اليسار يقتل الأب والابن والروح القدس
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
بعد إنطلاق الحرب، نبهت اليسار، في مقال، إن هذه الحرب صدمة مربكة نظريا وسياسيا ووجدانيا. وأوصيت فلول اليسار – وأنا منهم – بان يصبروا علي إختلاف الرؤي وتباين التموقع حولها وان لا يسمحوا للإختلاف بان يفرق صفوفهم لان سحابتها ستنقشع ولا داعي لتفرق يسار أصلا ضعيف وميكروسكوبي الوجود والتاثير. وعلي نفس الروح أوصي الصديق قصي همرور ناشطي اليسار بأن يحسنوا أدارة الإختلاف بروح طيبة وألا يسمحوا للخلاف حول الحرب أن ينسف إمكانيات مواصلة العمل المشترك لاحقا.
في نقاش في ماض قريب، أبديت ملاحظة عن الفرق بين اليسار واليمين الديني في العمل العام. وتأسفت أنه في دار يسار لا يكفي أن تتفق مع الجماعة بنسبة ٩٨%. وحتي لو إختلفت بنسبة ١% غالبا يتم شنقك وطردك من الكنيسة علي غرار طردة ترمب وفانس لزيلينسكى من البيت الأبيض.
واضفت أنه أما أهل اليمين الديني. فلو إلتقيت معهم بنسبة ٢%، واختلفت جذريا فيما تبقي، فانهم يشيدون جسور الوصل عسي ولعل. وبينما يطرد المخالف من كنيسة اليسار مشيعا باللعنات العلنية أو في مجالس النميمة المغلقة، يواصل اليمين الديني في الود مع الخارجين عليه من داخل أو خارج صفوفه حتي لو سلقهم بالسنة حداد وقال فيهم ما لم يقله المحبوب في الإخوان. وربما كان السبب في هذا النهج تجذر روح المجتمعية في اليمين وربما كان جزءا منه براغماتية تترك الباب مفتوحا لعودة المارق أو تحييده أو علي الأقل الحد من ضرره المحتمل. وفي كل هذا شطارة وروحا طيبة.
بعد أن أبديت الملاحظة ردت صديقة بان اليسار في تاريخه كان مولعا بفرويدية قتل الأب. والان توسع إلي قتل الأخ والاخت والخال وبنت العم والجار.
إستمعت أمس إلي الكاتب اليساري المجيد، جورج مونبيوت، يشير إلي نفس المفارقة بين اليسار واليمن. قال جنا الإنجليز إن أحد مشاكل اليسار في محيطه الأوروبي إنه رغم توسله الذي لا ينتهي لبناء جبهات مقاومة عريضة إلا أن اليساريين يظلون في شجار دائم ضد بعضهم البعض كانهم قطط داخل شوال – وهذا خيال يختلف عن خيال ترباس في إستدعاء مشابهة قطط الشوال في سياق غزلي.
تشخيص الزميل مونبيوت ينفي تصور اليمين الديني السوداني لليسار بانه معقل تهتك هيدوني. فعلي سبيل المثال ظل الأخوان في أيام الجميلة ومستحيلة يتهمون الشيوعيين بالليالي الحمراء حتي تحسرت صديقة منهم وتمنت أن تكون هذه الليالي حقيقة لتكسر ملل لياليها في الخرطوم. وربما قدم أخرون طلب إنضمام لو صحت أسطورة الليالي الحمراء. للأسف لا توجد ليالي حمراء في دار يسار ولكن يوجد شجار دموي دائم وضرب فوق وتحت الحزام. الوجود في دار يسار يعني التوتر الدائم لأن السهام تاتي من العدو والصديق ويظل الفرد مهددا بفقدان الأصدقاء والمجتمعات وقد يتهمه الزميل الذي كان بيجيب ليهم المريسة بالكوزنة ثم يجلس بكامل الاعتداد بشرفه الماركسي اللينيني وكانه في تاني دور.
ومن الناحية الأخري، حسب مونبيوت، فان المفارقة تكمن في أن اليمين رغم تركيزه الراسمالي/الليبرالي/الأيديلوجي علي حقوق الفرد، والفردانية والفردية إلا أنه يجيد العمل الجماعي والمجتمعي ويتفوق فيه بإمتياز. وقال إن مجتمعات اليمين تتميز بالدفء الذي تخلو منه مجتمعات اليسار البارد. وذكر ضاحكا إن أهل اليمين في حفلات البار بي كيو يشيدون ببعضهم البعض حد الغزل ويقولون لكل واحد/ة حلاتك، يا رهيب/ة، وااااو تسريحتك عجيبة، أسمح لي اهبش شعرك.
لخص مونيوت المفارقة بقوله أن مشكلة اليسار أنه دائما في رحلة بحث عن خونة بينما اليمين يبحث عن حلفاء ومتحولين إلي صفوفه.
ولا أدعي إنني أكثر تسامحا أو دفئا من اليسار الموصوف أعلاه ´، فهذا المقال نقد ذاتي قبل أن يكون نقدا للرفاق. وربما هو دعوة لإصلاح العمل بين الرفاق كمقدمة لإصلاحه بين الجماهير.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً: