منذ ثورة الخميني عام 1979، اتخذ النظام الحاكم في إيران طابعًا دينيًا، تمركزت السلطة العليا في يد «المرشد الأعلى»، الذي يشغله منذ أكثر من 35 عامًا، علي خامنئي، تحديدا، منذ الرابع من يونيو 1989، بعد وفاة الخميني.

يتمتع «المرشد الأعلى»، بصلاحيات واسعة تتجاوز صلاحيات السلطات التنفيذية، والتشريعية والقضائية.

هذا الشكل من الحكم، الذي يجمع بين المرجعية الدينية والقيادة السياسية، أفرز بنية مؤسسية خاصة مثل «الحرس الثوري» الذي يتبع مباشرة المرشد الأعلى.

يؤدي «الحرس الثوري» دورًا محوريًا في السياسات الأمنية والعسكرية للدولة، لكن رغم إجراء انتخابات دورية وتداول بعض المناصب عبر صناديق الاقتراع، إلا أن النظام يظل خاضعًا لسلطة مركزية دينية تُحكم قبضتها على مفاصل الدولة.

وبموجب الدستور الإيراني، فإن للمرشد الكلمة الفصل في شئون الدولة، سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، وهو من يوجه السياسات العامة ويشرف على تنفيذها، حتى في وجود مؤسسات منتخبة كالبرلمان ورئاسة الجمهورية.

ومع تصاعد التحديات الأمنية والتقنية في السنوات الأخيرة، أثيرت تساؤلات متزايدة حول قدرة هذا النموذج في الحكم على مواكبة المتغيرات الاستراتيجية، والتعامل مع أزمات الداخل والخارج بالكفاءة اللازمة، خاصة في ظل التوتر المتصاعد مع إسرائيل.

الصراع بين إيران وإسرائيل سلط الضوء على نقاط ضعف أمنية خطيرة وأعاد الجدل حول فعالية هذا النمط من الإدارة العليا للملف القومي الإيراني، حيث تتداخل المرجعية الدينية مع صنع القرار، ما يثير بين الحين والآخر نقاشًا داخليًا وخارجيًا حول طبيعة هذا النموذج.

وفي ضوء التصعيد الأخير، ظهرت تساؤلات حول كفاءة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في التعامل مع التحديات المعقدة، لاسيما مع تفوق الخصم الإسرائيلي في استخدام الوسائل التقنية المتطورة في تنفيذ عمليات دقيقة ومنخفضة التكاليف، كما حدث في العملية الأخيرة.

ويعيد ذلك إلى الواجهة النقاش حول أهمية تحديث البنى التحتية الدفاعية والاعتماد على الكفاءة والخبرة التقنية بدلًا من الولاء السياسي وحده، لضمان استجابة أكثر فعالية في ظل بيئة أمنية متغيرة.

يشير محللون إلى أن النظام الإيراني، لم يتمكن حتى الآن من تحقيق مستويات تنموية تتناسب مع الإمكانات الطبيعية والاقتصادية التي تمتلكها البلاد، حيث تُعد إيران من بين الدول الأغنى عالميًا من حيث احتياطيات النفط والغاز، بالإضافة إلى تنوعها الجغرافي ومواردها الزراعية والمعدنية.

تجارب إقليمية مشابهة، كما في «حزب الله» اللبناني توضح ضعف مناعة هذا النموذج، بعدما تعرض لإخفاقات شاملة أضرت بالحزب نفسه ولبنان ككل، لاعتبارات عقائدية قد تعوق أحيانًا عملية التحديث المؤسسي، حتى في النظم التي تجمع بين المظاهر الديمقراطية والمرجعية الدينية.

ومع ذلك، ففي المقابل، لم تعد إسرائيل تخفي طبيعتها كدولة ذات توجه ديني قومي متشدد، بعدما تَقدَّم اليمين الديني صفوف الحكم، وأصبح شريكًا رئيسيًا، بل مُحدِّدًا، لاتجاهات الدولة وسلوكها، وأفرز التحالفات السياسية حكومة حالية تُعد من الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان.

حكومة بنيامين نتنياهو تضم شخصيات من تيارات صهيونية دينية تعتبر الضفة الغربية «أرضًا توراتية» غير قابلة للتقسيم، وترفض بشكل علني أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وقد انعكست هذه التوجهات في سلسلة من التشريعات والمواقف المتطرفة داخل الكنيست.

وتعزز هذه السياسات الدعم الواضح لتوسيع الاستيطان، وتقويض سلطة القضاء، وفرض وقائع ميدانية تُقوّض فرص السلام، وباتت أصوات الحاخامات المتشددين ذات تأثير مباشر على السياسات الأمنية والعسكرية.

بل إن بعض القرارات الحاسمة «خاصة في القضايا الدينية والسيادية» لا تمر دون تدخل المرجعيات الدينية أو بدعم منها. وهكذا، تتقاطع «دولة الحاخامات» مع «دولة الملالي» من حيث تغلغل السلطة الدينية في مفاصل الدولة، رغم اختلاف المرجعيات والخطابات السياسية.

وفي ظل هذا المشهد، يصبح من الصعب الحديث عن نموذج ديمقراطي صافٍ أو متوازن، سواء في طهران أو تل أبيب، إذ تزداد السلطة تمركزًا في أيدي من يقدمون العقيدة على العقل، ما يُهدد استقرار المنطقة، ويفتح الباب أمام صراعات مفتوحة تتغذى على القداسة أكثر مما تُدار بالحكمة.

اقرأ أيضاًلحظة قصف مبنى الإذاعة والتليفزيون الإيراني | فيديو

مدير مركز الفكر ديبلو هاوس الإيراني: إيران لن تستسلم ولا اتفاق بعد الآن

من التضليل إلى التسليح.. حدود التنسيق الخفي بين أمريكا وإسرائيل ضد إيران

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل أمريكا إيران طهران قوات الاحتلال الإسرائيل الاحتلال الإسرائيل إيران وإسرائيل إسرائيل وإيران المفاعلات النووية الإيرانية

إقرأ أيضاً:

ما أسباب سعي إيران لترميم نفوذها في المنطقة رغم كل الضغوط الأميركية والإسرائيلية؟

 

كان لافتاً الموقف الإيراني الذي يمضي في التشدد بالنسبة إلى لبنان و”حزب الله” وسلاحه، بالتزامن مع ميل للتقارب مع كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، بهدف المساعدة للتخفيف من الضغوط القصوى الأميركية- والإسرائيلية على إيران و”حزب الله” تحديداً في لبنان. لكن بماذا تفكر ايران بهذه المرحلة؟

 

إيران بحسب مصادر ديبلوماسية، تريد أن تنفذ سياسة ترميم نفوذها بعد الضربات التي تلقتها في هذا المجال. وتريد إعادة منظومتها وبناء نفوذها في المنطقة، بعد الحرب التي تعرض لها محورها منذ أكثر من سنتين. وتريد أن يستمر مردود دفع الأموال للعودة إلى منظومتها داخل البيئة الشيعية.

 

وتفيد هذه المصادر، أن الترميم للنفوذ الذي تريده إيران، وتأمل أنها تستطيع تحقيقه، هو على قواعد وأسس جديدة مختلفة. إيران بحسب المصادر الديبلوماسية، لا تريد حرباً، وخيارها عدم المواجهة، لكن إذا فُرضت عليها المواجهة، وإذا توسعت المعركة سيتم قلب المعادلة كلها، أي عبر دخول كل الجبهات في الإقليم في هذه المواجهة. لذلك يأتي “الترميم” على أسس مختلفة، وهي تتمثل بأمرين: الأول: الاعتراف بالواقع الجديد، والتعامل معه. والثاني: الحفاظ على وجود جماعات إيران وقرارها، على أن يكون السلاح قابل للحل عبر المعادلة السياسية في الداخل، وتكريس موقع لها، في الداخل. أي تكريس موقع ل”حزب الله” في الداخل، مقابل سلاحه. وهذا يشكل جزءاً من الترميم.

وأوضحت المصادر الديبلوماسية، أن المنحى التي تعتقد إيران أنها قابلة للسير به يبدأ إقليميًا من العلاقة المتجددة مع المملكة العربية السعودية. وهي جدية معها في العلاقة، لا سيما وأن الرياض قادرة على التخفيف من حدة الضغوط الأميركية، كما ترى إيران. ويتخلل ذلك، إثبات إيران انفتاحها على جيرانها من الدول العربية، ما ينعكس على كل المحيط.

 

وبالتالي، يريد الإيراني خلق مساحة مشتركة مع السعودية، وتعزيزها. وتدرك إيران أنها حالياً ليست في موقع فائض قوة، فهي تسير بواقعية مع المملكة، وبدلاً من الصراع يمكن بناء هذه المساحة المشتركة.

 

وأوضحت المصادر، أن لا مشكلة إيرانية مع مبدأ التطبيع مع اسرائيل، وأن مصر والأردن ذهبتا إلى ذلك. لكن هي ترى أن لبنان يسير إليه، وفق الشروط الإسرائيلية. وهذا تعتبره إيران أسوأ بكثير من أية دولة دخلت السلام. وهي تعتقد أن الإمارات العربية المتحدة، التي تمثل الرئة الاقتصادية لإيران، لا تريد طهران أن تتحول إلى تهديد أمني إسرائيلي لها، بينما هناك فارقاً مع دول “المحور الإيراني” في ذلك، حيث توجد شروط للسلام، في مقدمها الاحتفاظ بدور إيران وحصتها في الإقليم، وفي الدول المعنية بذلك.

 

منذ سنوات كانت إيران قد طرحت تسوية، على أن يحصل عليها تعديلات مع الزمن، في اتجاه التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء. والأغلب أن ما كانت تطرحه هو اتفاق يشبه اتفاق نيسان 1996. على أن تكون مدة الاختبار لنجاحه عشر سنوات، ويتضمن ترسيماً لمزارع شبعا. وكان ثمة بحث أميركي -إيراني في المسألة وان بصورة غير مباشرة، وكان “حزب الله” في هذا الجو. وكانت هناك أجواء في 2007 حول مباحثات سورية- إسرائيلية، والإيراني في جوها أيضاً. كل النفوذ الذي تسعى إيران لتحقيقه حتى الآن، وفقاً للمصادر، وعلى الرغم من السعي الأميركي- الإسرائيلي لإضعاف نفوذها، هو بهدف حفظ موقع لها في المنطقة في إطار التسوية الكبرى التي ستأتي يوماً ما.

لذلك لا تزال إيران تضغط على لبنان للإبقاء على نفوذها فيه. ويضغط الأميركيون على السلطة لحصر السلاح بيد الدولة .

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: وقف الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان وسوريا ضرورة لحماية استقرار المنطقة
  • وزير الخارجية الألماني: نُكثّف التعاون مع مصر ونثمّن دورها في استقرار المنطقة
  • صراع النفوذ والنفط يهدد استقرار حضرموت اليمنية
  • ما أسباب سعي إيران لترميم نفوذها في المنطقة رغم كل الضغوط الأميركية والإسرائيلية؟
  • العراق يبحث مع المبعوث الأمريكي جهود دعم استقرار سوريا
  • إيران: لم نتلق أي تحذير أمني جديد من تركيا أو السعودية
  • بعد مواصلتها الهجمات على سوريا ولبنان.. عراقجي: إسرائيل تنفذ مخططاً لزعزعة استقرار المنطقة
  • السوداني يبحث مع مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا دعم المسار الدبلوماسي واستقرار المنطقة
  • رئيس الوزراء ومبعوث ترامب إلى سوريا يبحثان دعم المسار الدبلوماسي
  • صراع المياه المشتعلة بين واشنطن وبكين