عنوان المرحلة.. أمريكا “العجوز” تواصل “حلب” الخليج مقابل أكذوبة “الحماية”
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
يمانيون/ تقارير صورة واضحة في ظل مشهد احتفاء سعوديّ بزيارة مجرم أمريكا ترامب، تتقاطع مع مشهد دمار غزة واستباحة دم فلسطين الشعب والمقاومة.
ما بعد إطلاق سراح الأسير الصهيو أمريكي، عيدان ألكسندر، وانتظار غزة لدخول المساعدات، هي ذات الصورة التي تشترك مع صورة الأمس القريب حين كانت غزة تباد والرياض ترقص على وقع أصوات الطرب بينما الهرج يفعل فعله في الأرض المقدسة.
على قدر التيه الذي يعيشه بعض الخليج، هناك ما يبدو واضحًا في المشهدين بتعاظم استغلال أمريكا لمقدرات وثروات الخليج، حَيثُ لا يتوقف نزيف صناديق وخزائن هذه الدول، فيما لا أثر للحرج الخليجي من استقبال الأمريكيين؛ العنصر الرئيس فيما حَـلّ بقطاع غزة من نكبة وتدمير.
وصول ترامب لمنطقة الخليج، يأتي بعد لقاء الأسير اليهودي بعائلته بسلام بعد ثمانية عشر شهرًا من حفاظ المقاومة على حياته، وفي الصورة يظهر العدوّ الإسرائيلي مستبيحًا سماء وأرض غزة؛ إذ يستهل يومًا جديدًا بقصف وإبادة الغزيين كما اعتاد عليه.
ما يبدو أكثر وضوحًا أن أمريكا تستمر في استغلال التيه الخليجي؛ السعوديّ الإماراتي على وجه التحديد للمزيد من “الحلب”، باسم الحماية التي تهاوت أركانها، حَيثُ يمكن قراءة مؤشرات ضعفها فيما تمخض عنه سلوك القوة الأمريكية مع اليمن وهو أبرز مثال يمكن القياس عليه، لكن “ابن سلمان” يصر على المضي في طريق التيه، والالتصاق الشديد بأمريكا مع كُـلّ الخور الذي تعانيه في الداخل والخارج.
ومع كُـلّ التراجع الأمريكي في موازين الهيمنة، لكن تاجر أمريكا لا يكف عن تذكير السعوديّة والإمارات بـ “الحماية ” الأمريكية لهما، كما لا ينفك عن تكرار جملته الشهيرة “عليكم أن تدفعوا مقابل الحماية”، وإن حاول النظام السعوديّ أَو الإماراتي إظهار ما سيقدم لترامب على أنه “استثمار”، فالكل يعلم ما مصير آلاف تريليونات النفط الخليجي المستثمرة في الغرب؛ إذ لا تستطيع هذه الدول في الحقيقة استعادتها!
اليوم هناك الوعود السعوديّة بتريليون دولار في عشرة أعوام، ستستثمر أمريكيًّا؛ منها ما يزيد عن مِئة وأربعين مليار دولار مخصصة لاتّفاقيات أمنية و600 مليار دولار لصفقات سلاح وتكنولوجيا عسكرية، لكن كما هو معروف، هناك ما يرتبط بهذه الأرقام الفلكية بحسابات السعوديّة.
هناك اشتراطات تتعلق بمشروع نووي سعوديّ “سلمي” يعارضه” كيان العدوّ بشدة، ويعارضه كثير من ساسة أمريكا، حَيثُ يرونه مشابه لفكرة المشروع الإيراني النووي، بينما ترامب يرى أن بمقدوره ربطه بواشنطن مباشرة. وفي هذه الزيارة تعود مطالب السعوديّة باتّفاقية أمنية، واتّفاقية دفاع مشترك على غرار اتّفاقية أمريكا اليابان للدفاع المشترك؛ فالرياض تتذرع بخشيتها من إيران وحلفائها في المنطقة، وحيثُ تشير بالدرجة الأولى إلى اليمن، خَاصَّة بعد اكتسابه لأدوات الردع الاستراتيجي.
هذا تراه الرياض عاملًا للمزيد من الإحباط الذي تعمق بما اعتبر أنه صدمة وهو لجوء ترامب لإعلان اتّفاقية مع صنعاء لوقف استهداف أصول أمريكا الحربية في البحر والجو بعد أن أنهكت في مواجهات القوات اليمنية التي لا تشكل أولوية المواجهة الأمريكية بحسابات “أمريكا أولاً”، لهذا يمكن تفسير محاولات الرياض لربط الأمريكيين بمشاريع الداخل السعوديّ، حَيثُ يعمق هذا ارتباط واشنطن بالمملكة أكثر دون الركون إلى اتّفاق الأمن مقابل النفط، وقد رأت فيه المملكة أنه غير كافٍ لضمان حماية أمريكية فعلية لها، غير أنها بهذا الفهم تقفز على متغيرات ومعادلات الواقع وتجاذبات العالم الجديد..
غزة، لبنان، سوريا.. على طاولة سعوديّة:
ورغم التوقعات بحصول انفراجة في قطاع غزة مع ضغوط ترامب على المجرم نتنياهو، إلا أن الثابت أن هناك توافق على الأهداف النهائية الأمريكية الصهيونية حول غزة.
في الآونة الأخيرة، سافر وزير الشؤون “الاستراتيجية” الصهيوني، رون ديرمر، إلى واشنطن للاجتماع بمسؤولين أمريكيين، ووفق صحيفة وول ستريت جورنال، اليوم، هناك توافق عامّ بشأن القطاع المنكوب، وبشأن الدور المتقدم للكيان في المنطقة كجبهة متقدمة للغرب، وإن لم يعد التنسيق بين أمريكا وكيان العدوّ كما كان، وإن رفع شعار “أمريكا أولًا”.
قد تدخل المساعدات إلى غزة كما قالت صحيفة “إسرائيل هيوم” الصهيونية، والتي أكّـدت موافقة “إسرائيل” على فتح الممرات الإنسانية للإغاثة مقابل اتّفاق إطلاق سراح عيدان، وحيثُ يبدي ترامب معارضة لتوسيع العملية البرية في غزة، إلا أن لأمريكا حساباتها الخَاصَّة، فيما يخص قطاع غزة المنكوب، لكن هذه الحسابات لا تبتعد من منظور استراتيجي عن حسابات كيان العدوّ.
في النهاية يظهر ملف غزة هامشيًّا بالنسبة للرياض كما أكّـد ذلك الموقف والسلوك السعوديّ الفعلي، وهذا لم يعد سرًا، بينما يظل ملف لبنان الذي سيكون جزءًا من نقاشات الزيارة، أولوية سعوديّة ترتبط بماضي آل سعود القريب والنفوذ الذي كان يمارس على لبنان السُنة حتى وقت قريب، بينما سيكون لقاء ترامب، ابن سلمان، وشرع سوريا، و”عون” لبنان، في إطار مشاريع مؤامرة لا تتوقف رغم وهن وانكسار الحلف الأمريكي الغربي المتصهين.
عنوان هذه المرحلة “تراجع الهيمنة”:
وبالرغم من كُـلّ ما حدث ويحدث اليوم في المنطقة يمكن تلخيص الواقع في أن حسابات أمريكا المستعجلة، قد وصلت إلى نقطة تقاطع إلى حَــدٍّ ما مع كيان العدوّ (الحليف الأول لها)، حَيثُ تبحث بعد سنة وسبعة أشهر من مواجهات مرهقة مع المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وإيران، إلى تهدئة ربما متوسطة الأجل وربما قد تطول، في حين أظهرت معطيات ما تمخضت عنه مواجهات محور” أمريكا، أُورُوبا، كيان العدوّ” في جانب، والمحور المقاوم في الجانب الآخر، وأن المحور الأمريكي بحاجة إلى مراجعة الكثير في ميزان التفوق الذي استمر لعقود في المنطقة العربية الإسلامية خُصُوصًا، والذي كشف اليوم عن اختلالات صارخة.
وإن كان هذا المحور “المعادي” قد حقّق بعض النقاط في المواجهة إلا أن الواقع يقول إن أمريكا قد فشلت في تثبيت الهيمنة البحرية في مياه اليمن، وفشلت في حماية الكيان الإسرائيلي، إلى جانب أن (إسرائيل) لم تعد صاحبة “التفوق الجوي”، وهي اليوم تعيش حصارين يمنيين بحري وجوي، فيما صمدت غزة طيلة هذه الحرب الضروس، بينما ينخر السوس الداخل الصهيوني على مهل.
وفوق هذا وذاك من الإخفاق العسكري الأمريكي هناك تحول حقيقي تشهده أمريكا في الداخل كما تشهده أُورُوبا، بينما يبقى الخليج للأسف محطة الغرب للتزود بالوقود، وصندوق أمريكا النقدي الضخم، فيما تبدو الصورة أكثر وضوحًا أن لا علاقة للسعوديّة والإمارات بفلسطين وما يجري في قطاع غزة، فأجندة هذان النظامان المترفان تميل للراحة والدعة ولا علاقة لهما بمشاريع النضال وحتمية مواجهة العدوّ.
لقد كان هذا ظاهرًا بجلاء منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لهذا تجتهدان في نيل بركات دفاع مشترك مع أمريكا العاجزة أصلًا، حَيثُ تفترض أن واقع أمريكا الجديد قد يعيد تشكيل هيمنة جديدة، تلعب فيها دورها الوظيفي مع سوء نية أن يستمر نشاطها التخريبي ومحاولات العبث في دول الجوار ومحيطها العربي.
نقلا عن المسيرة نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: کیان العدو فی المنطقة السعودی ة قطاع غزة سعودی ة
إقرأ أيضاً:
غزل وانبهار.. ترامب يعترف: ماذا لو كانت أمريكا مثل الخليج!
في واحدة من أبرز المحطات الرمزية والجيوسياسية في فترته الرئاسية الثانية، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعجابًا بالغًا بالنموذج التنموي والسياسي الذي تمثله دول الخليج، مؤكداً في خطابه بالرياض أن ما تشهده المنطقة هو "عصر ذهبي" يمكن أن يسير بالتوازي مع "عصر النهضة الأمريكية الجديدة"، في إشارة واضحة إلى الدور الصاعد والمتنامي لدول الخليج في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد والسياسة الإقليمية والدولية.
من قلب الرياض، حيث استُقبل ترامب بحفاوة واحتفاء يعكسان متانة العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، أشاد الرئيس الأمريكي بما وصفه بـ"التحولات المذهلة" التي تشهدها مدن مثل دبي، وأبو ظبي، والدوحة، ومسقط، مشيراً إلى أن قادة الخليج الجدد باتوا يكتبون فصلًا جديدًا في تاريخ المنطقة، يتجاوز الصراعات القديمة نحو عالم تُهيمن عليه التجارة والتكنولوجيا بدلًا من الفوضى والتطرف.
يكشف التحليل الذي نشرته شبكة “سي إن إن” عن إدراك أمريكي متزايد بأن شركاء واشنطن الحقيقيين لم يعودوا محصورين في حلفاء أوروبا التقليديين، بل باتت العواصم الخليجية — من الرياض إلى الدوحة وأبو ظبي — تمثل مفاتيح أساسية في الأمن والاستقرار العالميين، ليس فقط عبر الاستثمار والتسليح، بل من خلال الدبلوماسية الفاعلة والقدرة على الوساطة في أصعب الملفات الدولية.
في محور التقرير، تحضر قطر كدولة صغيرة بحجمها الجغرافي، لكنها ذات وزن ثقيل في ميزان السياسة الدولية، حيث أصبحت بفضل دبلوماسيتها المتعددة القنوات — سواء في الملف الأفغاني أو الأزمة الأوكرانية أو حرب غزة — بمثابة "صندوق أدوات دبلوماسي" للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقناة خلفية فعالة بين الخصوم الدوليين.
في المقابل، تظهر السعودية والإمارات كقطبين راسخين يقودان مسيرة التحول الخليجي، عبر المشاريع الضخمة والاستثمارات العابرة للحدود، ودورهما في الوساطة الدولية، إضافة إلى التقدم في القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، والرياضة، والسياحة، ما يجعل منهما شريكين استراتيجيين لا غنى عنهما لأي إدارة أميركية تسعى لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط.
ولم يخفِ ترامب إعجابه الواضح بزعماء الخليج، خصوصًا الأمير محمد بن سلمان، مؤكدًا في خطاب صريح: "أحب هذا الرجل كثيرًا، وربما لهذا السبب نعطي الكثير.. أحبك كثيرًا".
كلمات تعكس طبيعة العلاقة الشخصية والسياسية التي تربط إدارة ترامب بقادة الخليج، والمبنية على رؤية براغماتية تشجع على الاستثمار، وتقلل من التدخل في الشئون الداخلية.
خلافًا لما يروجه بعض المنتقدين في الغرب، ترى العواصم الخليجية أن علاقتها بواشنطن مبنية على الندية والاحترام المتبادل، فهي شريك فاعل في الأمن العالمي، ولاعب أساسي في ملفات إقليمية معقدة، من اليمن إلى فلسطين، ومن الطاقة إلى الأمن السيبراني.
وفي هذا السياق، فإن الترحيب الخليجي بزيارة ترامب لا يعكس فقط عمق العلاقة التاريخية، بل أيضاً مكانة الخليج الجديدة كصانع قرار دولي.
ما بين الإعجاب الأمريكي المتصاعد والنفوذ الخليجي الآخذ في التوسع، يبدو أن واشنطن باتت تنظر إلى الخليج ليس فقط كمصدر للطاقة والثروات، بل كمنظومة سياسية واقتصادية تمتلك من المرونة والرؤية ما يجعلها نموذجاً مغرياً لقيادات العالم.
وربما كان ترامب أول من عبّر عن ذلك بوضوح، لكن المؤشرات تدل على أن من سيأتون بعده سيجدون في الخليج الحليف الأكثر قدرة على ترجمة الطموحات إلى نتائج.