بعد التصعيد الإسرائيلي الحوثي.. هل المنطقة أمام صراع جديد في معادلة الردع الإقليمية؟
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
شهدت المنطقة تصعيدا غير مسبوق في البحر الأحمر ومنطقة الحديدة في اليمن، بين الاحتلال الإسرائيلي وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وجاء ذلك بعد الهجمات الصاروخية للحوثيين على مطار بن غوريون ومدينة إيلات.
لم تنتظر حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فجاء الرد سريعا عبر هجمات جوية مركزة نفذتها الطائرات الإسرائيلية، مستهدفة ميناء الحديدة والبنى التحتية في غرب اليمن، مما وسع دائرة الاشتباك الإقليمي عبر إدخال ساحة جديدة في الصراع، وهو ما يعني بدء مرحلة جديدة من الحروب غير المتماثلة عابرة الحدود.
يحمل هذا التصعيد أبعادا تتجاوز حدود الرد التكتيكي، ليحدث تحولا في توازنات الصراع الإقليمي ومفهوم الردع.
خلفيات وسياقات
في الحالة اليمينية هناك اختلاف رئيس يتمثل في البعد الجغرافي، وهنا يواجه الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى تهديدا جادا بعيدا عن الجوار الحدودي، ومن مسافة تتجاوز 1500 كيلو متر تقريبا. هذا الوضع يفرض حالة جديدة من الرد العسكري، تعتمد سلاح الجو، وتتطلب معلومات استخباراتية دقيقة، والتنسيق مع الحلفاء
هذه المواجهة الحالية تحمل العديد من السمات المشتركة مع حروب سابقة خاضها الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما حرب يوليو/ تموز عام 2006 ضد حزب الله اللبناني، والحروب المتكررة على المقاومة في قطاع غزة.
في جميع الحروب كانت الهجمات الإسرائيلية الواسعة تستهدف البني التحتية ومنشآت مدنية وعسكرية، بهدف شل قدرة المقاومة على القيام بهجمات من أي نوع على الاحتلال، سواء صاروخية أو عبر العمليات الفدائية.
لكن في الحالة اليمينية هناك اختلاف رئيس يتمثل في البعد الجغرافي، وهنا يواجه الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى تهديدا جادا بعيدا عن الجوار الحدودي، ومن مسافة تتجاوز 1500 كيلو متر تقريبا. هذا الوضع يفرض حالة جديدة من الرد العسكري، تعتمد سلاح الجو، وتتطلب معلومات استخباراتية دقيقة، والتنسيق مع الحلفاء الدوليين وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية.
أوجه التشابه مع حروب تموز وغزة
يتشابه التصعيد الحالي مع الحروب السابقة على النحو التالي:
أولا: هناك تشابه من ناحية الجهات الفاعلة، فكما هو الحال بالنسبة لحركة المقاومة مثل حماس وحزب الله، فإن الحوثيين فاعل غير دولي، وتدعمه إيران عسكريا وسياسيا، ويعتمدون على الهجمات الصاروخية كوسيلة للضغط السياسي وتغيير قواعد الاشتباك.
ثانيا: اعتمدت إسرائيل في ردها على نفس الاستراتيجية: الضربات المركزة، واستهداف البنى التحتية، والحرب النفسية.
ثالثا: الهدف النهائي التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، هو إضعاف قدرات المقاومة ومنع تكرار الهجمات، واستعادة هيبة إسرائيل، وترسيخ صورة "الردع الحاسم".
لكن الأمر يبدو مختلفا في المواجهة على المستوى الاستراتيجي، وذلك على الوجه التالي:
1- ساحة الاشتباك مع الحوثيين هي البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي تشكل الممر الدولي الأهم والأكثر حيوية للتجارة والطاقة، ما يعني أن التصعيد تتجاوز حدوده ليؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي.
2- يمتلك الحوثيون قدرات عسكرية، ويستخدمون تكتيكات بحرية متقدمة نسبيا، تشمل الزوارق المفخخة، والصواريخ البالستية، والمسيّرات، وهو ما يعني أنهم يمثلون قوة هجومية حقيقية ومعتبرة في الحرب البحرية، وحتى الآن لم تختبر إسرائيل ولا حلفاؤها هذه الساحة بنفس القدر في جنوب لبنان أو غزة.
3- يلعب البعد الجغرافي دورا مركزيا في شل قدرة إسرائيل على تنفيذ أي اجتياح أو عمل بري، وهو ما يجعل الردود محصورة في نطاق عمليات القصف باستخدام الذراع الجوي أو الحرب بالوكالة عبر الحلفاء في المنطقة.
ماذا عن التأثيرات الإقليمية والدولية؟
التصعيد بين الاحتلال الإسرائيلي والحوثيين في اليمن تتجاوز آثاره حدود الجغرافيا اليمينة وذلك للأسباب التالية:
1- أي تصعيد في البحر الأحمر يشكل تهديدا مباشرا لحركة الملاحة الدولية، وسينعكس بصورة مباشرة بزيادات كبيرة في تكاليف الشحن والتأمين البحري، والتي ارتفعت بالفعل نتيجة للتصعيدات السابقة، وهو ما سيلهب أسعار الطاقة والسلع الأساسية عالميا.
2- استمرار التصعيد قد يرفع سقف المخاوف لدى بعض الدول الخليجية؛ مما قد يدفعها -رغم الحساسيات السياسية- إلى تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل، لمواجهة ما تراه تهديدا حوثيا.
3- لا شك أن التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي وفر للحوثيين فرصة إضافية للخروج من عزلتهم داخل حدود اليمن، وتقديم أنفسهم باعتبارهم جزءا هاما من محور المقاومة. كما أن ربط عملياتهم في البحر الأحمر بما يحدث في غزة، يساهم في إعادة صياغة الصورة الذهنية عنهم في الوعي العربي والإسلامي، باعتبارهم قوة فاعلة في معرة إقليمية أكبر، وليس مجرد قوة محلية محصورة داخل اليمن.
ماذا عن المستقبل؟
الأرجح في استشراف المستقبل، هو سيناريو استمرار التصعيد المحدود، حيث سيستمر كل طرف في توجيه ضربات مخططة ومدروسة بعناية لإيصال الرسائل دون الانزلاق إلى الحرب الشاملة. هذا يعني أن الاحتلال الإسرائيلي قد يواصل استهداف مواقع في العمق اليمني، والحوثيون يواصلون استهداف الموانئ الإسرائيلية والسفن في البحر الأحمر.
ستبقى المنطقة على صفيح ساخن في ظل غياب حل سياسي شامل، وهذا يعني مزيدا من الانفجارات المؤقتة والمحكومة بتوازنات ردع هشة، وهذا يجعل المنطقة عرضة لخطر انفجار كبير في أي لحظة
وعلى كل الأحوال، يبقى احتمال الانزلاق نحو تصعيد أوسع قائما، وذلك في حال تدخلت أطراف أخرى مثل إيران أو حزب الله، وإن ما زال الأمر مستبعدا. وكذلك في حال استُهدفت سفن أمريكية أو أوروبية، ما قد يؤدي إلى تحالف دولي بحري جديد، أقرب ما يكون لتحالفات مكافحة القرصنة في السابق.
الخلاصة
استمرار التصعيد بين الاحتلال الإسرائيلي والحوثيين، ينقل الصراع من الشكل التقليدي عبر الحدود المباشرة، إلى صراع عبر ساحة إقليمية مفتوحة، تلعب فيها التكنولوجيا والبحار والمسافات دورا محوريا.
يؤدي استمرار هذه الديناميكية إلى جعل معادلة الردع الإسرائيلية في موضع اختبار دائم، في مواجهة ترسيخ ردع متعدد المحاور يمتد من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر.
ستبقى المنطقة على صفيح ساخن في ظل غياب حل سياسي شامل، وهذا يعني مزيدا من الانفجارات المؤقتة والمحكومة بتوازنات ردع هشة، وهذا يجعل المنطقة عرضة لخطر انفجار كبير في أي لحظة. ولذلك فإن دول المنطقة في حاجة لتطوير سياسات استباقية لمعالجة هذا الواقع المتدهور الذي تزيده إسرائيل اشتعالا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء اليمن الإسرائيلي الحوثيين القصف إسرائيل اليمن قصف البحر الاحمر حوثي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی فی البحر الأحمر وهو ما
إقرأ أيضاً:
من العزلة إلى الفاعلية .. كيف استعادت مصر مكانتها الإقليمية بعد 30 يونيو | أستاذ علوم سياسية يجيب
مع مرور العديد من السنوات على ثورة 30 يونيو، بدأت ملامح التحول الاستراتيجي في السياسة الخارجية المصرية تتضح بوضوح، فبعد سنوات من التراجع والعزلة، استعادت القاهرة موقعها المحوري في ملفات المنطقة، من ليبيا والسودان إلى فلسطين وسوريا، مؤكدة أنها لم تعد مجرد طرف متأثر، بل أصبحت صانعة لتوازنات الشرق الأوسط.
ولم تكتف مصر باستعادة حضورها الدبلوماسي، بل أعادت تعريف أولوياتها، وفرضت معادلات جديدة في الإقليم ترتكز على الأمن القومي ومصالح الدولة العليا.
قال الدكتور سعيد الزغبي، أستاذ العلوم السياسية في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد أن أكثر من 6 زيارات رفيعة المستوى متبادلة بين مصر وليبيا تمت خلال عامين فقط بعد 2020، مشيرًا إلى أن 15 وقف إطلاق نار في غزة منذ 2014 كان معظمها برعاية مصرية مباشرة، إلى جانب أكثر من 50 اجتماعًا مصريًا سودانيًا خلال مفاوضات سد النهضة منذ 2015.
وأكد الزغبي أن مصر ساهمت في صياغة منتدى غاز شرق المتوسط الذي غير معادلات الطاقة في المنطقة، وهو ما يعكس استعادة الدولة المصرية لأدوات تأثيرها الإقليمي بعد سنوات من الارتباك.
وأضاف ان بعد سنوات من الارتباك الإقليمي والدولي خرجت مصر من دوامة العزلة عقب 30 يونيو، لتعود لاعبًا محوريًا في صياغة توازنات الشرق الأوسط في مشهد إقليمي يزداد تعقيدًا.
وأوضح أن القاهرة أعادت تعريف أدوارها وحدود نفوذها، فتحولت من دولة منشغلة بداخلها إلى وسيط ووازن في أزمات المنطقة، من ليبيا والسودان إلى فلسطين وسوريا.
وأشار الزغبي إلى أن مصر بعد 2011 كانت تعيش حالة سيولة سياسية وانكفاء داخلي أضعف دورها الخارجي، حتى بدت العواصم الإقليمية الكبرى ترسم خرائط المنطقة دون اعتبار يذكر لرأي القاهرة.
واستطرد مع ثورة 30 يونيو بدأت الدولة المصرية تستعيد أدوات تأثيرها، مركزة على الأمن القومي أولًا، لافتًا إلى أن مصطلح الأمن القومي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أول اجتماع له في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد أن مصر تحركت لضبط توازنات الجوار، وكانت ليبيا المثال الأوضح على ذلك، حيث دعمت القاهرة الجيش الوطني الليبي في مواجهة الميليشيات والفوضى.
وقال الزغبي وضعت مصر خطوطًا حمراء في سرت والجفرة عام 2020، ما غيّر حسابات اللاعبين الإقليميين والدوليين، وأجبر كثيرين على مراجعة استراتيجياتهم.
وأشار إلى أن مصر كانت أول من تحرك لاحتواء النزاع السوداني، فاتحة أبواب الحوار بين الأطراف، حيث ظلت القاهرة حريصة على تثبيت معادلة “أمن السودان من أمن مصر”، مدفوعة بمخاوف سد النهضة وأهمية نهر النيل كمسألة وجودية.
وأوضح أن القاهرة، رغم تغير الإدارات الأمريكية والإسرائيلية، ظلت الطرف الأقدر على التهدئة في قطاع غزة، وفرض وقف إطلاق النار، مستثمرة رصيدها لدى الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لتصبح رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيب مستقبلي للقطاع.
وأكد الزغبي أن القاهرة تحركت كذلك في الملف السوري بدبلوماسية هادئة، لإعادة دمشق إلى الحاضنة العربية، وهو ما توج بدعوة سوريا للقمة العربية في جدة.
وقال من وجهة نظري، رأت مصر في وحدة سوريا وتحجيم النفوذ التركي والإيراني هدفًا استراتيجيًا يساهم في استقرار الإقليم.
واختتم الزغبي تصريحاته قائلًا هذا الحضور المصري أعاد القاهرة إلى طاولة الكبار في الشرق الأوسط، معادلات النفط والغاز في شرق المتوسط، وأمن البحر الأحمر، وملف إيران والاتفاق النووي، كلها ملفات تجد مصر لنفسها فيها صوتًا مسموعًا، إن لم يكن في قلب صناعة القرار، ففي الحد الأدنى كصانع توازنات يراعي الجميع حساباته، إنها بحق رمانة ميزان السلام في المجتمع الدولي، مع مرور العديد من السنوات على ثورة 30 يونيو، بدأت ملامح التحول الاستراتيجي في السياسة الخارجية المصرية تتضح بوضوح، فبعد سنوات من التراجع والعزلة، استعادت القاهرة موقعها المحوري في ملفات المنطقة، من ليبيا والسودان إلى فلسطين وسوريا، مؤكدة أنها لم تعد مجرد طرف متأثر، بل أصبحت صانعة لتوازنات الشرق الأوسط.