يبدو أن القحطانيين حطّوا عروبتهم هناك دون العرب البائدة والعرب المستعربة، ليبقى اليمنُ عربياً سعيداً، فلم يتاجروا بأصالتهم وتاريخهم، وامتدت جذور انتمائهم إلى فلسطين. هم الذين وصفهم رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في حديثه : «هم أرقُّ أفئدةً، وألينُ قلوباً، الإيمانُ يمان، والحكمةُ يمانية».
هذا ما تبقى من العرب والإسلام جماعة صغيرةٌ ظهرت على الباطل والعدوان، وظهرت على الإبادة والجرائم، لم تثنها تهديدات ترامب ولا بايدن من قبله، ولا تهديدات سيد الإبادة والإجرام نتنياهو، جابهت «ترومان» ومن قبلها «أيزنهاور» و”يو إس إيه” وكل أنواع الاعتداءات من جنسيات بريطانية وفرنسية وألمانية وإيطالية.
اليمن أخضع العدو لحصارٍ بحري واليوم لحصارٍ جوي، وسخر من عتادهم وجبروتهم، عَمل اليمنيون – الفقراء لكنهم سعداء – على تغيير قواعد الاشتباك وردع العدوان، ولم تكن مواجهتهم للعدوان الإسرائيلي لعبةً سياسية وحرب بازار لكسب المواقف، أو لتغيير مسار العلاقات بين سين وجيم، ولم تكن مواقفهم إلا جدِّيةً منذ اليوم الأول لاشتداد العدوان على غزة وأهلها. كان فعلهم وصداه لشحذ همم الأشقاء وإيقاظهم من غفوتهم المديدة، وتنبيه الضمير العالمي والإنساني لتفعيله. لم يكن تحرّكهم ومواجهاتهم خاضعةً لتجاذباتٍ سياسيةٍ معينة، فكانوا أصفياء أتقياء أنقياء. كانت استهدفاتهم لمطار بن غوريون وتل أبيب وضواحيها وميناء إيلات والقواعد العسكرية في النقب، تؤكد صحة موقفهم وفعالية الصواريخ التي حملت رسائل سياسية قبل العسكرية، خاصة بعد اتخاذ حكومة نتنياهو قراراً بتوسيع الحرب في غزة، فأفشلت صواريخ فلسطين 1 وفلسطين 2 المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وكشفت عن عجز بنيوي في منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، حاتس والمنظومة الأمريكية ثاد. واستطاع صاروخ فلسطين 2 اختراق أربع طبقات دفاعية جوية لدولة الكيان، ما أربك الجبهة الداخلية الإسرائيلية وخلق حالات من الذعر والخوف والهلع والشلل لكل جوانب الحياة، وإيقاف الشركات العالمية رحلاتها الجوية إلى دولة الكيان المحتل. وكأنهم يقولون للنظام العربي أوقفوا التطبيع وقاطعوا بضائعهم واطردوا سفراءهم وفعّلوا سلاح نفطكم وثرواتكم وأموالكم. فيتوقف تدفق السلاح الغربي إلى الكيان ويوقف العدوان.
لقد كانت أنشودتهم دوماً «بيانٌ صادرٌ عن القوات المسلحة اليمنية»، بمثابة أغنية لغزة وأهل غزة، ليتنفسوا الصعداء، مما بقي لهم من أوكسجين الحياة من اليمن الحر الأبي، وبكلماتٍ عربيةٍ صادقةٍ وتسمياتٍ فلسطينيةٍ وليست عبريةٍ لمدن فلسطين. هكذا هو اليمن سيبقى مثلما كان في ماضي الزمن مقبرةً لكل الغزاة، ليس لوعورة جغرافيته ولا تضاريسه، بل لوعورة إنسانه الطيب المؤمن الملتزم بعروبته وإيمانه ولصلابته وقوته ومنعته أمام كل الضغوطات وإرهاب الدولة. لطالما حرص الغربُ على تمزيق اليمن فكان وحدةً لطمتْ وجوههم، أرادوا تقسيمه فكان صفعةً لمشاريعهم، أرادوا إذلاله بالحصار فكان عصياً على التجويع والقتل والتدمير والخضوع، كان مارداً أمام أقزام العدوان، لقد خبر اليمن وقادته معركة الأمة وكيف تُدار، وخبروا دهاليز السياسة ودهاء الدبلوماسية الغربية، فحافظوا على أواصر الأخوة حتى مع من ناصبهم العداء من الأشقاء، ووضعوا أولويات المعركة لنصرة غزة وشعب فلسطين، فترفعوا عن كل الترّهات والإساءات، وواجهوا التحديات بصلابةٍ تعجز الكلمات عن الارتقاء لوصف ما يحدث. كانوا فصل الخطاب في أمةٍ صامتةٍ، بل راكعةٍ لتاجر الاستثمارات والعقارات ورجل الصفقات. لقد جعلوا من مواقفهم صورة خزيٍ وعارٍ لكل المتخاذلين القريبين والبعيدين، الذين انكشفت عوراتهم أمام هذا الاستحقاق الإنساني والأخلاقي والعروبي والديني، فكانوا صرخةً في عالم الجريمة الممنهجة والمنظّمة، صرخةً في غزة العزة التي أصبحت مقبرةً لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. لقد صدحوا بصرخةٍ مدوّيةٍ وصلت إلى كل الأرجاء والأصقاع، وإلى كل الشعوب التي تعشق الحرية “أن هبّوا وقاوموا وانتفضوا “، فليس قدرنا أن نعيش أبد الدهر أذلّاء خانعين، وليس قدرنا أن نكون سلعةً تُباع وتُشترى في سوق السياسة والاتجار العالمي، بل قدرنا أن نعيش أسياداً وأحراراً فلا حياة مع الاستسلام والقهر والعبودية. إن التاريخ لا يخلّد إلا العظماء وسيبقى اليمنُ عظيماً حراً شامخاً وعزيزاً.
*كاتب
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مندوب فلسطين بالجامعة العربية: العدوان الإسرائيلي إبادة جماعية ممنهجة تهدد استقرار الشرق الأوسط
اتهم السفير مهند العكلوك مندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، محذرا من أن هذا العدوان الدموي يهدد استقرار الشرق الأوسط ويقوض فرص السلام.
وقال العكلوك في لقاء مع برنامج "العالم غدا" المذاع على القناة الأولى بالتليفزيون المصري، إن الشعب الفلسطيني يتعرض للتجويع والحصار والقتل المنظم، مؤكدا أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة أولويات الدول العربية كما تثبت مواقف جامعة الدول العربية على الدوام.
ودعا مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته في وقف العدوان.. مشيرا إلى أن الجرائم الإسرائيلية تجري في قلب الإقليم العربي وأن المساس بفلسطين هو مساس بكل دولة عربية وأمنها القومي.
وأوضح أن مجلس الجامعة العربية في اجتماعه الطارئ الأخير شدد على ضرورة حماية الشعب الفلسطيني وقضيته من الإبادة والتهجير والتطهير العرقي والحفاظ على قضيته المركزية استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي والاتفاقيات الإقليمية بما فيها معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية.
ولفت العكلوك إلى أنه بوسع الدول العربية استخدام أدوات اقتصادية وقانونية وسياسية فعالة للضغط على إسرائيل بما يضمن وقف عدوانها واحترامها لقرارات الشرعية الدولية.