تكتسب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مِنطقة الخليج، المقرّرة بين 13 و16 مايو/ أيار 2025، أهمّية استثنائية في ظلّ التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتفاقمة في الشرق الأوسط.

وبينما تتناول اللقاءات ملفات الاستثمار والطاقة والأمن الإقليمي والسلام، يبرز "مشروع مارشال السوري" كبند محتمل على جدول المباحثات، بوصفه رؤية إستراتيجية متكاملة لإعادة إعمار سوريا، وإعادة ضبط التوازن الإقليمي عبر التنمية لا النزاع.

ما هو مشروع مارشال الأميركي؟

هو برنامج اقتصادي ضخم أُطلق عام 1947 لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. سُمّي المشروع باسم وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جورج مارشال، وتم تقديمه رسميًا في 5 يونيو/حزيران 1947. بلغت قيمته 13 مليار دولار، وامتد تنفيذه من أبريل/نيسان 1948 حتى يونيو/ حزيران 1952.

خلال هذه الفترة، استعادت غالبية دول أوروبا الغربية عافيتها الاقتصادية، وأعادت بناء قدراتها الإنتاجية الصناعية والزراعية، وتمكنت خلال أربعة أعوام من تحقيق معدلات نمو عالية للناتج القومي الإجمالي تراوحت بين 15% و25%.

الغرب ومشروع مارشال السوري: شراكة إنمائية أم مقايضة سياسية؟

في سياق سياسي لافت، ذكر الرئيس السوري أحمد الشرع مشروع مارشال خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون. وأعرب عن رغبته في تعزيز العلاقات مع الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، من خلال رؤية لإعادة إعمار سوريا على غرار خُطّة مارشال.

إعلان

كما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن الشرع بعث برسائل إلى البيت الأبيض عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار، وطلب عقد اجتماع مع الرئيس الأميركي ترامب خلال زيارته المرتقبة إلى الخليج.

نجاح هذا المشروع مشروط بدعم غربي جادّ، ليس من أجل سوريا فحسب، بل من أجل إعادة هندسة توازنات الشرق الأوسط على أسس تنموية تشاركية، بديلًا عن التنافس العسكري التقليدي. كما أن الاتحاد الأوروبي يرى فيه وسيلة لاحتواء تداعيات ما بعد سقوط نظام الأسد، سواء من حيث موجات اللجوء، أو التهديدات الأمنية.

إحياء ميراث مارشال.. ولكن بصيغة سورية

يستعير المشروع اسمه من الخطة الأميركية، لكنه لا يكتفي بالمساعدات أو إعادة الإعمار التقليدي، بل يطرح تصورًا شاملًا لإعادة بناء الدولة السورية على أسس سياسية واقتصادية عادلة، من خلال:

تأسيس بنى مؤسساتية مدنية. دعم العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية. تنمية الاقتصاد الإنتاجي بعيدًا عن الرَّيعية. إطلاق بنية تحتية تكنولوجية وسياحية فاعلة.

ويُقدّر الخبراء الاقتصاديون الكلفة الإجمالية للمشروع بأكثر من 250 مليار دولار، تمتد على ثلاث مراحل حتى عام 2035، بتمويل من دول الخليج، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى استثمارات خاصة.

رؤية اقتصادية عابرة للحدود: الخليج وأوروبا شريكان

لا يقتصر المشروع على الداخل السوري، بل يضع سوريا في قلب منظومة اقتصادية جديدة، تربط الخليج بتركيا، وأوروبا عبر الموانئ وخطوط الغاز والطاقة.

يتوقع أن يلعب الخليج دورًا مركزيًا في تمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة، وتحفيز القطاع الخاص الخليجي للدخول في شراكات طويلة الأمد.

ويرى خبراء أنّ هذا التكامل يمكن أن:

يقلص موجات الهجرة غير الشرعية. يضعف من بيئات التطرف. يفتح أسواقًا جديدة للاستثمار الخليجي والأوروبي. يعيد تعريف سوريا كممر إستراتيجي للطاقة والتجارة. وادي السيليكون وسياحة ما بعد الحرب

من أبرز ابتكارات المشروع، اقتراح إنشاء "وادي السيليكون السوري" في مدينة حلب، كمنطقة تكنولوجية حرة، تحتضن الشركات الناشئة والابتكار الرقمي، وتُشجّع على عودة الكفاءات السورية من المهجر.

إعلان

كما يسعى المشروع إلى إحياء المواقع السياحية التاريخية في تدمر، حلب القديمة، دمشق، إدلب، وحماة، وربطها بسياحة دينية وثقافية تُدرّ دخلًا طويل الأمد وتعزز من الهوية الوطنية.

الحوكمة والشفافية: ضمانات النجاح

يرتكز نجاح المشروع على:

إنشاء هيئة رقابة مستقلة تخضع لبرلمان انتقالي سوري، وتنشر تقارير مالية ربع سنوية، وتخضع لتدقيق خارجي من شركات عالمية. يُعد إشراك المجتمع المدني السوري عنصرًا حاسمًا في منع تسييس المشروع وتحويله إلى أداة نفوذ بيد أي طرف. الاستفادة من الكفاءات السورية الاقتصادية والتقنية والإدارية، خاصة المغتربين الذين اطلعوا خلال الأعوام الماضية على معايير الجودة والتنفيذ للاستفادة منها وتجاوز السلبيات التي كانت تعترضهم. سوريا جديدة: من ساحة صراع إلى محور استقرار

لا يهدف المشروع فقط إلى معالجة تداعيات ما بعد الأسد، بل إلى إعادة تشكيل الدولة السورية من خلال تعزيز اللامركزية الإدارية، ودعم الإنتاج المحلي، وربط سوريا بشبكات نقل وطاقة إقليميّة.

يرى مراقبون أن المشروع قد يوجّه اهتمام القوى الدولية نحو أدوات التنمية بدل القوة، إذا ما توافرت تسوية سياسية وتوافق إقليمي- دولي يمنح المشروع شرعيته.

هل هو مشروع واقعي أم رؤية مؤجلة؟

رغم الإشادة بجرأة الطرح، يرى بعض المحللين أن تعقيدات الواقع السوري وتضارب المصالح الدولية وغياب تسوية شاملة، تجعل المشروع حتى اللحظة إطارًا نظريًا في انتظار لحظة سياسية مناسبة.

لكن في المقابل، قد تمنح البراغماتية التي يتمتع بها الرئيس الشرع، إلى جانب الحاجة الخليجية والغربية للاستقرار والخروج من حالة الركود الاقتصادي، زخمًا حقيقيًا للمشروع إذا طُرح ضمن تفاهمات دولية أوسع.

خاتمة: سوريا ما بعد الحرب.. هل يمكن أن تكون قصة نهوض؟

في عالم عربي مثقل بالصراعات، وأمام قوى دولية تتردد بين التدخل والانسحاب، يقدّم "مشروع مارشال السوري" بصيص أمل ونموذجًا بديلًا، لا يقوم على تقاسم النفوذ، بل على شراكة تنموية حقيقية.

نجاح هذا المشروع يتوقّف على عاملين أساسيين: إرادة سياسية سورية صادقة منفتحة على الجميع، وشبكة إقليمية- دولية مسؤولة ترى في سوريا فرصة للتّعافي، لا ساحة للصراع المفتوح.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ما بعد

إقرأ أيضاً:

جامعة طنطا تشارك في مشروع "هورايزون" لتعزيز الاقتصاد الدائري

 

أعلن الدكتور محمد حسين رئيس جامعة طنطا عن مشاركة جامعة طنطا في مشروع "هورايزون" الدولي الرائد، والذي يركز على تطوير المعرفة والتكنولوجيا لتنفيذ إعادة التعبئة في محولات القوى الكهربية باستخدام السوائل القابلة للتحلل الحيوي أو المعاد تدويرها وتعزيز الاقتصاد الدائري.

أوضح الدكتور محمد حسين أنه تم تخصيص ميزانية قدرها 1،311،000 يورو للمشروع بتمويل من برنامج  Horizon التابع للاتحاد الأوروبي، ويهدف المشروع إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع الطاقة من خلال تبني حلول مستدامة وصديقة للبيئة، حيث يجمع المشروع نخبة من أكثر من 25 جامعة ومؤسسة صناعية مرموقة من جميع أنحاء العالم، مما يعكس التزامًا عالميًا بالبحث والابتكار في مجال الطاقة المستدامة. من بين الشركاء البارزين في المشروع:
 أوروبا: جامعة كانتابريا وجامعة كارلوس الثالث بمدريد (إسبانيا)، جامعة سيليزيا (بولندا)، جامعة زيلينا (سلوفاكيا)، وجامعة غرب بوهيميا (التشيك).
 الأمريكتان: معهد الطاقة الكهربية بجامعة سان جون والجامعة الوطنية الساحلية (الأرجنتين)، جامعة برناردو أوهيغينز، جامعة سانتياغو، وجامعة فيديريكو سانتا ماريا التقنية (تشيلي)، جامعة فالي (كولومبيا)، وجامعة واترلو (كندا)، وجامعتي نيويورك وميتشيغن الغربية (الولايات المتحدة).
 آسيا: جامعة بوترا (ماليزيا).
 المملكة المتحدة: جامعة مانشستر.
وتشارك جامعة طنطا بفاعلية من خلال فريق بحثي متميز يضم الدكتور صالح شلبي، أستاذ الفيزياء الهندسية، والدكتورة دعاء مختار، الأستاذ بقسم هندسة القوى الكهربائية.

وسينضم اثنان من طلاب الدكتوراه من جامعة طنطا في تخصص المشروع، حيث سيسافر كل منهم إلى جامعة كانتابريا لمدة ثلاثة أشهر لإجراء التجارب البحثية اللازمة خلال عامي 2026 و2027. وسيشرف الأساتذة المشرفون على هؤلاء الطلاب لمدة شهر لكل أستاذ، وذلك في إطار مخطط المشروع، علمًا بأن عام 2025 هو عام تحضيري.

وكان الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، قد شهد يوم ٢١ مايو الماضي إطلاق برنامج عمل "أفق أوروبا" لعام 2025، بحضور السيدة أنجلينا أيخهورست، سفيرة الاتحاد الأوروبي في مصر، وقد نُظِّمَ هذا الحدث بالتعاون بين الوزارة ووفد الاتحاد الأوروبي، وبمشاركة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.

جدير بالذكر أن جامعة طنطا تتولى مهام بحثية حيوية ضمن المشروع، والتي تنقسم إلى مسارين رئيسيين يشملان مسار تحليل الخصائص الفيزيائية والكيميائية للزيوت البديلة لتطوير نماذج حرارية لمحولات الطاقة، ومسار التحليلات الحرارية لزيوت الإستر لتطوير نماذج حرارية شاملة يمكنها التنبؤ بتوزيع درجات الحرارة داخل المحولات.

مقالات مشابهة

  • سوريا.. أحمد الشرع يثير تفاعلا بما قاله عن أبناء منطقة الرئيس
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع (1.978) كرتون تمر في محافظة دير الزور بجمهورية سوريا
  • جامعة طنطا تشارك في مشروع "هورايزون" لتعزيز الاقتصاد الدائري
  • الجزيرة تنشر صور الكمين الذي نفذته القسام ضد ناقلتي جند في خان يونس
  • الرئيس السوري: مفاوضات غير مباشرة بوساطة دولية لوقف اعتداءات إسرائيل
  • أول مشروع للبنك الدولي في سوريا منذ 40 عامًا لإصلاح الكهرباء ودعم التعافي
  • الرئيس الروسي يقر سداد مصر تمويل مشروع محطة الضبعة النووية بالروبل الروسي
  • السيد الرئيس أحمد الشرع يجري اتصالاً هاتفياً مع أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ويعرب خلاله عن تضامن سوريا مع قطر ورفضها القاطع لأي اعتداء يهدد أمنها وسلامتها ويقوض أمن واستقرار المنطقة
  • مصدر برئاسة الجمهورية لـ سانا: السيد الرئيس أحمد الشرع يتلقى اتصالاً من الرئيس اللبناني جوزاف عون للتعزية بضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة في دمشق
  • أمير قطر يدين خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني القصف الذي تعرضت له قاعدة العديد