الهدوء الذي يسبق العاصفة.. حرب أمريكا والصين علي الأبواب
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
في تحليل سياسي معمّق نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية بتاريخ 2 مايو الجاري، حذّر الخبير في الشؤون الصينية تونغ جاو، الباحث البارز في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، من تصاعد خطر نشوب أزمة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين، رغم ما يبدو ظاهريًا من استقرار نسبي في العلاقات بين البلدين.
يرى التحليل أن بكين لم تعد تتعامل مع الولايات المتحدة كقوة مهيمنة مطلقة.
ومع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، ازدادت ثقة بكين بأنها أمام إدارة تتجه نحو مزيد من الانعزال والارتباك السياسي، ما يجعل فكرة التوازن أو حتى التفوق الاستراتيجي الصيني أمرًا قابلًا للتحقق، بل مرجّحًا. وفقًا لـ"فورين أفيرز"، فإن بكين تنظر إلى إدارة ترامب بوصفها تعجّل من أفول الهيبة الأميركية على المسرح العالمي.
رغم التصعيد التجاري مع إدارة ترامب، لم تُظهر بكين رغبة في الرد العسكري أو التصعيد الفوري، بل اتبعت سياسة "الصبر مع التسلّح"، حيث عملت على تطوير ترسانتها العسكرية، بما فيها الصواريخ التقليدية والنووية. وتدرك القيادة الصينية أن الصدام مؤجّل، لكنها تسعى لضمان تفوّقها المستقبلي عبر تعبئة القدرات وتوسيع النفوذ الإقليمي، وخصوصًا في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان.
يؤكد التقرير أن التهديد العسكري الصيني تجاه تايوان لم يبلغ بعد مرحلة الهجوم المباشر، إلا أن بكين انتقلت من استراتيجية "منع الاستقلال" إلى "تحقيق الوحدة"، سواء بالترغيب أو بالضغوط غير العسكرية. وتشير "فورين أفيرز" إلى أن بكين تكثّف نفوذها داخل المجتمع التايواني عبر أدوات مدنية وشبكات ناعمة، من بينها منح بطاقات هوية صينية لتايوانيين واستقطاب شخصيات عسكرية وسياسية من داخل الجزيرة.
لكن مع تزايد الإجراءات المضادة من إدارة الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي، وتنامي الشكوك في قدرة ترامب على حماية تايوان، ترى بكين أن اللحظة الحاسمة قد تقترب، وخاصة في ظل غياب مؤشرات على فوز أي زعيم تايواني موالٍ للصين في انتخابات 2028.
يفيد التحليل بأن قدرة الولايات المتحدة على الردع تضعف بفعل الخلافات الداخلية في الإدارة الأميركية. ويظهر ذلك في غياب رؤية موحدة داخل وزارة الدفاع بشأن أهمية تايوان، وفي تصريحات مسؤولين مثل إلبرج كولبي الذي قال إن "الأميركيين يمكنهم العيش بدون تايوان"، ما يعكس هشاشة الالتزام الأميركي تجاه الجزيرة.
كذلك، فإن سياسات ترامب القائمة على الولاء الشخصي وإقصاء الأصوات المخالفة تؤدي إلى تراجع القدرة المؤسسية على التقييم والتخطيط، وهو ما قد يضعف الجاهزية الأميركية لمواجهة أزمة حقيقية مع الصين.
تحذّر المجلة من أن هذا "الجمود الاستراتيجي" القائم حاليًا قد لا يستمر طويلًا. فمع تفاقم التوتر، وتآكل قدرة الطرفين على التقييم الذاتي، يمكن أن يتحوّل الجمود إلى صدام حاد، خاصة إذا رأت الصين أن المجتمع الدولي لن يتحرك دفاعًا عن تايوان، أو إذا اعتبرت واشنطن أن الصين تخطّت الخطوط الحمراء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصين أمريكا تايوان ترامب
إقرأ أيضاً:
التايمز: هل تصمد أوروبا في وجه بوتين من دون المظلة الأميركية؟
كشفت القمة التي عُقدت يوم الجمعة في أنكوراج، أكبر مدن ولاية ألاسكا، بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، أن أوروبا لم تكن في قلب المفاوضات بشأن أوكرانيا، لتتأكد مجددا حقيقة أن القارة مطالَبة ببناء استقلالها الأمني بعيدا عن واشنطن، بحسب صحيفة التايمز البريطانية.
وفي تحليل إخباري، أشار جوش غلانسي مساعد رئيس تحرير صحيفة تايمز البريطانية، إلى أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وغيره من القادة الأوروبيين شعروا ببعض الطمأنينة بعد إعلان ترامب في ألاسكا استعداد الولايات المتحدة لتقديم ضمانات أمنية كجزء من اتفاق سلام في أوكرانيا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ترامب ينقل لزيلينسكي شروط بوتين لوقف الحرب في أوكرانياlist 2 of 2هل تبنى ترامب مطالب بوتين في قمة ألاسكا؟end of listلكن ما لاحظه من مخرجات الاجتماع أن توجه الولايات المتحدة بدا واضحا وهو أن ابتعادها تدريجيا عن أمن أوروبا مستمر، وأصبح جليا أن القارة العجوز إذا أرادت أن تتحكم في مصيرها فعليها أن تعيد صياغة مقاربتها الدفاعية بالكامل.
وبالنسبة لستارمر، فإن القمة أكدت مجددا أن مساعيه لبناء منظومة أمنية أوروبية أكثر اعتمادا على الذات باتت أشد إلحاحا من أي وقت مضى.
مترددة ومتشظيةيقول غلانسي إنه منذ الإعلان عن لقاء أنكوراج، كان واضحا أن القمة لا تعدو أن تكون اختبارا لمقدار ما حققه القادة الأوروبيون في مواجهة عصر ترامب، ومؤشرا على حجم العمل الذي ما زال ينتظرهم.
ويضيف أن خبر لقاء القمة بين ترامب وبوتين كان من شأنه أن يُحدث انهيارا دبلوماسيا في أوروبا لو أنه أُعلن عنه قبل 6 أشهر.
لكن زعماء القارة -بحسب تحليل التايمز- تعلموا التكيف مع أسلوب ترامب "المندفع وغير المتوقع". فكان أن تحركوا سريعا، مؤكدين "الخطوط الحمراء" الأوكرانية وضرورة وقف إطلاق النار قبل أي اتفاق.
وقال إن هذه الاستجابة المنسقة أظهرت أن أوروبا باتت في وضع دبلوماسي أقوى من السابق، إذ أصبحت لديها خطة تقدمها لإدارة ترامب وآلية لدعم أوكرانيا.
إعلانلكن غلانسي يتساءل: "هل يكفي هذا؟ هل تملك أوروبا المترددة والمتشظية القدرة والصبر الكافي لمواجهة بوتين على المدى البعيد، أم إن تقديرات الرئيس الروسي ستثبت أن القارة ستتراجع أمام الضغوط؟".
بوتين يأمل أن يتمكن من دق إسفين بين الولايات المتحدة وأوروبا، وأن تنهار أوروبا وحدها، فهي التي تنوء بخلافات حول قضايا الهجرة، وتعاني من ضعف النمو الاقتصادي، وهي المترفة برفاهيتها بعد عقود من الرفاه
سباق التسلحالواقع أن أوروبا دخلت مرحلة غير مسبوقة من إعادة التسلح، كما توضح الصحيفة. فالتعهدات بمليارات اليوروهات، والتوجه البريطاني لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي، كلها مؤشرات تعكس إدراكا متزايدا بأن الأمن لم يعد سلعة أميركية مضمونة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي بنجامين حداد القول إنه "لا عودة إلى الوراء، وعلى الأوروبيين إعادة التسلح وتولّي مسؤولية أمنهم، هذا التزام أجيال".
وأشار مساعد رئيس تحرير التايمز إلى بروز تكتلات أمنية خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، مثل "فايمار بلس" (الذي يضم فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا)، إضافة إلى "تحالف الراغبين" المكوّن من 30 دولة داعمة لأوكرانيا.
وفي اعتقاده، فإن ذلك يدل على ولادة بنية دفاعية أوروبية جديدة أكثر مرونة، لافتا إلى أن أوروبا ترسل اليوم أموالا ومعدات عسكرية إلى أوكرانيا أكثر من الولايات المتحدة.
لكن التحدي لا يزال هائلا، حسب ظن غلانسي، مشيرا إلى أن القدرات الأميركية في مجال الاستخبارات والاستطلاع وتحديد الأهداف لا تزال فريدة، واستبدالها سيكلف كثيرا. أما بخصوص الضمانات الأمنية، فقد أبدى ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعدادهما لإرسال قوات إلى أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار.
أحلاهما مرويوضح الكاتب أن أخطر معركة تواجه أوروبا ليست على حدود أوكرانيا فحسب، بل داخل مجتمعاتها. فزيادة الإنفاق الدفاعي تعني تقليص برامج الرعاية الاجتماعية، وهو ما يصطدم بثقافة رفاه متجذّرة وشارع أوروبي لا يشعر بتهديد مباشر كما يشعر به مواطنو فنلندا أو بولندا.
ويعتقد الكاتب أن بوتين يأمل أن يتمكن من دق إسفين بين الولايات المتحدة وأوروبا، وأن تنهار أوروبا وحدها، فهي التي تنوء بخلافات حول قضايا الهجرة، وتعاني من ضعف النمو الاقتصادي، وهي المترفة برفاهيتها بعد عقود من الرفاه. ويستشهد بتصريح للمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال فيه: "بدأ تفتت الغرب بشكل جماعي".
كما نقل غلانسي عن الجنرال السير ريتشارد بارونز، القائد السابق للقوات المشتركة في بريطانيا، القول إن "الأمر يتعلق بالاختيار بين الحرب والرفاه. قبل كل شيء، نحن بحاجة للتحرك بسرعة. لكننا عالقون في نقاش حول كيفية زيادة الإنفاق الدفاعي من دون المساس ببرامج الرفاه السخي التي نقدمها".