لندن– في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتزايد الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، استضافت العاصمة البريطانية لندن قمة عالمية لأمن الطاقة على مدار يومين، بمشاركة 55 حكومة من مختلف القارات، إلى جانب نحو 50 شخصية من كبار قادة صناعة الطاقة في العالم.

وسلطت القمة، التي نظمتها حكومة المملكة المتحدة بالتعاون مع وكالة الطاقة الدولية، الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه أمن الطاقة، وسعت إلى بناء توافق دولي حول سبل تحقيق انتقال عادل ومستدام في قطاع الطاقة.

أمن الطاقة

يُعرّف أمن الطاقة بأنه "الارتباط بين الأمن القومي وتوافر الموارد الطبيعية لاستهلاك الطاقة، إذ أصبح الوصول إلى الطاقة الرخيصة (نسبيا) ضروريا لتشغيل الاقتصاديات الحديثة".

وفي افتتاح القمة، شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على مركزية أمن الطاقة في أي تصور للأمن القومي أو الدولي، ومحذّرا من أن استمرار استخدام الطاقة كسلاح -مثلما حدث عقب الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022- يجعل الدول والمواطنين "مكشوفين للخطر".

وقال ستارمر إن "التعرض المفرط لأسواق الوقود الأحفوري الدولية" على مدى سنوات أدى إلى صدمات اقتصادية كبيرة، وأكد أن "التحول لمصادر طاقة نظيفة ومنتجة محليا هو السبيل الوحيد لاستعادة السيطرة على منظومة الطاقة".

إعلان

وفي السياق نفسه، شدد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية الدكتور فاتح بيرول على أن أمن الطاقة لم يعد أمرا يمكن التسليم به، قائلًا إن "85% من مشاريع الطاقة الجديدة اليوم تعتمد على مصادر متجددة، مثل الشمس والرياح والمياه، في حين باتت واحدة من كل 4 سيارات تُباع في العالم كهربائية".

وصرح بيرول للجزيرة نت بأن "قمة لندن تهدف إلى بناء توافق دولي حول مقاربة شاملة لمجمل التحديات المرتبطة بأمن الطاقة، وتسعى إلى تحديد حلول واقعية، واستكشاف فرص عملية تساعد في مواجهة هذه التحديات المعقدة والمتعددة الأبعاد".

وأضاف أن المشاركين في القمة ممثلون رفيعو المستوى من نحو 60 دولة من مختلف أنحاء العالم، ومن بينها دول تواجه تحديات جوهرية تتعلق بإمكانية الوصول للطاقة، وبتكلفتها، وتأثيراتها المناخية.

وتابع أن "العشرات من كبار قادة صناعة الطاقة العالمية يشاركون أيضا، بهدف تمكين الحكومات من أدوات وإستراتيجيات تتيح لها الاستجابة الفعّالة للتغيرات السريعة التي يشهدها قطاع الطاقة على المستوى الدولي".

فون دير لاين اتهمت موسكو باستخدام إمدادات الطاقة كسلاح (رويترز) تخلّص تدريجي

من جانبها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يواصل مساره نحو التخلص التدريجي من واردات الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، رغم استمرار التوترات العالمية.

واتهمت فون دير لاين موسكو باستخدام إمدادات الطاقة كسلاح، مشيرة إلى أن أوروبا عززت اعتمادها على الطاقة المتجددة، التي شكلت ما يقرب من نصف إنتاجها الكهربائي العام الماضي.

وشددت على أن بحر الشمال يمكن أن يصبح "بيت الطاقة" لطاقة الرياح، وأن النمو المتسارع بالطلب على الكهرباء يستدعي استثمارات نوعية، مبرزة التزامات الاتحاد الأوروبي في قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 28)، بما في ذلك الاتفاق الثلاثي لمضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة بحلول 2030.

إعلان

لكن في مقابل التوجه الأوروبي، حملت واشنطن لهجة متحفظة، إذ عبّر القائم بأعمال الوزير المساعد للطاقة الأميركية تومي جويس عن قلق بلاده من السياسات المناخية الصارمة، واصفا التركيز على هدف "صفر انبعاثات" بأنه "ضار وخطير".

وقال جويس "لن نضحي باقتصادنا أو أمننا من أجل اتفاقات عالمية، كما لا نشجع أي دولة أخرى على القيام بذلك"، داعيا إلى التعامل بواقعية مع نمو الطلب العالمي على الطاقة، وتوازن السياسات المناخية مع المصالح الوطنية.

ستارمر أكد في افتتاح القمة على مركزية أمن الطاقة (رويترز) بين الطموح والقيود

عبّرت دول من الجنوب العالمي خلال القمة عن احتياجاتها الخاصة للتحول الطاقي، إذ أكد نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط العراقي حيان عبد الغني السواد أن بلاده تخطط لتحويل جزء من إنتاجها من النفط إلى الغاز، مع إطلاق مشاريع طاقة شمسية تصل إلى 12 غيغاواط.

أما وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي، فدعا إلى رفع مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي من 1% إلى 6%، معتبرا أن الاستثمارات الدولية في الطاقة النظيفة يجب أن تواكب واقع الدول النامية، لا أن تفرض عليها نماذج جاهزة.

وشارك وزراء من كل من إسبانيا، وماليزيا، وكولومبيا، برسائل مشابهة، تدعو إلى شراكات عادلة تضمن انتقالا متوازنا للطاقة، لا يُفاقم التفاوتات الاقتصادية بين الشمال والجنوب.

وتناولت القمة أيضا الجانب الجيوسياسي لمصادر الطاقة الجديدة، حيث حذر بيرول من "التركيز الجغرافي الخطير" في إنتاج المعادن الحيوية لتقنيات الطاقة النظيفة مثل الليثيوم والكوبالت، قائلا إن عددا قليلا من الدول تهيمن على الإنتاج والتكرير.

وفي حين لم يُسمِّ دولا بعينها، تُعد الصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية أبرز اللاعبين في هذه السوق، مما يثير مخاوف من تحول جديد في توازن القوى العالمية، ولكن هذه المرة حول "موارد التحول الطاقي" بدلا من النفط.

إعلان شكوك قائمة

وأعلنت بريطانيا -على هامش القمة- عن شراكة مع شركة "إيني" الإيطالية لإطلاق مشروع عزل وتخزين الكربون في شمال إنجلترا، ضمن خطة وطنية بقيمة 21 مليار جنيه إسترليني لدعم تقنيات الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح البحرية والطاقة النووية.

وفي تصريح يعكس نبرة الثقة، قال خوسيه إغناسيو سانشيز غالان المدير التنفيذي لشركة إيبردرولا الإسبانية إن "التحول الكهربائي لا يمكن وقفه، وعلينا التكيف معه بدلا من مقاومته".

ورغم تعدد الرؤى وتباين المواقف، فإن قمة لندن تكشف عن أن أمن الطاقة لم يعد شأنا فنيا أو بيئيا فقط، بل أصبح قضية إستراتيجية تتقاطع فيها السيادة والاقتصاد والمناخ، وبات التحدي الأكبر هو إيجاد أرضية مشتركة بين الطموحات البيئية والمصالح الجيوسياسية، لتأمين مستقبل طاقة مستدام وعادل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أمن الطاقة

إقرأ أيضاً:

وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات نمو الطلب العالمي على النفط

الجديد برس| أعلنت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها، أنها قامت بتخفيض توقعاتها حول نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2025. ووفقا للتوقعات الجديدة سينمو الطلب فقط بنحو 680 ألف برميل يوميا هذا العام. وكانت الوكالة قد توقعت في يوليو، نمو الطلب بمقدار 700 ألف برميل يوميا. وبالتالي، تم حاليا تخفيض توقعاتها لهذا العام بمقدار 20 ألف برميل يوميا. كما تم تخفيض توقعات عام 2026 بنحو 20 ألف برميل يوميا إلى 700 ألف برميل يوميا. وأكدت وكالة الطاقة الدولية، أنه تم تخفيض توقعاتها لهذا العام بسبب انخفاض الطلب عن المتوقع في الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبحسب معلومات الوكالة، ارتفعت مخزونات النفط العالمية بمقدار 28.1 مليون برميل في يونيو لتصل إلى 7.836 مليار برميل. وانخفضت مخزونات النفط التجارية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 28.8 مليون برميل، لتصل إلى أقل من مستويات عام 2024 بمقدار 88 مليون برميل. وتفيد بيانات الوكالة بأن صادرات روسيا من النفط ومنتجاته ارتفعت بنسبة 1% في يوليو مقارنة بشهر يونيو، لتصل إلى 7.29 مليون برميل يوميا. في الوقت نفسه، ارتفعت عائدات التصدير بنسبة 7%، في ظل ارتفاع الأسعار، لتصل إلى 14.32 مليار دولار. وخلال ذلك، ظلت أسعار النفط دون تغيير تقريبا، في حين ارتفعت أسعار المنتجات النفطية بنسبة 2%. وبلغت إيرادات صادرات النفط في يوليو الماضي 8.94 مليار دولار، بزيادة قدرها 460 مليون دولار عن يونيو، ومن صادرات المنتجات النفطية 5.39 مليار دولار (+470 مليون دولار). وبالنسبة لعرض النفط في السوق العالمية، رفعت الوكالة توقعاتها لنمو المعروض العالمي من النفط في عام 2025 بمقدار 370 ألف برميل يوميا، إلى 2.5 مليون برميل يوميا، وفي عام 2026 بمقدار 620 ألف برميل يوميا، إلى 1.9 مليون برميل يوميا. وجاء رفع التقديرات في ظل قرار ثماني دول من أوبك+ زيادة إنتاج النفط في سبتمبر بمقدار 547 ألف برميل يوميا، وهو ما سيكمل الخروج من القيود الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا التي التزمت بها مجموعة الثماني منذ بداية عام 2024. وبحسب التقديرات المطلقة، تقدر الوكالة الطاقة الدولية أن العرض العالمي للنفط في عام 2025 سيبلغ 105.5 مليون برميل يوميا، وفي عام 2026 سيصل الرقم إلى 107.4 مليون برميل يوميا.

مقالات مشابهة

  • وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات نمو الطلب العالمي على النفط
  • وكالة الطاقة الدولية ترفع توقعاتها لإمدادات النفط في 2025
  • الشيباني: سوريا تواجه اليوم تحديات لا تقل خطورة في مقدمتها تدخلات إسرائيل واعتداءاتها التي تهدد استقرار سوريا والمنطقة برمتها
  • اكتشاف يكفي لتوليد طاقة العالم لـ1000 عام
  • ابتكار روسي يُسرع إنتاج الهيدروجين “الأخضر” ويخفض استهلاك الطاقة
  • خبيرة طاقة توضح الفرق بين «الحب والتعلق» وأثرهما على العلاقات الجديدة
  • برلماني: اختيار مصر في برنامج صندوق الاستثمار في المناخ تتويج لسياستها في التحول الأخضر
  • الوطنية للنفط تعقد اجتماعًا تقابليًا لبحث تحديات التحول الرقمي والأمن السيبراني
  • طائرات ورقية عملاقة تطلق ثورة بمجال الطاقة في إيرلندا
  • مجلس الوزراء: اختيار مصر ضمن 7 دول للاستفادة من برنامج صندوق الاستثمار في المناخ |انفوجراف