عبد الرحيم أبو ذكرى.. أيها الراحل في الليل وحيدًا
تاريخ النشر: 23rd, May 2025 GMT
عبد الرحيم أبو ذكرى.. أيها الراحل في الليل وحيدًا
عبدالله برير
بموسيقى جنائزية محشوة برائحة الموت ومسورة بمزامير الضياع، الفرقة الموسيقية ترتدي أسود الحداد يطل مسموعا، العد التنازلي لقنبلة موقوتة، صوت مصطفى يطل من أعماق الأسف، نشرة للأموات، أيها الراحل/ أيها السادة، مشهد مغلف بالوحدة مطلي بالضياع والعزلة، اللحن يمارس التخفي الحذر في أتون اللحظة الأسيفة، بعض الآلات تسن أحرف الموت، وتلمع شظايا الانفطار، تتكئ الكمنجات وتقدم أوتارها قرابين للحزن المرتجى، تردد الصوت وصدى الرحيل.
أمس زارتني بواكير الخريف، خطاب للذات، جواب انتحار، يقرأ في مرآب القيامة، اللحن يحاول التجاسر أمام طقوس العزاء، الغسيل بالثلوج، في مشارح الروح، والعكس بإشراق المروج! محاولات بواكير الخريف حيث معاني الاخضرار والغسل والثلوج والإشراق، لكن كان مفعما بالتناقضات مثقلا بالأضداد، كان صيفي جامدا، بارد الجبين، عبارات سوداوية لولا طغيان الموسيقى لقضت على المستمعين، الرابضين مع سكوته المتربص خلف البيوت الخشبية، السكوت الموزع بؤسه على الأماكن، مخفيا حيرته في الشجر، وغروب الأنهر وانحسار البصر، ثلاثي الموت: الحيرة والغروب والانحسار امتدادات الضياع والوريث الشرعي للوحدة.
اللحن مجنزر في سكرات الانفاس الأخيرة، لوحت له ساعة، الوداع، حين انصرفنا، الى الرحيل.
عادت بواكير الخريف، حين عادت وثب الريح على الأشرعة المنفعلة التي تمور بداخله، غاب ليل الرحيل وتداعت شمس الفراديس على أروقته ودواخله رغم انفرادها، ومضت تحضنه الشمس الندية، بوارق أمل بالحياة وافتكاك من الضياع، فهي لم تحضنه في الزمان الغابر الغائب المرتحل الذي لم يلق فيه طريقا للاستقرار، وهو الراحل في الليل وحيدا، ضائعا موغلا منفردا بكامل الإصرار.
موجة أخرى من مارشال عسكري موسيقي، يتصاعد مثل فوهة بركان تدريجي، النعش يطل من على حواف اللحن وصولا لسدرة منتهى التراجيديا، ينبعث صوت مصطفى من مرقد الحزن، أيها الراحل: استعد لخطاب تأبينك وأنت ما تزال حيا، ارقص رقصتك الجنائزية الاخيرة، ولا تنس: انتظرني يا ذاتي يا أنا، فأنا أرحل مثلك في الليل وحيدا، ضائعا بلا هوية منفردا بلا رفيق سوى العزلة، اختار أبو ذكرى مفردات الدهاليز القصيات حيث الانطواء الأبدي، في العتامير وصحارى الجنون، في البحار حيث العمق والخوف، زمكانا للانتظار، انتظرني، بتطريب محزون، في حفيف الأجنحة حيث الطيران الى المجهول، وسموات الطيور النازحة، حيث انهداد المدارات، واسوداد السماء، المصير المحتوم. انتظرني، انتظرني، انتظرني، انتظرني انتظرني.
يزف الى مثواه الأخير، الموسيقى تتولى تشييع الألحان، يتراءى الفنان متعبا يسقط مغشيا عليه من الأسف، في خواتيم الحكايات، انتظرني، ينتظر ذاته في سموات البارحة المسودة مسلما للمصير المحتوم محنطا في سرادق الكلمات.
نص:
الرحيل في الليل
كلمات عبدالرحيم أبوذكرى
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺣﻴﺪﺍ
ﺿﺎﺋﻌﺎ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍ
ﺍﻣﺲ ﺯﺍﺭﺗﻨﻲ ﺑﻮﺍﻛﻴﺮ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ
ﻏﺴﻠﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﺜﻠﻮﺝ
ﻭﺑإﺷﺮﺍﻕ ﺍﻟﻤﺮﻭﺝ
ﺍﻳﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺣﻴﺪﺍ
ﺿﺎﺋﻌﺎ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍ
ﺣﻴﻦ ﺯﺍﺭﺗﻨﻲ ﺑﻮﺍﻛﻴﺮ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ
ﻛﺎﻥ ﺻﻴﻔﻲ ﺟﺎﻣﺪﺍ
ﻭﺟﺒﻴﻨﻲ ﺑﺎﺭﺩﺍ
ﻭﺳﻜﻮﺗﻲ ﺭﺍﺑﻀﺎ
ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﺍﻟﺨﺸﺒﻴة
ﻣﺨﻔﻴﺎ ﺣﻴﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮ
ﻭﻏﺮﻭﺏ ﺍﻻﻧﻬﺮ
ﻭﺍﻧﺤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺒﺼﺮ
ﻟﻮﺣﺖ ﻟﻲ ﺳﺎﻋﺔ
ﺣﻴﻦ ﺍﻧﺼﺮﻓﻨﺎ
ﺛﻢ ﻋﺎﺩﺕ ﻟﻲ ﺑﻮﺍﻛﻴﺮ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ
ﺣﻴﻦ ﻋﺎﺩﺕ ﻭﺛﺐ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﻋﻠﻲ
ﺍﺷﺮﻋﺘﻲ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻠة
ﺳﻄﻌﺖ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﻔﺮﺍﺩﻳﺲ
ﻋﻠﻲ ﺍﺭﻭﻗﺘﻲ ﺍﻟﻤﻨﻌﺰلة
ﻭﻣﻀﺖ ﺗﺤﻀﻨﻨﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻨﺪية
ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺣﻀﻨﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻻﻭﻝ
ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﻐﺎﺋﺐ ﺍﻟﻤﺮﺗﺤﻞ
ﺍﻳﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺣﻴﺪﺍ
ﺿﺎﺋﻌﺎ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍ
ﺍﻧﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﺎﻧﺎ ﺍﺭﺣﻞ
ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺣﻴﺪ
ﻣﻮﻏﻼ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍ
ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻫﺎﻟﻴﺰ ﺍﻟﻘﺼﻴﺎﺕ ﺍﻧﺘﻈﺮﻧﻲ
ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺘﺎﻣﻴﺮ
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻧﺘﻈﺮﻧﻲ
ﺍﻧﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﻔﻴﻒ ﺍﻻﺟﻨﺤة
ﻭﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺯحة
ﺣﻴﻦ ﺗﻨﻬﺪ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺍﺕ
ﻭﺗﺴﻮﺩ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺒﺎﺭحة
ﺍﻧﺘﻈﺮﻧﻲ ﺍﻧﺘﻈﺮﻧﻲ
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحزن الشاعر مصطفى سيد أحمد
إقرأ أيضاً:
الحوقلة بنية استجابة الدعاء والفرج .. حكمها وكم مرة تقال في الليل
يبحث الكثيرون عن حكم الحوقلة بنية استجابة الدعاء والفرج، ففي الليل ساعة إجابة عظيمة يُغفل عنها خاصة في الثلث الأخير، أو ما يعرف بـ جوف الليل وموعد النزول الإلهي.
وجاء عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر.
الحوقلة بنية استجابة الدعاءوالحوقلة هي إختزال لقول "لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم"، وهي ذكر من أذكار الصباح و المساء ومن الأذكار المهمة التي وردت بشأنها روايات تُلمح بأنها الأسم الأعظم وبأنها من كنوز الجنة و بأنها مفتاح الفرج، ولقد ورد التأكيد على الإكثار من قول هذا الذكر الشريف لقضاء الحوائج وزيادة الرزق و دفع الهموم والشدائد.
وفي فضل الحوقلة روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في معنى "لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم": معناه لا حول عن معصية الله، إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله، إلا بمعونة الله".
وذكر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فى معناها: "أى: لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله"، بينما قال ابن الأثير: "المُراد بهذا ونحوه إظهار الفقر إلى اللّه بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور".
كما تعد الحوقلة بنية استجابة الدعاء باب عظيم فهي كنز من كنوز الجنة وباب من أبوابها، وهي سبيل عظيم لتفريج الكرب والهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب»، لأن الذنب يحدث كرب في نفس الإنسان ويظلمها فلا بد أن ينشرح صدره بالاستغفار والذكر.
حكم الحوقلة بنية استجابة الدعاء
وحول حكم الحوقلة بينة استجابة الدعاء، يقول الشيخ عبدالله العجمي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن واحدة من أكبر الأزمات التي قال إنها أصبحت سمة عامة بين الناس في الوقت الراهن، وهي انتشار الإحباط واليأس بينهم، طارحًا مبدأ إيمانيًا للعلاج منه، يتلخص في قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، التي هي دواء لـ 99 داءً أيسرهم الهم.
وشرح «العجمي» كيف يسير الإنسان في حياته معتمدًا هذا المبدأ، من خلال العمل بكل قوة وجهد وعرق وإبداع، على أن يخرج من حوله وقوته إلى حول الله وقوته، لا حول عن كل معوق في الحياة إلا بالله.. لا قوة على كل نجاح وإنجاز إلا بالله، مضيفاً: إن "لا حول ولا قوة إلا بالله، هي قوة دفع للأمام ضد الإحباط واليأس، تجعل الإنسان يرى الحقيقة واضحة وليس الوهم، وهو أن الكون ملك الله فلماذا اليأس"، واعتبرها الدافع نحو العمل والنجاح والتحدي بلا يأس أو إحباط.
وخلال حديث الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر عن الكلمات العشر، قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) تعني أنه لا يحول ولا يمنع بينك وبين كل ضر أو خير إلا الله، كما أنه لا تصلك ولا يصل أحد خيراً إلا بقوة الله.
وقال علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: فبقوة الله وحده تحدث الأشياء، وبحول الله وحده تتمنع الأشياء عن الحدوث؛ لأنه في الحقيقة لا حول ولا قوة لأحد في هذا الكون إلا لله سبحانه وتعالى.
وتابع: هذه الكلمة لما فيها من حقائق عالية ومعانٍ غالية كانت كنزاً من كنوز الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه لعبد الله بن قيس : (قال يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله) [أخرجه البخاري]، وينبغي لمن يذكر الله بهذه الكلمة أن تحدث له تسليماً وإخباتاً وخضوعاً لله وحده، ولا يخشى من غير الله حيث لا فعل له في الكون ولا قوة ولا حول.