايته بقيادة الجيش، ولم يدخل بأي صدام معه رغم الضغوط الأمريكية عليه".

 

ووفق سعود، فإن عون "حريص جدا على الحوار مع حزب الله ويفضل علاقة جيدة مع رئيس البرلمان نبيه بري رغم أن ذلك يغضب الأمريكيين، لكن عون لا يريد مشاكل داخلية".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: الدولة اللبنانیة نزع سلاح حزب الله المحلل السیاسی المجتمع الدولی تسلیم السلاح الحوار مع سحب سلاح مع الحزب من جهة إلى أن

إقرأ أيضاً:

دعوة إسرائيلية لإعادة ترسيم الحدود مع لبنان وفق نتائج المواجهة مع حزب الله

رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال ولبنان في نوفمبر، تتزايد الدعوات الاسرائيلية لإعادة النظر في مستقبل الحدود الشمالية، بعد أن شكلت جبهة استراتيجية متفجرة في العقود الأخيرة، ووصلت لذروة جديدة من التوتر بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023.

وكشف عوديد عيلام المسئول السابق في جهاز الموساد، عما أسماها "الإخفاقات المتأصلة في الترتيبات الحدودية الحالية، مثل قرار الأمم المتحدة رقم 1701 وقوات اليونيفيل غير الفعالة، التي سمحت لحزب الله بترسيخ نفسه كقوة عسكرية مهيمنة في جنوب لبنان، وتهديد أمن مستوطنات الشمال، وبناء على إنجازات الحملة العسكرية الحالية، يمكن اقتراح نموذج جديد لتنظيم الحدود من خلال مخطط تدريجي يتضمن إنشاء منطقة أمنية موسعة ومنزوعة السلاح، تحت إشراف قوة متعددة الجنسيات فعالة بقيادة الولايات المتحدة، مع الحفاظ على حرية العمل الإسرائيلية حتى يستقر الوضع".

وأضاف عيلام الكاتب في مركز القدس للشئون الخارجية والأمن في مقال ترجمته "عربي21" أن "الانتصار العسكري الذي حققه الاحتلال ضد حزب الله في الحرب الحالية، خلق رافعة فريدة تسمح للحكومة اللبنانية، بدعم دولي، باستعادة سيادتها في الجنوب، مما سيكون له آثار بعيدة المدى على مطالب الاحتلال بتغيير الوضع القائم، لأن هجوم السابع من أكتوبر، والحرب التي اندلعت في عقابه، لم تكشف فقط عن مدى الضعف الشديد الذي تعاني منه حدود الاحتلال في الجنوب مع غزة، بل أظهرت بشكل دراماتيكي التهديدات المتصاعدة على حدودها الشمالية مع لبنان".

وأوضح أن "المعارك العنيفة التي اندلعت ضد حزب الله، وتضمنت إطلاق صواريخ كثيفة وطائرات بدون طيار ومناورات برية، أدت لإخلاء واسع النطاق للمستوطنات الشمالية، وأثبتت أن مفهوم الأمن القائم المستند لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، انهار تماما، وأصبح الخط الأزرق، الذي مثّل الانسحاب من لبنان، ويضمن نزع السلاح في جنوبه، بمثابة خط أمامي نشط في الواقع، مما يتطلب إعادة النظر بشكل شامل في الافتراضات الاستراتيجية التي شكلت سياسة الاحتلال تجاه لبنان في العقود الأخيرة".

وأشار إلى أن "الضعف الاستراتيجي للمستوطنات الشمالية مثل المطلة وكريات شمونة وشلومي والمنارة وغيرها عاشت ظروفا مأساوية منذ أكتوبر 2023، وأصبحت نيران مضادات الدبابات والصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون والطائرات بدون طيار روتينا يوميا، ما تسبب بأضرار جسيمة للممتلكات، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الحيوية، وشل حياة المستوطنين، وقد شكل إخلاء عشرات الآلاف منهم من منازلهم لعدة أشهر ضربة قوية لسيادة الاحتلال، مما كشف عن إخفاقات أساسية في ترتيبات الحدود الشمالية، وفشل منهجي لتثبيتها".



وأردف أن "الاحتلال دخل حرب الشمال بموقف مفاده أن الوضع الذي ساد مساء السابع من أكتوبر لن يستمر، والافتراض أن هذه الحملة انتهت بإنجازات عسكرية كبيرة، بما فيها إبعاد حزب الله عن الحدود، وإلحاق أضرار كبيرة بقدراته العسكرية، وتقليص كبير في هيمنته على لبنان، واستعادة الشعور بالأمن لدى مستوطني الشمال، صحيح أن هذا النصر لم يؤد للقضاء الكامل على الحزب، لكنه خلق واقعاً استراتيجياً جديداً له آثار قانونية وسياسية بعيدة المدى، مما يستدعي الحاجة لتغييرات جذرية في الترتيبات الأمنية الحدودية".

كما دعا الكاتب للقيام جملة مراحل تدريجية لتثبيت الوقائع الحدودية بما يتناسب مع نتيجة المواجهة العسكرية، تقوم أولاها على خلق واقع أمني جديد وضمان حرية عمل الاحتلال في لبنان، وتطبيقاً صارماً للتحرك العسكري بطريقة تضمن إبعاد كل قوات حزب الله وبناها التحتية العسكرية لمسافة كبيرة من الحدود، على الأقل حتى نهر الأولي، وأبعد من ذلك، وتدمير كافة بناه التحتية السرية، ومخازن الأسلحة الاستراتيجية في مختلف أنحاء لبنان، وصولا لإنشاء آلية أمنية بديلة ذات مصداقية، لمنع الحزب من إعادة تأسيس نفسه".

ولفت إلى أن "المرحلة الثانية تتمثل بإنشاء منطقة أمنية منزوعة السلاح وخاضعة للإشراف بقيادة قوة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، أوسع بكثير بدءاً من الخط الأزرق، الممتد من خط الحدود الدولية شمالاً، على الأقل حتى نهر الليطاني وما بعده في المناطق ذات الأهمية الطبوغرافية، وإعلانها منزوعة السلاح تماما من أي وجود عسكري أو مسلح، باستثناء الجيش اللبناني وقوة متعددة الجنسيات، بقيادة الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن ومصر، بجانب منطقة دفاع متعددة الطبقات داخل دولة الاحتلال".

مقالات مشابهة

  • تمديد مهلة تسليم سلاح الحزب وارتياح أميركي لما ينجزه الجيش
  • خبراء يقيّمون للجزيرة نت موقف حزب الله من قصف إسرائيل لإيران
  • تباطؤ حزب الله بتسليم سلاحه يدخل لبنان في جمود سياسي
  • عن حصرية السلاح وإعادة الإعمار... هذا ما كشفه لودريان!
  • الجميل استقبل لودريان: لضرورة انسحاب إسرائيل وسحب سلاح الحزب لضبط سيادة لبنان
  • اليونيفيل بين نيران الرسائل السياسية وتحديات السيادة اللبنانية | سياسي يوضح
  • وديعة لدى الجيش.. تفاصيل كاملة لآلية نزع سلاح المخيمات
  • هل تعلن القوى الفلسطينية اليوم موقفها النهائي من سحب سلاح المخيمات؟
  • حزب الله من نزع السلاح لإعادة التسلُّح؟
  • دعوة إسرائيلية لإعادة ترسيم الحدود مع لبنان وفق نتائج المواجهة مع حزب الله