يمن مونيتور:
2025-06-11@01:50:32 GMT

الصحفيون… العدو الوجودي للحوثيين

تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT

الصحفيون… العدو الوجودي للحوثيين

في مثل هذا اليوم السادس عشر من أبريل، أستعيد للسنة الثانية ذكرى تحريري وزملائي من سجون ميليشيا الحوثي الإرهابية بعد ثماني سنوات من الاختطاف والتعذيب والتنكيل، بوساطة إنسانية رعتها الأمم المتحدة، وهي ليست مجرد ذكرى شخصية؛ بل هي شاهد على حرب وجودية مستمرة تشنها المليشيات الحوثية على الصحافة، باعتبارها العدو الأول والأخطر لمشروعها القمعي الطائفي.

شاهدنا ذلك منذ ساعات الانقلاب الأولى واحتلال العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، ورأينا ما تلاها خلال سنوات الحرب الجارية كيف اندفعت آلة الجريمة والقتل الحوثية نحو الصحافة والصحفيين باعتبارهم تهديداً وجودياً لها ولبنيانها الدعائي القائم على الخرافة والتضليل والكذب، فالكلمة الحرة من منظورهم السلالي والطائفي سلاحاً أشد فتكاً بمنظومتها الرجعية العنصرية التي تسعى لتكريسها بالقوة والعنف والإرهاب.

وآنذاك، لم يُخفِ زعيم الحوثية الإرهابية عبدالملك الحوثي هذا الرعب، بل وصف الصحفيين في أحد خطاباته بأنهم “أخطر من المقاتلين”، مؤكدًا بذلك أن الصحافة تمثل أكبر تهديد لمشروعهم السلالي الظلامي الكهنوتي، ليترجم بذلك سياسة ممنهجة علنية تستهدف الصحافة كعدو يجب سحقه، ومن داخل السجون، واجهنا هذه العقيدة الدموية وجهاً لوجه، حين قال لنا أحد قادة التعذيب والمشرف العام على السجون الحوثية ومسؤول سجن معسكر الأمن المركزي بصنعاء الإرهابي عبدالقادر المرتضى: “نحن نتعبد الله بتعذيب الصحفيين.”

لم يكن هناك من شك بأن الصحفيين في نظر الإرهابيين الحوثيين أعداء يجب التنكيل بهم والتخلص منهم، وكان المشهد الأبرز في هذه الفصول المظلمة ما قاله الإرهابي عبدالحكيم الخيواني، رئيس ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حين واجهنا داخل السجن قائلاً لنا بوضوح وصراحة فظة: “أنتم الصحفيون العدو الوجودي للحوثيين”، عبارات صادمة كهذه لم تكن مجرد تهديدات وحسب؛ بل كانت تعبيراً عن نهج كامل أو ما يُشبه خارطة طريق للتعامل مع الصحفيين، وبنفس الوقت كانت كشفاً حقيقياً لمدى خوفهم من الصحافة الحرة التي في نظرهم، تمثل تهديداً فعلياً لاستمرارية وجودهم، لذلك ووفق منطقهم الإجرامي يجب محاربتها والقضاء عليها بشتى الطرق وكل الوسائل.

طوال فترة السجن كنا نُواجه تهديدات صريحة في جلسات التحقيق المطولة التي تناوب عليها عشرات المحققين في عدة سجون وبأساليب تعذيب وتهديد متنوعة تبدأ بالسب والشتم والقذع مروراً بالتعذيب البدني وتنتهي بتصويب فوهة السلاح على رؤوسنا وصراخ الجلاد بـ”ما يسكت الإعلام إلا الإعدام”، هذا الفكر الإرهابي كان يُشرعن القتل كسلاح لإسكات الكلمة، فلم تكن الصحافة جريمة، لكنهم حولوها إلى ذلك، ولم تكن المهنية تهمة، لكنهم جعلوها سبباً للحكم علينا بالإعدام وأصدروا فتوى بقتلنا.

في إحدى جلسات ما يسمى بالمحاكمة الهزلية، قال لنا قاضي الموت الحوثي المجرم محمد مفلح، الذي أصدر بحقنا فتاوى بالقتل: “أنتم أعداء الله وأعداء الوطن”، هكذا ترى ميليشيا الحوثي الإرهابية الصحفيين، أعداء يجب تصفيتهم.

ثماني سنوات قضيتها في زنازين الظلم والظلام والرعب والبشاعة الحوثية، هي أطول فترة يُسجن فيها صحفي بسبب مهنته في تاريخ الصحافة، خلالها فقدتُ والدي رحمة الله عليه، دون أن اراه للمرة الأخيرة، وعانيت من التعذيب الجسدي والنفسي طوال فترة الاختطاف وتم وضعنا كدروع بشرية في المعسكرات ومخازن الأسلحة، عانيت من والإهمال الطبي، والتجويع، والحرمان من أبسط الحقوق ونهب مقتنياتي الشخصية وسلب ممتلكاتي وجزء ثمين من عمري وصدرت ضدي فتوى بالقتل، فقط لأنني صحفي، ولم تقتصر المعاناة علينا فقط، بل طالت عائلاتنا التي واجهت التهجير والتهديد، والتجويع، والتشريد، لقد ارتكبت الميليشيا ضدنا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .

خرجت من سجون الحوثية الإرهابية، لكنني وما زلت حتى اليوم أعيش في منفى قسري أعاني آثار ما جرى لنا وتطاردني فتاوى القتل الإعدام الحوثية، كجريمة لا تنتهي تهدد وجودنا مدى الحياة، بينما المجرمون لا يزالون طلقاء دون رادع ولا حساب.

ورغم كل ذلك، لم نصمت ولن نصمت، اخترنا طريق القانون، نؤمن أن العدالة مهما تأخرت، قادرة على إنصاف الضحايا ووضع حد للإفلات من العقاب وكبح جماح الجريمة، نعمل مع الكثير من الشركاء والزملاء والحقوقيين محلياً ودولياً لملاحقة الجناة والمجرمين عبر القضاء الوطني والدولي، إيماناً بأن السلام الحقيقي لا يُبنى إلا على العدالة.

وفي هذه الذكرى، أجدها فرصة لتكرار الشكر والتقدير لكل من تضامن معنا وساهم بجهد في تحريرنا من قبضة الميليشيا الحوثية وحمل على عاتقه هم قضية الصحفيين المختطفين، ونُجدد النداء للجميع وعلى رأسهم المجتمع الدولي بأن لا يكتفوا بالإدانة، بل يجب ان يكون هناك تحرك وضغط من خلال فرض العقوبات من اجل تحرير زملائنا المختطفين في سجون ميليشيا الحوثي الإرهابية، إن استمرار اختطافهم هو جريمة يومية، واختبار حقيقي لصدق التزامات ومواثيق العالم تجاه حرية الصحافة.

ختاماً ولأن الكلمة الحرة كانت ولا تزال أقوى من رصاصهم وسجونهم. سنواصل الطريق لا كضحايا، بل كصُنّاع للعدالة وروداً التغيير، وحماة الحقيقة مهما كلف الثمن.

 

نقلاً من صفحة الكاتب على “فيسبوك”

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الصحفيين كتابات

إقرأ أيضاً:

نموذج “بوكو حرام”: كيف تستغل الجماعات الإرهابية ثغرات “تيك توك”؟

 

تشهد نيجيريا موجة جديدة من العمليات الإرهابية، بقيادة جماعة بوكو حرام، وتنظيم ولاية غرب إفريقيا التابع لداعش، في مناطقها الشمالية الشرقية، خاصةً ولاية بورنو التي شكلت بؤرة الصراع الذي خلَّف منذ عام 2009 أكثر من مليوني نازح و40 ألف قتيل.

وقد أسفر المد الإرهابي الجديد في نيجيريا، في إبريل 2025، عن أكثر من 100 قتيل، وترافق مع صدور تقارير حول استخدام تطبيق “تيك توك” في حملات الدعاية والتجنيد. ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في 19 مايو 2025، ملخصاً مشتركاً مع وكالة الأنباء الفرنسية لتقريرها بشأن حسابات على التطبيق تروج للأفكار المتطرفة ومعاداة الغرب، بطريقة مشابهة لتلك التي دأب عليها الزعيم السابق لبوكو حرام، أبو بكر شيكاو، قبل مقتله عام 2021.

ويعكس استخدام التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لتطبيق “تيك توك”، اهتمامها بمزاياه في خوض “المعارك الرقمية” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع العمليات العسكرية المكثفة والمتصاعدة في ميادين القتال؛ لذلك بثَّت في وقت سابق حسابات تابعة لجماعة بوكو حرام على التطبيق، مقاطع لطائرات مُسيَّرة أثناء مراقبتها مواقع للجيش النيجيري قبيل مهاجمتها.

الإرهاب الرقمي:

انخرطت التنظيمات الإرهابية في استخدام التكنولوجيا الرقمية منذ العقد الأول من الألفية، لتحقيق “الحكامة” و”الفاعلية” في تنفيذ أجندتها ما دامت لا تعود عليها بمخاطر أمنية؛ مستغلة حالة السيولة في الفضاء الرقمي وضعف التنسيق الدولي في الرقابة على المحتويات الإلكترونية مثل الرسائل النصية واستخدام الأقراص المدمجة؛ الأمر الذي سمح بذيوع الكتب الممنوعة من التداول بالطرق التقليدية، وساعد على انتشار الخطب التحريضية ووصفات صناعة الأسلحة اليدوية وإعداد المتفجرات.

كما التفتت هذه التنظيمات إلى أهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للدخول في علاقات “افتراضية” مع مختلف الأوساط الشعبية، ونجحت في تحويل هذه العلاقات، في الكثير من الحالات، إلى علاقات “واقعية” بعد إقناع العناصر المستهدفة بالالتحاق بمعسكرات التدريب والقتال المنتشرة عبر مواقع متفرقة من العالم؛ بل اتضحت خطورة هذا الاستخدام في حالات التحول الفجائي نحو التطرف وترجمته عملياً عبر عمليات الدهس والطعن في شوارع المدن الغربية.

وفي هذا الأفق المحكوم بخلفية “انتهاز الفرص”، عملت التنظيمات الإرهابية على توظيف الوسائط الجديدة مثل “فيسبوك” و”إكس” و”واتساب” و”إنستغرام” و”تليغرام”، ثم في الفترة الأخيرة تطبيق “تيك توك”، المملوك لشركة “بايت دانس” الصينية العملاقة (Bytedance)؛ لانسجامه مع متطلبات العمل الإرهابي في صورته الهجينة، حيث صارت هذه الجماعات تستخدم “تيك توك” لتعزيز قدراتها في النشر والدعاية والتجنيد عبر بث مقاطع تظهر الأسلحة والذخائر ومشاهد التدريب، وعرض للأموال التي يُحتمل تحصيلها من الهجمات، وترديد خطابات التهديد والتحريض والتضليل. وهذا ما أكدته وكالة الأنباء الفرنسية من مراجعتها لـ19 حساباً على “تيك توك”، قالت إنها تبث بشكل متكرر مشاهد لعناصر يرتدون زياً دينياً، ويحرّضون على العنف ضد الحكومة، ويتعاونون مع حسابات تعرض كميات كبيرة من الأسلحة، وتروج لتسجيلات قديمة لمؤسس جماعة بوكو حرام، محمد يوسف، وأخرى للواعظ السلفي المتشدد عيسى غارو، المعروف بخطاباته العنيفة والذي تم منعه من إلقاء الخطب في الأماكن العامة بولاية النيجر لهجومه على الديمقراطية ومظاهر الحضارة الغربية.

ولعل التجارب السابقة في استخدام “تيك توك” من جانب الجماعات الإجرامية المنتشرة في المنطقة الشمالية الغربية وولاية النيجر بالمنطقة الشمالية الوسطى في نيجيريا، والتي تنوعت أنشطتها بين سرقة الممتلكات وعمليات الاختطاف؛ تُوفر لجماعة بوكو حرام وغيرها تجربة عملية في إدارة المحتوى الرقمي من خلال التطبيق، حيث شرح بولاما بوكارتي، الخبير في شؤون مكافحة التطرف ونائب رئيس مؤسسة “بريدجواي” ومقرها تكساس في الولايات المتحدة، بمنشور على حسابه في منصة “إكس” بتاريخ 17 إبريل الماضي، أن استخدام “تيك توك” بدأ في نيجيريا مع قطاع الطرق.

كما أن هذه التجارب قد استعادها تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، الذي تعرَّض عدد من حساباته على “تيك توك” للمنع من إدارة التطبيق بعد استلامها إحاطة من وكالة “ستوريفول” (Storyful) استناداً إلى تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشف في 21 أكتوبر 2019، عن ترويج مقاطع فيديو عبر التطبيق تظهر صور جثث معروضة في الشوارع ومسلحين وأغانٍ تمجد العنف، غير أن معظم الحسابات المعنية لم تصل حينها، بحسب تقرير الصحيفة، إلى حاجز الألف متابع.

وفي تاريخ لاحق، حدَّدت وزارة الاتصالات والتكنولوجيا الصومالية، يوم 24 أغسطس 2023، موعداً نهائياً لمزودي الإنترنت في البلاد للتوقف عن توفير الوصول إلى “تيك توك”، بجانب “تليغرام” وموقع المراهنة عبر الإنترنت (1xBet)؛ باعتبارها منصات رقمية للدعاية الإرهابية، وذلك في أوج حربها على حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة. وفي ذات السياق، وثقت منظمة “هم أنجل” (HumAngle)، المتخصصة في تغطية النزاعات والإرهاب والأزمات الإنسانية في غرب إفريقيا، في أغسطس 2024، نحو 730 مقطع فيديو على “تيك توك” يتم ترويجها عبر 25 حساباً تخضع لإدارة جهات تدعم الجماعات المسلحة.

جاذبية “تيك توك”:

يأتي استخدام تطبيق “تيك توك” من جانب التنظيمات الإرهابية في سياق بحثها المستمر عن أدوات التأثير والانتشار وتنويع مصادر التعبير عن حضورها، وعموماً يمكن تحديد الدوافع المباشرة لاتجاه هذه التنظيمات نحو التطبيق الصيني، فيما يلي:

1- شعبية “تيك توك” لدى الشباب: أصبح تطبيق “تيك توك”، عام 2024، الأكثر تحميلاً في العالم بـ825 مليون مرة؛ ليسجل أكثر من خمسة مليارات عملية تنزيل منذ إطلاقه عام 2017. فيما بلغ عدد مستخدمي “تيك توك” النشطين في نيجيريا وحدها، العام الماضي، قرابة 24 مليون مستخدم.

ويُعتبر الشباب فئة مهمة من رواد التطبيق؛ إذ إن نحو 66% من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة، حسب إحصائيات (DemandSage) الصادرة في أوائل مايو 2025؛ لذلك بات التطبيق يشكل هدفاً للجماعات الإرهابية الساعية لتملك أدوات التواصل مع الشباب بغرض التجنيد، وهذا ما أوضحه جهادي سابق انشق عن جماعة بوكو حرام، في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، بقوله إن الجماعات التي اتجهت إلى “تيك توك” هجرت الأساليب التقليدية “المملة” في خطابها، وصارت تتبنى لغة عصرية جذَّابة وذات فاعلية تجاه الشباب، بين 16 و30 سنة، وهي الفئة الأكثر عُرضة للاستقطاب.

2- البث المصور والمباشر: يوفر تطبيق “تيك توك” إمكانية البث المصور والمباشر في ذات الوقت؛ الأمر الذي يتيح التفاعل الحي بين صاحب المحتوى ومتابعيه؛ ومن ثم خلق حالة من الشعور بالثقة المتبادلة يعززها ظهور عناصر التنظيم بوجه مكشوف وملابس تقليدية وملامح مألوفة لدى سكان المنطقة وتداول مفردات معهودة في خطابهم المحلي؛ الأمر الذي تطور في حالات مؤكدة، حسب تقرير وكالة الأنباء الفرنسية، إلى فتح مجال للتحادث من خلال طرح الأسئلة والجواب عليها ووضع التعليقات والتجاوب معها، وهو الأمر الذي عدَّته الوكالة مصدر قلق، خاصة أنه ينطوي على مخاطر أكبر تتمثل في فتح قناة جديدة للتمويل؛ إذ تتلقى بعض الحسابات من متابعيها “هدايا رقمية” قابلة للتحويل إلى نقود.

كما يمكن توقع الأسوأ في حال نجاح هذه التنظيمات، من خلال تكرار مشاهد البث بالصوة والصورة، في إشاعة ثقافة “الجهاد” في الأوساط المُستهدفة، بجعل الدعوة إلى التمرد وحمل السلاح وغيرها روتيناً يومياً يسهم في تطبيع العنف ومظاهر القتل بالمجتمع؛ ومن ثم توسيع حواضنها الشعبية بزيادة أعضائها والمتعاطفين مع مشروعها.

3- قصور الرصد اللغوي للغات المحلية: تعتري أنظمة الرقابة المُعتمدة من طرف “تيك توك” على محتوياته الرقمية، جملة ثغرات تقنية تشكل منافذ لدى العناصر الإرهابية والمتطرفة لتمرير خطاباتها. وعلى الرغم من الاحتياطات التي اتخذتها إدارة التطبيق؛ فإن جهودها على مستوى رصد المحتوى المتطرف ما زالت تتسم بالبطء والقصور.

وأمام تصاعد التحدي الإرهابي، تبدو شراكات التعاون الأمني التي أبرمها “تيك توك” مع الجهات المختصة غير كافية، خاصةً أن مبادرة “التكنولوجيا ضد الإرهاب” (Tech Against Terrorism)، المدعومة من الأمم المتحدة، قد أنهت تعاونها مع التطبيق منذ مطلع 2024.

بيد أن التحدي الأكبر الذي يواجه “تيك توك” في مناطق شمال شرقي نيجيريا، يتمثل في استخدام اللغات المحلية مثل “الفولفولدي” وخاصةً “الهوسا” التي يتحدث بها نحو 72 مليون شخص في غرب إفريقيا، حيث تعجز خوارزميات التطبيق عن تفعيل إشارات فورية بشأن المحتوى المتطرف؛ مما يتيح لهذا المحتوى فترات زمنية من النشر قد تمتد لأسابيع وحتى أشهر قبل حذفه، وذلك بفعل تحدي البث المباشر وغياب إمكانات الحذف الآلي.

4- فتور الاهتمام الأيديولوجي: لعل اعتماد مقاطع فيديو قصيرة عبر “تيك توك” في حملات الدعاية والتجنيد، يؤكد هيمنة الدوافع المادية في عمليات التطرف على حساب القناعات الأيديولوجية؛ ومن ثم يعكس مصداقية التقارير التي تحدثت عن تحكم الميول النفسية والسوسيولوجية والاقتصادية في سلوك الإرهابيين بشكل أكبر من السرديات الدينية. ومن ذلك التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في فبراير 2023، حول دوافع التطرف في دول مثل نيجيريا وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر والكاميرون والصومال، وخلص إلى أن الأيديولوجية “الإسلاموية” ليست الدافع الأساسي للانخراط في المجموعات الإرهابية؛ معتبراً عامل “العمل” هو الدافع الرئيسي بنسبة 40%، يليه “الالتحاق بالعائلة أو الأصدقاء” بنسبة 22%، ثم “العامل الديني” في المرتبة الثالثة بنسبة 17% فقط.

وبالتالي فإن الترويج للتطرف والإرهاب عبر نشر الصور والفيديوهات وليس النصوص الدينية، جاء نتيجة لتعاظم الميول “المادية” في قرارات الشباب المقبل على التطرف؛ ليوفر له التسويغ الشرعي والاطمئنان الديني. ولهذا يرتقب أن يوفر النشاط الإرهابي عبر “تيك توك” تحفيزات إضافية لانخراط الشباب في التنظيمات المسلحة مقابل مكاسب مادية تحت غطاء ديني.

تطوير الاستجابة:

إن توجه التنظيمات الإرهابية نحو الاستغلال المكثف لتطبيق “تيك توك”، باحترافية متزايدة سواء على مستوى المحتوى أم الجوانب الفنية؛ يفرض ضرورة تطوير تكنولوجيا الرقابة في الفضاء السيبراني، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات البنية التحتية الرقمية وتأهيل الكوادر المتخصصة، وهو ما قد يتحقق وفق مسارين اثنين هما:

1- معالجة القصور اللغوي لدى “تيك توك” بإدماج اللغات المحلية في مناطق انتشار الظاهرة الإرهابية ضمن نظام الحماية السيبرانية، وذلك على غرار اللغات الـ75 التي يشملها نظام الإشراف الآلي للتطبيق؛ الأمر الذي يوجب، حسب تقرير منظمة “هم أنجل” في أغسطس 2024، تعزيز التعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية؛ من أجل فهم التعبيرات الثقافية والخطابية للغات المحلية، واستيعابها ضمن منظومة الوقاية.

2- انتباه الحكومات إلى إمكانية حدوث طفرة جديدة على مستوى تطور الظاهرة الإرهابية؛ نتيجة الاستخدام الرقمي والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تسجيل تفاعل أكبر وأعمق بين الدعوات المتطرفة والنزعات الشبابية الخاضعة لتقلبات المزاج وإحباطات الفشل والتحولات في القيم الحياتية والأخلاقية؛ ومن ثم تبلور نوع جديد من “الإرهاب الهجين” يجمع بين الدافع الديني والنزعة العدمية؛ مما يجعله أكثر قدرة على الاستقطاب والدفع نحو الفعل، وأقل عُرضة للرقابة الأمنية.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • تدمير موقع للحوثيين في ثرة ردًا على هجمات بطائرات مسيّرة
  • “الصحفيين اليمنيين” تطالب بالإفراج الفوري عن الصحفيين المختطفين في سجون صنعاء وعدن
  • رسالة نقيب الصحفيين في يوم الصحفي: تهنئة ودعوة بمناسبة 30 عامًا على جمعية الكرامة
  • ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في غزة إلى 227 شهيداً
  • نموذج “بوكو حرام”: كيف تستغل الجماعات الإرهابية ثغرات “تيك توك”؟
  • الحوثي يعلق على اختطاف مادلين
  • الإفراج عن 7 أسيرات من سجون العدو الصهيوني بعد أسبوعين من اعتقالهن
  • مركز حقوقي يوثّق شهادات مروّعة لأسرى محررون من سجون الاحتلال
  • “الصحفيين” تؤكد اعتزازها بنهج الملك في تعزيز حرية الصحافة ودعم الإعلام المهني
  • اسقاط طائرة مسيّرة تابعة للحوثيين جنوب مأرب