السودان: العاصمة الإدارية تحت نيران المسيرات.. رسائل للداخل والخارج
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
دخلت هجمات مسيرات الدعم السريع على بورتسودان أسبوعها الثاني بلا توقف، وهي مرحلة جديدة من الحرب الدائرة في السودان منذ عامين ويزيد، ولكن الجديد فيها هو وصول مسيّرات الدعم السريع الاستراتيجية الي العاصمة الإدارية المؤقتة لأول مرة منذ انتقال الحكومة السودانية من الخرطوم؛ بعد شهر واحد من هجوم الدعم السريع على مقر إقامة الرئيس البرهان محاولا الاستيلاء على السلطة بقوة الأمر الواقع، وهي الخطة التي أفشلها الحرس الرئاسي في ساعتها الأولى، فما هي دوافع الدعم السريع من الهجوم المكثف على بورتسودان؟
في أواخر تموز/ يوليو من العام الماضي هاجمت مسيرة انتحارية المنصة الرئيسية للاحتفال بتخريج ضباط جدد من القوات المسلحة السودانية، حيث كان يتواجد فيها الرئيس البرهان بمنطقة جبيت جنوب بورتسودان، وهي المرة الأولى التي تصل فيها مسيرّات الدعم السريع ولاية البحر الأحمر على بعد حوالي ألف كيلومتر من الخرطوم على ساحل البحر الأحمر.
الراجح إن الهجمات الأخيرة على بورتسودان لديها أهداف مختلفة تتجاوز الاستهداف الشخصي للرئيس البرهان، بعد الانتصارات الكبيرة للجيش والدعم الإقليمي والدولي لمؤسسات الدولة الشرعية، وفشل مشروع تحالف الدعم السريع و"صمود" في إعلان الحكومة الموازية من داخل مناطق سيطرة الدعم السريع في ولايات دارفور
بعد تقدم الجيش السوداني في المعارك البرية مطلع العام الحالي وتقهقر الدعم السريع نحو ولايات دارفور، بدأت فصول جديدة من الحرب عن طريق المسيرات بعيدة المدى؛ استهدف الدعم السريع من خلالها البنى التحتية في عدد من الولايات الآمنة، حيث تعيش ولايات الشمالية ونهر النيل بلا كهرباء منذ شهر كامل، مما أدى إلى فشل الموسم الزراعي الشتوي كما تأثرت ولاية الخرطوم وولاية البحر الأحمر بتدمير محطات الكهرباء ومحطات الوقود في معظم ولايات السودان، بجانب الهجمات المتكررة على معسكرات النازحين وقوافل الإغاثة والإعانات الخارجية للفارين من مناطق سيطرة الدعم السريع.
لكن الراجح إن الهجمات الأخيرة على بورتسودان لديها أهداف مختلفة تتجاوز الاستهداف الشخصي للرئيس البرهان، بعد الانتصارات الكبيرة للجيش والدعم الإقليمي والدولي لمؤسسات الدولة الشرعية، وفشل مشروع تحالف الدعم السريع و"صمود" في إعلان الحكومة الموازية من داخل مناطق سيطرة الدعم السريع في ولايات دارفور، حيث أحبط الجيش محاولات تأهيل مدينة نيالا غرب السودان لتكون عاصمة لحكومة الدعم السريع، من خلال ضربات جوية محكمة على مطار المدينة الذي كان يستقبل رحلات جوية من داعمين إقليميين بالسلاح والعتاد وأنظمة دفاعية وتشويش لتأمين أعمال الحكومة الموازية.
مثلت هجمات الجيش السوداني على مطار نيالا اختبارا حقيقيا لإمكانية إعلان الحكومة الموازية من داخل السودان، حيث كان يرى بعض حلفاء الدعم السريع تعيين حكومة منفي من إحدى الدول الصديقة لحين توافر الظروف المناسبة لعودتها للداخل.
كانت هجمات بورتسودان ردا عمليا على خسائر جسيمة سببها تدمير سلاح الجو السوداني لمطار العاصمة المرتقبة لقوات الدعم السريع التي تحاول جاهدة إعادة الروح لما تبقى من مقاتليها من خلال الهجمات البرية على بعض المناطق في إقليم كردفان، وإرسال رسائل في بريد الجيش السوداني بأنه لم يعد هناك مكان آمنا لإدارة البلاد.
ويرى قادة الدعم السريع أن الهجوم على بورتسودان سيجبر البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية المتواجدة فيها على الخروج بحجة أن المدينة لم تعد آمنة بعد استهداف مطاراتها المدنية والعسكرية وموانئها البحرية؛ مما يصعب عملية إجلاء الرعايا الأجانب حال تدهور الأوضاع الأمنية.
سياسيا، ترى الدعم السريع إن استهداف البنية التحتية والخدمات الضرورية مثل محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات وتوقف استيراد السلع الأساسية؛ سيحرج الحكومة السودانية ويجبرها على العودة إلى المفاوضات التي ترفضها وتضع لها شروطا محددة على رأسها تجميع قوات الدعم السريع في مناطق محددة ودمج ما تبقى منها في الجيش السوداني، والخروج من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين التي أخرجتهم منها بالقوة في ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة.
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم على بورتسودان كما أدانته الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والإيغاد والاتحاد الأوربي وعدد من الدول العربية والأوروبية؛ باعتباره يمثل تهديدا على حياة المدنيين ويهدد أمن البحر الأحمر والمنطقة بأكملها.
وكانت ردة فعل الحكومة السودانية المباشرة قطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشهد العلاقة بينها والسودان توترات منذ بداية الحرب الحالية؛ بدأت باتهامات مباشرة للإمارات بإسناد الدعم السريع، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، ثم الشكوى الاخيرة لدي محكمة العدل الدولية وأخيرا قطع العلاقات الدبلوماسية.
وتسعى الآلة الإعلامية للدعم السريع لخلق حالة من التردد والخوف وسط آلاف الأسر السودانية التي تتأهب للعودة إلى منازلها في الخرطوم وبقية ولايات السودان المحررة من داخل وخارج السودان، وتعطيل الحياة العامة وإجبار سكان الولايات الشرقية على الهجرة العكسية، ولكن الشاهد أن الحكومة السودانية وحكومة ولاية البحر الأحمر نجحتا في امتصاص الصدمة الأولى وبث الطمأنينة بتوفير الخدمات الأساسية واستمرار العملية التعليمية في المدارس والجامعات، وعودة مطار بورتسودان للعمل بعد توقفه لساعات فقط في اليوم الأول من الهجمات، بينما تستمر الجهود الفنية لعودة التيار الكهربائي، في الوقت الذي لجأت فيه البنوك والمصارف لتمويل مشاريع الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية) للقطاعين الزراعي والسكني؛ تحسبا لأي طارئ يهدد الخدمات الأساسية والمشروعات الزراعية.
لا تحظى الحرب المستمرة في السودان بالاهتمام الدولي اللازم في ظل ما يجري من تصعيد في الشرق الأوسط والعدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان واليمن وتطورات الحرب بين الهند وباكستان، حيث لم تنهض مبادرات جديدة لحل الأزمة السودانية
وتواصل وحدات من الجيش السوداني زحفها لفك الحصار عن مدينة الفاشر، التي يرى مراقبون أن هجمات الدعم السريع على بورتسودان محاولة لفتح جبهة جديدة تمكنهم من دخول المدينة الصامدة منذ عامين، حيث صدت القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية عشرات الهجمات التي يشرف عليها قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، شخصيا؛ مسنودا بآلاف الجنود والمركبات القتالية والأسلحة المتطورة.
وتتجه الأنظار نحو تحولات جديدة في حرب السودان، خاصة وأن قوات الدعم السريع تحظى بدعم إقليمي وبعض دول جوار السودان التي تسهل له الانطلاق من أراضيها لإمدادها، وتقديم الخدمات الضرورية في مناطق سيطرتها وإخلاء جرحاها إلى مستشفيات ميدانية قرب الحدود السودانية أنشئت خصيصا لهذه الأغراض.
وكان الرئيس البرهان قد صرح قبل وقوع هجمات بورتسودان بأيام بأن هجوم المسيرات سيصبح من الماضي، في إشارة واضحة لتلقيه دعما خارجيا يمكنه من صد هجوم المسيرات والتحول من خانة الدفاع إلى الهجوم، والوصول إلى مصدر الهجمات خارج حدود السودان.
ولا تحظى الحرب المستمرة في السودان بالاهتمام الدولي اللازم في ظل ما يجري من تصعيد في الشرق الأوسط والعدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان واليمن وتطورات الحرب بين الهند وباكستان، حيث لم تنهض مبادرات جديدة لحل الأزمة السودانية بعد منبر جدة، وهي الوساطة السعودية الأمريكية التي توقفت منذ بداية الحرب بسبب تعنت الدعم السريع وخرقها لبنود الاتفاق الأولى القاضية بفتح الممرات الإنسانية ووقف إطلاق النار والسماح للمواطنين بالتنقل الآمن، ثم فشل مبادرات الاتحاد الأفريقي والإيغاد؛ وكلاهما متهمان عند الحكومة السودانية بعدم الحياد والانحياز لصالح الدعم السريع.
وبدخول هجمات الدعم السريع على بورتسودان يومها السابع فقد فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية بالقدح في شرعية الحكومة السودانية وتفتيت الجبهة الداخلية، وتراجع عدد من البعثات الدبلوماسية في بورتسودان عن نداءات ناشدت فيها رعاياها بمغادرة المدينة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الدعم السريع بورتسودان السودان البرهان السودان الدعم السريع البرهان بورتسودان قضايا وآراء سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحکومة السودانیة الحکومة الموازیة الدعم السریع على الجیش السودانی على بورتسودان البحر الأحمر من داخل
إقرأ أيضاً:
معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الاتجاهين الجنوبي والشرقي بدارفور
أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل بوقوع معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الاتجاهين الجنوبي والشرقي لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وأكد النائب مجاهد نصار، عضو لجنة القيم بمجلس النواب، أن استقبال الرئيس السيسي لرئيس الوزراء الانتقالي بجمهورية السودان السيد كامل إدريس، يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية المصرية لاستقرار السودان الشقيق، وحرصها على الحفاظ على وحدة أراضيه وسلامة شعبه.
وقال نصار، في تصريح صحفي له اليوم، إن رسائل الرئيس السيسي خلال اللقاء كانت واضحة وقوية، وجددت التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الأزمة السودانية، والمتمثلة في دعم وحدة السودان، ورفض التدخلات الخارجية في شؤونه، وتقديم كل سبل الدعم السياسي والإنساني للشعب السوداني في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها.
وشدد عضو مجلس النواب، على أن مصر كانت وستظل العمق الاستراتيجي للسودان، وتتحرك دائمًا بدافع من المسؤولية التاريخية والأخوية تجاه الشعب السوداني، مشيرًا إلى أن دعم القاهرة لجهود التسوية السلمية يعكس إدراكها العميق لخطورة استمرار الصراع على أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
وأضاف النائب، أن إعلان مصر استعدادها للتعاون في إعادة إعمار السودان هو خطوة مهمة تؤكد جدية التحرك المصري، ليس فقط لإنهاء الأزمة، بل للمساهمة في إعادة بناء الدولة السودانية، وتحقيق التنمية لشعبها، في إطار رؤية شاملة للتكامل بين البلدين.
واختتم النائب مجاهد نصار حديثه قائلاً: موقف مصر من الأزمة السودانية هو موقف شريف ومسؤول، يستند إلى ثوابت تاريخية وعلاقات راسخة، ويثبت مجددًا أن مصر قوة استقرار في محيطها العربي والأفريقي، تسعى دائمًا إلى تغليب لغة الحوار والسلام على لغة السلاح والانقسام".