كريم وزيري يكتب: الكلاب تعوي وقافلة الوصاية تسير!
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
في زمن الارتجال السياسي، وحفلات البطولة الورقية التي تُقام على منصات السوشيال ميديا، خرجت علينا "قافلة الصمود" في ثوبها الأبيض وهي تحمل شعار "سننقذ غزة"، وكأن غزة تنتظرهم تحديدًا، ورفض مصر هو العائق الوحيد في مواجهة الاحتلال!.
خرجت القافلة من تونس مرورًا بليبيا، تحمل فوق ظهور حافلاتها أعلامًا كثيرة وأحلامًا أكبر من حدود الخرائط، رافعين شعارًا قديمًا "سنفرض الأمر الواقع على مصر، فهي بوابة المعبر الوحيد " كأن مصر تحولت فجأة إلى "موقف ميكروباصات" لكل من أراد المجد السياسي السريع.
لكن مهلا، مصر ليست ساحة لمراهقات البطولة، مصر دولة لها سيادة وحدود وقوانين، وليست فندقًا بـ "الريسيبشن المفتوح" يستقبل ضيوف الحملات الإعلامية الموسمية، ولا هي طاولة "ترندات" قابلة للمزايدات في زمن التنافس على بطولات تويتر وفيسبوك.
والسؤال هنا هل جاء هؤلاء لنجدة غزة حقًا؟! التوقيت يضع عشرات علامات الاستفهام، القافلة تظهر فجأة بعد شهور طويلة من المجازر والمذابح في القطاع، مع أن مصر طوال هذه الفترة فتحت معبر رفح أمام الجرحى والمرضى والإغاثة، وتحركت دبلوماسيًا وإنسانيًا في كل الاتجاهات، أين كانت القافلة أثناء المجازر الكبرى في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر؟ أين كانت يوم كانت قوافل الأشلاء تجوب شوارع غزة؟
تظهر القافلة اليوم بالتزامن مع تعقيدات التهدئة والمفاوضات، وبالتحديد في لحظة مصرية شديدة الحساسية إقليميًا، كأن المقصود ليس غزة، بل إحراج القاهرة في توقيت تفاوضي دقيق للغاية، خاصة في ظل اشتباك المصالح الإقليمية والدولية في الملف الفلسطيني.
الطريقة التي سارت بها القافلة منذ إعلانها تعكس إصرارًا على تجاوز سيادة مصر لا تنسيق مسبق جدي مع السلطات المصرية، لا التزام بالآليات القانونية لدخول الأراضي المصرية، لا احترام لمعادلة الأمن القومي المعقدة التي تديرها مصر في التعامل مع هذا الملف.
بل على العكس، هناك محاولات مكشوفة للتصعيد الإعلامي بمجرد أن طالبت القاهرة بتطبيق القوانين والضوابط التي تطبق على أي وفود أجنبية تدخل أراضيها، فهل المطلوب أن تسمح مصر بدخول مئات الأشخاص والمركبات بلا مراجعة أمنية؟ هل المطلوب أن تتحول الحدود المصرية إلى نزهة سياحية تحت لافتة "دعم غزة" بينما لا يعلم أحد من يقف فعلًا خلف كل حافلة ومن فيها؟
لو كانت هذه القافلة دخلت عبر مطار باريس أو برلين أو واشنطن بلا تنسيق، هل كانت هذه الدول ستترك لها الحبل على الغارب تحت شعار قضية إنسانية ؟
مصر التي تحملت وحدها عبء النزوح الفلسطيني في 1948 و1967 و2007، لا تحتاج لمن يمنحها دروسًا في دعم غزة، مصر التي فتحت معبر رفح في عز القصف، وتفاوضت مع أطراف لا يتحدث معها أحد في العالم، وتلقت جرحى ومصابين يوميًا منذ أكتوبر الماضي، لا تُزايد عليها قافلة تُبَثُ صورها عبر كاميرات دعائية في شوارع تونس وطرابلس.
مصر لا تتاجر بالقضية الفلسطينية، بل تحملها في ضميرها الاستراتيجي منذ أكثر من 70 عامًا، وما لا يفهمه أصحاب البطولات الموسمية أن القاهرة ليست مجرد معبر حدودي، بل دولة تتحرك في موازين دقيقة جدًا بين تعقيدات الملف الفلسطيني الإسرائيلي، ومناورات قوى إقليمية، وحسابات أمن قومي لا مكان فيها للاستعراض.
لو كانت النوايا صافية فعلًا، لكان بالإمكان ببساطة التنسيق مع وزارة الخارجية المصرية وتقديم كشوف الأسماء وخطط التحرك للسلطات الأمنية كما يحدث مع أي قافلة رسمية والالتزام الكامل بالإجراءات القانونية التي تطبق حتى على القوافل المصرية ذاتها.
لكن الهدف هنا لم يكن غزة، بل كان الصورة أمام الكاميرا نحن نحاول، لكن مصر تمنع، فإذا أغلقت مصر الباب طبقًا لقوانينها، أصبحت في نظر هؤلاء فجأة المعوق لدعم غزة، أما إن سمحت دون مراجعة، أصبحت رهينة ابتزاز مستقبلي لكل من أراد تكرار السيناريو.
في النهاية، أقول لهؤلاء جميعًا مصر ليست ملزمة أن تدفع ثمن رغبتكم في تسجيل هدف في مرمى الشعوب تحت شعار "الوصاية على فلسطين" مصر دولة تعرف متى تدعم وكيف تدعم وأين تدعم، دون حاجة لطبول الاستعراض الجوفاء أما نحن، فنردد وبثقة "الكلاب تعوي وقافلة السيادة المصرية تسير".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: السلطات المصرية السوشيال ميديا فلسطيني كريم وزيري وزيري مواجهة الاحتلال شوارع تونس الملف الفلسطيني قافلة الصمود
إقرأ أيضاً:
مشاركون من 54 دولة.. "قافلة الصمود" تستعد للوصول إلى القاهرة.. والأنظار تتجه إلى معبر رفح
عواصم - الوكالات
تتواصل الاستعدادات على أكثر من صعيد لوصول المشاركين في المسيرة الدولية إلى غزة، التي انطلقت تحت شعار "قافلة الصمود"، إلى العاصمة المصرية القاهرة، حيث أكد منظمو القافلة اليوم أن "أغلب المشاركين من 54 دولة سيصلون إلى القاهرة غدًا"، في إطار التحرك السلمي الواسع لفك الحصار عن قطاع غزة.
وأشار بيان صادر عن تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، المنظمة للمسيرة، إلى أن "كل ما تدعو إليه المسيرة يتماشى مع الجهود الدبلوماسية المصرية، ونؤكد احترامنا لدورها ومكانتها الإقليمية". وفي المقابل، شددت التنسيقية على أهمية التعاون والتنسيق مع السلطات المصرية، قائلة: "نتفهم المخاوف الأمنية المشروعة لدى القاهرة من العدد الكبير للمشاركين، لكننا نؤكد ضرورة التنسيق الكامل لضمان سلامة الجميع".
وأكد منظمو المسيرة أن "عدم التحرك إلى غزة ليس خيارًا بالنسبة لنا، ونأمل أن يُسمح لمسيرتنا السلمية بالمرور عبر معبر رفح"، في وقت يتصاعد فيه الضغط الشعبي والدولي لكسر الحصار المستمر على القطاع منذ سنوات.
وقد وصلت "قافلة الصمود" البرية أمس الثلاثاء إلى معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا، بمشاركة أكثر من 1700 ناشط، بينهم 140 جزائريًا، بالإضافة إلى مشاركين من المغرب وموريتانيا، وفق ما أفادت به إذاعة موزاييك التونسية. وتتضمن القافلة نحو 100 سيارة و18 حافلة، وكانت قد انطلقت الاثنين من تونس العاصمة، مرورًا بعدة مدن تونسية، وسط دعم شعبي واسع.
وأكد وائل نوار، المتحدث باسم القافلة، أن المرحلة الأولى على الأراضي التونسية قد أُنجزت بنجاح، وبدأت المرحلة الثانية في الأراضي الليبية، حيث يُتوقع أن تتجه القافلة نحو معبر السلوم المصري، ومنه إلى القاهرة ثم إلى معبر رفح.
وأوضح نوار أنه تم التنسيق مع السلطات الليبية والمنظمات الشريكة، مشيرًا إلى أنه لا يتوقع وجود عراقيل في العبور. وتأتي هذه القافلة ضمن تحرك دولي أوسع باسم "Global March to Gaza"، يضم نشطاء من أكثر من 54 دولة، ويهدف إلى إيصال رسالة تضامن دولية قوية مع الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.
وكانت تنسيقية القافلة قد عقدت مؤتمرًا صحفيًا في مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بالعاصمة، أكدت فيه أن القافلة "تعبّر عن نبض شعوب المغرب العربي، وتُترجم إرادة حقيقية لفك الحصار"، متوقعةً مشاركة نحو ألفي تونسي، في ظل طلبات متزايدة للانضمام من المواطنين.