ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

خالص التعازي لكل من أمضى أيامًا يحاول أن يفكك «لعبة الشطرنج» التي افتعلها دونالد ترامب في فوضى الرسوم الجمركية التي فجرت الأسواق. فحين يكون ترامب طرفًا في المشهد، يهيمن غماما من الفوضى، وتنتشر عمليات الاحتيال وسط هذا الضباب. وإذا وُجد هناك «أساتذة كبار» حقًا، فإنهم بالتأكيد أساتذة في فنون التحايل لا أكثر.

عندما تخسر الأسواق 10 تريليونات دولار خلال ثلاثة أيام، ثم تستعيد تريليونات أخرى في ظهيرة واحدة بناءً على قرارات شخص واحد مشكوك في نزاهته، يمكنك التأكد أن هناك قلة من الناس حققت أرباحًا ضخمة من هذا التقلّب الجنوني. فهل كان أولئك الذين ضخّوا استثمارات كبيرة فجأة، عبر شراء خيارات مالية على مؤشرات وصناديق استثمارية صباح الأربعاء، وقبل الإعلان عن تخفيف الرسوم بعشرين دقيقة، محظوظين إلى هذا الحد؟ أم أنهم كانوا ضمن مجموعة «سيجنال» السرية؟ أم ببساطة كانوا يتابعون ترامب على منصته «تروث سوشيال»، حيث كتب: «هذا هو الوقت المثالي للشراء!!! قبل ساعات من إعلانه نوعا من التراجع؟».

أول ما يجب أن تستوعبه أوروبا، بخلاف «نصائح الاستثمار» المحتملة، هو أن ترامب يتراجع عندما يُواجه ضغوطا، فلا داعي للتذلل. فالرسم الجمركي الشامل بنسبة 10% لا يزال قائمًا، إلى جانب رسوم الشهر الماضي على الصلب والألمنيوم، فلماذا تراجعت أوروبا من جانب واحد عن رسومها الانتقامية دون خطوة مقابلة من واشنطن؟

ترامب، بطبيعة الحال، يحاول أن يُسوّق تراجعه الجزئي على أنه ثمرة لمكالمات الدول الأخرى وتوسلاتها، كما تباهى أمام الجمهوريين في الكونجرس قائلاً: «يتصلون بي ويتوسلون إلي». ولا شك عندي أن ترامب، الذي وصفه مئات الأخصائيين في الصحة النفسية علنًا بأنه يعاني اضطراب النرجسية الخبيثة بدرجة بالغة، يتمنى أن يكون هذا التفسير صحيحًا. لكن، دعوني أجازف وأقول إن السبب لم يكن «التوسّل»، ولا «الصفقات»، بل كان أن المستثمرين وصناديق المال حول العالم بدأوا يفرّون من كل ما له علاقة بالولايات المتحدة، بما في ذلك سندات خزينتها.

هناك ظاهرة مزمنة مفادها أن أوروبا تبالغ في تقدير قوة الولايات المتحدة، وتقلل من شأن قدراتها الخاصة. لم «تتوسّل» أوروبا، ولم تنتقم بسبب رسوم «يوم التحرير» الجمركية، بل راقبت بصمت الفوضى السوقية التي أحدثت صدعًا في فكرة أن الاقتصاد الأمريكي محصن لا يُقهر.

تخيلوا كم كانت وتيرة الهروب من الولايات المتحدة نحو ملاذات آمنة، مثل اليورو، ستكون أسرع لو أن الاتحاد الأوروبي استخدم فورًا ما يُعرف بـ«أداة مكافحة الإكراه»، وهي تشريع جديد يسمح له باستهداف قطاعات الخدمات الأمريكية مثل البنوك والتكنولوجيا.

الدرس الثاني، أن بقية العالم مستعد لتجاوز فوضى أمريكا وعدم استقرارها، فقط يحتاج إلى أوروبا لتكون البديل.

ما لا يفهمه ترامب أيضًا هو أن الولايات المتحدة، رغم عجزها التجاري، كانت مصدر «الثقة»، حتى نسفت النظام الاقتصادي والأمني المتشابك الذي صممته وبنته وأدارت شؤونه طوال ثمانية عقود، وكانت هي المستفيد الأكبر منه.

واليوم، الرؤية من بروكسل، كما قال لي «كلاوس فيستيسن» من شركة «بانثيون ماكروإكونوميكس»، هي أن «الولايات المتحدة لم تعد تحظى بمصداقية طويلة الأمد».

في المقابل، أوروبا تلتزم بالقوانين. وعلى المدى الطويل، كلما زادت ضربات ترامب لحكم القانون، وكلما ترسخت صورة أمريكا كدولة متقلبة لا يُعتمد عليها، تعززت حجة اليورو ليحل محل الدولار كعملة احتياطية عالمية. وهذا يقودنا إلى الدرس الثالث.

الدرس الثالث، هو أنه في ظل عداء إدارة ترامب الصريح تجاه الاتحاد الأوروبي، على الاتحاد أن يتحرك بسرعة لمعالجة أضعف نقاطه المتمثلة في اعتماده على واردات الوقود الأحفوري. أحيانًا، يأخذ هذا العداء طابعًا ساخرًا، كما حدث عندما صرح وزير التجارة الأمريكي «هاورد لوتنيك» بأن الأوروبيين «يكرهون لحومنا لأنها جميلة ولحومهم ضعيفة».

وأحيانًا يكون أوضح، كما عندما قال ترامب إنه لن تكون هناك مفاوضات مع الأوروبيين إلا إذا «دفعوا لنا الكثير من المال سنويًا، أولاً عن الحاضر، وثانيًا عن الماضي»، في إشارة منه إلى صفقة وهمية تقضي بأن تشتري أوروبا غازًا طبيعيًا أمريكيًا بقيمة 350 مليار دولار سنويًا مقابل رفع الرسوم الجمركية.

في الأشهر الأخيرة، تكررت الدعوات إلى تخفيف القيود المناخية بدعوى تحفيز النمو.

وهذه ستكون خسارة كارثية، ليس فقط لأن أوروبا عرضة بشدة لانهيارات مناخية ستتفاقم كلفتها البشرية والمالية مع كل ارتفاع نصف درجة حرارة، بل لأن اعتماد الاتحاد على الوقود المستورد، من روسيا أو أمريكا، يشكّل ضعفًا استراتيجيًا واقتصاديًا صارخًا.

والمفارقة الكبرى أن أجندة ترامب الداعمة للوقود الأحفوري فجّرت عملية «إعادة التصنيع الخضراء» التي بدأت بالفعل بفضل قانون خفض التضخم الذي أقره بايدن، تاركة الباب مفتوحًا أمام منافس آخر لقيادة هذا التحول.

لذا، وبعبارة مقتبسة من رواد التكنولوجيا: إذا كان ترامب يهرول ليهدم، فلنهرول نحن لنبني.

يقول «سيمونه تالياپييترا» من مركز «بروغيل» البحثي في بروكسل: «يمكن لأوروبا أن تحول هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز تفوقها في مجال التكنولوجيا النظيفة». وهو يدعو إلى إنشاء بنك لإزالة الكربون، وإتمام السوق الأوروبية الموحدة كما أوصى ماريو دراجي، وإصدار سندات أوروبية جديدة.

شعار المرحلة القادمة يجب أن يكون: «مهما كلف الأمر»، يجب الوصول إلى مرحلة استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة بالكامل، تصميمًا أوروبيًا، وتصنيعًا أوروبيًا، حتى لا تُضطر أوروبا أبدًا إلى إنفاق 350 مليار دولار على استيراد الغاز من الولايات المتحدة أو روسيا أو أي مكان آخر.

ألكسندر هيرست هو مراسل صحيفة الجارديان فى أوروبا.

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

إدارة ترامب تدرس إضافة 36 دولة إلى حظر السفر الى الولايات المتحدة

يونيو 16, 2025آخر تحديث: يونيو 16, 2025

المستقلة/- تدرس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توسيع قيود السفر بشكل كبير، من خلال حظر محتمل لمواطني 36 دولة إضافية من دخول الولايات المتحدة، وفقًا لبرقية داخلية لوزارة الخارجية.

في وقت سابق من هذا الشهر، وقّع الرئيس الجمهوري إعلانًا يحظر دخول مواطني 12 دولة، قائلاً إن هذه الخطوة ضرورية لحماية الولايات المتحدة من “الإرهابيين الأجانب” وغيرهم من تهديدات الأمن القومي.

كان هذا التوجيه جزءًا من حملة قمع الهجرة التي شنها ترامب هذا العام في بداية ولايته الثانية، والتي شملت ترحيل مئات الفنزويليين المشتبه في انتمائهم إلى عصابات إلى السلفادور، بالإضافة إلى جهود لرفض تسجيل بعض الطلاب الأجانب في الجامعات الأمريكية وترحيل آخرين.

في برقية دبلوماسية داخلية موقعة من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، حددت وزارة الخارجية عشرات المخاوف بشأن الدول المعنية، وسعت إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية.

ذكرت البرقية الصادرة خلال عطلة نهاية الأسبوع أن “الوزارة حددت 36 دولة مثيرة للقلق، قد يُوصى بتعليق دخولها كليًا أو جزئيًا إذا لم تستوفِ المعايير والمتطلبات المحددة في غضون 60 يومًا”.

وكانت صحيفة واشنطن بوست أول من نشر البرقية.

وذكرت البرقية أن من بين المخاوف التي أثارتها وزارة الخارجية عدم وجود حكومات كفؤة أو متعاونة من قِبل بعض الدول المذكورة لإصدار وثائق هوية موثوقة. ومن المخاوف الأخرى “الشكوك الأمنية” المتعلقة بجواز سفر تلك الدولة.

وأشارت البرقية إلى أن بعض الدول لم تكن متعاونة في تسهيل ترحيل مواطنيها من الولايات المتحدة الذين صدرت أوامر بترحيلهم. كما أن بعض الدول تجاوزت مدة التأشيرات الأمريكية الممنوحة لمواطنيها.

ومن الأسباب الأخرى المذكورة تورط مواطني تلك الدول في أعمال إرهابية في الولايات المتحدة، أو في أنشطة معادية للسامية وأمريكا.

وأشارت البرقية إلى أن هذه المخاوف لا تنطبق جميعها على جميع الدول المذكورة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية “نحن نعمل باستمرار على إعادة تقييم السياسات لضمان سلامة الأميركيين والتأكد من التزام المواطنين الأجانب بقوانيننا”، رافضاً التعليق على مداولات واتصالات داخلية محددة.

صرح المسؤول قائلاً: “تلتزم وزارة الخارجية بحماية أمتنا ومواطنيها من خلال الالتزام بأعلى معايير الأمن القومي والسلامة العامة من خلال عملية إصدار التأشيرات”.

الدول التي قد تواجه حظرًا كاملًا أو جزئيًا إذا لم تعالج هذه المخاوف خلال الستين يومًا القادمة هي: أنغولا، أنتيغوا وبربودا، بنين، بوتان، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، كمبوديا، الكاميرون، كوت ديفوار، جمهورية الكونغو الديمقراطية، جيبوتي، دومينيكا، إثيوبيا، مصر، الغابون، غامبيا، غانا، قيرغيزستان، ليبيريا، ملاوي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، ساو تومي وبرينسيبي، السنغال، جنوب السودان، سوريا، تنزانيا، تونغا، توفالو، أوغندا، فانواتو، زامبيا، وزيمبابوي.

سيكون هذا توسعًا كبيرًا في الحظر الذي دخل حيز التنفيذ في وقت سابق من هذا الشهر. الدول المتأثرة هي أفغانستان، وميانمار، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن.

كما قُيّد جزئيًا دخول الأشخاص من سبع دول أخرى – بوروندي، وكوبا، ولاوس، وسيراليون، وتوغو، وتركمانستان، وفنزويلا.

خلال ولايته الأولى، أعلن ترامب حظرًا على دخول المسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وهي سياسةٌ خضعت لمراجعاتٍ عديدة قبل أن تُؤيّدها المحكمة العليا عام 2018.

مقالات مشابهة

  • السناتور بيرني ساندرز: لا يجب جر الولايات المتحدة لحرب نتنياهو
  • هل يُقحم ترامب الولايات المتحدة في حرب مع إيران؟
  • إدارة ترامب تدرس إضافة 36 دولة إلى حظر السفر الى الولايات المتحدة
  • ترامب: الولايات المتحدة ستواصل دعم إسرائيل
  • هل تدخل الولايات المتحدة الحرب بين إيران وإسرائيل؟ ترامب يجيب
  • ترامب: الولايات المتحدة ستواصل دعم إسرائيل للدفاع عن نفسها
  • أبو شامة عن حرب إيران: أهداف الولايات المتحدة تختلف عن إسرائيل
  • ترامب: الولايات المتحدة سترد بقوة غير مسبوقة على أي اعتداء إيراني
  • وزير الرياضة يشهد المباراة الافتتاحية لبطولة كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة الأمريكية
  • ترامب: الولايات المتحدة سترد بقوة غير مسبوقة ضد أي اعتداء إيراني