تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمريكا أشبه بالخليج
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
تحليل بقلم الزميل بشبكة CNN، ستيفن كولينسون
(CNN)-- من الواضح أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يتمنى أن تكون أمريكا أشبه بدول الخليج التي زارها في أول رحلة خارجية كبيرة له في ولايته الجديدة.
حظي باستقبال حافل يليق بالملوك، ففي المملكة العربية السعودية استقبله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأسلوب فاق كل التقدير الذي حظي به الرئيس الأمريكي من كبار مسؤوليه في الوطن.
وقال ترامب في خطاب هام ألقاه في الرياض: "لقد أطلقنا العصر الذهبي لأمريكا، يمكن للعصر الذهبي للشرق الأوسط أن يستمر معنا".
وتُعد رحلته، التي شملت أيضًا توقفًا في الإمارات العربية المتحدة، نافذة على ولايته الثانية.
إغداق ترامب الاهتمام على دول الخليج يُسلط الضوء أيضًا على صعود المنطقة إلى القوة الجيوسياسية والاقتصادية. فالقوة المالية للسعوديين والقطريين والإماراتيين الأثرياء بالنفط تُهندس تحولًا في موازين القوى من الغرب إلى الشرق.
وهذا واضح في قطر، فهذه الدولة الصغيرة (أصغر من ولاية كونيتيكت)، والتي يسكنها 2.5 مليون نسمة، أصبحت الآن محورًا للدبلوماسية، وجعلت نفسها لا غنى عنها في السياسات الخارجية للرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين. إنها تربط بين الدول المتحاربة والجماعات المعادية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران وروسيا وأوكرانيا وحماس وإسرائيل ولبنان والفصائل المنافسة له، طالبان والكونغو ومتمردو حركة إم23. إذا نشبت حربٌ تحتاج إلى إنهاء أو تحرير رهينة، فستكون قطر، التي تعمل كأمم متحدة مصغّرة.
أسفر بحث ترامب المتواصل عن "مكاسب" عن استثمارات جديدة بقيمة 600 مليار دولار للولايات المتحدة، الثلاثاء، ومن الطبيعي أن تتضخم هذه الأرقام بسبب عدّ الصفقات السابقة والوعود المستقبلية التي لم تتحقق.
ولكن كان هناك أيضًا نصر للشعب السوري، حيث أعلن ترامب رفع العقوبات الأمريكية بعد سقوط نظام الأسد العام الماضي - وهو أحدث قرار رئاسي من سلسلة قرارات قد تُثير حفيظة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واجتمع ترامب صباح الأربعاء مع الزعيم السوري، في تطور لافت بالنظر إلى أن أحمد الشرع كان في السابق جهاديًا، وكانت الولايات المتحدة قد رصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه (ألغت الولايات المتحدة المكافأة في ديسمبر/ كانون الأول بعد أن عمل الشرع على بناء علاقات دبلوماسية مع نظامه الجديد). وانضم إلى ترامب والشرع شخصيًا في اجتماع الأربعاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالإضافة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انضم هاتفيًا.
ويُركّز البيت الأبيض على أن جولة ترامب اقتصادية بالدرجة الأولى. لكن زيارته إلى قطر سلطت الضوء على الترابط بين السياسة الاقتصادية والأمنية الأمريكية.
ولضمان أمنها في منطقةٍ مُضطربةٍ تُعاني من صراعاتٍ حدودية، جعلت قطر نفسها لا غنى عنها للولايات المتحدة وحلفائها. ففي قاعدة العديد الجوية الشاسعة، والتي كانت سريةً في السابق، والتي بنتها في الصحراء خارج الدوحة، تمتد مدارج الطائرات والمنشآت العسكرية الأمريكية على مد البصر.
ومع تآكل الهياكل الجيوسياسية الدولية، صنعت حكومة الدوحة اسمًا لها كوسيطٍ نادرٍ في النزاعات المُستعصية بين الأعداء، والتي قد تمتد أحيانًا على بُعد آلاف الأميال خارج حدودها.
قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لصحيفة واشنطن بوست في مقابلة نُشرت، الاثنين: "نحن دولة صغيرة، لكن لدينا تواصلًا طويل الأمد. أحيانًا، يُمكّنك كونك دولة صغيرة من التحرك بسرعة والقدرة على التواصل مع الجميع".
ولا شك أن قطر لديها واحدة من أكثر وزارات الخارجية انشغالًا في العالم. فقد عملت على إطلاق سراح الرهائن وجهود وقف إطلاق النار في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة، وأرسلت مليارات الدولارات كمساعدات للمدنيين الفلسطينيين. ولعبت دورًا كبيرًا في تسهيل إجلاء الولايات المتحدة من أفغانستان. وفي هذا الأسبوع فقط، انضمت قطر إلى مصر في التفاوض مع حماس لتأمين إطلاق سراح آخر رهينة أمريكي على قيد الحياة في غزة، عيدان ألكسندر.
وحافظت الدوحة على قنوات مفتوحة مع روسيا التي جعلها غزو أوكرانيا منبوذة دوليًا. وقد ساعدها ذلك في تسهيل إطلاق سراح مجموعات عديدة من الأطفال الأوكرانيين المحاصرين في الصراع. كما توسطت قطر بين إدارة بايدن ونظام مادورو في فنزويلا في عملية أدت إلى إطلاق سراح 10 أمريكيين. وتستضيف محادثات السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ومتمردي حركة إم23 المدعومة من رواندا بهدف إنهاء القتال الذي أودى بحياة الآلاف من الأشخاص وأدى إلى أزمة إنسانية.
وأثار استعداد قطر للتعامل حتى مع أكثر الجماعات تطرفًا غضب جيرانها أحيانًا، بمن فيهم السعوديون، الذين شهدت معهم عدة انقسامات دبلوماسية، وفي الولايات المتحدة، اتُهمت قناة الجزيرة، وهي شبكة إخبارية ممولة جزئيًا من الحكومة القطرية، بالتحيز خلال حرب العراق. ودعا المشرعون في واشنطن الإدارات الأمريكية مرارًا إلى قطع العلاقات مع قطر لسماحها للمتطرفين المنتمين إلى طالبان وحماس والإخوان المسلمين بالعيش والعمل هناك.
ولكن انفتاحها غالبًا ما أفاد السياسة الخارجية الأمريكية. فبإمكان قطر التحدث إلى أطراف متحاربة لا تستطيع الحكومة الأمريكية التواصل معها. لقد أصبحت قطر أداة دبلوماسية قوية لرؤساء الولايات المتحدة.
وقال ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، للصحفيين في إحاطة صحفية عُقدت مؤخرًا: "يلعب السعوديون دورًا في التوسط مع الأوكرانيين والروس. وقد لعبت الإمارات دورًا فعالًا في إعادة الأمريكيين المسجونين ظلمًا في روسيا إلى ديارهم". من الواضح أن للقطريين دوراً كبيراً في غزة وفي التوصل إلى وقف إطلاق النار هناك. والآن لدينا العُمانيون، المنخرطون بعمق ليس فقط في المفاوضات النووية، بل أيضاً مع الحوثيين.
وأضاف كوك: "يبدو أن إدارة ترامب تنظر إلى شركاء أمريكا في الخليج كمحاورين موثوق بهم، وليسوا حلفاء معاهدات في أوروبا أو شركاء آخرين".
ولكن يبدو أن اللمسة القطرية البارعة قد خذلتها في الأزمة الجديدة بشأن طائرة الرئاسة الأمريكية، إذ اعتبر النقاد عرض طائرة 747 جديدة لسد الفجوة ريثما تدخل الطائرات الرئاسية الجديدة الخدمة، محاولةً سافرة للتأثير على ترامب، الذي قال إنه سيكون "غبيا" إن رفضها.
لن تبدو هذه الهدية مُخالفةً للدستور فحسب، بل ستُضطر الاستخبارات الأمريكية إلى فحص الطائرة بدقةٍ لضمان عدم تعريضها للخطر من قِبل قوى خارجية، وقد سلط العرض الضوء على جانبٍ مُظلمٍ لقطر: سجلها في مجال حقوق الإنسان، الذي وصفته وزارة الخارجية في عهد بايدن بأنه مُلطخٌ بالاعتقالات السياسية، وقيودٍ على حرية التعبير، ونظامٍ قانونيٍّ مُتداعٍ.
ويُبدي بعض الجمهوريين حذرهم من هذه الفكرة، إذ قال السيناتور راند بول، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي، على قناة فوكس نيوز، الاثنين: "الكثير من أبناء قطر ممنوعون من المشاركة في الحكومة. وبعض الأقليات الدينية في قطر تُعامل معاملةً سيئة. ولذلك، لم أكن من أشد المُعجبين بها"، مضيفا: "أتساءل إن كانت هذه الهدية الكبيرة ستُؤثر على قدرتنا على تقييم سجلهم في مجال حقوق الإنسان.. لن أقبل، هذا رأيي الشخصي. لا أعتقد أنها فكرة جيدة".
يُشيد ترامب بـ"التحول" الذي يتمنى محاكاته
يسعى ترامب جاهدًا لاستقطاب استثمارات خليجية لموازنة استراتيجيته القائمة على الرسوم الجمركية لإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي، لكنه انبهر بالتحولات التي أحدثتها دوله المضيفة في أراضيها، والتي لا تُثقلها لوائح التخطيط والقيود البيئية التي غالبًا ما يُبدي تذمره منها في الولايات المتحدة.
وبفضل صناديق الثروة السيادية، يُحدثون ثورة في الرياضة والفنون من خلال بناء مدن حديثة شاسعة، وشبكات نقل، وملاعب لضمان مستقبلهم في ظل استنزاف موارد الكربون، إذ استضافت قطر كأس العالم لكرة القدم عام 2022، كجزء من استراتيجية علاقات عامة يُدينها النقاد باعتبارها محاولة "لتلميع" سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وأطلقت المملكة العربية السعودية حملات إنفاق ضخمة لتمويل الفرق والدوريات الرياضية، وفي لعبة مزدوجة تجمع بين السياسة والرياضة، أسست دوريًا محترفًا للغولف وأقامت فعاليات في منتجعات ترامب، وستقام فيها بطولة كأس العالم في عام 2034.
ويتسلل الإعجاب، بل وحتى الحسد، إلى صوت ترامب في منطقة يشعر فيها براحة أكبر بكثير من مباني أوروبا القديمة.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: دونالد ترامب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استثمار وتمويل الأزمة الأوكرانية الأمير محمد بن سلمان الإدارة الأمريكية البيت الأبيض الخليج الشيخ تميم بن حمد الشيخ محمد بن زايد تحليلات حصريا على CNN دول الخليج دونالد ترامب طائرات فلاديمير بوتين الولایات المتحدة إطلاق سراح
إقرأ أيضاً:
إيران تبحث ملفها النووي مع الأوروبيين وترامب يطالبها بقرار سريع
أجرت إيران في تركيا اليوم الجمعة مباحثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا بشأن برنامجها النووي، تطرقت خلالها إلى المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة التي حضّ رئيسها دونالد ترامب طهران على الإسراع في اتخاذ قرار بشأن مقترح أميركي.
ويأتي لقاء إسطنبول بعد تحذير وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من تبعات "لا رجعة فيها" إذا تحركت القوى الأوروبية لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، والتي رفعت بموجب الاتفاق المبرم مع القوى الكبرى عام 2015.
وأكد نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب أبادي أن طهران عرضت، خلال لقاء الجمعة، مسار المفاوضات النووية التي تجريها مع الولايات المتحدة منذ أبريل/نيسان الماضي بوساطة عمان.
وكتب على إكس "تبادلنا وجهات النظر وبحثنا آخر ما وصلت إليه المباحثات غير المباشرة بشأن (الملف) النووي ورفع العقوبات"، مضيفا "سنلتقي مجددا لاستكمال المحادثات إذا لزم الأمر".
وأجرت واشنطن وطهران منذ 12 أبريل/نيسان الماضي 4 جولات مباحثات بوساطة من عمان، سعيا إلى اتفاق جديد بشأن برنامج طهران النووي، يحل بدلا من اتفاق دولي أبرم قبل عقد.
وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب الصين وروسيا والولايات المتحدة، هي أطراف اتفاق 2015 الذي يعرف رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
إعلانوأتاح الاتفاق الذي أبرم بعد أعوام من المفاوضات الشاقة تقييد أنشطة طهران النووية وضمان سلمية برنامجها، لقاء رفع عقوبات اقتصادية مفروضة عليها.
وفي عام 2018، سحب ترامب خلال ولايته الأولى بلاده بشكل أحادي من اتفاق عام 2015، وأعاد فرض عقوبات على إيران، بما في ذلك إجراءات ثانوية تستهدف الدول التي تشتري النفط الإيراني، ضمن سياسة "ضغوط قصوى" اتبعها بحق طهران.
من جهتها، بقيت إيران ملتزمة بكامل بنود الاتفاق لمدة عام بعد الانسحاب الأميركي منه، قبل أن تتراجع تدريجيا عن التزاماتها الأساسية بموجبه.
ترامب يلوح بالأسوأوأكد ترامب الجمعة ما سبق أن أوردته تقارير صحفية من أن واشنطن قدمت لإيران مقترحا لاتفاق بين الطرفين.
وقال الرئيس الأميركي في ختام جولته الخليجية من أبو ظبي إن على إيران الإسراع في اتخاذ قرار بشأنه وإلا "سيحدث أمر سيئ". وأضاف "لديهم مقترح، والأهم من ذلك أنهم يعلمون أن عليهم التحرك بسرعة وإلا سيحدث أمر سيئ".
وكان موقع "أكسيوس" الأميركي أفاد الخميس بأن إدارة ترامب قدمت لإيران خلال الجولة الرابعة "مقترحا مكتوبا".
ولكن عراقجي نفى ذلك وقال على هامش زيارة لمعرض طهران الدولي للكتاب "بشأن المحادثات (النووية) لم نتلق حتى الآن أفكارا مكتوبة من أميركا".
وأضاف "لكننا على استعداد لأن نبني ثقة وأن نكون شفافين بشأن برنامجنا النووي في مقابل رفع العقوبات".
ولطالما اتهمت دول غربية، منها الولايات المتحدة، إيران بالسعي إلى تطوير أسلحة نووية، وهو ادعاء تنفيه طهران التي تؤكد حقها في التكنولوجيا النووية وأن برنامجها سلمي حصرا.
وحدّد اتفاق 2015 سقف تخصيب اليورانيوم عند 3.67%، إلا أن إيران تقوم حاليا بتخصيب على مستوى 60% غير البعيد عن نسبة 90% المطلوبة للاستخدام العسكري.
إعلانوتشدّد طهران على أن حقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية "غير قابل للتفاوض"، لكنها تقول إنها مستعدة لقبول قيود مؤقتة على نسبة التخصيب ومستواه.
والأربعاء، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي "إن أهداف إيران في مجال التكنولوجيا النووية شفافة وسلمية تماما".