عربي21:
2025-05-15@01:04:20 GMT

حرب السودان السيريالية

تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT

فجر يوم الخميس الموافق 24 آب/ أغسطس الجاري، تناقل الأثير صورا حية لعبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني، وهو يلتقي ببعض جنود الجيش المرابطين في منطقة في شمال مدينة أم درمان، وكان ذلك بعد طول غياب عن الأعين، منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان/ أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتناول بعض السودانيين هذه الواقعة بالتهليل والتبجيل، وكأنما نبي الله الخضر حل بأم درمان حاملا بشائر النصر، بينما قال بعض آخر إن الرجل هرب من قلب المعركة إلى أطرافها، أو أنه خرج من مخبئه بإذن وترتيب من الدعم السريع، وكان حميدتي قد أطلق "تشنيعة" على البرهان في أيام الحرب الأولى، مؤدَّاها أن البرهان يختبئ في سرداب تحت الأرض، طلبا للسلامة الشخصية.



من حسبوا أن ظهور البرهان بعد طول اختفاء مؤشر لاقتراب ساعة الحسم والنصر، معذورون لأن آداء القوات المسلحة التي يقودها البرهان في هذه الحرب ما زال محبطا، ولا يليق بكيان عمره قرن من الزمان، وشارك ببسالة في فعاليات الحرب العالمية الثانية، حيث أوقف تقدم الإيطاليين في إريتريا وإثيوبيا نحو شرق السودان، كما شارك في حملة الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين في واحتي الكفرة وجالو في الصحراء الليبية، وفي العلمين لوقف تقدم الجنرال الألماني رومل الملقب بثعلب الصحراء، كما شارك في حرب فلسطين عام 1948، وفي حرب الاستنزاف ضد إسرائيل مرابطا في شبه جزيرة سيناء ما بين 1967 و1973، كما كان الجيش السوداني هو قوة الردع التي منعت الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم من اجتياح الكويت عام 1961، كما استعانت الأمم المتحدة بالجيش السوداني لحفظ السلام في الكونغو عام 1960 وفي تشاد عام 1979 وفي ناميبيا في 1989.

وفي لبنان كانت القوة السودانية العمود الفقري لقوات الردع العربية لحفظ السلام تحت لواء جامعة الدول العربية (1976)، وشاركت قوة من المظليين السودانيين في عملية إعادة الحكومة المدنية في جمهورية جزر القمر عام 2008، ثم دارت الدوائر بهذا الجيش فإذا به في تصنيف وترتيب الجيوش العربية يقبع في المرتبة الحادية عشر، ولا يرقى حتى لمرتبة الجيش اليمني، الذي هو في حال تفكك شبه كامل.

وها هو هذا الجيش ذو السجل المشرف يعجز عن دحر ما يسميه بالمليشيا القبلية (الدعم السريع) التي يقودها رجل لا حظ له من التعليم المدني النظامي أو العسكري، ويجدر بالذكر أن الزعيم السياسي السوداني الراحل الصادق المهدي قال عن تلك القوات "ليست لها عقيدة قتالية جامعة كالقوات النظامية، ولا تربطها إلا عصبية قبلية ومنفعة مالية، وتدريبهم وتأهيلهم وتكوينهم لا يمكنهم من ممارسة القتال بالضوابط المعروفة الدولية، فكأنما سلوكها يقول: "أنا الغَريقُ فَما خَوْفي من البَلَلِ"، فكانت عاقبة هذا الكلام أن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، التي أنشأت هذه القوات، وجهت للمهدي تهما عقوبتها الإعدام، وطوال أربع سنوات ظل فيها البرهان جالسا على كرسي البشير، ظل يردد أن قوات الدعم السريع جزء أصيل من القوات المسلحة.

عجز جيش نظامي زاخر بالعتاد، وذو تاريخ حافل بالبطولات، به ضباط نالوا أعلى وأرقى درجات التدريب والتأهيل، عن دحر مليشيا قوامها شباب من "بادية رعوية"، هو ما يجعل وقائع هذه الحرب سيريالية (فوق واقعية)، ويصعب تصديقهايتراوح عدد أفراد الجيش السوداني ما بين 105 آلاف و 120 ألف، وحسب تقديرات مجلة جين لشؤون الدفاع Jane’s Defence Weekly لهذا الجيش 191 طائرة حربية من بينها 46 مقاتلة، و81 طائرة هجومية و23 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 11 طائرة تدريب. فيما يصل إجمالي المروحيات العسكرية التي يمتلكها الجيش السوداني إلى 73 مروحية، من بينها 43 مروحية هجومية، ولديه 74 مطارا صالحا للاستخدام العسكري. كما يمتلك الجيش السوداني 830 دبابة و450 مركبة قتالية مدرعة، و15 مدفعا ذاتي الحركة، ونحو 7 آلاف مركبة عسكرية و379 مدفعا. و20 منصة إطلاق صواريخ و750 مدفعا يجر يدويا. وفوق هذا كله فإن عموم المؤسسة العسكرية السودانية تحظى بنحو 80% من مخصصات الميزانية العامة للبلاد، وتتحكم في نحو 80% من مقدرات البلاد الاقتصادية.

وبالمقابل فإن قوات الدعم السريع، ورغم أنها فعلا نشأت بموجب مرسوم صادر عن الرئيس المخلوع عمر البشير باركه البرلمان، فإنها في جوهرها ومظهرها مليشيا قبلية تخضع لإمرة آل دقلو، ولها سجل حافل بالجرائم ضد الإنسانية، ولكنها لا تملك سلاح طيران أو مدرعات أو مدافع ميدانية بعيدة المدى، ومع هذا ظل الجيش الوطني بكل عدته وعتاده عاجزا عن دحرها لأكثر من أربعة أشهر، في مواجهات في رقعة محدودة فيها معظم قيادات الجيش ووحداته المركزية الضاربة، وهناك من يحاول اختلاق الأعذار للجيش بأنه مثل سائر جيوش العالم بلا خبرة في حروب المدن، ولكن الدعم السريع أيضا لم يسبق له خوض حرب داخل مدينة.

عجز جيش نظامي زاخر بالعتاد، وذو تاريخ حافل بالبطولات، به ضباط نالوا أعلى وأرقى درجات التدريب والتأهيل، عن دحر مليشيا قوامها شباب من "بادية رعوية"، هو ما يجعل وقائع هذه الحرب سيريالية (فوق واقعية)، ويصعب تصديقها، وما من تفسير لذلك العجز إلا بأن المليشيا كانت تعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة، في غفلة من أعين قيادة الجيش، أو بأن أولئك القادة كانوا على علم بذلك، ولكنهم استهانوا بالأمر، بحسبان أن مليشيا قائدها الأعلى شبه أمي لا يمكن أن تتجاسر على جيش عريق فكان ما كائن من حيث تعادل الكفتين، وهو تعادل يبوء فيه السودان بالخسران.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السوداني الحرب السودان رأي حرب تطورات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش السودانی الدعم السریع هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته

منتدى الاعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة

تقرير : راديو دبنقا

الخرطوم- بعد عامين من لهيب الحرب الذي اكتوى به السودان، تتجلى فصول كارثة إنسانية متفاقمة، لا تقتصر فصولها المؤلمة على قصص الضحايا والنازحين الذين عصفت بهم رياح الصراع. ففي العاصمة القومية الخرطوم، يبرز وجه آخر للمأساة، يتمثل في الدمار الشامل الذي لحق بجميع المؤسسات الإعلامية والصحف السودانية التي كانت يوماً نبضاً للحقيقة ومنبراً للمعرفة، مُسهمةً في ترسيخ قيم التعايش المشترك والديمقراطية. باستثناء مبنى الإذاعة والتلفزيون القوميين الذي سقط تحت سيطرة قوات الدعم السريع لرمزيته السيادية، تحولت هذه الصروح الإعلامية إلى مجرد أطلال صامتة، شاهدة على حجم الخراب الذي طال حتى صوت الكلمة.

يتضح من خلال هذا المشهد المأساوي، كيف لم يسلم من نيران الحرب حتى حراس الحقيقة وناقلوها، ليضاف فصل جديد ومؤلم إلى سجل الخسائر الفادحة التي تكبدها السودان وشعبه. نحاول في هذا التقرير استعراض نماذج للدمار الذي تعرضت له هذه المؤسسات، بعد ان اصبح الوصول لدور ومقار هذه المؤسسات ممكنا عقب اعادة الجيش السيطرة على الخرطوم.

إذاعة “هلا”… صمتٌ يلف الأثير

ياسر أبو شمال، مدير إذاعة “هلا” التي كانت نبض الشباب السوداني وأحد أكثر المنابر الإذاعية شعبية، حبس أنفاسه وهو يشاهد للمرة الأولى صوراً ومقاطع فيديو لمبنى الإذاعة العريق في قلب العاصمة الخرطوم. “الخسارة فادحة ومؤلمة”، قالها بصوت يخنقه الأسى.

يضيف أبو شمالة، واصفاً حجم الكارثة في مقابلة مع راديو دبنقا: “لم يكن الأمر مجرد تدمير لمبنى، بل هو تدمير ممنهج لاستوديوهات البث والإنتاج بالكامل. كانت هذه الاستوديوهات مجهزة بأحدث التقنيات الرقمية: مازجات صوت متطورة، سيرفرات ضخمة، مكتبات صوتية لا تقدر بثمن، أرشيف برامجي يوثق لتاريخنا، ميكروفونات، كوابل، وحتى جهاز الإرسال الرئيسي الذي كان يحمل أصواتنا عبر الأثير إلى المحطات الأرضية لإعادة البث”. يؤكد أبوشمالة أن كل تلك المعدات الثمينة “أتت عليها نيران الحرب ويد النهب، ولم تسلم الملحقات الأخرى، بما في ذلك أنظمة البودكاست الصوتية والمرئية المتطورة، شبكة الحواسيب، وأجهزة لا حصر لها”. قُدّرت الخسائر المادية الأولية لإذاعة “هلا” بأكثر من 350 ألف دولار.

احد استديوهات مركز ارتكل في الخرطوم بعد تدميره بسبب العمليات العسكرية الصورة ردايو دبنقا مركز “أرتكل”… حلمٌ تحوّل إلى أنقاض

مشهد الخراب لم يقتصر على “هلا”، بل امتد ليطال مركز “أرتكل” للإنتاج الإعلامي، الذي كان يُعد منارة إعلامية واعدة وصرحاً إنتاجياً ضخماً في السودان، مبنىً ومعنى. عثمان فضل الله، مدير المركز، عبّر عن صدمته في مقابلة مع دبنقا بصوت كاد يغيب من فرط الألم: “ليتني لم أرَ تلك الصور القاسية… الدمار الذي لحق بالمركز جعلني أشعر وكأن خمسين عاماً من عمري قد سُحقت، وأن 25 عاماً من مسيرتي المهنية تحولت إلى مجرد ركام.”

يتحدث عثمان عن “أرتكل” بحرقة، كأنه يتحدث عن كائن حي فُجع فيه: “المركز لم يكن مجرد مبانٍ ومعدات تُقدّر بمئات الآلاف من الدولارات، بل كان قصة حياة، مشروع حلم راودني طيلة مسيرتي المهنية، سكبت فيه عصارة فكري وجهدي، وكل ما أملك من خبرة وعلاقات وتفانٍ.”

ويستطرد قائلاً: “كل قطعة أثاث، كل جهاز، كان يمثل لي جزءاً من كياني، ومساحة من ذاكرتي. كان طموحنا كبيراً، أردنا لـ”أرتكل” أن يكون نقطة ضوء حقيقية تشع في سماء الإعلام السوداني”.

يكشف فضل الله أن المركز، الذي أُنشئ عام 2022 بُعيد ثورة ديسمبر المجيدة، حمل في طياته رؤية طموحة ليتجاوز كونه مجرد مركز إنتاج، ويصبح مدرسة للصحافة. “نظمنا العديد من الدورات التدريبية المتخصصة في صحافة السلام، ومكافحة خطاب الكراهية، وتعزيز النسيج الاجتماعي. كان المركز منصة لتوثيق فعاليات الثورة وملتقى للحوارات البناءة بين الصحفيين والصحفيات.”

من الناحية الفنية، كان “أرتكل” صرحاً متكاملاً لإنتاج البرامج التلفزيونية، يضم استوديوين من أفخم الاستوديوهات المتكاملة، وخمس وحدات صوت مجهزة بتقنيات متنوعة، وثماني وحدات إضاءة حديثة، وثماني كاميرات احترافية، من بينها ثلاث كاميرات من طراز Canon 5D. كما كان يحتوي على ثلاثة حواسيب “ماك” متقدمة بأنظمة مونتاج وأرشفة متكاملة، ووحدة طباعة حديثة، وقاعة مؤتمرات شهدت العديد من الفعاليات الهامة، بالإضافة إلى قاعتين تدريبيتين مجهزتين بأحدث الوسائل.

“كنا نطمح لتحويله إلى أكاديمية تخرّج أجيالاً من الإعلاميين القادرين على مواكبة التطورات المهنية باحترافية عالية”، يقول فضل الله بحسرة، ثم يتنهد بعمق: “لكن كل ذلك الطموح أمسى حطاماً.”

الدمار الشامل… ورغم الجرح، يبقى وميض الأمل

لم يسلم شيء من آلة الدمار؛ فالأجهزة والمعدات والأثاث وشبكات البث، وحتى السيارة الخاصة بإدارة المركز، كلها إما سُرقت أو دُمّرت بالكامل. ورغم هول الفاجعة، يقول فضل الله بنبرة يمتزج فيها الأسى بالإصرار: “لا أريد أن أبدو محبطاً أو يائساً، فذلك ليس من شيمنا، ولكن إعادة بناء المركز بنفس المواصفات والمعايير تبدو مهمة بالغة الصعوبة في ظل الظروف الراهنة.” ومع ذلك، يختتم حديثه بلمحة أمل: “سنبذل قصارى جهدنا لإعادة الحياة إلى “أرتكل” قدر المستطاع… فالأمل، رغم كل شيء، ما زال يراودنا.”

هذا التقرير الصحفي من إعداد راديو دبنقا ، وقد تم نشره عبر مؤسسات منتدى الإعلام السوداني بمناسبة اليوم العالمي للصحافة لتسليط الضوء على اوضاع الصحافة والصحفيين في السودان. لنقف مع السودان#

SilenceKills #الصمت يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع في السودان لايحتمل التأجيل #StandWithSudan #ساندواالسودان #SudanMediaForum

الوسومإذاعة هلا الإعلام الحرب الخرطوم السودان مركز آرتكل منتدى الإعلام السوداني

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يقتحم آخر معاقل الدعم السريع في أم درمان
  • قصف لـالدعم السريع يقتل 5 سودانيين في مدينتي الأبيّض والفاشر
  • علومات عن توافقات بين جوبا ومليشيا الدعم السريع المتمردة حول أبيي
  • شاهد.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضحكات الجمهور بعد مطالبتها البرهان بــ(ختان) النساء المتخصصات في الإساءة على السوشيال ميديا وتهاجم المليشيا: (انعل أبو الدعم السريع وأبو حميدتي وأبو الحرب)
  • مسؤول حكومي سابق يكشف علاقة الإمارات بالنحاس المسروق من السودان.. برفقة حراسة مشددة من قيادات الدعم السريع
  • الدعم السريع تعلق بشأن مفاوضات سرية مع الجيش وتلميحات عن قرب المنامة 2
  • وزير الداخلية السوداني يصدر توجيهاً بشأن الوجود الأجنبي في الخرطوم
  • عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته
  • الجيش السوداني يحرز تقدماً ميدانياً في أم درمان ويجري عمليات إجلاء إنسانية
  • بالفيديو.. الجيش السوداني وقوات العمل الخاص يبسطان سيطرتهما على الصالحة والجامعة الإسلامية والبنك العقاري وسقوط قتلى واستلام عتاد عسكري من الدعم السريع