السودان… حرب تُدار بالذهب والولاءات لا بالبنادق
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
تتسم الأزمة السودانية بقدر هائل من التعقيد، ليس فقط بسبب الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل لأن جذورها تمتد إلى شبكة واسعة من الفساد والتحالفات غير المعلنة التي تشكّل المحرّك الحقيقي لاستمرار الحرب. في هذا المقال نُحلل الدور الخفي للفساد في تغذية الصراع، ونُقيّم تأثير التدخلات الإقليمية والدولية من خلال إشارات رمزية، لتقديم قراءة أعمق لما يجري.
أولًا: الفساد كعامل حاسم في إدامة الصراع
الجيش واقتصاد الظل
استحوذ الجيش السوداني خلال العقود الماضية على قطاعات اقتصادية استراتيجية، من التعدين إلى الخدمات، عبر شبكة شركات لا تخضع لرقابة الدولة. هذا "الاقتصاد العسكري" يُستخدم في تمويل الحرب، وشراء الولاءات، وإدارة شبكة نفوذ تمتد داخل وخارج مؤسسات الحكم.
قوات الدعم السريع وثروات الأطراف المهملة
بالمقابل، بنت قوات الدعم السريع قوتها الاقتصادية عبر السيطرة على مناجم المعادن النفيسة في غرب السودان، وارتباطها بشبكات تصدير خارجية، مما منحها استقلالًا ماليًا مكّنها من التوسّع عسكريًا وسياسيًا، بل والتحوّل إلى لاعب إقليمي.
الفساد كمنهج وليس استثناء
ما يجعل الصراع أكثر خطورة هو أن الفساد لم يعد سلوكًا فرديًا، بل تحول إلى منهج متجذّر في بنية الحكم. وهذا ما يفسّر تعنّت الأطراف في وقف الحرب، لأن السلام سيكشف البنية التي يقوم عليها اقتصاد السلطة، بما فيها المحسوبيات والنهب المؤسسي.
ثانيًا: التحالفات الإقليمية غير المعلنة وتأثيرها على الحرب
الداعم المالي البعيد جغرافيًا
ثمة طرف إقليمي ثري ذو نفوذ اقتصادي عالمي، لعب دورًا حاسمًا في دعم أحد طرفي الصراع من خلال قنوات تجارية واستثمارات مشبوهة في قطاعات التعدين والموارد الطبيعية. هذا الدعم لم يكن علنيًا، لكنه وفّر غطاءً اقتصاديًا لبقاء الحرب مشتعلة.
الجارة الشمالية ذات التأثير الأمني
الطرف الآخر في الصراع حظي بتأييد ضمني من جارٍ شمالي يتقاطع معه في ملفات الأمن الإقليمي، خاصة المرتبطة بالمياه والحدود. هذه الدولة ترى في القيادة العسكرية الرسمية حليفًا استراتيجيًا يضمن استقرار الجوار، لذا كانت أقل حماسة لأي تغيير قد يُربك التوازن الإقليمي.
الراعي المتردد للسلام
طرف ثالث – يتمتع بثقل دبلوماسي عالمي – حاول لعب دور الوسيط، لكنه تردد في ممارسة ضغوط حقيقية، ومال إلى حفظ توازن هشّ بين المتصارعين بدلًا من اتخاذ موقف مبدئي من الانتهاكات. ما جعل مبادراته للسلام تدور في حلقة مفرغة من الوعود دون نتائج ملموسة.
ثالثًا: تجاوز الحلقة المفرغة... هل من أفق؟
لا سلام دون تفكيك اقتصاد الحرب
أي اتفاق سياسي لا يعالج البنية الاقتصادية للصراع، ويضع حدًا لتحكم الأطراف العسكرية في الموارد، سيكون مجرّد هدنة مؤقتة. الحل يبدأ بإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وفرض الشفافية على قطاعي التعدين والاستثمار.
الضغط الرمزي على اللاعبين الإقليميين
لا بد من مقاربة دبلوماسية جديدة توجّه الرسائل للطرف الإقليمي الداعم بالمال، والجارة ذات الحس الأمني، والراعي الدولي المتردد، بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى زعزعة أوسع تشمل الإقليم كله. ويمكن للمجتمع المدني السوداني أن يلعب دورًا في توصيل هذه الرسائل
دون صدام مباشر مع المصالح السياسية.
ما يحدث في السودان ليس صراعًا أهليًا تقليديًا، بل هو حرب تُغذّى بالفساد والتحالفات الرمادية. تفكيك هذه الشبكة يتطلب وعيًا وطنيًا صارمًا، وجرأة في مساءلة النخبة، وشجاعة دولية في مواجهة الواقع، بدلًا من دفنه تحت شعارات فارغة عن "الاستقرار" و"التهدئة".
الطريق إلى السلام يبدأ من الاعتراف بأن الحرب لا تُدار فقط بالسلاح، بل أيضًا بالمصالح الخفية.
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الرباعية في خبر كان… لماذا؟
1 بالأمس، وبينما كنا نلهث وراء أي معلومة حول انعقاد اجتماعات الرباعية في واشنطن، بعد الزخم الإعلامي والتكهنات السياسية، وفي وقت سارعت فيه المعارضة برفع سقف التوقعات لما يمكن أن تنجزه اجتماعات واشنطن، إذا بصحيفة “الشرق الأوسط” (لاحظوا: الشرق الأوسط، وليس غيرها) تدفع مساء الأمس بخبر عاجل للوسائط، تعلن فيه الآتي:
“أكدت مصادر موثوقة بوزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إلغاء اجتماع اللجنة الرباعية بشأن السودان، الذي كان من المقرر أن يستضيفه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، غداً الأربعاء، دون تحديد الأسباب أو موعد جديد للاجتماع.”
مؤكد أن اختيار صحيفة الشرق الأوسط – دون غيرها – لنشر خبر الإلغاء لم يكن اعتباطيًا، بل رسالة موجّهة من الرياض نفسها بأن الرباعية لا يمكن أن تُدار بخيارات منفردة.
من جهة أخرى، أشار السفير المصري في واشنطن، معتز زهران، إلى احتمال تأجيل المؤتمر إلى سبتمبر المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» اهتمام “الرباعية” بمتابعة الضغوط الدولية للتوصل إلى تسوية للأزمة في السودان.
2
إذن، وقد تم العصف بالرباعية. لماذا؟
من المؤكد أن السبب أو الأسباب لا تتعلق بعدم مشاركة طرفي الحرب، ولا بعدم تمثيل المدنيين، ولا في الإخفاق أو عدم الاتفاق حول توسعة الرباعية، الأمر الذي طرحه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو… ولا لأن أميركا أدركت مؤخرًا خطورة محاولة فرض تسوية على السودانيين، وهي التي لا يهمها شيء، وليس لديها مصالح كبرى في السودان تخشى عليها. إذن، لماذا التأجيل – بحسب وزير الخارجية المصري – أو الإلغاء بحسب المصدر الموثوق من الخارجية الأميركية، الذي استندت إليه “الشرق الأوسط” (السعودية) في خبرها؟
عدة أسباب وراء التأجيل/والإلغاء:
أولها: الموقف الإماراتي.
رغم أن الإمارات تمّت دعوتها تحت ضغط السعودية، في محاولة لجر الإمارات بالتزام بما سيتمخض عنه الاجتماع، إلا أنها اتخذت موقفين غريبين يفترقان كلياً عن مواقف الأطراف الثلاثة الأخرى في اجتماع واشنطن (الولايات المتحدة، مصر، السعودية).
أصرّت الإمارات على أن يتضمن البيان الختامي نصًا يشير إلى إبعاد الدعم السريع والجيش من مشهد الفترة الانتقالية، وأن يقود المدنيون السودان دون تعريف مَن هم المدنيون. وهو ذات الموقف الذي عبّر عنه أنور قرقاش في تغريدة بالأمس.
وهذا الموقف، الذي يسعى لإبعاد قيادة الجيش السوداني وقيادة الدعم السريع، يجد تفسيراً له في رغبة الإمارات في إقصاء حميدتي وتنصيب عبد الرحيم مكانه. ومفهوم أيضاً أنها تسعى لإعادة تموضع عملائها في “صمود” و”تأسيس” في المشهد السوداني مجدداً، وهكذا تسعى أبوظبي لاصطياد أربعة عصافير بحجر: تُبعد حميدتي، الجيش، وتمكّن عملاءها عبد الرحيم، وصمود، وتأسيس في الحكم!!
الموقف الثاني الغريب
محاولة الإمارات “حشر” أو الإشارة إلى “تأسيس” في البيان الختامي، باعتبار حكومة (نيالا) حكومة قائمة موازية لحكومة بورتسودان ولو قامت في الأسافير. (هل عرفتم لماذا أعلنوا حكومة عويش “تأسيس” قبل 72 ساعة من اجتماعات الرباعية الملغاة الآن؟)
المدهش في موقف أبوظبي أنها تعلم مواقف الأطراف الثلاثة الأخرى من الحكومة الموازية. السعودية، قبل يوم واحد، أعلنت – وعلى صدر صحيفة الوطن – بقلم سليمان العقيلي بعنوان: “حكومة موازية… مشروع تقسيم بائس!”
قال فيه إن: تحالف تأسيس سيظل خطوة استعراضية، أقرب إلى مغامرة سياسية خاسرة، ستسقط مع أول اختبار حقيقي على الأرض، لأن وحدة السودان أكبر من رهانات الميليشيات وأوهام السلطة السريعة.”
كما أصدرت الخارجية السعودية بيانًا أمس، الثلاثاء 29 يوليو – أي في اليوم الذي كان من المفترض أن تُعقد فيه الرباعية – أعلنت فيه رفضها التام للاعتراف بما يُعرف بـ”حكومة التأسيس” التي أعلنتها قوات الدعم السريع، ووصفت الخطوة بأنها تمثل تهديداً مباشراً للشرعية ووحدة السودان، في ظل ما يشهده البلد من صراع مسلح منذ أكثر من عام. وأضافت الخارجية السعودية في البيان: إن تشكيل حكومة موازية خارج إطار الشرعية المعترف بها دولياً، من شأنه أن يزيد من تعقيد الأزمة، ويقوّض الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتوصل إلى حل سياسي شامل يُنهي الحرب الدائرة في البلاد.
3
أما الموقف المصري، فقد اتخذ ذات الموقف، حين أصدرت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صدر يوم 2 مارس 2025، أكدت فيه أن مصر ترفض أي محاولات لتشكيل حكومة موازية تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان. واعتبر البيان أن هذه الخطوة “تعقّد المشهد”، و”تعرقل جهود توحيد القوى السياسية السودانية”، كما أنها “تفاقم الأوضاع الإنسانية” في البلاد.
4
موقف الحكومة الأميركية من محاولات الإمارات لتأسيس حكومة موازية في السودان، فقد أُعلن منذ إعلان نيروبي، حين أصدرت وزارة الخارجية الأميركية – مكتب الشؤون الأفريقية، بالشراكة مع سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم – في 5 مارس 2024 بياناً قالت فيه:
“الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن قوات الدعم السريع والجهات المتحالفة معها قد وقّعت على ما يُسمى بـ’دستور انتقالي’ للسودان. إن محاولات إنشاء حكومة موازية لا تخدم السلام والأمن في البلاد، وتعرض السودان لمزيد من عدم الاستقرار، وتخاطر بتقسيم فعلي للبلاد.”
ورغم هذه المواقف المعلنة والواضحة من ثلاثة أطراف من أطراف الرباعية، إلا أن الإمارات وحدها أصرت على أن يتضمن البيان الإشارة إلى حكومة “تأسيس” اللقيطة التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة أيام فقط
الاكثر غرابة أن حكومة أبوظبي تتمسك بهذه اللقيطة التي رفضها العالم كله ولم تجد اعترافا واحد وبالامس اتخذ الاتحاد الأفريقي عبر مجلس السلم موقف ناصعا من الحكومة المزازيه هذه وقال ( أدان المجلس بشدة ورفض الإعلان الصادر في 26 يوليو 2025 بشأن تشكيل حكومة موازية في السودان من قِبل ما يُعرف بتحالف تأسيس بقيادة قوات الدعم السريع.)
5
الان عجزت أمريكا عن توحيد حتى حلفائها، وسقطت الرباعية في واشنطن مثلما سقطت محطات جدة، أديس، لندن، وجنيف كما تهاوت أوهام “تأسيس”، ولم تصمد أماني “صمود” طويلًا، وجاء الحصرم سريعًا.
ولا يزال “الحل في البل” يتصدر المشهد
السؤال الذي خطر ببالي وانا اختم هذا المقال هو لماذا تفعل ابوظبى ذلك ما مصلحتها؟ نواصل
عادل الباز