كيف تخبرنا حرب إيران وإسرائيل بقرب انتهاء المشروع الصهيوني؟
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
#سواليف
عمليًا توقفت #الحرب_الإسرائيلية_الإيرانية يوم الثلاثاء 24 يونيو/ حزيران 2025 بعد إعلان دونالد #ترامب وقف إطلاق النار بين الطرفين، مباشرة بعد أن شنت الولايات المتحدة الأميركية قصفًا جويًا مكثفًا على أهم #المفاعلات_النووية_الإيرانية، وهي: نطنز وفوردو وأصفهان، أحدث فيها دمارًا كبيرًا حسب الرواية الأميركية، وبعد أن قصفت إيران قاعدة العديد القطرية، بعد إخطار مسبق لأميركا وقطر.
وبعيدًا عن خلفيات ومرجعيات هذه العمليات العسكرية، خاصة في ظل نفي إيران النيل من ترسانتها من #اليورانيوم المخصب، وفي غياب الإعلان من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وجود إشعاعات في منطقة المفاعلات، مما ينفي تدمير اليورانيوم الذي قيل إنه تم نقله إلى مناطق أخرى، وفي ظل وجود تسريب لخبر عمليات القصف الأميركية على إيران حسب وزير الدفاع الأميركي، فإن المؤكد من خلال التحقيقات الصحفية الغربية ذاتها، أن إسرائيل توسلت بشكل سري من أطراف عربية وغربية، ضرورة السعي لوقف #الحرب لما أحدثته من #دمار_كبير في تل أبيب، وحيفا، وعين السبع، ومناطق إسرائيلية أخرى.
ولكن دون أن تتضح صورة هذه الحرب بالوكالة وتحديد المنهزم من المنتصر، ما دام الدمار و #الخسائر شملا الدولتين معًا، إذ يبدو أن ما أسفرت عنه المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران استوت فيه #الهزيمة بالنصر لكلا الطرفين، إلا أن هذه الحرب من منظور إسرائيلي محض حققت عددًا من الإنجازات العسكرية، ولكنها حققت في المقابل إخفاقات سياسية وإستراتيجية، وإخفاقات عسكرية واضحة، خاصة فيما يتعلق بالقدرة الدفاعية الإسرائيلية.
مقالات ذات صلةالشيء نفسه ربما ينطبق على الطرف الإيراني، وإن كانت الكفة الإيرانية راجحة، رغم فقدانها قادةً عسكريين من الصف الأول وعلماء ذرة كبارًا، لكونها استطاعت أن تواجه تحالفًا غربيًا وليس فقط إسرائيل، سواء بمد إسرائيل بالسلاح والعتاد، أو بالمعلومات الاستخبارية، أو بالضغط الدبلوماسي عبر الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما استطاعت أن تعري الجيش الإسرائيلي وأنظمته الدفاعية، كما فككت وهْم أقوى الجيوش والهيمنة والقوة الإسرائيلية بالمنطقة، وهذا وحده انتصار على المستوى الرمزي في تعضيد وتقوية السردية العربية الإسلامية المناهضة للصهيونية والاستعمار بشتى أشكاله المعاصرة. وتسنيد لسردية المقاومة بشكل غير مسبوق.
من المؤكد أن المواجهة العسكرية قد انتهت مرحليًا، لتبدأ جولات من المفاوضات على قاعدة توازن الضعف الإستراتيجي بين إيران وإسرائيل، فإسرائيل لا يمكنها أن تصبح قوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، وإيران لا يمكنها أن تكون كذلك، وهو توازن يشمل أيضًا توازن القوى، أو ما تبقى منها، لصالح الهيمنة الأميركية وتحكمها في مصير الشرق الأوسط إلى حين، لأن من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية أن تبقي تحت مراقبتها توازنًا للقوة والضعف بين إسرائيل وإيران؛ خشية أن يدخل الصراع بينهما أطوارًا أخرى تبدأ على قاعدة تغيير الإستراتيجيات، بالنظر إلى كون إسرائيل تتوعد بمتابعة النَّيل من قوة إيران الإقليمية ومن نظامها السياسي، وإعلان إيران انسحابها من معاهدة الأسلحة النووية وعدم السماح للوكالة الذرية بالدخول إلى إيران. وعدم تنازلها أو تراجعها عن مقومات بلادها الدفاعية من الصواريخ الباليستية.
ضمن هذا السياق، يبدو أن الصراع القادم، وهو صراع قديم حديث، سيتخذ أبعادًا سردية، حيث تعارض السرديات وصراعها هو ما سيغذي العلاقات بين إيران وإسرائيل والغرب من ورائها. فهناك سردية المقاومة والممانعة ورفض الاستعمار والاستيطان والاحتلال، في مقابل سردية الغرب الذي يزعم الدفاع عن الحق والعدل والسلم العالمي، ونشر الحضارة، والإنسانية والتقدم. لذلك، فالانتصار القادم ستحدده السردية التي سوف تنتصر.
وإذا استحضرنا الدراسات الثقافية والديكولونيالية، يتضح أن انتصار السرديات من عدمه يتحدد بالعوامل الداخلية، أكثر من العوامل الخارجية، فكيف سيكون مآل السردية الغربية والإسرائيلية تحديدًا على وقع انتشار أصوات يهودية تنتقد علنًا وبصوت قوي السردية الإسرائيلية الصهيونية، والتي تشكلت كتيار مناهض منذ نكبة 1948، تاريخ تأسيس إسرائيل، والتي تقوَّت بشكل لافت فيما بعد، وإن كانت قد اتخذت أبعادًا دولية بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خاصة بعد الانقلاب الكبير الذي عرفه الوعي العالمي والغربي لما أحدثته إسرائيل منذ ما يقارب السنتين من دمار وتقتيل وإبادة جماعية لشعب أعزل، شملت الأطفال والشيوخ والنساء والرجال المدنيين العزل، كما شملت الحجر والشجر وكل كائن حي فوق أرض غزة.
هذا التيار، من خلال بعض ممثليه، اعتبر أيضًا أن الحرب الإسرائيلية الغادرة على إيران حلقة من حلقات التغول الصهيوني وحلقة من سلسلة الصهيونية العالمية، وأن الخاسر الأكبر هو الشعب اليهودي، الذي بدا وكأن حكومة نتنياهو باتت تضحي به وبمستقبل السلم والسلام بالمنطقة من أجل أهداف سياسية شخصية، ووعود زائفة بأرض الميعاد، وأحلام صهيونية استعمارية ترتكز على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والميز العنصري المطبق على تشكيلات اليهود الإثنية، وعلى الفلسطينيين من عرب الداخل في الوقت نفسه.
الصراع الإسرائيلي الإيراني على ضوء التاريخ
يستدعي الحديث عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية استحضار التاريخ المعقد بين إسرائيل وإيران، من منطلق أن العلاقة بين الدولتين عرفت مدًا وجزرًا على امتداد تاريخ إسرائيل، فالتوترات العسكرية ابتدأت مع بداية الصراع مباشرة بعد سقوط نظام الشاه بهلوي عقب الثورة الإسلامية سنة 1979، خاصة أن نظام الشاه كان مواليًا للغرب، وأحد أذرعه في منطقة الشرق الأوسط.
وبالتالي، فالصراع يتخذ أبعادًا دينية واضحة، وإن كان يخفي صراعًا حول المصالح في منطقة شديدة الخصوصية والثراء. فمن صداقة وتبعية أيديولوجية للغرب، بزعامة أميركا في ظل نظام الشاه، إلى صراع خفي تارة، وواضح للعلن تارة أخرى، ظلت إسرائيل تنظر بعين الشك والريبة والرفض للدولة الإسلامية الناشئة مباشرة بعد ثورة الخميني.
وإذا كانت السنوات الفاصلة بين 1948 تاريخ نشأة إسرائيل بقرار جائر من الأمم المتحدة، مقابل حل الدولتين الذي لم يحصل أبدًا بسبب استهتار إسرائيل، بدعم غربي- أميركي- بالقانون الدولي، دخلت هذه الأخيرة في صراع مع العالم العربي بسبب القضية الفلسطينية، والاحتلال الاستيطاني الذي ترافق بكل أشكال الإبادة العرقية والتجويع والتهجير، فإن نظام الشاه كان بعيدًا عن هذا الصراع، بل مناصرًا لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، إذ لم يكن لإيران أي دور أو وجود في الصراع العربي الإسرائيلي في سنوات حروب: 1956- 1967- 1973، بيدَ أن الأمر سيختلف جذريًا بعد سنة 1979.
من هنا تحوّل الموقف الإسرائيلي من إيران رأسًا على عقب. وهو تحول ابتدأ بشيطنة نظام الخميني وولاية الفقيه؛ بسبب رؤيته المناصرة للقضية الفلسطينية. هكذا، نشأت حرب باردة بين الدولتين، كتجلٍّ حقيقي للحرب الباردة بين القطبين: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، وهو ما استمر إلى حدود التسعينيات من القرن الماضي، خاصة بعد سقوط جدار برلين وانهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، خاصة أن إيران الثورة الإسلامية كانت حليفًا إستراتيجيا للاتحاد السوفياتي، وفيما بعد لروسيا وريثة هذا القطب، مقابل عداء مستحكم للولايات المتحدة الأميركية وللغرب بشكل عام.
وبالرغم من أن إيران لم تشكل يومًا تهديدًا مباشرًا لإسرائيل ولا لأميركا، ولم يكن في حسابها العمل على زوال دولة إسرائيل، بقدر ما كانت مناصرة للقانون الدولي وساعية إلى إنصاف الفلسطينيين بنفس قدر مناصري القضية من مختلف بلدان العالم المطالبة باحترام القانون الدولي، فإن الصراع مع إسرائيل لم يكن صراعًا دينيًا مع اليهود، بدليل وجود طائفة يهودية كبيرة في إيران، بقي بعضها مستقرًا ببلاد فارس حتى بعد قيام الثورة الإسلامية، بل كان صراعًا ضد الصهيونية العالمية، وضد الأطماع الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، وهنا افترقت السبل بين عهدَين ونظامَين في إيران، لتصبح بالنهاية جزءًا من الصراع العربي الإسلامي ضد إسرائيل.
وهكذا، نشأ الصراع بين إيران وإسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات، واشتدت حدته في الألفية الجديدة على قاعدة عداء سياسي وتوترات عسكرية وهجمات إلكترونية وحرب بالوكالة، وهو ما دفع إيران إلى العمل على صناعة أذرع أيديولوجية كامتداد للثورة الإسلامية في المنطقة، من خلال أحزاب تابعة لإيران في لبنان، وسوريا، واليمن، والعراق.
وهنا منشأ الخطأ الإستراتيجي لإيران في خلق توترات إقليمية مع العالم العربي، وهي توترات غذتها السردية الغربية بامتياز، من جهة، ورغبة إيران في تصدير الثورة الإسلامية إلى العالم العربي من جهة أخرى، حيث دعمت إيران حزب الله في لبنان الذي سيصبح العدو رقم واحد لإسرائيل التي اعتبرت إيران أكبر تهديد أيديولوجي وإستراتيجي بعد نهاية الحرب الباردة. وهو ما دفعها لدعم الأكراد في إيران، أو العراق ضد النظام الإيراني، وعارضت أي نفوذ إيراني في سوريا ولبنان.
لكن حدة الصراع سوف تشتد بعد أن أعلنت إيران تطوير برنامجها النووي المدني، بدعوى سعيها للحصول على أسلحة نووية حوالي 2004، لتقوم إسرائيل سنة 2010 بإطلاق فيروس ستوكسنت، وهو فيروس حاسوبي يُدمر أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية بدعم استخباراتي وتكنولوجي أميركي، لتتوالى بعدها، أي ما بين 2025-2020، الهجمات الإلكترونية، واغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين، وضربات لقواعد إيرانية في سوريا ولبنان… إلخ، وهو ما دفع إيران لتقوية تحالفها الإستراتيجي مع حزب الله، والمليشيات الشيعية العراقية، والحوثيين في اليمن.
بيد أن سلسلة الاغتيالات -التي تنتهك القانون الدولي- لقادة عسكريين إيرانيين ستتخذ منحًى تصعيديًا غير مسبوق، ابتدأ باغتيال الجنرال قاسم سليماني ولم ينتهِ باغتيال الصف الأول من القادة العسكريين والعلماء في حرب يونيو/ حزيران 2025، خاصة بعد أن انحازت إيران، علنًا، لدعم القضية الفلسطينية في حرب غزة مباشرة بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث أدت هذه الحرب إلى اتساع نطاق الصراع.
مفكرون يهود ضد الأطماع الصهيونية
لم تنشأ الصهيونية العالمية وتبريرها الاستشراقي- الاستيطاني لقيام دولة إسرائيل على حساب فلسطين الأرض والشعب والتاريخ، إلا ونشأ ضدها فكر تنويري عالمي تحرري، تشكل من عدد من المفكرين اليهود أنفسهم، ظلوا يناضلون ضد الصهيونية، خاصة بعد نكبة 1948 وما تلاها من حروب وعدوان إسرائيلي على العالم العربي والإسلامي.
ومن بين هؤلاء المفكرين نجد ألبرت أينشتاين، الذي كان داعية سلام ملتزمًا، وكثيرًا ما حذّر من مخاطر الأسلحة النووية، ودعا إلى حلول عادلة مع المجتمعات العربية، وسيغموند فرويد الذي رفض التوقيع على عريضة تطالب بوطن يهودي في فلسطين، معتبرًا أن المنطقة لا يمكن أن تصبح أبدًا دولة يهودية، في حين انتقدت، بشكل كبير، الفيلسوفةُ حنة أرندت استخدام المشاعر المعادية للسامية كمبرر للمشروع الصهيوني، مفككة الزعم الواصل بين الصهيونية ومعاداة السامية، حيث هناك فرق كبير بينهما.
وهو ما ذهب إليه أيضًا الفيلسوف واللساني العالمي اليهودي نعوم تشومسكي الذي ألّف كثيرًا في القضية الفلسطينية مفككًا مزاعم الصهيونية الإسرائيلية إلى جانب المؤرخ إيلان بابيه، في حين كان نورمان فينكلشتاين من أشد منتقدي السياسات العسكرية الإسرائيلية، ولم يتوقف عن الدعوة إلى السبل الدبلوماسية والقانونية، منبهًا إلى ضرورة احترام الشرعية الدولية، فيما وصف ريتشارد فالك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة، بعض السياسات الإسرائيلية بأنها “جرائم ضد الإنسانية” وانتقد بشدة نهجها العسكري.
وإذا كان الفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش ندد بالاحتلال ووصفه بأنه “نازي”، ودعا الجيش إلى ضرورة عصيان كل الأوامر غير الأخلاقية فيما يتعلق بالإبادة الجماعية للفلسطينيين، فقد وصف الفيلسوف وعالم الرياضيات موشيه ماخوفر الصهيونية بأنها مشروع استعماري، وعارض بقوة الحلول العسكرية. وعلى نفس المنوال رفض الحاخام الإصلاحي وأحد مؤسسي المجلس الأميركي لليهودية إلمر بيرغر القومية اليهودية والمشروع الصهيوني، وهو ما يوافق في العمق رؤية آرون صموئيل تاماريس وآخرين كثرٍ من قبيل أبراهام مليستر، وسيغموند باومان… إلخ.
كلها أصوات شكلت تيارًا قويًا ضد الصهيونية وضد إسرائيل العسكراتية، ولم تتوقف عن الدعوة إلى التخلي عن الأحلام الصهيونية والاستعمارية الاستيطانية، مناصرة علنًا، ودون مواربة، السلم والسلام ومفككة المزاعم الإسرائيلية، ومن ثم السردية الغربية. هذه الدعوات لا تنفصل عن البعد الأخلاقي لليهودية التي اعتبرها هذا التيار الكبير والقوي ضحية للصهيونية والإمبريالية المتجددة، ومزاعم واهية تنال من الإنسانية بشكل عام.
وإذا كان النقد الأيديولوجي والأخلاقي للقومية اليهودية (حنة أرندت، ألمر بيرغر، يشعياهو ليبوفيتش)، وصولًا إلى المعارضة السياسية للأساليب العسكرية (نعوم تشومسكي، ريتشارد فولك، دانيال ماشوفر)، وسياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والتضحية باليهود على أعتاب الصهيونية (مارك إيليس، يعقوب كوهين، عيكا إلدار)، فإن الأمر لم يتوقف عند حرب غزة وباقي حروب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وضد أطماع الصهيونية في إسرائيل الكبرى، أو الشرق الأوسط الجديد، بل استمر هذا التيار، من خلال ممثليه ومن ينتمي إليه من دعاة السلام ومناهضي الصهيونية في التعبير عن معارضتهم الشديدة وتنديدهم بإسرائيل العسكراتية وباليمين المتطرف في حرب إسرائيل الأخيرة ضد إيران.
وإذا كانت غزة قد أسقطت كل الأقنعة والزيف عن الغرب وإسرائيل، فإن ذلك قد أحدث انقلابًا كبيرًا في رؤى مفكرين ومثقفين ومؤرخين ممن ناصروا قبلًا إسرائيل وناضلوا من أجلها، ومن بينهم المفكر والمحلل السياسي اليهودي بيتر بينارت، الذي أعلن انقلابه الفكري في تصريحات خاصة لشبكة “سي إن إن ” الأميركية، معتبرًا أن وجهة نظره تغيرت بشأن الحرب الإسرائيلية، بعد إيمانه في وقت سابق بأن إسرائيل “تناضل” من أجل البقاء.
ذلك أن وجهة نظره تغيرت تجاه إسرائيل، بعد اليوم الأول الذي قضاه رفقة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، موضحًا أن الظروف التي يعيش فيها الفلسطينيون “أكثر وحشية” مما يتخيل. وقد أصدر منذ أسابيع كتابًا مزلزلًا بعنوان: ” أن تكون يهوديًا بعد دمار غزة: مراجعة أخلاقية”، معلنًا التمرد الأخلاقي على السردية الصهيونية.
وفي ندوةٍ عقدها طلبة جامعة “برنستون” الأميركية، نهاية السنة المنصرمة، اعتبر المفكر والمؤرخ الأميركي اليهودي المناهض لسياسة الاحتلال، نورمان فنكلستين أن إسرائيل تواجه أزمة وجود لأول مرة منذ نشأتها، حيث اعتبر أنها عطلت كل الحلول الممكنة، وقوضت كل الآمال في حياة سلمية مع العالم العربي والإسلامي، معتبرًا إياها تعاني من أزمة وجودية شرعية.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الحرب الإسرائيلية الإيرانية ترامب المفاعلات النووية الإيرانية اليورانيوم الحرب دمار كبير الخسائر الهزيمة القضیة الفلسطینیة المتحدة الأمیرکیة الحرب الإسرائیلیة الثورة الإسلامیة إیران وإسرائیل العالم العربی الشرق الأوسط مباشرة بعد فی إیران خاصة بعد وإذا کان من خلال وهو ما بعد أن صراع ا
إقرأ أيضاً:
وقف الحرب بين إيران وإسرائيل بعيون الصحافة الأوروبية
لم تكن الهدنة بين إيران وإسرائيل، في المشهد الإعلامي الأوروبي، مجرد عنوان عابر في تغطيات الأخبار العاجلة، بل تحوّلت إلى موضوع مركزي للقراءة والتحليل، لا سيما في الصحافة ذات النزعة التحليلية مثل إلباييس الإسبانية، لوموند الفرنسية، دير شبيغل الألمانية.
فبين سطور الافتتاحيات وتقارير الرأي، بدت الهدنة وكأنها مرآة مكبّرة لأزمة ثقة أوسع، تطال طبيعة إدارة الأزمات في الشرق الأوسط. ولم تركّز هذه الصحف على مشاهد الدمار أو عدد القتلى، بل انصب اهتمامها على تفكيك الرمزية السياسية لتوقيت التهدئة، واللغة التي اختارها صانعو القرار، والمصالح المتشابكة التي دفعت الأطراف للقبول بوقف إطلاق النار رغم توتّر المشهد وسخونته الظاهرة.
وفي وقت انشغلت وسائل الإعلام الرسمية في بعض الدول بترويج خطاب "الانتصار الرمزي" أو "الردع المتبادل" جاءت المقاربات الأوروبية أكثر برودا، وأشد ميلا للتشكيك في استدامة التهدئة.
ففي كثير من المقالات والتحليلات، خضع مفهوم "الهدنة" لتشريح مفاهيمي صارم، وهو:
هل نحن أمام رغبة حقيقية في خفض التصعيد؟ أم أنها مجرّد استراحة تكتيكية تفرضها الحسابات الظرفية؟ولم يكتف الصحفيون الأوروبيون بإعادة تدوير البيانات الرسمية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، متسائلين: من يملك مفاتيح الاستمرار في هذه الهدنة؟ وهل لدى الأطراف المعنية الاستعداد الحقيقي لاقتناصها كفرصة سلام، أم أنها مجرّد ورقة في لعبة أعصاب مفتوحة؟
هدنة هشة دون ضماناتيرى الكاتب الفرنسي ألان فراشون (صحيفة لوموند) أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لا يمثل نهاية للتصعيد، بل هو هدنة مشوبة بالغموض وتفتقر لأي ضمانات فعلية.
ويعتبر فراشون أن هذا "السكون المؤقت" يخفي خلفه توترات قابلة للاشتعال في أي لحظة، لا سيما في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتجاهل الأطراف لمسار دبلوماسي جاد.
إعلانوبالنسبة له، فإن غياب توافقات حول الملفات الجوهرية، كالقضية النووية والوضع في غزة، يجعل من الهدنة مجرد محطة مرحلية في نزاع يتسع ولا ينحسر، إذ لم تتوفر بعد شروط التهدئة الحقيقية.
ومن جانبها، تعتبر الكاتبة الإسبانية أنجيليس إسبينوزا (صحيفة إلباييس) أن الهدنة لا ترقى إلى مستوى مبادرة سياسية، بل جاءت لاحتواء انفجار وشيك، وتصفها بأنها "تغطية هشّة لصراع تتفاعل جذوره بعمق، ويغذّيه الخطاب العدائي المتواصل".
وتلفت إسبينوزا إلى أن طهران تنظر إلى التهدئة كفرصة لإظهار قدراتها الرادعة لا كتنازل عن طموحاتها الإقليمية، في حين تعاني إسرائيل من تآكل داخلي في الثقة بسبب الارتباك الأمني والسياسي.
وتؤكد أن غياب اتفاقات واضحة، وعدم انخراط أطراف مثل حزب الله، يجعلان من هذه الهدنة إجراء ظرفيا هشا لا يمكن الركون إليه، مشيرة إلى أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تفتقر إلى خطة شاملة تضمن تحويل هذا التوقف العسكري إلى عملية سياسية حقيقية، خاصة في ظل تعقيدات الملف النووي الإيراني، وانعدام الثقة المتبادل بين الطرفين.
وفي مقاله المعنون "نتنياهو وترامب ضد إيران.. ماذا لو كانا على حق؟" يرى الكاتب الألماني ستيفان كوزماني (صحيفة دير شبيغل) أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لم يأت من جلوس على طاولة المفاوضات أو عن تخطيط مسبق، بل كان استجابة مباشرة لأوامر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعية لوقف إطلاق النار الفوري من الطرفين.
ويبرز الكاتب قلقه إزاء هذا التوقف العسكري الذي يصفه بالمفاجئ، خاصة في ظل غياب مساع تفاوضية حقيقية أو دور فاعل للجهات الأوروبية، مما يجعل هذا القرار يبدو غير نهائي، وبالتالي فإن العودة في أي لحظة، إلى الحرب واستمرار حالة عدم الاستقرار، أمر حتمي.
أما الصحفية الفرنسية كلود غيبال (كبيرة المحررين في القسم الدولي لإذاعة فرانس إنتر) فتسلّط الضوء على صمود النظام الإيراني في مواجهة الضربات الإسرائيلية والضغوط الاقتصادية حيث إن الضربات الأميركية لم تُحدث اختراقا في بنية النظام، وإن القيادة الإيرانية نجحت في امتصاص التصعيد بفضل تماسك داخلي مدعوم شعبيا، وردود محسوبة.
ومع ذلك، تُنبه غيبال إلى أن هذا التماسك لا يخفي هشاشة البنية الاقتصادية والسياسية في إيران، التي تجعل مستقبل النظام مرهونًا بتقلبات الداخل وسياسات الخارج، وخصوصا ما ستقرره الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.
رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء عبد الرحيم موسوي يشكك في التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار الذي وضع حدا للحرب بينها وبلده الذي أكد جاهزيته "لرد قوي عليه في حال تكرار العدوان"
للمزيد: https://t.co/vzfSQ3Ugcl pic.twitter.com/kKmXF1VNb1
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) June 29, 2025
وفي المقابل، ركز الصحفي الألماني رونن شتاينكي (صحيفة زود دويتشه تسايتونغ) على الجانب الإجرائي من الهدنة، معتبرا إياها ظرفية أقرب إلى استراحة عمليات، وليست مدخلا إلى سلام مستقر حيث يوضح أن إيران، وإن بدت في موقع قوة، فإنها تعاني من ضغوط داخلية تفرض عليها قبول التهدئة مؤقتا، بينما تسعى إسرائيل إلى استغلال الوقف المؤقت للعمليات لإعادة ترتيب أوراقها الأمنية.
إعلانويحذر شتاينكي من هشاشة الهدوء القائم، خاصة في ظل استمرار أنشطة الفاعلين الإقليميين غير الحكوميين، مثل حزب الله والمليشيات الحليفة لطهران التي تمتلك القدرة على تفجير الموقف من جديد، مشيرا إلى أن القوى الغربية، رغم احتفائها بالهدنة، لا تملك إستراتيجية متكاملة لمعالجة جذور الأزمة، مما يجعل من استمرار التوتر أمرا شبه محسوم.
أما الكاتب البريطاني جدعون رشمان (صحيفة فايننشال تايمز) فيقدم مقاربة تشكك بعمق في دوافع الهدنة، معتبرا أنها حدثت نتيجة ضغوط سياسية دولية ولا تعكس توافقا فعليا.
ويشير رشمان إلى أن الولايات المتحدة اندفعت نحو التهدئة خشية تداعياتها الانتخابية، وليس ضمن رؤية دبلوماسية ناضجة، ويصف الهدنة بأنها "إملاء جيوسياسي" أكثر من أن تكون اتفاقا نابعا من مفاوضات، مؤكدا أن الطرفين ما يزالان يراهنان على تحقيق مكاسب إستراتيجية لا الدخول في تسوية شاملة.
ويلفت إلى أن إسرائيل لم تخرج بانتصار حاسم، في حين تستثمر إيران التوتر لتأكيد موقعها الإقليمي، وأن الصراع لا يقتصر على الجانب العسكري بل يمتد إلى منافسة أيديولوجية وطائفية على النفوذ بالمنطقة، ويحذر من تجاهل دور الوكلاء الإقليميين كالمليشيات المدعومة من إيران التي قد تفجر الوضع في أية لحظة.
دور قطر واختيار ترامبيقدّم الصحفي الإيطالي جيانلوكا ديفو (صحيفة لاريبوبليكا) مقاربة أكثر ميلا للتفاؤل الحذر بشأن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، معتبرا إياه نقطة انطلاق محتملة نحو تهدئة مستدامة إذا ما تم استثمارها بحكمة.
وفي مقاله المعنون بـ"هدنة إيران وإسرائيل.. دور قطر واختيار ترامب: كيف تم التوصل إلى وقف إطلاق النار؟" يشير ديفو إلى أن هذا التوقف في الأعمال العدائية يمثل لحظة نادرة لالتقاط الأنفاس في منطقة أنهكتها المواجهات المستمرة.
ويبرز بشكل خاص الدور الخفي والفعال الذي أدّته قطر، عبر التوسط غير المباشر وتهيئة أرضية من الثقة خلف الكواليس، مما أتاح فتح قنوات تواصل ساهمت في بلورة التهدئة.
ويرى ديفو أن الإدارة الأميركية، وتحديدا الرئيس ترامب، لعب دورا تاريخيا في دفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار، ليس فقط من أجل احتواء التوتر الإقليمي، بل أيضا لتسجيل حضور سياسي يعزّز صورته كلاعب مؤثر على الساحة الدولية.
ويلاحظ الكاتب أن الهدنة انعكست إيجابيًا على بعض الجبهات الاقتصادية، من بينها أسواق الطاقة، مما جعلها تحقّق بعض المكاسب الفورية على أكثر من صعيد.
ورغم هذه الإيجابيات، لا يُخفي ديفو قلقه من تدهور الأوضاع في كلا البلدين، مذكرا بأن هذه التهدئة مهمة جدا بل فرصة نادرة يجب ألا تُهدر، داعيا المجتمع الدولي إلى البناء عليها، وتحويلها من "فرصة ظرفية" إلى مسار دبلوماسي ناضج يفضي إلى نتائج ملموسة.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
صراع مركب الأبعادفي تحليل مشترك نُشر بصحيفة إلباييس، قدّم الصحفيان الإسبانيان إيكر سيسديدوس ولويس دي فيغا رؤية نقدية لتوقيت وظروف إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، واصفين إياه بأنه "ترتيب فرضته الضرورة" أكثر من كونه مبادرة نابعة عن قناعة الأطراف أو تقارب في المواقف.
ويلفت الكاتبان إلى أن هذا الاتفاق جاء في سياق متوتر اختلطت فيه الاعتبارات السياسية بالأمنية، حيث دفعت التحذيراتُ الدولية من انزلاق واسع النطاق الأطرافَ إلى اتخاذ خطوة تهدئة لا تعبّر بالضرورة عن تحوّل جذري في النيات أو التوجهات.
ويشيران إلى أن إسرائيل دخلت الهدنة مثقلة بارتباك وضغط داخلي، بعد فشلها في تحقيق مكاسب ملموسة، مما غذى شعورا عاما بالخيبة والضغط السياسي لدى حكومة بنيامين نتنياهو. وفي المقابل، تعاملت طهران مع التهدئة كفرصة لتعزيز خطابها الدعائي، مستندة إلى شبكة علاقاتها مع الفصائل الإقليمية التي منحتها ورقة ضغط فعّالة على خصومها.
إعلانويحذّر الكاتبان من أن غياب أية هندسة تفاوضية جدية، وتفاقم الانقسام الأيديولوجي والطائفي، يجعلان من وقف إطلاق النار لحظة مؤقتة محفوفة بالمخاطر. كما يسلطان الضوء على المزاج الشعبي العام، حيث لا ينظر السكان، في كلا الطرفين، إلى الهدنة كإنجاز، بل كمجرد فسحة زمنية هشّة في انتظار موجة جديدة من العنف.
ويشددان على أن الاستمرار في هذا المسار يتطلب أكثر من مجرد ضبط للنيران، بل يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وإعادة تعريف الأولويات الإقليمية، وإدماج الأطراف الهامشية في أي حوار محتمل. فبدون ذلك، ستظل الهدنة -على حد وصفهما- حلا سطحيا مؤقتا مهددا بالانهيار عند أول اختبار جدي.
وفي النهاية، يؤكد المشهد الأوروبي أن الهدنة بين إيران وإسرائيل ليست سوى فصل مؤقت في قصة طويلة من الصراع الممتد، وأن الطريق إلى سلام حقيقي لا يزال معتمدا على نضج سياسي، وتفاهمات إقليمية ودولية عميقة، تضع مصلحة الشعوب فوق المصالح الأيديولوجية والتكتيكات العسكرية.