حمود بن علي الطوقي

 

 

حملت زيارة دولة قام بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- إلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وحفاوة الاستقبال من قبل الشعب الجزائري، بُعدًا أعمق من كونها زيارة رسمية تدخل في سياق العلاقات الثنائية؛ فهي تستدعي من الذاكرة العربية والإسلامية مسارات تاريخية ظلَّت حاضرة، بين سلطنة عُمان وبلدان المغرب العربي.

إنها زيارة تنبض بالرمزية الثقافية، المتحركة بين تاهرت الرستمية في أقصى الغرب الإسلامي، ومسقط البوسعيدية في أقصى شرقه.

هذه الزيارة التاريخية تُعيد إلى الأذهان تلك الفترة عندما أسّس الإباضيون الدولة الرستمية في القرن الثاني الهجري في قلب الجزائر، كأول كيان سياسي لهم خارج عُمان، مؤسِّسين لمرحلة امتداد حضاري وفكري ظلّ صداه يتردد في ثقافة شمال إفريقيا. وحتى في هذا العصر الحديث اليوم، وبعد قرون، تعود الدولة العُمانية البوسعيدية في ظل قيادة حكيمة ومستنيرة، لتعيد ربط وشائج التاريخ، لا من باب الحنين للماضي؛ بل من بوابة الشراكة والبناء والتكامل الذي يربط بين الشعبين الشقيقين.

كمراقبين لاحظنا أنَّ نتائج الزيارة جاءت لتبرهن على أن الماضي لا يظل حبيس الكتب؛ بل يُترجم في الحاضر إلى اتفاقيات ومبادرات ومواقف تُجسد عمق الرؤية؛ إذ لم تغفل هذه الزيارة الجانب الاقتصادي والاستثماري، بل أولته عناية واضحة؛ حيث تمخضت عن التوقيع على حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تُتيح للجنة العليا العُمانية- الجزائرية المشتركة المضي قدمًا في تنمية ما تمَّ الاتفاق عليه، خاصة في مجالات الطاقة، والاقتصاد الأخضر، والقطاع اللوجستي، والاقتصاد الرقمي، وصولا الى إنشاء صندوق مشترك بقيمة 115.4 مليون ريال عُماني، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الصحة والتعليم، والقضاء بما يعكس حرص البلدين على بناء شراكة شاملة ومستدامة.

وشهدت الزيارة اهتمامًا خاصًا بالتعاون الثقافي والعلمي، وخاصة في مجالات التراث والمخطوطات. وهو بعدٌ يعبّر عن إدراك السلطنة لأهمية الثقافة كجسر دائم بين الشعوب، لا كزينة بروتوكولية للمناسبات.

وفي لحظة إقليمية حرجة، حضرت الدبلوماسية العُمانية بثباتها ووضوحها، لتؤكد مجددًا أنها مدرسة في التوازن والاتزان، وأن صوتها العاقل لا يغيب حين تُطرح القضايا المصيرية. وقد كان لافتًا توافق قيادتي البلدين حول مركزية القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية الأولى للعرب والمُسلمين، ورفض أي حلول منقوصة أو تسويات لا تُحقق العدالة والكرامة للشعب الفلسطيني. إنه توافق يؤكد أنَّ فلسطين ليست خيارًا سياسيًا، بل موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا لا يقبل التنازل أو التجزئة.

كما عكست المحادثات الرسمية بين جلالة السلطان هيثم المُعظم وأخيه فخامة الرئيس عبد المجيد تبون تطابقًا في الرؤى تجاه قضايا إقليمية ودولية، من بينها أهمية الحوار، واحترام سيادة الدول، والسعي لحلول سلمية تُعزز الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيدًا عن التوترات أو الاصطفافات الحادة.

إنَّ هذه الزيارة، بما حملته من دلالات ثقافية ومواقف سياسية ومشاريع تنموية، تفتح فصلًا جديدًا في علاقات بلدين يجمعهما أكثر من المصالح، وتوحّدهما الذاكرة، واللغة، والتاريخ. ولعل أجمل ما تختزنه هذه الزيارة هو تذكيرنا بأنَّ المسافة بين عُمان والجزائر ليست في الجغرافيا، بل في حركة الوعي العربي وهو يُعيد اكتشاف ذاته، حين تُصافح الحكمة العُمانية عمق التاريخ الجزائري.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شراكة جزائرية – عُمانية واعدة في المجال الصناعي

استقبل وزير الصناعة، سيفي غريب، اليوم، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بسلطنة عمان، قيس بن محمد اليوسف.

وحسب بيان للوزارة، حضر اللقاء، سفير سلطنة عمان المعتمد لدى الجزائر، ورئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة سلطنة عمان.

كما حضر اللقاء، سعد بن سهيل المخيني بهوان، وهو أحد كبار المساهمين في مجموعة بهوان الاقتصادية والشركة الجزائرية-العُمانية للأسمدة.

وكذا عدد من المسؤولين ورجال الأعمال العمانيين، وإطارات سامية من وزارتي الصناعة والخارجية الجزائرية.

ويأتي هذا اللقاء في سياق تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وسلطنة عمان، تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية، عقب زياراته الأخيرة إلى سلطنة عمان، وزيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر.

وأشاد وزير الصناعة، سيفي غريب، بالدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان في دعم الشراكة الاقتصادية الثنائية. لا سيما من خلال مساهمتها في مشروع صناعة السيارات “هيونداي” بالجزائر. معتبراً ذلك نموذجاً ناجحاً للتعاون الصناعي النوعي.

كما أبرز الوزير الفرص الكبرى التي تتيحها الجزائر للاستثمار في الصناعات التحويلية والغذائية، والصناعات التدويرية. داعياً إلى رفع وتيرة الشراكة الفعلية وفق مقاربة اقتصادية متكاملة ومربحة للطرفين.

ومن جهته، ثمّن وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بسلطنة عمان، قرار الجزائر تعيين سلطنة عمان ضيف شرف في الدورة القادمة لمعرض الجزائر الدولي. معتبراً ذلك دليلاً على عمق الروابط الاستراتيجية بين البلدين.

الاتفاق على جملة من المحاور العملية لتعزيز التعاون

وفي ختام اللقاء، تم الاتفاق على جملة من المحاور العملية لتعزيز التعاون، من بينها اقتراح إنجاز مناطق صناعية مشتركة لدعم الاستثمار والإنتاج الثنائي.

وكذا اقتراح مشاريع استثمارية في مجالات الصناعات التحويلية، والصناعات الغذائية، والتدوير الصناعي.

ووضع قاعدة بيانات مشتركة لرصد فرص الاستثمار ومرافقة المتعاملين من البلدين. وتشجيع الاستثمار المتبادل وفق نقاط قوة اقتصاد البلدين، عبر توفير آليات تحفيز ودعم فعّالة.

وكذا تشكيل فريق عمل مشترك يضم إطارات سامية من وزارة الصناعة الجزائرية والمؤسسات العُمانية المختصة. لتكليف بوضع خارطة طريق عملية وتنفيذها ميدانياً في أجل لا يتعدى شهراً.

هذا وتؤكد هذه الديناميكية الجديدة الإرادة المشتركة في بناء شراكة صناعية متكاملة. تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والسيادة الصناعية في كلا البلدين.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • كل ما تريد معرفته عن طريقة الاستعلام عن تأشيرة الزيارة العائلية في السعودية 2025
  • رسميا.. إعلان تأسيس "الأكاديمية العُمانية اللوجستية" لدعم التوطين وتعزيز التنافسية
  • شراكة جزائرية – عُمانية واعدة في المجال الصناعي
  • 61.19 مليون ريال مبيعات مؤمنة للصادرات العُمانية غير النفطية
  • مناقشة دور مكاتب الثقافة والإعلام والإرشاد بمدينة البيضاء في التوعية بمخاطر الحرب الناعمة
  • “الأحرار” يشيدون بالمكاسب الدبلوماسية ويؤكدون الإلتزام بمواصلة مسار الإصلاح والتواصل الميداني
  • نمو حجم المبيعات المؤمنة للصادرات العُمانية بنسبة 6 % خلال الربع الأول
  • تأشيرة الزيارة العائلية المتعددة للسعودية 2025.. تفاصيل فتح التقديم رسميًا
  • تفاصيل لقاء رئيس النواب مع رؤساء البعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج
  • في دير سانت كاترين .. شاهد الزيارة الأولى لرئيس وزراء صربيا لمصر