متاهات سودانية
خارطة السودان اليوم تشتعل، وتحتفل بالفوضى ولكن هل هذه الفوضى والقلاقل سِمة ثابتة من سِمات هذه الخارطة؟! هل هي بأسبابٍ داخلية متجدّدة، وعجز مُزمن عن إنتاج الدولة الصحيحة؟ أو بأسبابٍ خارجية تكمن في المؤامرات ومحاولات اختراق الدولة بواسطة عناصر محلية.

بلادنا تعيش لحظة استثنائية، لحظة تحوّلات كبرى، وصراعات مفتوحة، وتحديات إقليمية مركبة، وحرب ١٥/ابريل ليست كسابقاتها من حروب السودان ، بإمكانها أن تكون علامة فارقة وفرصة تاريخية لإعادة تأسيس الدولة واستعادة زمام المبادرة، وتثبيت موقع السودان كقوة فاعلة لا ساحة تنازع.

كلما انفعل الوجدان الوطني بالقضية، ظهر مرتابون من رفاقنا،بعضهم عجز عن الانتقال من محطة ٢٠١٩م، ويرى البرهان ورفاقه بعين السخط التي تبحث عن العيوب ويسيطر عليها وهم الخيانة .

لقد أدارت القيادة الحالية مرحلة معقدة اتسمت بالتحديات الإقليمية الكبيرة وما فرضته حرب ١٥/ابريل من ضغط متعدد الأبعاد ، سواء سياسياً أو شعبياً أو دبلوماسياً، معادلات جديدة ، تحاول القيادة التغلب عليها للانتقال من الهشاشة إلى التماسك .

التحديات التي نواجهها من العدوان الإماراتي المتكرر على بلادنا ، إلى الانقسامات الداخلية ، إلى التدخلات الإقليمية والدولية التي تهدد ليس فقط أمننا بل إرادتنا الجماعية كأمة.
لذلك يجب الالتفاف حول القيادة الحالية، حتى وإن كانت متعثرة الأداء، قليلة الخبرة في شؤون الحكم والإدارة، ولكنها تمسك بخيوط القضية، وتحظى باعتراف دولي ، تغييرها سيعيدنا إلى النقطة الأولى، وسنهدر وقتاً طويلاً في محاولة النهوض مرة أخرى من بين الركام .

عندما انخرط السودانيين في ثورة ديسمبر ، كانت آمالهم معلقة على تغيير جذري ، يفضي الى واقع جديد معافى ، بدل عودة النور إلى بلادنا، توسع الظلام، وانهار هيكل الوحدة، وباسم التغيير والحرية، شهد السودان أسوأ مرحلة تجهيل، وعسكرة، وتوقف.

نحن بحاجة اليوم إلى خطاب مسؤول، يستند إلى الواقعية السياسية، ويؤمن بأن التضامن من أجل القضية الوطنية لا يعني التطابق، بل تنازل جميل من اجل وحدة الهدف والمصير.
ثمة بارقة في سماء السودان، هي أن القيادة الحالية تحاول جاهدة استعادة الدولة ، من الحرب، من بدد الهدر ومن الأوهام.
محبتي واحترامي

رشان اوشي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القیادة الحالیة

إقرأ أيضاً:

من الثورة إلى الانقلاب: كيف أعاد العسكر إنتاج الفساد؟

معتصم محمد دفع الله علي

في كل محطة تاريخية يشهد فيها السودان انقلابًا عسكريًا، لا يقتصر التراجع على مسار التحول الديمقراطي فحسب، بل تمتد التداعيات لتطال البنية المؤسسية والإدارية للدولة، التي تبدأ في فقدان ملامحها الحديثة تدريجيًا. فالحكم العسكري لا يأتي مجرد انقضاض على السلطة المدنية، بل غالبًا ما يكون مصحوبًا بمشروع ممنهج لتفريغ مؤسسات الدولة من مضمونها، وتحويلها إلى أدوات طيعة تخدم مصالح ضيقة لفئة حاكمة، على حساب المصلحة الوطنية العامة.”

ومنذ الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش في 25 أكتوبر 2021م، على الحكومة المدنية التي تشكّلت عقب الثورة الشعبية العظيمة في ديسمبر 2018م، والتي أنهت ثلاثة عقود من الحكم الشمولي بقيادة المخلوع عمر البشير، دخل السودان في نفق مظلم من التراجع السياسي والانهيار المؤسسي. فقد وصف الفريق أول عبد الفتاح البرهان الانقلاب حينها بأنه “خطوات تصحيحية لحماية الدولة”، إلا أن الوقائع الميدانية أثبتت أنه كان في جوهره محاولة لإعادة إنتاج المنظومة القديمة، وتحصين رموز النظام السابق من المساءلة والمحاسبة.

تحت شعارات فضفاضة من قبيل “تصحيح المسار”، اتسع نطاق الفساد المالي والإداري داخل أجهزة الدولة، لا سيما في وزارات الدفاع، المالية، والطاقة، حيث تحوّلت هذه المؤسسات إلى بؤر مغلقة تحكمها شبكات مصالح عسكرية ومدنية. وتحت غطاء الحصانة، نجا العديد من المتورطين في ملفات الفساد من المساءلة، بينما تعرّض المبلّغون عنها للملاحقة، في مشهد يختزل حجم الانحراف المؤسسي الذي يعانيه السودان.

وبات الاعتداء على المال العام يسيرًا في ظل انعدام الرقابة الفعالة، من خلال مشاريع فاشلة تخدم دوائر النفوذ الضيقة، أو عبر الإنفاق السري على الأجهزة الأمنية وشراء الولاءات السياسية. ولم تعد الوزارات تُدار بعقلية الخدمة العامة، بل أصبحت منصات لتوزيع المكاسب والامتيازات على أسس الولاء لا الكفاءة، ما أفضى إلى خلل إداري عميق، وعطّل عجلة الإصلاح المؤسسي.

تقارير دولية موثوقة كشفت عن أن جزءًا كبيرًا من موارد الدولة يُدار عبر شبكات اقتصادية موازية، ترتبط بمؤسسات عسكرية أو شركات لا تخضع للرقابة، ما يجعل الدولة، فعليًا، كيانًا مختطفًا يعمل لصالح قلة متنفذة على حساب المصلحة العامة. ويؤكد تقرير “مؤشر مدركات الفساد” الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 في مضمونه هذا الواقع، حيث تراجع تصنيف السودان بشكل ملحوظ، وجاء السودان في المرتبة 170 من أصل 180 دولة، مما يجعله من بين أكثر الدول فساداً في العالم. بدرجة متدنية للغاية (15 من 100)، نتيجة تفاقم الفساد بعد انقلاب 25 أكتوبر2021، واستمرار تغوّل المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، مع غياب فعّال للرقابة والمساءلة، وتحصين كبار المسؤولين من المحاسبة، وافتقار إدارة المال العام إلى الشفافية، خصوصًا في قطاعات الضرائب والموارد الطبيعية.

وفي تقرير صدر في فبراير 2025 عن المنظمة ذاتها، تحت عنوان “الفوضى غير المقيدة: الصراع والفساد في السودان”، التقرير أوضح أن الفساد داخل قطاعي الدفاع والأمن لا يمثل تهديدًا للشفافية فحسب، بل يُعد من العوامل المركزية في استمرار النزاع المسلح وتعقيد الأزمة الإنسانية.

ويبدو أن تصريحات رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان ونائبه مالك عقار، خلال مؤتمر الخدمة المدنية المنعقد في مدينة بورتسودان بتاريخ 30 أبريل 2025م، حول تفشي الفساد في مؤسسات الدولة، تُعد بمثابة إقرار رسمي بعمق الأزمة، وإن جاءت متأخرة. غير أن هذه التصريحات، بدلًا من أن تبعث الأمل بإصلاح مرتقب، كشفت عن حالة من العجز لدى قيادة السلطة الانقلابية في مواجهة المنظومة الفاسدة، ما يعكس خللًا بنيويًا في إدارة الدولة.

إنّ فرص الإصلاح ستظل محدودة طالما بقيت المؤسسة العسكرية ممسكة بمفاصل الدولة دون مساءلة، ودون تفويض شعبي أو أطر قانونية واضحة. الفساد في السودان ليس مجرد خلل إداري، بل هو عرض لأزمة حكم متجذرة، لا يمكن معالجتها دون الانتقال إلى سلطة مدنية كاملة، تستند إلى الشرعية الدستورية، وتحظى بدعم جماهيري ومؤسسي. فلا يمكن بناء دولة حديثة في ظل الحكم العسكري، ولا يمكن اجتثاث الفساد ما لم يبدأ الإصلاح من قمة السلطة نفسها.

الوسوممعتصم محمد دفع الله علي

مقالات مشابهة

  • السودان بلا مركز: تعدد السلطات وتفكك الدولة بين الحرب وغياب السيادة
  • كيف كانت علاقة بن لادن بالجماعات الجهادية خلال تواجده في السودان؟
  • من الثورة إلى الانقلاب: كيف أعاد العسكر إنتاج الفساد؟
  • ثُمَّ شَقَّتْ هَدأةَ الليلِ رُصَاصة !!
  • يوم يقنعو من الدعم السريع حيعملو ليك فتنة جديدة
  • كيكل: ستجدوننا قريباً في موقع المسيرات التي تقصف
  • كيف تحاول المسيرات تغيير خريطة الصراع في السودان؟ وهل تنجح في قلب موازين الحرب؟
  • مدبولي: ما نشهده في شرق وغرب بورسعيد ثمرة 10 سنوات من العمل الجاد وإرادة القيادة السياسية
  • كيف نشأ الصراع على الشريعة في السودان؟