مفتي الجمهورية: العلم والرحمة أساس بناء الشخصية الإسلامية
تاريخ النشر: 2nd, May 2025 GMT
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن العلم في مضمونه وجوهره ليس مجرد تكديسٍ للمعلومات أو حفظٍ للمتون، بل هو منظومة متكاملة تهدي العقول إلى الرشاد، وتزكي النفوس، وتدفع الإنسان إلى إدراك الحق وتمييزه عن الباطل، مبينا نه إذا تجرد من أثره الأخلاقي والسلوكي، فقد جوهره وقدرته على البناء والإصلاح، مشيرا إلى أن الرحمة ليست طارئة على مسيرة العلم، بل هي ركن من أركانه، وميزان دقيق يحدد وجهته، إذ بها يستقيم أثره، ويتحقق مقصده، وتسمو غايته، فلا علم نافع ولا فقه سديد بلا قلب رحيم.
جاء ذلك خلال كلمته بالمعهد العالي للحديث النبوي وعلومه، بمدينة سمرقند على هامش مؤتمر «الماتريدية مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة» بجمهورية أوزبكستان.
وقال مفتي الجمهورية، إن السيرة النبوية المطهرة تمثل الأنموذج الأكمل لهذا المزج البديع بين العلم والرحمة، وقد تجلى ذلك في مواقف عديدة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه الصحابة الكرام عن الرجل الذي جاء يستأذنه في الزنا، فلم يواجهه النبي بالزجر أو التوبيخ، وإنما خاطبه بحكمة ورفق، مستنهضًا مشاعره الإنسانية، حتى عاد عن طلبه وقد امتلأ قلبه إيمانًا ونقاءً، كما تتجلى هذه الرحمة أيضًا في موقفه صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد، فبينما همّ بعض الصحابة بتعنيفه، نهى النبي عن ذلك وتعامل مع الموقف بحكمة بالغة، موضحًا للأعرابي بلطفٍ حرمة الأماكن الطاهرة، ليقدم بذلك درسًا خالدًا في التربية بالرحمة، والتعليم بالحكمة.
وأشار المفتي، إلى أن الكذب من أعظم الآفات التي تفسد على الإنسان دينه وعقله، وتهدم جسور الثقة بينه وبين مجتمعه، وهو من أبشع ما تُبتلى به القلوب، وأشد ما يُفسد به القول والعمل، إذ به تُطمس الحقائق، وتُلبّس المقاصد، وتضيع الحقوق، فهو ليس مجرد انحراف في اللسان، بل هو اعوجاج في الفهم، وخلل في الميزان الأخلاقي، وهو مفتاح لكل شر، كما جاء في الحديث النبوي «وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» منبهًا إلى خطورة هذا الجرم لمن يشتغل بالسنة النبوية.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن الكذب لا يقتصر على اختلاق الأقوال ونسبتها زورًا إلى مقامه الشريف فحسب بل يتسع ليشمل تحريف الفهم، وإخراج النصوص عن سياقها، وتحميلها ما لا تحتمل، وتوظيفها لخدمة أهواء وانحرافات فكرية وسلوكية، مبينًا أن المشتغل بالسنة النبوية يحمل أمانة عظيمة، لا تقف عند حدود الرواية، بل تمتد إلى صدق الفهم، وسداد التأويل، ومراعاة السياق والإخلاص في النقل والمقصد، فكل إساءة في التأويل، أو استدعاء للنصوص في غير موضعها، أو توظيفها في غير غاياتها، هي في حقيقتها صورة من صور الكذب، بل ربما كانت أشد خطرًا، لأن الكذب اللفظي قد يُكشف ويُرد، أما الكذب في الدلالة فقد يُضلَّل به الناس، وتُقلب به الموازين.
وحثَّ طلبة العلم والمشتغلين بالسنة النبوية على الإكثار من الذكر والاستغفار، إذ به تطمئن القلوب وتستنير العقول وتُحصَّن النفس، فهو السلاح الذي يعصم الإنسان من الفتن، ويُمدّه بالقوة الروحية والمعرفية التي تعينه على الحفاظ على الأمانة العلمية في فهم النصوص وتطبيقها، داعيًا إياهم إلى أن يجعلوا من الذكر حصنًا يحميهم من الزلل في القول والعمل.
وقد أعرب مفتي الجمهورية في ختام كلمته، عن خالص شكره وتقديره للقائمين على المعهد العالي للحديث النبوي وعلومه، وسعادته بهذا اللقاء العلمي المبارك، الذي حضره طلاب وأعضاء هيئة التدريس بالمعهد، وعدد من ضيوف المؤتمر، كما ألقى في هذا اللقاء، كل من الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والأستاذ الدكتور أحمد الحسنات، مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، كلمات علمية أثرت الجلسة وأضافت أبعادًا فكرية ومعرفية عميقة حول مكانة السنة النبوية، وتأكيد منهج الاعتدال والرحمة في التعامل مع النصوص ومقاصدها.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الشخصية الإسلامية مفتي الجمهورية منظومة هيئات الإفتاء مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
الجامع الأزهر يعقد ندوة عن «الهجرة النبوية» ضمن فعاليات برنامج المرأة والأسرة
ينظم الجامع الأزهر الشريف اليوم، السبت، فعالية جديدة ضمن سلسلة برامجه التوعوية الموجهة للمرأة، وذلك من خلال عقد ندوة علمية تحت عنوان: "الهجرة النبوية"، في إطار اهتمام الأزهر الشريف بقضايا المرأة والأسرة، وبرعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات من الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.
ملتقى المرأة بالأزهر.. ودور المرأة في الهجرةتعقد الندوة ضمن فعاليات البرنامج الخامس والعشرين للرواق الأزهري، وتحمل عنوان: "الأدوار المشرقة للمرأة في الهجرة النبوية"، وهي الندوة الرابعة في هذا الموسم من البرنامج.
ويشارك في تقديم المحاضرات كل من الدكتورة فاطمة هنداوي، أستاذ البلاغة والنقد ووكيل كلية الدراسات للقطاع الشرعي والعربي، والدكتورة منى الشاعر، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر.
وتدير اللقاء الدكتورة حياة العيسوي، الباحثة في الجامع الأزهر الشريف.
وأوضح الدكتور عبد المنعم فؤاد أن البرامج الموجهة للمرأة والأسرة تهدف إلى مناقشة أبرز القضايا التي تشغل المجتمع، خاصة ما يتعلق بالمرأة العربية والمسلمة، مشيرًا إلى أن الأزهر يقدِّم من خلال هذه اللقاءات خطة عملية لحل الإشكاليات الأسرية والمجتمعية، ويعمل على توعية المرأة بحقوقها وواجباتها في ضوء تعاليم الإسلام.
وأكد فؤاد أن ندوة اليوم تعد الرابعة ضمن الموسم الخامس والعشرين، ضمن سلسلة متكاملة من المحاضرات التوعوية التي تُعقد أسبوعيًا كل يوم سبت، حيث يتناول كل لقاء محورًا مختلفًا مرتبطًا بعنوان البرنامج، بواقع أربع محاضرات خلال الشهر الواحد، يحاضر فيها نخبة من كبار المتخصصين في علوم اللغة والدراسات الإسلامية والاجتماعية والنفسية.
وأشار المشرف على الرواق الأزهري إلى أن الموسم الحالي يُعد امتدادًا لسلسلة مواسم سابقة حافلة، تؤكد اهتمام الأزهر الشريف المستمر بقضايا المرأة والمجتمع، حيث يتم اختيار المحاضرين بعناية من بين أهل الاختصاص والخبرة في المجالات العلمية والأسرية.
ونوه إلى وجود بعض الشروط المنظمة لحضور البرنامج، ومنها أن يكون الحضور مقتصرًا على النساء فقط، وأن يتم التسجيل المسبق قبل انطلاق أول محاضرة من البرنامج، مع الالتزام بحضور جميع المحاضرات.
وفي نهاية البرنامج، يتم منح المشاركات شهادة اجتياز معتمدة من الجامع الأزهر.
كما أكد فؤاد أن البرامج الموجهة للمرأة والأسرة تعد من أبرز ملامح استراتيجية الأزهر الشريف في السنوات الأخيرة، تنفيذًا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ووكيل الأزهر، حيث أطلق الجامع الأزهر العديد من المبادرات العلمية والندوات التوعوية التي استهدفت دعم المرأة وتمكين الأسرة، ومعالجة القضايا التربوية والاجتماعية برؤية شرعية وعلمية.