الجزيرة:
2025-08-03@02:11:08 GMT

رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا

تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT

رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا

ربما هو القدر الجيوستراتيجي لدولة مثل تركيا، أن تُحاط بكرات اللهب المتدحرجة من كل ناحية، والتي تتطلب قدرًا عاليًا من الحكمة في التعامل معها، خشية أن تمتد تلك النيران إلى الداخل التركي نفسه.

فلم تكد أنقرة تتنفس الصعداء بزوال نظام بشار الأسد، حتى نشبت النيران مجددًا على حدودها الشرقية مع بدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، والذي تطور إلى ضربات متبادلة.

فإيران ليست مجرد دولة جارة لتركيا تتقاسم معها الحدود، بقدر ما تمثل تاريخًا ممتدًا في عمق الزمان، ربط الدولتين بروابط إثنية وجيوثقافية، خاصة في عهد السلاجقة الذين زحفوا من آسيا الوسطى، وتمركزت دولتهم في غرب آسيا في الجغرافيا التي تمثلها اليوم الجمهورية الإيرانية، قبل أن يمدوا نطاق سيطرتهم إلى الأناضول.

لكن مع تأسيس الدولة الصفوية في القرن السادس عشر الميلادي، وحدوث التباين المذهبي، مع تأسيس الدولة العثمانية على أسس وتقاليد سلجوقية، تحولت هذه العلاقة إلى تنافس حاد، وصل إلى حد المواجهة العسكرية التي حسمها العثمانيون في موقعة جالديران عام 1514، والتي قادت لاحقًا إلى "صلح أماسيا" في عهد السلطان سليمان القانوني والشاه طهماسب الأول.

هذا الصلح كان بمثابة أول اتفاقية سلام بين الدولتين، ساهمت في رسم حدود الدولتين ومجالات التأثير والتأثر لكلا الطرفين، والتي ترسم ملامح العلاقة بينهما حتى الآن، حتى مع تغيّر أنظمة الحكم في كلتا الدولتين، لكن يبقى العنوان العريض لتلك العلاقة هو "التنافس المحسوب".

إعلان التقدير الإستراتيجي التركي

المتابع لتصريحات كبار المسؤولين الأتراك، يدرك أن أنقرة لم تتفاجأ بهذا التصعيد الإسرائيلي الجديد في المنطقة.

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حذّر وزير الخارجية، هاكان فيدان، من احتمالية نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى ضرورة استعداد تركيا لتلك الحرب الإقليمية المتوقعة.

أما الرئيس، رجب طيب أردوغان، فلم يقطع إجازته السنوية التي يقضيها في مدينة مرمريس جنوب غرب تركيا، ما يعكس شكلًا من أشكال الاطمئنان حتى الآن، إلا أنه سارع بإصدار بيان عبر حسابه على منصة "إكس" حوى العديد من الركائز التي يمكن أن تشكل الرؤية الأولية لتركيا تجاه العدوان الإسرائيلي، وأهمها:

تحميل "إسرائيل" مسؤولية ما يحدث، معتبرًا أن الهجمات تشكل "استفزازًا واضحًا يتجاهل القانون الدولي"، مؤكدًا أنها نقلت إستراتيجيتها المتمثلة في "إغراق المنطقة، وخاصة غزة، بالدماء والدموع وعدم الاستقرار إلى مرحلة خطيرة للغاية". التحذير من سياسة إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي تحاول "جرّ المنطقة والعالم أجمع إلى الكارثة بأفعالها المتهورة والعدوانية وغير القانونية". ربط هذه الهجمات بمفاوضات البرنامج النووي التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية، مع إيران، كذلك ربطها بتزايد الضغوط الدولية ضد "الأعمال اللاإنسانية التي تستهدف غزة". مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد للتصرفات الإسرائيلية التي تستهدف الاستقرار والسلم العالمي والإقليمي.

في موازاة التحرك الرئاسي، استضافت وزارة الخارجية في أنقرة اجتماعًا رباعيًا مهمًا ضم وزيري الخارجية، هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، إضافة إلى رئيس الأركان، متين غوراك، ورئيس جهاز الاستخبارات، إبراهيم كالن، لبحث تطورات الأزمة.

كان واضحًا أن الاجتماع رسالة مزدوجة إلى الداخل التركي، فهي تريد من ناحية طمأنته بجهوزية الدولة واستعدادها للتعامل مع جميع تداعيات الأزمة، ومن ناحية أخرى، رسالة تحفيز بأن تركيا ليست بعيدة عن تلك التداعيات.

إعلان

وباستقراء البيان الذي نشره فيدان على حسابه بمنصة "إكس" عقب الاجتماع، يُلاحظ ربطه الهجوم بما سببته "إسرائيل" في غزة من مأساة إنسانية، وعبثها باستقرار لبنان، إضافة إلى اتجاهها نحو "احتلال سوريا" حسب تعبير الوزير.

كما أكد أن "الدبلوماسية هي البديل الوحيد للحرب"، مشيرًا إلى أهمية المفاوضات النووية التي بدأها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باعتبارها "السبيل الوحيد لحل الصراع الناجم عن النزاع النووي". وهو ما يؤشر إلى توافق الموقف التركي مع نظيره الأميركي في ضرورة الحيلولة دون امتلاك إيران السلاح النووي، وهو أمر مفهوم في ضوء التنافس الإقليمي المحتدم بين الدولتين.

كذلك في نطاق استقراء التقدير الإستراتيجي التركي، كانت تصريحات رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي لافتة، والذي اعتبر أن العملية الإسرائيلية ضد إيران "رسالة خبيثة موجهة إلى تركيا"، مؤكدًا أن "الهدف النهائي المخفي هو تركيا".

وأضاف بهتشلي أن "وقف إسرائيل مسؤولية تاريخية تجاه الأمن القومي وسلامة واستقرار تركيا في الإقليم"، محذرًا من التعرض لمشاكل غير متوقعة حال إنكار هذه المسؤولية أو إهمالها.

والملاحظ أن هذا التحذير لم يكن الأول منه، بل سبق أن حذّر في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 من الأطماع الإسرائيلية، قائلًا: "القضية اليوم ليست بيروت بل أنقرة، والهدف النهائي هو الأناضول".

هذا التقدير كان حاضرًا أيضًا في ذهن أردوغان في تلك الفترة، حيث اعتبر أن "النضال الملحمي الذي تخوضه حركة حماس في غزة هو أيضًا من أجل تركيا"، أي أن المقاومة الفلسطينية تمثل رأس الحربة في الدفاع عن تركيا في مواجهة المشروع الصهيوني المتوحش يومًا بعد آخر.

مواجهة الأزمة

لا نبالغ إذا قلنا إن الحرب الإقليمية تدق أبواب تركيا بشدة، وقد تدفعها "إسرائيل" إليها دفعًا، ربما من خلال تكثيف الهجمات على سوريا، أو محاولة احتلالها من خلال الوصول إلى العاصمة دمشق، وهو ما حذّر منه أردوغان العام الماضي قبل سقوط نظام بشار الأسد.

إعلان

لذا، ففي تقديري أن صانع القرار في أنقرة سيكون محكومًا بعدة محددات إستراتيجية، ستدفع في اتجاه بناء ردود الأفعال حيال التطورات المرتقبة للأزمة، وأبرزها:

الحيلولة دون تحقيق "إسرائيل" نصرًا حاسمًا وواضحًا في مواجهتها الحالية مع إيران، لما له من تأثير على نتنياهو في فتح شهيته نحو مزيد من التوسع والتحرش بدول المنطقة، وفي القلب منها تركيا. حيث ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تلك الرغبة منذ عدة أيام، عندما قال خلال استقباله الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، في الكنيست إن "الإمبراطورية العثمانية لن تعود". وهي رسالة مبطنة لتركيا وقيادتها بأنه سيحول دون مضي أنقرة في برنامجها الدفاعي المتطور، وصعودها الإقليمي الذي يسير بشكل مطّرد. العمل على منع انهيار النظام الإيراني لما له من تداعيات أمنية بالغة السوء على المنطقة عامة وتركيا خاصة، ربما يشابه ما حدث عقب سقوط نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين. إذ من المتوقع حينها أن تشهد تركيا موجات لجوء جديدة، وحدوث فراغ أمني في إيران قد يسمح بتمدد الجماعات الإرهابية من جديد. الحفاظ على العلاقات المتميزة مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعدم التورط في الأزمة بما يؤدي إلى تدهورها، مع استثمار تلك العلاقات في محاولة تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، ودفع ترامب إلى لجم الاندفاعة الإسرائيلية، التي لم تكن لتتحرك لولا التنسيق المسبق مع البيت الأبيض. استكمال بناء نظام أمني إقليمي، والذي بدأته تركيا مع سوريا والأردن، لكن من الضروري خلال المرحلة المقبلة بذل الجهد صوب ضم دول مؤثرة أخرى إليه، وفي مقدمتها مصر. إذ أبانت تداعيات طوفان الأقصى الممتد من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أن المواجهة الفردية لأزمات المنطقة غير مجدية، دون تحرك جماعي مدعوم بآليات فعلية على أرض الواقع. إعلان المكاسب التركية

بالرغم مما سبق، فإن الضربات التي تتعرض لها إيران، والتي طالت في موجتها الأولى قادة كبارًا في الجيش والحرس الثوري، من المتوقع أن تؤثر على قدرة طهران على مواصلة العمل بذات القوة في ملفات كانت تمثل تهديدًا للأمن القومي التركي، أو تحول دون تعظيم قدرات أنقرة الإستراتيجية، وأهمها ملفان:

ملف تنظيم حزب العمال الكردستاني  PKK، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، سبق أن حذّرت منها أنقرةُ طهرانَ بشكل علني. فالمتوقع أن تؤثر الأحداث على هذا التعاون، ما قد يسرع من قرار حل الحزب وتسليم سلاحه، سواء الموجود منه في جبال قنديل بالعراق، أو وحدات الحماية الكردية YPG في سوريا، أو حتى في النسخة المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية "قسد". ملف مشروع ممر "زنغزور" الإستراتيجي، والذي ستتيح إعادة افتتاحه مجددًا الربط بين تركيا وأذربيجان، وهو الأمر الذي لطالما عارضته إيران، معتبرة ذلك تغييرًا للحدود التاريخية، إذ تخشى أن تؤدي إعادة افتتاحه إلى تآكل حدودها الشمالية مع أرمينيا، ومحاصرتها من قبل تركيا وأذربيجان.

لذا، فإن أي تراجع للدولة الإيرانية بفعل المواجهة الحالية مع "إسرائيل"، قد يقود تركيا إلى التفكير الجدي في إعادة افتتاح الممر ووصل أراضيها بالقوقاز من جديد.

الخلاصة

كل المؤشرات تشير إلى استعداد أنقرة المبكر لتلك اللحظة التي قد تندلع فيها حرب إقليمية، والتي أخذت منحى تصعيديًا بالمواجهة الإسرائيلية الإيرانية، سواء من حيث تسريع وتيرة الصناعات الدفاعية، أو تهيئة الرأي التركي لذلك، لكنْ تأكيدًا لن تكون تركيا سعيدة بالوصول إلى تلك النقطة في الوقت الحالي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

مستشار الرئيس الفلسطيني: المظاهرات أمام اسفارة مصر بتل أبيب أجندة خبيثة تخدم الاحتلال

علق محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني، على المظاهرات  التي خرجت في تل أبيب أمام السفارة المصرية .

فلسطين: يجب وقف إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية في غزةوزير الخارجية الفرنسي: مؤسسة غزة الإنسانية بقيادة أمريكا وإسرائيل مخزيةالسويد تطالب الاتحاد الأوروبي بتجميد التجارة مع إسرائيل بسبب غزةالجيل الديمقراطي: مصر أنفقت 578 مليون دولار على علاج جرحى غزة

وقال الهباش في تصريحات له على قناة “ إكسترا نيوز ”، :" هذه المظاهرات تمثل أجندات خبيثة تخدم الاحتلال والشعب الفلسطيني بريء من هذه المظاهرات والشعب الفلسطيني يعتز بمصر والأردن وكل الاشقاء العرب".

واكمل محمود الهباش :" حماس في قطاع غزة تسرق معظم المساعدات وتبيعها في الأسواق بأسعار باهظة كي تنفق على نفسها وتحرم مليوني فلسطيني من ان تصل لهم المساعدات".

ولفت محمود الهباش :" حماس جزء من الكارثة التي حدثت في قطاع غزة وحماس والاحتلال وجهان لعملة واحدة ".
 

طباعة شارك الاحتلال فلسطين مصر اخبار التوك شو قطاع غزة

مقالات مشابهة

  • في تركيا.. المنتجات التي ارتفعت وانخفضت أسعارها في يوليو
  • ضربة تقضي على النووي .. مخاوف من عودة الحرب بين إيران و إسرائيل
  • كاتب تركي: ما أهمية ميثاق التعاون الدفاعي بين تركيا وسوريا؟
  • التغلغل التركي في قبرص الشمالية يدفع إسرائيل لخطة طوارئ
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: المظاهرات أمام اسفارة مصر بتل أبيب أجندة خبيثة تخدم الاحتلال
  • مقررة أممية تندد بتهديدات إسرائيل لمراسل الجزيرة أنس الشريف
  • دول الخليج تستعد لثلاثة سيناريوهات لمواجهة الصفحة الثانية من حرب إيران- إسرائيل
  • منظمة التحرير: الهجوم على مصر والأردن حملة خبيثة بسبب دعم فلسطين
  • الشيخ: الهجوم على مصر والأردن جزء من محاولات خبيثة لإضعاف مواقفهما
  • عراقجي: إيران لن تقبل بأن تمضي الأمور كما كانت عليه قبل حرب الـ12 يوم مع “إسرائيل”